فشلت محادثات كثيرة في الأيّام الأخيرة في إحراز تقدّم نحو حل لأزمة أوكرانيا، التي يصفها الغرب بأنّها الأخطر منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود. وقد صرّح الكرملين إنّ المفاوضات التي جمعت روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا في برلين سعياً لإيجاد حلّ للأزمة الأوكرانية، لم تتوصل إلى أيّ نتيجة.
- تصاعد التوتّر في أوكرانيا وسط فشل في المحادثات ووصول الجهود الديبلوماسية الأوروبية إلى طريق مسدود
- روسيا تحشد ما لا يقل عن 130 ألف جندي على الحدود الأوكرانية، وبريطانيا تقول إنّها درّبت 20 ألف جندي أوكراني
- روسيا تريد إنشاء هيكل أمني جديد في أوروبا الشرقية واستعادة سيطرتها على بيلاروسيا وأوكرانيا وغيرها من دول البلطيق
- روسيا بنهاية المطاف ستكون منفتحة على الحوار وبعض التنازلات السياسية وغياب التسويات يعني السير الحرب في أوكرانيا
- رسالة من الناتو والإتحاد الأوروبي مفادها أنّ أيّ عمل عدائي تجاه أوكرانيا سيؤدّي لاتخاذ إجراءات سياسية وإقتصادية بحق روسيا
“أعتقد أنّنا يجب أن نتحضّر لاستراحات سياسية وعسكرية أطول، وما نعنيه بتلك الإستراحات هي أنّ الغرب وروسيا لا يمكن التوفيق بينهما أقلّه في الوقت الحاضر، ولا يوجد حل وسط، ونحن لن نجد ذلك الحل في المدى القريب”، ذلك ما قاله مدير برنامج أوروبا الشرقية دانيال شيليغوسكي لـ”أخبار الآن“، مضيفاً: “خلال المفاوضات الديبلوماسية مع روسيا، نقف متّحدين، وأعني الناتو والإتحاد الأوروبي، وقد أوصلنا رسالة مفادها أنّ أيّ عمل عدائي تجاه أوكرانيا سيؤدّي إلى اتخاذ إجراءات سياسية وإقتصادية بحق روسيا”.
شيليغوسكي: الإتحاد الأوروبي أظهر موقفاً موحّداً تجاه روسيا حتى الآن، لكنّني لا أعلم ما إذا كان الوضع سيبقى هكذا عندما سنتحدث عن فرض عقوبات إقتصادية إضافية على روسيا، أعتقد أنّ البعض سيتردّد بفرض عقوبات إضافية على روسيا
وأشار إلى أنّ الناتو والإتحاد الأوروبي مازالا غير متأكّديْن ما إذا كانت روسيا تماطل فحسب، “نحن نعلم أنّه ليس مجرّد تحضير للعب دور أكبر، لكن روسيا في نهاية المطاف ستكون منفتحة على الحوار ومستعدّة لبعض التنازلات السياسية لأنّه من دون حصول بعض التسويات سنسير حتماً نحو الحرب في أوكرانيا”.
ويرى مراقبون أنّ القوّة السياسية للإتحاد الأوروبي لم تظهر بشكل ملحوظ في ما يتعلق بالأزمة في شرق أوكرانيا، وأنّه يوجد اختلاف في مواقف الدول الأوروبية. وهنا يقول شيليغوسكي لـ”أخبار الآن“: “أعتقد أنّنا نتصرف أفضل بكثير ممّا توقعه البعض على الأقل من الناحية السياسية، فالإتحاد الأوروبي أظهر موقفاً موحّداً تجاه روسيا حتى الآن، لكنّني لا أعلم ما إذا سيبقى الوضع هكذا عندما سنتحدث عن فرض عقوبات إقتصادية إضافية على روسيا، أعتقد أنّ بعض الأعضاء سيتردّدون في فرض عقوبات إضافية على روسيا”.
تطوّرات سياسية وأخرى عسكرية تشهدها القارة الأوروبية، ويواصل الرئيس الفرنسي ماكرون جهوده الديبلوماسية. فرنسا الممسكة برئاسة الإتحاد الأوروبي تتحرك لخفض التصعيد وفق سياسة التوازن في العلاقات الدولية، التي تحاول من خلالها باريس تحقيق رؤيتها تحت عنوان “السيادة الإستراتيجية الأوروبية”، وتحت ذلك العنوان تتحرك فرنسا بنسج اتفاقيات.
في ذلك السياق، يشير شيليغوسكي إلى أنّ “هناك بعض البلدان كفرنسا مثلاً تواجه بعض المشاكل في مبادراتها السياسية والديبلوماسية مع روسيا بغض النظر عما يقوله ماكرون، الذي لا يمثل دائماً وجهة نظر الإتحاد الأوروبي. فالرئيس الفرنسي يقف وسط حملة انتخابات رئاسية، والعلاقات مع روسيا هي في صلب حملته لاعادة انتخابه في فرنسا”. واعتبر أنّ “زيارة ماكرون هي جزء كبير من حملته السياسية الإنتخابية في فرنسا، فهو الآن في مرحلة التحضير للإنتخابات الرئاسية المقبلة، وهو يعوّل على إعادة انتخابه، كما يريد أن يقدّم نفسه كلاعب له ثقله في الصراعات الدولية”.
يذكر أن التوتر بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى، يأتي بعد 8 سنوات من ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم ودعمها تمرّداً في منطقة دونباس شرق البلاد.
وتتهم روسيا أوكرانيا بعدم الإلتزام باتفاقية مينسك الدولية التي وُقعت برعاية ألمانيا وفرنسا من أجل إعادة السلام إلى الشرق، حيث يسيطر متمرّدون مدعومون من روسيا على مساحات من الأرض، وحيث قتل ما لا يقل عن ١٤ ألف شخص منذ عام 2014.
وعن إتفاقية مينسك يقول شيليغوسكي لـ”أخبار الآن“: “أعتقد أنّنا نركّز أكثر من اللازم على اتفاق منسك. لقد وُقذع على ذلك الاتفاق في العام 2014 لوقف النار، وكان له دور مهم في ذلك الوقت، لكن اليوم إذا كنّا نريد التحدّث عن تسوية سياسية تؤدّي إلى تسوية سياسية نهائية، لا أعتقد أنّ هذه ستكون الحالة أنا لا أرى ذلك فالأمر لا يتعلق بالإتفاقيات بحد ذاتها، بل بالمصالح السياسية الكامنة وراءها المصالح الوطنية الأوكرانية والروسية، ولا توجد هناك أرضية مشتركة، فإذا تحدّثنا عن أوكرانيا فإنّ اتفاق منسك أعاد لها سلامتها الإقليمية وسيادتها. بالنسبة لروسيا فذلك الإتفاق وكأنّه أعلن فوزها السياسي، واتفاق منسك بالنسبة لروسيا يعني أنّ سيادة أوكرانيا يجب أن تكون محدودة، لذا ليس هناك أرضية مشتركة بين أوكرانيا وروسيا، ولذلك أنا لا أعتقد أنّ اتفاق منسك يمكن أن يشكل أساساً لأيّ تسوية سياسية أنّه فقط إحدى الأدوات التي تسمح لنا بمواصلة المفاوضات للحفاظ على الحوار بين أوكرانيا وروسيا، والدول الغربية أنّنا نعتقد أنّ اتفاق منسك يسمح لنا بمتابعة الحوار و السير قدماً، لكنّني لا أظن أنّه سيوصلنا إلى التسوية السياسية النهائية”.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن التقى المستشار الألماني في واشنطن. وعقب ذلك الإجتماع، هدّد بايدن بإغلاق خط أنابيب غاز روسي رئيسي إلى ألمانيا المعروف باسم نورد ستريم 2، إذا ما غزت روسيا أوكرانيا. لكن شولتز كان أكثر غموضاً بشأن نورد ستريم 2 من بايدن، الذي لم يعلّق على الموضوع.
ويرى شيليغوسكي أنّ “نورد ستريم كان واحداً من القضايا الخلافية في أوروبا لوقت طويل ليس فقط المشروع الثاني بل الأوّل أيضاً، ولا أعتقد أنّ أحداً يودّ المخاطرة بتوقّف العمل في ذلك المشروع، وعلى شولتز أن يوازن بين الفرقاء المتمسّكين بذلك المشروع وغير المتحمّسين له في ألمانيا، وأشكّ في أنّ ألمانيا ستوقف العمل في المشروع في حال قام بوتين بغزو أوكرانيا، فهناك مثل ألماني يقول إلى جانب التجارة يأتي التحدّي، فإذا كنّا سنتعامل مع بلدان سيادية كروسيا والصين، فذلك سيؤدّي إلى تغييرات ديمقراطية، كلّنا الآن نرى أنّ تلك التغييرات تسير بالإتجاه المعاكس، فبدل أن يؤدّي التعامل مع روسيا إلى تغيييرها، نرى أن ألمانيا هي التي تتغيّر، فما عادت ألمانيا تصدر الديقراطية بل باتت تستورد الفساد من روسيا”.
هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ إنشاء خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي يبلغ طوله 1225 كيلومتراً، استغرق 5 سنوات، وكلّف 11 مليار دولار، لكنه لم يبدأ التشغيل بعد، إذ قال المنظمون في ألمانيا في نوفمبر إنّه لا يمتثل للقانون الألماني وعلقوا موافقتهم عليه.
وعلى الأرجح، قد يكون موقف ألمانيا حاسماً، فإنّ إيقاف نورد ستريم 2 سيحتاج إلى دعم من الدول الأعضاء الأخرى، مثل النمسا وبلغاريا، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي.
منذ فتره ارتفعت نبرة بايدن في تحذير بوتن من غزو أوكرانيا، الأمر الذي بات من المتوقّع حدوثه في الفترة القادمة، وقد هدّد بعقوبات إقتصاديه شديده على روسيا. وثمّة مخاوف من أنّه إذا ما حاولت روسيا غزو أوكرانيا، فإنّ التدريبات الحالية تضع الجيش الروسي بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف، ما يسهل الهجوم على المدينة.
إنّ أسوأ السيناريوهات المتعلّقة بالغزو الشامل سيكون على نطاق لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما يصفها الغرب، ومن هنا، فإنّ الدور الروسي المزعزع سيؤثر على إستقرار المنطقة.
ولفت شيليغوسكي إلى أنّ “لروسيا تاريخاً طويلاً في زعزعة الإستقرار في أوروبا كمولدوفار وجورجيا والآن أوكرانيا، وما تريده روسيا ليس خافياً على أحد، فهي تريد إنشاء هيكل أمني جديد في اوروبا، وما تعنيه موسكو بذلك هو أنّها تريد أن يكون لها نفوذ في أوروبا الشرقية، وتريد استعادة سيطرتها على بيلاروسيا وأوكرانيا وغيرها من دول البلطيق. كما أنّ روسيا ترغب في رؤية هياكل ساسية وعسكرية للناتو في أوروبا الوسطى، لكن الناتو لا يستطيع القيام بذلك ولا أوروبا لأنّه لا يمكن وضع أسس أمنية جديدة فقط لأنّ هناك دولة واحدة أوروبية غير راضية”.
وكانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، حذّرت من “لحظة خطرة للعالم”، حيث أنّ الإحتمال “المحتمل للغاية” لغزو روسي لأوكرانيا يمكن أن يشجع دولاً أخرى مثل إيران والصين على توسيع طموحاتها. وقالت تروس: “قد نكون على شفا حرب في أوروبا، الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة ليس فقط لشعب روسيا وأوكرانيا، لكن أيضاً على الأمن في أوروبا”.
أحد الركائز الأساسية للنزاع هو مطالبة روسيا للغرب بأن يضمن أنّ أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو، التحالف الدفاعي الذي يضم 30 دولة. وقالت تروس إنّه ليس من اختصاص روسيا تحديد الترتيبات الأمنية لأوكرانيا. وأضافت: “الخطر الكبير هو ما إذا كان هناك غزو لأوكرانيا، فذلك سيكون مضرّاً للغاية بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، وسيؤدّي إلى مزيد من تقويض الإستقرار في أوروبا”. وتابعت إنّ أيّ صراع يمكن أن يكون “حرباً طويلة الأمد”. عندما سُئلت عمّا إذا كانت روسيا لديها القدرة العسكرية للسيطرة على أوكرانيا بأكملها، ردّت تروس بالقول: “ما نعرفه هو أن الأوكرانيين سيقاتلون، وقد دربت المملكة المتحدة 20 ألف جندي أوكراني”.
بالعودة إلى الأرض، فقد عادت التطورات الميدانية لتأخذ الملف إلى منحى التصعيد والتوتّر، وسط دعوات من دول غربية عديدة لرعاياها بإلى مغادرة أوكرانيا، وإرسال الولايات المتحدة قوات إضافية بإتجاه أوروبا الشرقية. فهل باتت المواجهة وشيكة؟