سوء قيادة باطرفي في قلب عمليات الاختطاف الأخيرة باليمن
عمليات الاختطاف الأخيرة لموظفي الأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود تعبر عن سوء إدارة خالد باطرفي للقاعدة في شبه الجزيرة العربية وإصراره على اتباع أجندة الجهاد العالمية وإغفال حال تنظيمه في اليمن، فلم يعد واضحا حتى من يقاتل تحت اسم القاعدة ومن يستخدم الاسم لتحقيق مكاسب مادية فقط. هذا مجرد جزء صغير من أزمة القيادة التي تدفع قاعدة اليمن إلى مثواها الأخير. وفي قلب كل ذلك تقع خسارة القاعدة في جزيرة العرب لكبار القادة والأمراء العسكريين.
قتلى القاعدة في مرمى الاتفاق بين الحوثيين وباطرفى
فخلال الفترة القليلة الماضية، كشف تنظيم القاعدة في اليمن عن مقتل مجموعة من قادته وأمراءه البارزين الذين شغلوا مناصب في إطار لجانه العسكرية والعملياتية الرئيسية، وهو ما أعاد إلى الأذهان ذكريات الحملة المشابهة التي تعرض لها تنظيم القاعدة، في عام 2015، أثناء سيطرته على المكلا والتي أدت إلى خسارته ثلة من أكبر قادته على رأسهم زعيمه ومؤسسه أبو بصير ناصر الوحيشي.
ومع أن عملية استهداف قادة التنظيم في اليمن لم تتوقف، خلال السنوات الماضية، إلا أن الحملة الجديدة لتصفية القاعدة تتشابه مع سابقتها بصورة لافتة، كما تأتي في ظل إمارة خالد باطرفي له، وهو ما حدث أيضًا في 2015، حينما كان “باطرفي” يشغل منصب “أمير المكلا” التي شهدت تساقط أمراء القاعدة واحدة تلو آخر.
وتثير تلك المعطيات شكوكًا حول خالد باطرفي الذي ترتبط قيادته لتنظيم القاعدة في اليمن، بخسارة وفقدان أمراءه الفاعلين، والذين شغلوا مناصب هامة في التنظيم منها عضوية المجلس القيادي له المعروف بمجلس الشورى، وتطرح تساؤلًا حول ما إذا كانت تلك الحملة الأخيرة تأتي ضمن تفاهمات سرية تهدف إلى تقليم أظافر القاعدة والتخلص من قادته خدمة لمصالح أطراف أخرى كجماعة الحوثي، التي تتواتر الشهادات عن علاقاتها بقيادة القاعدة وعلى رأسها خالد باطرفي.
عبر سلسلة من البيانات الإعلامية التي نشرتها مؤسسة الملاحم، أقر تنظيم القاعدة في اليمن بمقتل مجموعة من قادته البارزين، خلال عمليات وغارات نفذتها الطائرات الأمريكية خلال السنوات الماضية، مؤكدًا مقتل أبو البراء الإبي (عبد المجيد حمود عامر)، ولطفي اليزيدي الشهير بـ”صالح الحضرمي”، ومهند القصيمي، الذين لعبوا دورًا هامًا في إطار شبكة التنظيم العالمية والمرتبطة بالتنظيم المركزي “قاعدة خراسان”.
وبعبارات مقتضبة مذيلة بشعار “شهداء الملاحم”، رثى الفرع اليمني للقاعدة قادته المقتولين ذاكرًا أنهم قتلوا، أثناء توجههم أو مشاركتهم في القتال ضد جماعة الحوثي في قيفة (محافظة البيضاء)، ومأرب اليمنية، التي خصها التنظيم بإصدار مرئي منفصل تناول فيها “معركة مأرب“، معترفًا أن استهدافه للقوات الحكومية والقبلية ساهم في تمدد الجماعة وسيطرتها على مناطق جديدة داخل البلاد.
ورغم أن التنظيم حاول، عبر بياناته الإعلامية وإصداراته المرئية الأخيرة، كسب ود القبائل اليمنية واستمالتها من جديد في ظل احتدام المعارك ضد الحوثيين في شبوة ومأرب، إلا أن النزعة الجهادية العابرة للحدود الوطنية ظلت بارزة في ثنايا رسائله الدعائية، التي ركزت على مجموعة قيادية محددة من الدائرة المقربة لأميره الحالي “خالد باطرفي”، الذي يدور بشكل كامل في فلك أيمن الظواهري ونائبه سيف العدل المسيطرين على تنظيم القاعدة المركزي، كما أنه اعترف ضمنيًا بتأثر الأفراد المنتمين لتنظيمه بالكشف عن الروابط السرية بينه وبين الحوثيين، وذلك في أكثر من مناسبة، آخرها في حواره المرئي مع مؤسسة الملاحم، منتصف نوفمبر/ كانون الثاني 2021.
وتأتي خسارة قادة القاعدة ولا سيما الأمراء العسكريين منهم، وسط الحديث عن علاقات أمير التنظيم في اليمن بالحوثيين، وخدمته لأهدافهم الخاصة بممارسته المستمرة والتي أضعفت التنظيم وحولته إلى منظمة عصابات غير فاعلة.
ويدلل فقدان مثل هؤلاء القادة البارزين عن حقيقة أساسية مفادها أن تنظيم القاعدة في اليمن لم يعد يتمتع بقوة قتالية فعالة بعد خسارته للقادة العسكريين، وهذا يجعل التنظيم عبارة عن: أمير غير كفء مشكوك في قدرته ونواياه في أحسن الأحوال، مقاتلون متشددون مشتتون بدون قادة عسكريين يمكنهم قيادتهم في المعركة، وهو ما يجعل هؤلاء المقاتلين أمام خيارين حاسمين، هما: البقاء داخل القاعدة في شبه الجزيرة العربية (اليمن)، حتى ينتهي التنظيم تماما لعدم كفاءة باطرفي، أو ترك التنظيم والعودة إلى ديارهم قبل فوات الأوان، مثل هذا الشاب اليمني الذي طفح الكيل به ووجد أن القاعدة في جزيرة العرب لا تستحق إضاعة حياته من أجلها.
رفاق “باطرفي” والعلاقات مع الحوثيين
وبصورة غير مباشرة، أكد التنظيم وجود روابط وعلاقات بين مجموعة خالد باطرفي داخل تنظيم القاعدة اليمني، وبين جماعة الحوثي، إذ كشف مقتل أميره العسكري (سابقًا) أبو عمير الحضرمي، صالح بن سالم بن عبيد عبولان، والذي عُدّ أحد أعضاء الدائرة القيادية المقربة من باطرفي، في غارة جوية نفذتها طائرات أمريكية، أن قادة التنظيم استفادوا من علاقتهم مع الحوثيين في الحصول على وثائق وهويات مزورة للهرب من الملاحقة والتخفي تحت أسماء جديدة.
ومن اللافت أن “الحضرمي” كان أحد أبرز قيادات تيار الجهاد المعولم داخل قاعدة اليمن، لا سيما وأنه انضم لتنظيم القاعدة في بداياته المبكرة، وسافر إلى أفغانستان حيث التقى بأسامة بن لادن في قندهار، قبل الغزو الأمريكي للبلاد في 2001، والذي اضطره إلى الهرب والتنقل بين أكثر من دولة إلى أن أُلقي القبض عليه في المملكة العربية السعودية، وسُلم إلى اليمن ليسجن لسنوات قبل إطلاق سراحه في 2004.
ويكشف التدقيق في طبيعة العلاقات بين قاعدة اليمن والحوثيين، أن قادة ما يعرف بتيار الجهاد المعولم لعبوا الدور الأكبر في التنسيق والتفاوض والاتفاقات التي تمت بين التنظيم والجماعة، حتى قبل الانقلاب على السلطة في اليمن عام 2014، وذلك بتوجيه من قيادة “قاعدة خراسان”.
ووفقًا لإبراهيم أبو صالح المصري، المسؤول الأمني لقاعدة اليمن وأحد رفاق خالد باطرفي المقربين، فإن التنظيم كون شبكة علاقات لا بأس بها مع جماعة الحوثي ومع شيوخ قبائل آخرين. واعتمدت تلك العلاقات على المنفعة المتبادلة القائمة على عمليات التجارة في السلاح، وتوفير ملاذات آمنة لقادة التنظيم وتهريبهم عبر الحدود اليمنية، وهو ما حدث في حالة أبو عمير الحضرمي وغيره من قادة القاعدة البارزين.
وسخر الفرع اليمني للقاعدة من تلك العلاقة في خدمة مصالح التنظيم المركزي، ففي عام 2014، أبرمت جماعة الحوثي صفقة سرية نيابة عن طهران، مع قيادة تنظيم القاعدة لإطلاق سراح 5 من أبرز قيادات تنظيم القاعدة المحتجزين في إيران وهم: سيف العدل محمد صلاح زيدان (نائب أمير القاعدة حاليًا)، وأبو محمد المصري عبد الله أحمد عبد الله (نائب أيمن الظواهري، حتى مقتله في 2020)، وأبو القسام الأردني (عضو مجلس شورى القاعدة العالمي حتى مقتله في 2020)، وساري شهاب (القيادي بفرع القاعدة السوري سابقًا)، بالإضافة لأبو الخير المصري (نائب أيمن الظواهري حتى مقتله في 2017 بسوريا)، مقابل الإفراج عن دبلوماسي إيراني اختطفته التنظيم في صنعاء.
على مدار السنوات التالية، زاد التنسيق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن
وجرى استثمار العلاقات الثنائية بينهم، في تنسيق تسليم العديد من المناطق للجماعة المتمردة، وكذلك الاتفاق على صفقات غامضة لتبادل الأسرى بينهما، وأسفرت تلك الصفقات، في النهاية، عن إطلاق سراح نحو 400 مقاتل من القاعدة، وهو ما سمح للتنظيم بتعويض خسائره البشرية جراء حملات مكافحة الإرهاب، وبالتالي الاستمرار في العمل.
وفي المقابل، استفادت جماعة الحوثي من نهج القاعدة وممارساته في الترويج لروايتها الخاصة حول دورها في مكافحة الإرهاب، ففي خضم معارك شبوة ومأرب والتي تلقت فيها الجماعة خسائر موجعة، بث التنظيم إصدارًا مرئيًا للتحريض على قتال التحالف العربي لدعم الشرعية والقبائل اليمنية الموالية له، في ما بدا وكأنه خدمة لمصالح الحوثيين وتخفيفًا للضغط على الجماعة.
وعلاوة على التحريض العلني، نفذت مفارز تنظيم القاعدة عدة هجمات دامية ضد القوات التي تُقاتل الحوثيين، وأبدى “القاعدة” ميلًا للدخول في أي تحالف مضاد للقوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، والتي لعبت دورًا كبيرًا في طرده من معاقله، بجانب دورها في القتال ضد الحوثيين.
كما استغل الحوثيين ذريعة القاعدة لتبرير حملتهم العسكرية على مدينة مأرب الإستراتيجية في شمال اليمن، ونشرت منصات الدعاية الخاصة بالجماعة معلومات عن تواجد قادة التنظيم في المدينة، زاعمةً أن التنظيم يخدم مصالح الحكومة الشرعية في البلاد.
وأكدت الأحداث المذكورة امتلاك جهاز الأمن والمخابرات التابع لهم معلومات تفصيلية عن هيكلية تنظيم القاعدة في اليمن، وتحركات قادة وأمراء الصف الأول، وهو ما يعني أن لديه مصادر ذات قيمة عالية داخل قيادة القاعدة العليا، تقوم بنقل هذه المعلومات وإعطاء بيانات دقيقة عن أمراءه إلى الحوثيين.
ومن الجدير بالذكر أن تسريب المعلومات حول قيادة القاعدة أدى لمقتل عدد من أمراءه البارزين، وهو ما اعترف به التنظيم في إصداره المرئي الأخير المعنون بـ”وقفوهم إنهم مسؤولون“، لكن مع ذلك ظلت قيادة الفرع اليمني تتكتم على أنباء تصفية أمراء بارزين به وتؤخر إعلان أنباء وفاتهم كما حصل في حالة صالح الحضرمي/ لطفي اليزيدي، ومهند القصيمي، الذي أعلن التنظيم مقتلهما بعد فترة طويلة من اغتيالهما.
إستراتيجية خالد باطرفي المرتبكة
ويوحي تأخير إعلان مقتل أمراء القاعدة بوجود ارتباك داخل قيادة التنظيم باليمن، والتي زاد ارتباكها وحيرتها منذ تولي أبو المقداد الكندي (خالد باطرفي)، إمارة التنظيم خلفًا لقاسم الريمي، في 2020.
وساهمت إمارة خالد باطرفي للقاعدة في اليمن في إضعاف التنظيم وتشتته بين إستراتيجتين أولهما إستراتيجية قتال العدو البعيد (الولايات المتحدة) التي تتلائم مع أهداف “قاعدة خراسان” بإمارة أيمن الظواهري، وهي الإستراتيجية التي يُفضلها “باطرفي” حسبما قال في لقاءه المرئي الأخير مع مؤسسة الملاحم، وثانيهما إستراتيجية التركيز على الداخل وقتال العدو القريب (خصوم التنظيم اليمنيين).
ومع أن هذا التشتت أدى لتراجع النفوذ العسكري وتآكل الموارد المالية لتنظيم القاعدة في اليمن وخسارته للمئات من مقاتليه وعناصره، إلا أن “باطرفي” بقي على انحيازه لتيار الجهاد المعولم، معلنًا أنه لن يُغير إستراتيجية قتال العدو البعيد أن الواقع بالنسبة له لم يتغير، كما رفض الاستجابة لدعوات معارضيه داخل التنظيم بالتركيز على التهديد الذي يواجهه في الداخل اليمني.
ومن الواضح أن انحياز “باطرفي” إلى تيار الجهاد المعولم، هو انحياز لأيمن الظواهري وقيادة التنظيم المركزي التي أوصلته إلى حلمه في قيادة الفرع اليمني للقاعدة، بعد أن انحازوا له على حساب معارضيه داخل التنظيم واختاروه ليخلف “قاسم الريمي”.
وعلى هذا الصعيد، لم تسهم إستراتيجية خالد باطرفي الخاصة والرامية لتوظيف موارد التنظيم المحلي في خدمة مصالح تنظيم القاعدة المركزي، في تحقيق أي نجاحات تُذكر، وظل “قاعدة اليمن” متخبطًا بشكل واضح كما استمر تساقط قادته واحدًا تلو آخر، فخسر ثلة من قادته العسكريين البارزين آخرهم “عمار الصنعاني“، وأبو عمير الحضرمي، اللذين شغلا منصب الأمير العسكري له، في فترتين متقاربتين، وكانا على علاقة بملف التنسيق مع جماعة الحوثي، كما أظهرت المعلومات التي كُشفت لاحقا.
وشكلت خسارة القاعدة في اليمن لعمار الصنعاني ضربة كبيرة. بصفته أميرًا عسكريًا كبيرًا، فضلًا عن كونه جزءًا من تيار الجهاد المعولم المقرب من خالد باطرفي، والمركز على التخطيط لهجمات خارجية، كما أن تهميش “الصنعاني” من قبل القيادة الحالية للتنظيم، ترافق مع خسارة التنظيم لقادة آخرين كـ(لطفي اليزيدي وصالح عبولان).
وترتب على فشل التنظيم في إحراز أي نصر حقيقي، طوال سنتين من إمارة خالد باطرفي له، ازدياد حالة السخط تجاهه وتجاه تيار الجهاد المعولم في القاعدة، لا سيما في ظل استمرار خسارة الجهاديين المخضرمين، وصعود جيل جديد من المقاتلين داخل التنظيم ممن لم ينخرطوا في تجارب جهادية خارجية، أو يرتبطوا بأي روابط حقيقية مع قيادة القاعدة المركزية، وتحديدًا مع أيمن الظواهري، وسيف العدل الذي تبقى إقامته في إيران واحدة من النقاط السلبية بالنسبة لأتباع القاعدة المنخرطين في قتال وكلاء طهران وحلفائها كجماعة الحوثي.
كما أسفر غياب أيمن الظواهري عن لعب دور حقيقي في حل الخلافات القيادية داخل فرع التنظيم في اليمن، وانشغاله ببث كلمات عامة ووعظية دون التطرق إلى الأحداث الجارية وخاصة التي تهم أتباع تنظيمه في اليمن، لفقدانه الرمزية التي يمتلكها أمير القاعدة المركزي، خاصةً بعد فشله في حسم الخلاف الذي اندلع بين خالد باطرفي وحلفاءه من تيار الجهاد المعولم، وبين أبو عمر النهدي وفريقه الرافض لإمارة “باطرفي”، وتجاهله رسائل الأخير التي طلب فيها التدخل لحسم الخلاف واختيار قيادة مناسبة لفرع اليمن.
وفي نفس السياق، واصل خالد باطرفي تهميش معارضيه الراغبين في التركيز على الأهداف الذاتية للتنظيم داخل اليمن دون التمسك بإستراتيجية “قاعدة الظواهري” غير المجدية، وعمد الأول إلى اتباع الأسلوب الأمني في التعامل مع مخالفيه، بالإضافة إلى تشويههم في الأوساط التنظيمية لإسقاط رمزيتهم لدى أتباع القاعدة.
وتوسعت قيادة القاعدة باليمن، في اعتقال الأفراد والقادة الوسيطين بحجة عمالتهم لأجهزة الأمن والاستخبارات المعادية للتنظيم، وفق رسالة سابقة وجهها أبو عمر النهدي ورفاقه المعارضين لخالد باطرفي، إلى أتباع التنظيم وأبناء القبائل المتحالفين معه.
خطة إنهاك القاعدة
وحتى مع اعتراف “باطرفي” أن تنظيمه أصبح ضعيفًا ومضطرًا لمهادنة أطراف عديدة داخل اليمن، نتيجة أسباب عدة، استمرت قيادة تنظيمه في اتباع الأسلوب الأمني الاستئصالي في التعامل مع أفراد وقيادات القاعدة الوسيطة، وهو ما أدى إلى مفاقمة ضعفه وازدياد معدل الانشقاقات والانسحاب التنظيمي، كما استمر النزيف القيادي الذي يُعاني منه التنظيم بعد خسارة العديد من أمراءه البازرين المقربين من خالد باطرفي (كأبو عمير الحضرمي، ولطفي اليزيدي، وعمار الصنعاني.. إلخ)، وهو ما حد من قدرات التنظيم وأفقده فاعليته العملياتية.
إلى ذلك، واصلت قيادة القاعدة حملتها العنيفة ضد أبناء القبائل اليمنية فواصلت عمليات التصفية والاغتيال بحجة العمالة والجاسوسية وزادت تلك الحملة مع تقدم قوات الحوثيين للسيطرة على مناطق معينة كما حصل في مديرية الصومعة بمحافظة البيضاء، في سبتمبر/ أيلول 2021، حينما أقدم التنظيم على إعدام وصلب طبيب يمني بحجة التعاون مع الاستخبارات ضد التنظيم، ولاحقًا انسحب التنظيم دون قتال أمام تقدم الحوثيين في المديرية دون قتال، كما منع في مناسبات أخرى عناصره من دعم أبناء القبائل في القتال ضد الحوثيين في جبهة قيفة بمحافظة البيضاء، بحسب رسالة سابقة لأبي عمر النهدي.
وتسببت ممارسات قيادة القاعدة في توسيع الفجوة الموجودة بينه وبين أبناء القبائل، وبالتالي خسر التنظيم الحاضنة الشعبية التي كان يمارس التجنيد والاستقطاب في إطارها، وأصبح يُعاني في إيجاد مقاتلين جدد في ظل العزوف عن الانتماء للتنظيم وفقدانه الجاذبية التي كانت له.
ويبدو أن أساليب قيادة القاعدة باليمن خدمت مصالح الحوثيين، في المقام الأول، إذ استفادت الجماعة من إضعاف “باطرفي” للتنظيم، واستخدام “ما تبقى منه” في استنزاف خصوم الحوثيين في اليمن، وهو ما اعترف به القاعدة في إصداره المرئي الأخير المعنون بـ”معركة مأرب”.
وبينما يستمر مسلسل استنزاف وتصفية القاعدة في اليمن، تحت إمرة خالد باطرفي، يجد مقاتلو التنظيم أنفسهم أمام خيارات محدودة هي الاستمرار في العمل داخله حتى يقتلوا كما قتل رفاقهم السابقين، أو يختاروا العودة من طريق التنظيم واعتزاله والرجوع إلى قبائلهم وأسرهم، كما اختار “أبو عمر النهدي”، الذي آثر اعتزال التنظيم نهائيًا بعد خلافه مع تيار الجهاد المعولم، حسبما يؤكد مصدر خاص مقرب منه.