قيادة منقسمة.. كيف تبدو مجموعات داعش في شرق آسيا؟
أواخر شهر يناير/ كانون الأول الماضي، أعلنت قيادة شرق صباح الأمنية الماليزية، المعروفة اختصارًا باسم “إيسكوم”، إضافة 5 من القادة المحسوبين على داعش في شرق آسيا، على قائمة المطلوبين الخاصة بها، كاشفة أنهم لعبوا دورًا بارزًا في قيادة شبكات إرهابية عابرة للحدود الوطنية في شرق آسيا، وتورطوا في في عمليات الخطف والفدية، التي تنخرط فيها المجموعات المسلحة في تلك البقعة الجغرافية، والتي تعد أحد أهم مصادر تمويل الجماعات الإرهابية هناك.
وكشفت القيادة الأمنية الماليزية عن تفاصيل متعلقة بقيادة المجموعات المحسوبة على داعش في شرق آسيا، بيد أنها لم تتطرق إلى تفاصيل الخلافات القيادية والانقسامات الحاصلة بين صفوف أنصار داعش في تلك المنطقة، كما لم تُسلط الضوء على علاقة هذه الخلافات باستسلام مقاتلين من المجموعات المرتبطة بداعش لقوات الأمن في منطقة شرق آسيا وبخاصة في الفلبين، وهو ما يتناوله التقرير الحالي.
ووفقًا لمعلومات قيادة “شرق صباح الأمنية”، فإن القيادات الخمسة وفي مقدمتهم ( مودزيمار مندي سوادجان Mudzrimar “Mundi” Sawadjaan) ، و (مجيد سعيد أو عمه بات Madjid Said/ Amah Patit)، يشاركون في توجيه وقيادات مجموعات مسلحة، انبثقت بالأساس من قلب جماعة “أبو سياف” ، وبايعت تنظيم داعش في العراق وسوريا، وباتت تُعرف بـ”جنود الخلافة في شرق آسيا”.
ومع أن المعلومات التي ذكرتها القيادة الأمنية الماليزية حول القيادات الإرهابية الخمسة، اكتفت بالإشارة إلى دورهم في إطار مجموعات “جنود الخلافة في شرق آسيا”، إلا أن التدقيق في المعلومات المتاحة عن تلك المجموعات يكشف الكثير من التفاصيل عن الديناميات الداخلية للفرع الداعشي في المنطقة، والذي برز بشكل لافت،بعد سيطرته على مدينة ماراوي (عاصمة إقليم لاناو ديل سور، في جزيرة مينداناو في الفلبين)، منتصف عام 2017، قبل أن تتمكن القوات الفلبينية من طرده منها لاحقًا.
مجموعات جهادية متنافسة
ويتضح من قرار إدراج الإرهابيين الخمسة على قائمة المطلوبين، انتماء أغلبهم إلى مجموعة “الدولة الإسلامية- بسولو” وهي مجموعة جهادية تتركز في أرخبيل “سولو” (جنوب غربي الفلبين)، وترتبط بتنظيم داعش، مع عدد آخر من المجموعات الجهادية منها مجموعة “إسنيلون توتوني هبيلون Isnilon Totoni Hapilon“، التي انشقت معه عن جماعة أبو سياف، قبل مقتله في معركة ماراوي عام 2017، و جماعة “مقاتلي بانجسا مورو الإسلاميين من أجل الحرية Bangsamoro Islamic Freedom Fighters (BIFF)“، وكذلك جماعة “دولة لاناو الإسلامية” المعروفة بجماعة “ماوتي“، وجماعة “أنصار الخلافة في الفلبين“.
على أن مجموعة “الدولة الإسلامية بسولو”، ورغم تبعيتها الشكلية لـ”جنود الخلافة في شرق آسيا”، لم تكن متفقةً تمامًا مع بقية المجموعات الجهادية حول القيادة/ الإمارة العامة لفرع داعش وعلى آلية العمل المسلح، خاصةً في الفترة التي تلت مقتل “إسنيلون توتوني هبيلون Isnilon Totoni Hapilon“، إذ نصّب “حاطب هاجان سوادجان Hatib Hajan Sawadjaan“، نفسه أميرًا للفرع الداعشي، دون أن يتم اعتماده من قبل التنظيم المركزي في العراق وسوريا، بينما اختارت مجموعات أخرى تابعة لداعش “عويضة مروهمبصر Owaida Marohombsar” المكنى بـ “أبو دار Abu Dar” ورفيق “هبيلون” والذي ظهر إلى جواره (يمينه) في صور تداولتها أسبوعية النبأ الداعشية خلال معركة ماراوي- أميرًا لهم، ويبدو أن الأخير نجح في حيازة دعم غالبية المجموعات بالإضافة لدعم التنظيم المركزي، وصارًا “أمير لجنود الخلافة في شرق آسيا”، وهو ما تؤكده البيانات الصادرة عن الجيش الفلبيني.
ولا تبدو الخلافات بين المجموعات الجهادية المنضوية تحت راية داعش في شرق آسيا، أمرًا غريبًا بالنظر إلى طبيعة تلك المجموعات ومسيرتها القتالية التي سبقت انضمامها لداعش، فخلال العقد الأول من القرن الحالي، تعرضت جماعة “أبو سياف” الفلبينية إلى سلسلة من الانشقاقات والانقسامات أدت إلى تشظى الجماعة إلى مجموعات جهادية أصغر، تعمل كل منها بشكل مستقل.
وحفز تأسيس تنظيم “داعش” لخلافته المكانية في العراق وسوريا، في 2014، العديد من تلك المجموعات الجهادية على إعلان بيعتها/ ولائها له، وذلك للاستفادة من هذا الولاء في تعزيز وجودها واستقطاب مقاتلين جدد، مستفيدةً من الارتباط بتنظيم جهادي معولم، خصوصًا أن تلك الفترة شهدت تنافس كبير بين المجموعات الجهادية المختلفة وخصوصًا المجموعات الأصغر، ومنها: مجموعة أنصار الخلافة في الفلبين “AKS”، ومجموعة الخلافة الإسلامية في مينداناو “KIM”، ومجموعة مقاتلي بانجسا مورو الإسلاميين من أجل الحرية “BIFF”.
وبدوره لم يقبل “داعش” تلك البيعات، علنًا، لفترة طويلة، واضطر لقبولها عام 2016، بعد تعرضه لانتكاسات كبيرة في سوريا والعراق وليبيا وتعرض معاقله الرئيسية للحصار، ساعيًا بذلك للحفاظ على علامته الجهادية القائمة على فكرة “البقاء والتمدد” عبر استغلال الصراعات الممتدة والجماعات الجهادية المحلية.
قيادة متصارعة
بيد أن إعلان الولاء لداعش، لم يحسم التنافس والصراع بين المجموعات الجهادية في شرق آسيا، إذ استمرت كل مجموعة تعمل بشكل مستقل، حتى مع انتمائهم، من الناحية الشكلية، إلى كيان واحد هو “جنود الخلافة في شرق آسيا”، والذي يُفترض به أن يكون جزءًا من شبكة داعش العالمية.
وتمكن “داعش”، في 2017، من القفز مرحليًا على تلك الخلافات باختيار إسنيلون توتوني هبيلون، أميرًا لمن وصفهم بـ”جنود الخلافة في شرق آسيا”، وفق تعبير الصحفية الرسمية لداعش “أسبوعية النبأ”، لكن فرض التنظيم لأجندته وإستراتيجيته الخاصة على تلك المجموعات الجهادية، وتكليفه لهم بـ”مسك الأرض” وإعلان ولاية مكانية داعشية في ماراوي، ساهم بشكل غير مباشر في احتدام التنافس القيادي بين المجموعات الجهادية هناك، بعد مقتل عدد كبير من قادة تلك المجموعات من بينهم ” هبيلون”، وخليفته المحتمل “محمود أحمد“، الجهادي الماليزي الشهير الذي كان يُتوقع أن يقود داعش بعد مقتل سلفه، بالإضافة لـ “عمر ماوتي Omarkayam (Omar) Maute”، وعبد الله ماوتي Abdullah Maute” أميرا جماعة “دولة لاناو الإسلامية” المعروفة بجماعة “ماوتي”، والتي كان لها الدور الأبرز في السيطرة على مدينة ماراوي.
نتيجة غياب القيادة الموحدة، احتدم الصراع بين قادة المجموعات الجهادية المختلفة حول من يقود فرع داعش في شرق آسيا، وتركز الصراع بين المجموعات الموالية لـحاطب هاجان سوادجان، ونظيرتها التابعة لـ”عويضة مروهمبصر”.
ونجح “سوادجان” في الحصول على دعم حوالي 5 أو 6 مجموعات فرعية من المجموعات المبايعة لداعش أبرزها مجموعة “أجانغ-أجانغ” التي نفذت تفجيرات الكاتدرائية الكاثوليكية في جولو بجزيرة مينداناو، واجتمع تحت إمرته مابين 100: 200 مقاتل، في مقابل حيازة منافسه الأبرز “أبو دار” على دعم مجموعات أخرى يبلغ تعدادها بضعة مئات من المقاتلين، وفق التقديرات الرسمية الفلبينية.
ورغم وجود حالة من الازدواج القيادي داخل المجموعات المحسوبة على تنظيم داعش في شرق آسيا، إلا أن القيادة المركزية للتنظيم تحاشت الإعلان عن أمير عام بعد مقتل “إسنيلون هبيلون”، واكتفت بتبنى الهجمات والعمليات الإرهابية التي تشنها المجموعات الجهادية في المنطقة، دون الإشارة لقيادة موحدة لمن تصفهم بـ”جنود الخلافة”.
الروابط العائلية في الصراع القيادي بـ”داعش شرق آسيا”
وبنظرة مدققة إلى ديناميات القيادة داخل المجموعات الجهادية المحسوبة على داعش في شرق آسيا، يتبين أن عامل الولاء والروابط العائلية له دور بارز في صعود أمراء تلك المجموعات وضمان ولاء المقاتلين لهم، في ظل التنافس القيادي الحاصل بين أمراء الجماعات الجهادية، وذلك لاعتبارات عديدة منها العلاقات والولاءات الشخصية.
فعلى سبيل، لعبت القرابة العائلية دورًا في تدعيم قيادة حاطب هاجان سوادجان للمجموعات التي بايعته، لا سيما وأنه ينحدر من عائلة لها تاريخ طويل في العمل الجهادي داخل جزير مينداناو الفلبينية، وساهمت تلك الروابط أيضًا في بروز نجل شقيقه مندي سوادجان المعروف بـ”مودزيمار Mudzrimar “Mundi” Sawadjaan“، الذي تزايدت أهميته، منذ تولي عمه إمارة بعض المجموعات الداعشية، عام 2018، وحتى الآن.
ومن الواضح أن الخلافات القيادية الحاصلة على القيادة العليا لـ”جنود الخلافة في شرق آسيا”، والتي ظهرت بشكل أوضح، بعد مقتل “إسنيلون هبيلون”، الأمير الأول لداعش في المنطقة- عام 2017، لا زالت مستمرة حتى الآن، وخاصةً بين المجموعات التي كانت محسوبة على “حاطب هاجان سوادجان”، ونظيرتها المحسوبة على “عويضة مروهمبصر – أبو دار”.
ويبدو أن الخلافات الحالية- والتي لم يتم التركيز عليها بشكل كبير حتى الآن باعتبار الطبيعة السرية لتلك المجموعات وشح المعلومات الدقيقة المتوافرة عنها- متركزة بين ثلة من الأمراء الفرعيين، الذين صعدوا في السلم القيادي بعد مقتل القادة التاريخيين والبارزين للمجموعات الجهادية في شرق آسيا.
ومن بين أبرز القادة الحاليين للمجموعات الجهادية المحسوبة على داعش في شرق آسيا، “حاطب مجيد سعيد أو عمه بات Madjid Said -Amah Patit”، والذي تعتقد السلطات الأمنية الماليزية، أنه الأمير الفعلي لمجموعة “الدولة الإسلامية بسولو”.
وتشير بيانات الأجهزة الأمنية الفلبينية إلى أن “حاطب مجيد سعيد/عمه بات”، كان أحد القادة السابقين في جماعة “أبو سياف”، قبل أن يوالي تنظيم داعش، في حدود عام 2016، (بعد تأسيس الخلافة المكانية).
وينحدر أمير مجموعة “الدولة الإسلامية بسولو” من عائلة انخرطت في العمل المسلح، قبل سنوات، رغم أن عدد منهم استسلم بالفعل للجيش الفلبيني في وقت سابق، ويعد “حاطب مجيد سعيد/عمه بات”، واحدًا من أبرز المطلوبين لقوات الأمن الفليبنية والماليزية على حد سواء.
ولعل الخبرة السابقة لـ”حاطب مجيد سعيد/عمه بات” في العمل الإرهابي الممتد لسنوات داخل جماعة “أبو سياف” وكبر سنه نسبيًا، كانت أحد العوامل التي رجحت كفته لقيادة مجموعة “الدولة الإسلامية في سولو”، وذلك لأن المجموعات الجهادية المحلية في شرق آسيا تُفضل، غالبًا، اختيار القادة الأكبر في السن نسبيًا لتولي الإمارة، وفق “زام يوسا” الباحث الماليزي المتخصص في التطرف العنيف بشرق آسيا.
وفي إطار نفس المجموعة (الدولة الإسلامية في سولو)، يُعتبر “مندي سوادجان“، حاليًا، واحد من أهم القادة الحاليين للمجموعة، وحسب المعلومات المتاحة عنه، فإنه يقود مجموعة فرعية منشقة عن جماعة أبو سياف وموالية حاليًا لتنظيم “داعش”، تدعى “أجانغ أجانغ“، وتتكون من نحو 40 مقاتلًا، وفق تقديرات الشرطة الفلبينية، ووظف خبرته في صناعة المتفجرات في تنفيذ هجمات إرهابية منسقة داخل جزيرة “مينداناو”، أخطرها هجوم كاتدرائية “جولو” في عام 2019، والهجوم المزدوج الذي وقع في مدينة سولو في أغسطس/ آب 2019، وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
ونجح “مندي سوادجان”، خلال السنوات الماضية، في كسب زخم كبير في العمل الإرهابي، مستفيدًا من خبراته القتالية في تصنيع وشن الهجمات بالمتفجرات، وكذلك من الروابط العائلية التي تربطه بعدد من القادة السابقين والحاليين للمجموعات الجهادية في شرق أسيا، وفي مقدمتهم حاطب هاجان سوادجان، الذي قُتل في عام 2020، ومجيمار سوادجان (Sawadjaan Mujimar) الملقب بـ”راصاد”، والمدرج على قائمة أبرز المطلوبين التي أعلنتها قيادة شرق صباح الأمنية الماليزية سابقًا.
بين الانقسام والاستسلام
وفي مقابل تعدد وازدواج القيادة في مجموعة “الدولة الإسلامية بسولو”، تستمر الخلافات بين تلك المجموعة بقادتها المختلفين وبين مجموعات جهادية أخرى، أبرزها مجموعة “دولة لاناو الإسلامية” أو جماعة “ماوتي” التي تعد واحدة من أكبر المجموعات الموالية لداعش، في الوقت الراهن، وتضم المئات من المقاتلين.
واختارت مجموعة “دولة لاناو الإسلامية”/ جماعة ماوتي أن تُبايع “أبو زكريا”المعروف بـ”جير ميمبانتاس”، و”فهار الدين حاج ستار Abu Zacharia – Jer Mimbantas – Faharudin Hadji Satar“، أميرًا لـ”جنود الخلافة في شرق آسيا“، وذلك حسبما يؤكد الجيش الفلبيني.
وكان “أبو زكريا”، أحد النشطاء البارزين في جماعة “دولة لاناو الإسلامية”، وتولى إمارة المجموعة بعد مقتل “عويضة مروهمبصر- أبو دار “، في مارس/ آذار 2019، وسعى “أبو زكريا” لترميم الشبكات التنظيمية المحسوبة على داعش في شرق آسيا، واستقطاب وتدريب مقاتلين جدد داخل معسكره، في بلدة “ماجوينج ” الصغيرة شرقي بحيرة لاناو (في قلب جزيرة مينداناو Mindanao)، قبل أن يُضطر للفرار منه، خلال الأسابيع الماضية، بعد حملة عسكرية قادها الجيش الفلبيني لاستهدافه.
وعلى الرغم من أن تعرض مجموعات “دولة لاناو الإسلامية” بإمارة “أبو زكريا”، و”الدولة الإسلامية بسولو” بقيادة “مجيد سعيد/عمه بات”، و”مجموعة أجانغ أجانغ” بزعامة “مندي سوادجان”، إلى حملة استهداف مركزة من قبل قوات الجيش والأمن الفلبينية، إلا أن تلك المجموعات بقيت تعمل بشكل منفصل ومستقل عن بعضها البعض، لتدلل ضمنيًا أن الانقسامات التي تضرب المجموعات الجهادية في شرق آسيا الموالية لداعش، ستسمر ولن تفلح معها محاولات التنظيم لدمج تلك المجموعات في كيان واحد.
وبينما ينشغل أمراء المجموعات الداعشية في شرق آسيا بالانقسامات والصراعات القيادية بينهم، يواصل عناصر تلك المجموعات الانسحاب من المشهد والاستسلام لقوات الجيش والأمن الفلبينية، كما حدث مؤخرًا عندما استسلم نحو 40 جهاديًا في جزيرة مينداناو وألقوا أسلحتهم بعد سنوات من العمل الإرهابي، مؤكدين أن الحفاظ على حيواتهم أفضل من البقاء داخل تلك المجموعات التي ينشغل قادتها بصراعاتهم لكسب النفوذ والسيطرة على أجساد ودماء أتباعهم.