لقاء مع المؤرخ د. مارتن براون للحديث عن ما يحصل في أوكرانيا

في إحدى مقالاتك اعتبرت أن التشبيه بين ما يحدث في أوكرانيا من ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014 وما حدث في تشيكوسلوفاكيا غير مقنع لماذا؟ وهل تغيّر الوضع الآن مع الغزو الروسي لأوكرانيا؟

السؤال الذي يهمّني حقاً هو: هل تساعد تلك المقارنات حقًا؟ كيف يساعدنا الحديث عن كون بوتين هو هتلر أم ستالين في فهم ما يحدث؟ والأهم من ذلك كيف يساعدنا ذلك في النظر إلى التاريخ واستخدام تلك الأمثلة التاريخية في صياغة السياسة؟.

المشكلة هي أننا عندما ننظر إلى الوراء إلى تشيكوسلوفاكيا في العام 1938، عشية الحرب العالمية الثانية والاسترضاء البريطاني والفرنسي والألماني والإيطالي وأوجه الشبه بينهما، ومقارنة ما يحدث اليوم مع ما كان يحدث في السابق، لا يبدو ذلك واضحاً جداً ولا أعتقد أنه مفيد.

يحتاج المؤرخون إلى التفكير بوضوح شديد والتواصل بوضوح مع جمهور أوسع، لفهم كيفية استخدام الماضي للنظر إلى الحاضر والمستقبل وهذا ليس سهلا. لكن ما كان يحدث في تشيكوسلوفاكيا في العام 1938 كان مختلفًا جدًا، ويجب أن نتذكر أنه في ميونيخ في العام 1938، كان قرار القوى العظمى الأربعة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا منح أجزاء كبيرة من أراضي تشيكوسلوفاكيا التي تم التنازل عنها لألمانيا النازية بسبب سكانها الناطقين بالألمانية.

قد يبدو أن الوضع شبيه مع روسيا اليوم، لكنني لا أرى كيف يساعدنا ذلك حقًا في فهم كيفية التعامل مع بوتين؟ إن ما يشغلني هو التفكير بوضوح شديد في أوجه التشابه التاريخية وكيف يمكن استخدامها اليوم لتنوير السياسة. لقد تمّ الليلة الماضية التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وثمة تساؤلات عما ستكون عليه سياسة الاتحاد الأوروبي؟ ماذا ستكون سياسة الناتو؟ وفي الواقع السياسات الفردية لمجموعة متنوعة من البلدان المختلفة؟ إذا نظرنا إلى تشيكوسلوفاكيا وصعود ألمانيا النازية ودور أدولف هتلر في العام 1938 ماذا يعني ذلك على مستوى ما سنفعله اليوم؟ لا أعتقد أن هذا التشبيه يساعدنا أكثر من التشبيه بغزو حلف وارسو لتشيكوسلوفاكيا في العام 1968 الذي يساعدنا حقًا على الفهم.

نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالاً بعنوان هجوم بوتين على أوكرانيا يعكس استيلاء هتلر على تشيكوسلوفاكيا. أقتبس في التالي جزءًا واحداً منه: الحجة التي قدمها هتلر مشابهة جدًا للحجة التي قدمها بوتين لغزو أوكرانيا فقد لعب الإثنان بطاقة اللغة والقومية. عندما اقتطع [هتلر] منطقة سوديتنلاند كانت حجته: “هؤلاء الناس لا يريدون أن يكونوا جزءًا من تشيكوسلوفاكيا إنهم ألمان”. يقول بوتين الشيء نفسه عن هؤلاء الأشخاص في دونيتسك ولوغانسك: “إنهم لا يريدون أن يكونوا جزءًا من أوكرانيا، إنهم روس”. وهي الحجة نفسها بالضبط، هل تعتبر ذلك صحيحا؟

أحاول الإختيار بين أكثر التشابيه التاريخية إفادة. خلال الأسبوع الماضي سمعت أن المعلقين السياسيين يشيرون إلى الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، والثورة في المجر في العام 1956، وغزو تشيكوسلوفاكيا في العام 1968، والغزو السوفياتي لأفغانستان، أي واحد من بينها يبدو مفيداً؟ وأي واحد من بينها يساعدنا أكثر؟ حسنًا على مستوى واحد، أعتقد أن ثمّة نوع من الفهم الدقيق والشامل والمعقد للماضي والتاريخ، أقول أنه ربما لا تكون تلك المقارنات التاريخية مفيدة في الواقع على الإطلاق وأن هذا ظرف جديد ووضع جديد.

وعلى الرغم من أنه قد يكون من المفيد إعادة النظر في الماضي والنظر في الأخطاء التي تم ارتكابها ولكن الأحداث لا تكرر نفسها، ويجب أن نكون حذرين للغاية في استخدام الأحداث الماضية للإبلاغ عما يحدث الآن. لذلك بصفتي مؤرخًا سأكون حذرًا جدًا في إجراء أي تشابه مباشر مع الماضي.

إن إحدى المشاكل هي الإيحاء بأن بوتين هو هتلر إن ذلك شبيه بمثل تشيكوسلوفاكيا، فثمّة قدر معين من الحتمية التاريخية التي تجعل لدى الناس انطباع بأنه كذلك. حسنًا إذا كان بوتين هو هتلر فعندئذ سيكون هناك صراعًا رهيبًا حيث يوجد بالفعل صراع مروع في أوكرانيا كما نرى من الصور التلفزيونية ومعاناة الشعب الأوكراني. لكن على المدى الطويل سيخسر بوتين على عكس هتلر كما تعلمون فإن الأخيار سينتصرون.

الآن يأمل المرء أن يكون هذا هو الحال، لكنني لا أرى كيف أن مجرّد الإشارة إلى ذلك، وكيف أن إجراء تلك المقارنة سيقودنا إلى تلك النقطة، نحن بحاجة إلى التفكير في السياسات التي ستتم خلال الأيام القليلة المقبلة، وستساعد الأسابيع القليلة القادمة في إنهاء هذا الوضع. المشكلة الأخرى على ما أعتقد هي مقارنة ميونيخ وبدايات الحرب العالمية الثانية فماذا يعني هذا؟ هل هذا يعني أن الدبلوماسية لا تفعل؟ هل هذا يعني عدم التحدث مع الحكام المستبدين؟ هل هذا يعني أن الصراع والحرب والعنف هو الحل الوحيد؟ قد يكون الأمر كذلك ولكن اقتراح ذلك تلقائيًا والقول بأن هناك قوة صلبة هي فقط التي تعمل، فإن ذلك يثير مجموعة متنوّعة من الأسئلة الصعبة للغاية والمثيرة للقلق للوضع الحالي في أوروبا والأمن العالمي”.

إذا ما فكرنا بالتشبيه عينه لما حصل بعد غزو تشيكوسلوفاكيا، فقد هاجم هتلر بولندا وبدأت الحرب العالمية الثانية، هل تعتقد أن نفس السيناريو سيحدث؟

بالطبع، في العقل والأيديولوجيا الملتوية لشخص مثل هتلر، وأخشى أن أقول أيضًا الأيديولوجيا الملتوية والقومية القائمة على ما يقوله بوتين وهذا المفهوم الضيق للغاية والمفهوم غير الدقيق الذي لدى بوتين لماهية أوكرانيا هو خطير جدًا، لكن هذا لا يعني أنه يتعيّن علينا التعامل مع الأمر بجديّة وأن نأخذ الأمور على المستوى الشكلي.

هل هي الحرب الباردة مرة أخرى؟ بغض النظر عن رأينا ببوتين وروسيا، من الصعب جدًا وصفه بالشيوعي كما يصعب وصفه بالنازي، تلك عبارات قد نرميها بشكل عشوائي وقد يعتقد الناس أنها مفيدة لتوليد التعاطف أو الاستجابة العاطفية، لكنني لا أعتقد أن بوتين شيوعي أو نازي، إنه قومي وهذه القومية الشعوبية في هذا الجناح اليميني لا تقتصر على روسيا، إذ نجد خيوطًا منها في أجزاء كثيرة من العالم بما في ذلك في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.

علينا أن ندرك جيدًا أننا لا نرى الماضي بوضوح بل نراه من خلال فلتر ومن خلال عدسة، وهذا ما يجعل من الصعب استخدام الماضي للتنبؤ بالمستقبل. كمؤرخ أنا شديد الحذر من توقع ما سيحدث في المستقبل، أنا أشاهد تلك الأحداث تتكشف كما هو حال كل مشاهديكم، سواء كان ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي أو على التلفزيون أو على الراديو أو على مواقع إخبارية، لا يعرف المرء ما ستنتجه الأحداث وبالطبع إذا كان هناك أي درس ممكن أن نتعلمه من التاريخ على الإطلاق، فهو أنه من الضروري أن نتذكر أن الناس في الماضي لم يكونوا على علم بما سيحدث لاحقاً.

نحن نعلم كيف انتهت الحرب العالمية الثانية كما يمكننا أن ننظر إلى الوراء، لكن درس التاريخ هو أن الناس في حينها لم يكن لديهم فكرة عما سيحدث بعد ذلك، فلماذا يجب علينا نحن الآن أن نعلم ما سيحصل في المستقبل؟ إنني حذر جدًا بشأن التنبؤ بما يمكن أن يحصل، ما يجب أن ندركه هو أننا في نفس الوضع الذي كان عليه الناس في العام 1939 أو 1968 أو 1989. نعم فنحن لا نعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك. كما أوصي بتوخي الحذر الشديد مع أولئك الأشخاص الذين يقولون إنهم يعرفون ما سيحدث بعد ذلك لأنه كما رأينا أصيب الكثير من الناس بالصدمة والذهول من أحداث الخميس الماضي عندما غزت روسيا أوكرانيا بشكل غير قانوني، اعتقد الكثير من الناس أن ذلك لن يحصل فالكثير من الناس لم يروا ذلك قادمًا.

تقارن نانسي بيلوسي غزو بوتين لأوكرانيا بغزو هتلر لتشيكوسلوفاكيا. إنها ترى الشبه ليس بالطريقة التي نفذا عبرها الغزو، ولكن بالطريقة التي يحكم بها كلاهما كديكتاتوريين ومناهضين للديمقراطية وحرية التعبير. ماذا يمكنك التعليق على هذا؟

لا شك أن فلاديمير بوتين ونظامه في روسيا دكتاتوريان، فليس من الديمقراطية أن نقترح ما هي أوجه التشابه التاريخية مع الماضي. إذا نظرنا إلى الوراء إلى انهيار الأعراف الديمقراطية في الثلاثينيات في ألمانيا، فايمار ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي كانت ديمقراطية فاعلة قبل انتخاب هتلر مستشارًا في العام 1933. تشكل تلك تشابيه متوازية ولكن مرة أخرى يجب أن نكون حذرين فإن جاذبية القول بأن بوتين هو ديكتاتور مثل هتلر هي مطمئنة ونراها مقارنة لطيفة سهلة يفهمها الجميع. بالطبع يدرك الجميع أن بوتين هو الرجل السيء ولا أعتقد أن هناك الكثير من الجدل حول ذلك اليوم، ومع ذلك فإن التهديدات للديمقراطية والتهديدات التي تتعرض لها حرية التعبير في جميع أنحاء العالم اليوم لا تأتي فقط من روسيا، ولا تأتي فقط من أوروبا الشرقية أو الشرق الأقصى، تلك التهديدات لحرية التعبير والديمقراطية يمكن رؤيتها في العديد من البلدان.

لذلك من السهل جدًا توجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين والقول إنهم مناهضون للديمقراطية، نعم فهم المشكلة ولكن أيضًا في بعض الأحيان نحتاج إلى الجلوس وإلقاء نظرة على موضع المشكلة، وكيف أن الأنظمة المناهضة للديمقراطية والتي هي ضد حرية التعبير وحقوق الإنسان على العديد من المستويات غير موجودة فقط في روسيا بل هي تشكل مشكلة للعديد من البلدان في أوروبا وفي أمريكا الشمالية. وأعتقد أن تلك هي المشكلة الحقيقية التي يجب النظر إليها بشكل مباشر وفهمها.