لماذا يخشى باطرفي اليمنيين ويحيط نفسه بالأجانب في قاعدة اليمن؟

وهم الجهاد العالمي.. الأجانب في مواجهة المحليين داخل قاعدة اليمن

أوائل ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن تنظيم القاعدة في اليمن، عبر حسابات دعائية تابعة له، تمكن مقاتليه من اختطاف مسؤولين أممين، من بينهم مدير مكتب الأمم المتحدة للأمن والسلامة في عدن “آكم سوفيول “والمنسق العام محمد المليكي والمنسق الأمني للمكتب مازن باوزير، في منطقة السويداء، بمديرية المحفد التابعة لمحافظة أبين.

أعادت عملية اختطاف المسؤولين الأممين التذكير بتاريخ مقاتلي القاعدة مع عمليات الخطف والفدية، إلا أنها ذكرت بعملية خطف وتبادل أخرى، نفذها التنظيم في عام 2014، حينما أطلق سراح دبلوماسي إيراني احتجزه مقابل الإفراج عن 5 من قادة القاعدة منهم 3 نواب لأيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة المركزي/ قاعدة خراسان، هم: (محمد صلاح الدين زيدان الملق بسيف العدل، وعبد الله أحمد عبد الله المكنى بأبي محمد المصري، وأحمد حسن أبو الخير المعروف بأبي الخير المصري).

ومع أن عملية الخطف الجديدة التي نفذها تنظيم القاعدة في اليمن، تمثل امتدادًا لنهجه الذي يركز، في جانب منه، على استهداف واختطاف مسؤولين ومواطنين أجانب، إلا أن توقيت العملية- والتي أتت في ظل تعرض التنظيم لحملة مركزة لخلخلة قيادته العليا- تكشف استمرار تحكم مجموعة/ تيار الجهاد المعولم في قيادة القاعدة، وسعيها لخدمة أهداف التنظيم المركزي بإمارة “الظواهري”، والذي يعاني من حالة ضعف هيكلي واضحة بجانب معاناته مع فروعه الأخرى ومنها الفرع اليمني، لاستنزاف قيادي مكثف.

بعد نحو 4 أشهر من الصمت، أعلن تنظيم القاعدة في اليمن، مؤخرًا، مقتل 2 من أبرز قادته هما صالح الحضرمي (لطفي صالح اليزيدي)، وصالح بامحيسون، في غارة جوية استهدفتهما في وادي عبيدة بمحافظة مأرب، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مؤكدًا استمرار النزيف القيادي الذي يتعرض له التنظيم تحت قيادة خالد باطرفي.

ولم يكن هذا الإعلان، سوى جزءًا من سلسلة بيانات متتابعة نشرها الجناح الدعائي للقاعدة في اليمن، لتأكيد مقتل مجموعة من قادته المخضرمين المحسوبين على تيار الجهاد العالمي/ المعولم داخل التنظيم، ومن بينهم أبو عمير الحضرمي (صالح بن سالم بن عبيد عبولان)، والذي كان مقربًا من زعيم القاعدة المؤسس أسامة بن لادن، ومهند القصيمي، خبير الصواريخ البارز والذي تدرب بمعسكرات القاعدة في أفغانستان قبيل سقوط حكم طالبان عام 2001، بالإضافة  لـ“مصعب العدني”، القيادي والمنشد البارز بالجناح الدعائي، وذلك خلال غارات نفذتها طائرات بدون طيار ضمن الحملة الدولية المتواصلة ضد التنظيم المحسوب على الشبكة العالمية لـ”القاعدة”.

وكشف تساقط قيادات تيار الجهاد العالمي في قاعدة اليمن، استمرار  النهج الدولي في مكافحة الإرهاب داخل اليمن، والقائم على استهداف القيادات والعناصر الفاعلة في التنظيمات الجهادية العابرة للحدود الوطنية، وخاصةً المنخرطين منهم في دعم الشبكة الجهادية العالمية وتخطيط وتوجيه الهجمات خارج اليمن.

لكن التوقيت الذي جرى فيه استهداف “مصعب العدني”، الذي كان منخرطًا في الدعم الدعائي لأفرع القاعدة الإقليمية وذلك ضمن دوره في “شبكة القاعدة عبر الوطنية”، منح عملية اغتياله دلالة ذات مغزى، إذ تزامن مع حملة مكثفة يقوم بها الجناح الدعائي لـ”قاعدة اليمن”، وتهدف لإبراز مكانته وموقعه في الحركة الجهادية المعولمة، والتأكيد على استمراره في اتباع إستراتيجية استهداف “العدو البعيد”، على حد تعبير زعيمه خالد باطرفي (مكنى بأبي المقداد الكندي)، في حواره الأخير الذي نشرته مؤسسة الملاحم، ذراع التنظيم الدعائية، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وحاول زعيم القاعدة في اليمن أن يلعب على كل الأوتار، فسعى لاستمال القبائل اليمنية وتمييز  نفسه كخصم أيدولوجي وعسكري لجماعة الحوثي، زاعمًا أن تنظيمه شارك في جبهات قتال عديدة ضد الجماعة، لكنه عاد وناقض نفسه بالتأكيد على استمراره في تبنى نهج الجهاد العالمي، مديرًا ظهره للقبائل اليمنية التي تخوض معارك محتدمة ضد الحوثيين على جبهات عدة.

ففي الجزء الثاني من حواره الذي بثته “الملاحم” عبر شبكة الإنترنت، في الـ20 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رد “باطرفي”، على سؤال وجهه له محاوره- الذي أغفلت المؤسسة اسمه أو صفته التنظيمية رغم ظهوره اللافت- حول الحديث عن تغيير إستراتيجية القاعدة من الجهاد العالمي/ المعولم إلى الجهاد المحلي/ القُطري ، قائلًا: “إن التنظيم لن يتراجع عن خياراته أو يغير إستراتيجيته من قتال “العدو البعيد” إلى قتال الأعداء المحليين (العدو القريب) لأن الواقع لم يتغير، وبالتالي فلن يتغير أسلوب عمل التنظيم، لأن أمريكا لا تزال تدعم الأنظمة الإقليمية وتواصل حربها على الجهاديين”.

ولفت “باطرفي”، إلى البعد والامتداد العالمي لـ”قاعدة اليمن”، رغم أنه ركز في المجمل على الأوضاع داخل اليمن، فاستهله بالثناء على حركة طالبان والهجوم على جماعة الإخوان، معتبرًا أن “التمرد المسلح” الذي خاضته الحركة الأفغانية دلل على صحة هذا المنهج التغييري الناجع، الذي اختاره القاعدة  وأفرعه الخارجية/ المحلية.

رسائل ضمنية

 على أن حرص زعيم القاعدة على التأكيد على إستراتيجية قتال “العدو البعيد”، حمل عددًا من الرسائل الضمنية التي أتت في ثنايا حديثه، والتي ترتبط بأوضاع التنظيم الحالية والخلافات القيادية التي دبت بين مجموعة أمراء الصف الأول منذ مقتل قاسم الريمي ، أمير التنظيم السابق، في فبراير/ شباط 2020.

واعترف “باطرفي”، في حواره الأخير مع “الملاحم”، باحتدام تلك الخلافات التنظيمية داخل التنظيم، رغم أنه حاول الإيحاء بأن أغلبها تم حسمه ولم يعد سوى 10 % من الخلافات القديمة التي اندلعت ضمن شبكة القيادة العليا لقاعدة اليمن.

لكن الرسائل الضمنية التي احتواها حوار زعيم القاعدة الأخير، دللت على استمرار الخلاف القيادي في قاعدة اليمن، وخاصةً بين مجموعة خالد باطرفي و مجموعة غريمه “أبو عمر النهدي”، فعلى سبيل المثال اختار الأول أحد أبرز أنصاره ليؤدي دور المحاور خلال لقاءه الطويل مع مؤسسة الملاحم والذى جرى نشره على جزئين منفصلين.

ومع أن المؤسسة الدعائية لقاعدة اليمن، لم تقم بالإفصاح عن “هوية المحاور”، إلا أنه يمكن التعرف على هويته عبر مراجعة الإصدارات المرئية المنشورة عبر “الملاحم”، خلال السنوات الماضية، إذ عمدت المؤسسة إلى نشر السيرة الذاتية له ضمن إصدار “حراس الشريعة”، قائلةً إن اسمه “حمود بن حمد بن العثمان التميمي”، كما ذكرت أنه سعودي الجنسية، وأنه يشغل منصب المسؤول الشرعي للتنظيم.

وعبر التدقيق في الدور التنظيمي الذي لعبه “حمد بن حمود التميمي”، على مدار السنوات القليلة الماضية، يمكن ملاحظة أن اختياره لمحاورة خالد باطرفي، يرجع لجملة من الأسباب منها التأكيد على نهج تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، العابر للحدود الوطنية الذي يجعل من استهداف الولايات المتحدة ودول غربية وعربية (التي يسميها بالعدو البعيد) هدفًا محوريًا رغم انخراطه في صراع محلي داخل اليمن، كما أنه يُشكل دعمًا لموقف زعيم القاعدة الحالي وتثبيتًا لموقعه في إمارة التنظيم،لاسيما وأن “التميمي” كان أحد أبرز داعمي “باطرفي” في مقابل خصومه من القادة اليمنيين بالتنظيم، خلال الخلافات التي حدثت على “خلافة الريمي”، وتولى بنفسه الإعلان، في بيان رسمي، عن اختياره (خالد باطرفي) أميرًا للتنظيم أواخر فبراير/ شباط 2020.

باطرفي والقيادات الأجنبية

ويبدو أن انحياز خالد باطرفي إلى مجموعة الجهاديين الأجانب (غير اليمنيين)، مرتبط بصورة وثيقة بالخلافات التي ضربت تنظيم القاعدة في اليمن، وهو في جوهره انحياز إلى المجموعة التي أوصلته ودعمته في إمارة التنظيم الذي يعتبر أحد أهم أفرع “القاعدة” النشطة في الفترة الراهنة، فضلًا عن كونه مغازلة لـ”القيادة العامة للقاعدة” (قاعدة خراسان) والتي يتولى قيادتها، حاليا، أيمن الظواهري ونائبه محمد صلاح الدين زيدان (الملقب بسيف العدل)، وذلك في محاولة من زعيم الفرع اليمني لإثبات ولائه للتنظيم المركزي، وتعزيز مكانته ضمن شبكته العالمية.

ويمكن ملاحظة بروز دور القادة الأجانب في “قاعدة اليمن”، بشكل واضح، في ظل إمارة خالد باطرفي للتنظيم، وانعكاس هذا الدور على توجه وإستراتيجيات التنظيم، والذي عرف نفسه، في كتاب دعائي أصدره مؤخرًا بعنوان القاعدة في جزيرة العرب، أنه جزءٌ/ فرعٌ من الشبكة العالمية لتنظيم القاعدة الذي عده مرتبطًا بحركة طالبان الأفغانية ومبايعًا لها.

ومن اللافت أن غالبية مجموعة القيادة العليا المسيطرة على التنظيم في اليمن، حاليا، هي من القادة الأجانب، في المقام الأول، يليهم اليمنيين الداعمين لعولمة الحركة الجهادية والمنخرطين في شبكة القاعدة العابرة للحدود الوطنية، في حين يتم تنحية القيادات اليمنية وجعلهم في مرتبة أدنى من نظرائهم الأجانب، غالبًا.

ويُسيطر القادة الأجانب على مجلس شورى التنظيم وعلى اللجان الرئيسية المندرجة ضمن البنية الهيراركية المعروفة للتنظيم، والتي أمكن التوصل إلى معرفتها عبر مراجعة الإصدارات الدعائية التي ينشرها والمعلومات التي كشفت عنها وكالات الاستخبارات وأجهزة الأمن المختلفة المعنية بمتابعة ملف القاعدة في اليمن.

• المصري إبراهيم أبو صالح

وفي هذا الإطار، يشغل المصري إبراهيم أبو صالح (مكنى بأبي الحسن الهاشمي)، عضوية مجلس شورى التنظيم، والذي يُناط به اختيار أمير التنظيم (حال مقتل أميره أو القبض عليه)، ورفع هذا الاختيار إلى القيادة العامة للقاعدة في خراسان، كما يلعب المجلس دورًا في قيادة وتوجيه التنظيم في اليمن، بحسب ما تنص عليه اللائحة الداخلية له.

وإلى جانب عضويته في أهم هيئات القاعدة، يتولى إبراهيم أبو صالح- الذي وصل إلى اليمن في أوائل تسعينيات القرن الماضي بتكليف من أيمن الظواهري وعمل على تأسيس شبكات جهادية تابعة للقاعدة كما ذكر في اعترافاته أثناء التحقيق معه أمام أجهزة الأمن اليمنية، ووفق ما أكده إصدار حراس الشريعة المنشور عبر مؤسسة الملاحم- إمارة اللجنة الأمنية للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهي اللجنة المسؤولة عن أعمال الأمن والاستخبارات داخل التنظيم، وتتولى تأمين التنظيم ومكافحة الجاسوسية ومتابعة نشاط أعضاء القاعدة.

ولعبت هذه اللجنة دورًا هامًا، خلال الفترة الماضية، إذ تولت اعتقال وسجن وتصفية مجموعة من القيادات اليمنية/ المحلية، بالتنظيم بتهم العمالة للتحالف العربي لدعم الشرعية، والتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي. أي. إيه)، وفق ما أظهر إصدار “هدم الجاسوسية“، الذي نشره التنظيم على 4 أجزاء، بدءً من عام 2019.

• السعودي حمد بن حمود التميمي

بينما يشغل القيادي السعودي “حمد بن حمود التميمي”، إمارة  اللجنة الشرعية والدعوية في التنظيم، وهي إحدى أهم اللجان الموجودة به حاليا، وتتولى مع اللجنة الأمنية إصدار الأحكام ضد القيادات والأفراد اليمنيين وغيرهم من أعضاء القاعدة، ولعبت تلك اللجنة دورًا في إعدام عدد من كوادر التنظيم ضمن حملة “هدم الجاسوسية” المذكورة، بحسب ما يسميها التنظيم.

وحتى الآن، لم يفصح التنظيم عن الدور الذي يلعبه القيادي السعودي في الجانب الدعائي لقاعدة اليمن وتحديدًا داخل مؤسسة الملاحم الشهيرة، لكن من الملاحظ أن “التميمي” يظهر، بصورة دورية في إصدارات المؤسسة الهامة، كما حدث في إصداري “حراس الشريعة”، و”لقاء خالد باطرفي” الأخير. ، كما أشاد التنظيم في المنشورات الصادرة عنه بالمهارات الإلقائية والشعرية له، غير أنه بمراجعة الأشعار التي ألقاها، يتبين أن اقتبسها أو سرقها من شعراء آخرين، كما تقول الباحثة في شؤون اليمن في جامعة أكسفورد إليزابيث كيندال.

• السوداني إبراهيم القوصي

وفي نفس السياق، يتولى السوداني إبراهيم القوصي (شهير بخبيب السوداني)، منصب مساعد أمير تنظيم القاعدة في اليمن، وينشط، بشكل أساسي في الجانب الدعائي للتنظيم، وفي التحريض على تنفيذ الهجمات الإرهابية كما فعل في ظهوره الأخير ضمن إصدار: “رسالة إلى الشعب الأمريكي.. لم تفهموا الدرس بعد”، الذي نُشر عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

ووفقًا لسيرته الذاتية، التي نشرتها مؤسسة الملاحم في 2015، واعترافاته أمام جهات التحقيق الأمريكية خلال احتجازه في سجن غوانتانامو (2001: 2012)، فإن “القوصي” عمل، في بداياته الحركية، ضمن مجموعات تهريب السلاح إلى جماعة الجهاد المصرية (بايعت أسامة بن لادن واندمجت في القاعدة لاحقا)، وتدرب في معسكر الفاروق الشهير، الذي أنشأه أسامة بن لادن في أفغانستان، ورافق زعيم القاعدة المؤسس بدءًا من تسعينيات القرن الماضي وعمل “طباخًا وسائقًا خاصًا” له، قبل أن يرسله “بن لادن” إلى الشيشان لدعم مجموعة “المقاتلين العرب” بإمارة ثامر السويلم (يشتهر في أوساط الجهاديين بالقائد خطاب)، قبل أن يعود إلى أفغانستان، لاحقًا، ويُلقى عليه القبض من طرف الاستخبارات الباكستانية عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (2001)، والتي سلمته إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الجدير بالاهتمام أن تنظيم القاعدة، يروج لـ”السوداني”، باعتباره “شيخًا من شيوخ الجهاد المخضرمين”، رغم أن الأخير لم يحصل على أي تأهيل شرعي كافي، ورفض طلبات عديدة من أيمن الظواهري، أمير القاعدة، وغيره من قادة التنظيم، للتعليق على أحداث ومواقف اتخذها التنظيم، مبررًا ذلك بضعف تكوينه العلمي وعدم أهليته للتعليق على الأمور الهامة أو الظهور كرمز  وعلم بارز في الإعلام، وذلك على حد قوله في مقدمة كتابه “أيام من مذكراتي”، الذي نشره التنظيم في اليمن بعنوان: “شذرات من تاريخ القاعدة”.

ووفقا للكاتب السوداني الهادي محمد الأمين الباحث في شؤون الجماعات الجهادية في إفريقيا فإن وضع إبراهيم القوصي موضع إمام التنظيم العالم ذو الطابع الشرعي ما هو إلا نتيجة لفكر الجهاد العالمي الذي يخدم الأجندة الخارجية للقاعدة، رغم أن ما حدث في تجربة طالبان الأخيرة يثبت فشل هذه النظرية.

ويتساءل الكاتب السوداني كيف لرجل لم ينل حظاً من التعليم ونصيباً من التأهيل أن يتبوأ مكانة مرموقة في رأس الهرم التنظيمي للقاعدة ويجلس في المقاعد الأمامية جنباً إلي جنب مع قائد التنظيم بشبه الجزيرة العربية؟

تكمن الإجابة فقط في محاولة باطرفي دعم مشروع “الجهاد العالمي للقاعدة” عن طريق جمع أكبر عدد من أجانب التنظيم من خارج اليمن وذلك برغم عدم تأهلهم للمواقع التي يوضعون فيها وليس أدل على ذلك من القوصي الذي صعد من مطبخ بن لادن إلى منبر الشرع دون مقدمات.

 

• ثوبان الروسي

وعلاوة على القيادات الأجنبية التي تشغل مناصب بارزة ضمن الهيئة القيادية واللجان الهامة لقاعدة اليمن، يضم التنظيم عددًا من القيادات الأجنبية الوسيطة، والأعضاء الذين انضموا للتنظيم على مدار فترات متفرقة، ومن بينهم “ثوبان الروسي” (المير موحاميتز يانوف ) الذي يعمل ضمن وحدة التصنيع العسكري بالتنظيم كخبير في تعديل الأسلحة المتعلقة بالقنص والقذائف، وفق ما كشفه الإعلام الحربي التابع لجماعة الحوثي، استنادًا لوثائق تنظيمية حصل عليها من مقرات القاعدة في مديرية الصومعة (محافظة البيضاء)، بعد انسحاب الأخير منها أمام تقدم الجماعة في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي.

 الجهاديين الأجانب VS الجهاديين اليمنيين

وفي مقابل سيطرة القيادات الأجنبية على المناصب الهامة في البناء التنظيمي لـ”قاعدة اليمن”، يتم تنحية القيادات الجهادية المحلية (اليمنية) عن القيادة العليا للتنظيم، في ما عدا القيادات المحسوبة على الاتجاه العالمي للحركة الجهادية كسعد بن عاطف العولقي الذي يعد، حاليًا، مساعدًا لخالد باطرفي، بالإضافة إلى دوره المناطقي كأمير للقاعدة في محافظة شبوة اليمنية (وسط البلاد).

واتبعت القيادة العليا لفرع القاعدة اليمني، مقاربة متعددة الأوجه- اتسمت، في غالبها، بالطابع الأمني-  في التعامل مع الجهاديين اليمنيين، فسعت لإبعاد القيادات المحلية التي تحظى بعلاقات وثيقة مع القبائل لا سيما في مناطق جنوب البلاد، كما اعتمدت على أسلوب الاغتيال المعنوي  عبر ترويج إشاعات أن القيادات اليمنية بالتنظيم ترفض مناصرة أبناء القبائل في مواجهة عدوان جماعة الحوثي لضرب علاقتهم بالقبائل، بالإضافة لاعتماد أسلوب التصفية الجسدية عن طريق السجن أو الاغتيال، وفق لشهادة أمير التنظيم في المكلا سابقًا “أبو عمر النهدي” ورفاقه، التي نشروها سابقًا ضمن بيانهم المعنون بـ”بيان المتظلمين”.

• المصري إبراهيم أبو صالح

وتوسعت اللجنة الأمنية بقيادة المصري “إبراهيم أبو صالح” في القبض على القيادات اليمنية واغتيالهم بناءً على الشبهات والقرائن غير المؤكدة (كان من بينهم: أثير النهدي، الشرعي البارز بالقاعدة، وسعيد شقرة، رئيس اللجنة المالية بالقاعدة سابقًا، وفياض الحضرمي، أمير التنظيم في حضرموت سابقًا، وأبو مريم الأزدي، أحد أهم القيادات الشرعية في التنظيم)، كما قامت بتعذيب السجناء لانتزاع اعترافات منهم بتورطهم في أعمال الجاسوسية.

مراوغة لإخفاء “قتلى القاعدة”

وفي نفس السياق، أقر خالد باطرفي، زعيم القاعدة في اليمن، أن التنظيم وقيادته العليا (الصف القيادي الأول بتعبيره) جرى اختراقه ووصل بعض الجواسيس إلى مناصب هامة داخل التنظيم، مضيفًا أن الغارات الأمريكية التي يساعد الجواسيس في توجيهها أدت لمقتل 1600 من كوادر القاعدة، كما ساهمت في تراجع قدراته العسكرية وتقلص موارده المالية.

ورغم أن “باطرفي” ساق الرقم المذكور  باعتباره إحصائية لكوادر القاعدة المقتولين، خلال السنوات الماضية، إلا أن مراجعة الأرقام الصادرة عن التنظيم، ونظيرتها الصادرة عن القيادة المركزية للقوات الأمريكية CENTCOM والتي يعتقد أنها المسؤولة عن الغارات الجوية ضد القاعدة في اليمن، وكذلك الإحصائيات الصادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، والمنظمات غير الحكومية الأمريكية وفي مقدمتها منظمة (New America) يكشف أن زعيم التنظيم تعمد المبالغة في أرقام قتلى التنظيم لخدمة أغراضه الذاتية.

فعلى سبيل المثال، كشف التنظيم في إصداره المرئي “أسرار وأخطار ورحيل أخيار”، المنشور  في يناير/ كانون الثاني 2018، أن إجمالي قتلى التنظيم نتيجة الغارات الأمريكية التي يتم الاستعانة فيها بالجواسيس بلغ 400 قتيل، بينما تشير إحصائية صادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI إلى أن إجمالي قتلى القاعدة خلال الغارات الأمريكية والعمليات الأرضية (بما في ذلك العمليات السرية)، ضد التنظيم منذ 2002: 2018 بلغ 866 قتيلًا فقط، كما ذكرت القيادة المركزية الأمريكية أنها نفذت 36 غارة جوية فقط طوال عام 2018 ضد تنظيمي القاعدة وداعش، و واصلت معدلات الغارات الأمريكية في الانخفاض نتيجة ضعف وتآكل قدرات القاعدة، خلال الأعوام الثلاثة التالية (2019: 2021)، لتسجل 11 هجومًا فقط في 2019، و4 هجمات في 2020، وهجومين فقط حتى (منتصف ديسمبر من العام الجاري).

وبمقارنة الإحصائيات المختلفة، نستنتج أن “خالد باطرفي”، تعمد المبالغة في الإحصائية التي قدمها لقتلى التنظيم

وزاد إجمالي نسبة القتلى بحوالي 45 % عن العدد الحقيقي، وربما يكون ذلك ضمن تكتيك مزدوج لزعيم القاعدة في اليمن لمغازلة القبائل اليمنية وكسب ودها، بالإضافة لإخفاء المعلومات المتعلقة بعمليات الصدامات والتصفية الداخلية التي تمت بين مجموعات التنظيم والتي تورطت فيها مجموعات قيادية به، وتحميل الولايات المتحدة مسؤولية سقوط العدد الكبير من قتلى التنظيم للحفاظ على ما تبقى من التماسك الداخلي الهش لقيادة القاعدة.

 

تشويه الجهاديين المحليين

وعلاوة على المقاربة الأمنية في التعامل مع الجهاديين اليمنيين، عمدت الآلة الدعائية للتنظيم إلى القيام بعمليات اختيار انتقائي للمواد التي تنشرها بحيث تتحاشى إبراز دور القيادات المحلية مقابل تعظيم دور  نظرائهم الأجانب والقيادات اليمنية الداعمة لعولمة الحركة.

ومن الملاحظ أن الإصدارات الدعائية التي نشرها التنظيم على مدار الأشهر الأربعة الأخيرة، (نشر التنظيم 3 إصدارات مرئية هي: “رسالة إلى الشعب الأمريكي.. لم تفهموا الدرس بعد” لإبراهيم القوصي- أكتوبر  2021، و”من أرشيف المجاهدين ” ظهر به القيادي المقتول غالب باقعيطي المكنى بأبي هاجر الحضرمي- نوفمبر 2021، و”لقاء خالد باطرفي ” – جزئين- خلال الشهر الماضي، فضلًا عن كتاب تعريفي وعدة صور – أبرزها صورة تركي الأكلبي قائد هجوم مستشفى العرضي بصنعاء في 2013-، وبيانات مكتوبة حول تبني هجمات محدودة ضد الحوثيين ونفي المسؤولية عن هجوم مطار عدن)، تضمنت لقطات ولقاءات مرئية لقيادات التنظيم الأجانب واليمنيين المحسوبين على الاتجاه الجهادي المعولم،  وأكدت، في مجملها، على استمرار التنظيم في تبنى إستراتيجية قتال البعيد التي تحدث عنها زعيم التنظيم في نوفمبر الماضي.

ويشير تمسك التنظيم باتباع هذه الإستراتيجية إلى إصرار “قاعدة اليمن” على اعتبار  قتال الأهداف الخارجية هدفه النهائي، بالرغم من أنه يركز على التغلغل في المجتمع المحلي، والتعايش في البيئة اليمنية المضطربة، وفي نفس الوقت مواصلة حرب العصابات التي يخوضها ضد خصومه ومنافسيه في داخل البلاد.

ويمثل هذا الهدف استجابة شكلية لطلبات قيادة القاعدة المركزية الذي وجهتها إلى قيادة الفرع اليمني، في أكثر من مناسبة، كما تكشف وثائق ومراسلات آبوت آباد، غير أن تلك الاستجابة لا يمكن أن تُخفي حقيقة أن التنظيم الأخير لا زال يرزح تحت وطأة خسارة معاقله التقليدية وتآكله من الداخل، في ظل استمرار الضغوط الأمنية والعسكرية التي يُوحي أن استمرار استهداف واستنزاف “الجهاديين العالميين” ونظرائهم المحليين في “قاعدة اليمن”، يعُقد حسابات التنظيم الذي يعيش حالة ضعف وموات إكلنيكي، ويواصل السير إلى نهايته المحتومة.