مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا بدأت دائرة المعارضة في الداخل تتوسّع أكثر فأكثر على أصعدة مختلفة سياسياً وشعبياً إذ قمعت الشرطة الروسية العديد مِن التظاهرات التي خرجت تندد بالغزو الروسي. تلك الحالة امتدت إلى الإعلام الروسي وقد تجلّت في الحركة الإحتجاجية التي ظهرت في خلفية إحدى نشرات الأخبار والتي سرعان ما تمَّ تداركُها. بعد ذلك عمّ التعتيم كلّياً على كلّ حركةٍ إحتجاجية منعاً لخروجِها إلى العلن وذلك من خلالِ عقوباتٍ وصلت إلى حدِّ السجن.
في ظلّ أجواء التعتيم الحاصلة تمكّنت أخبار الآن من الحصولِ على بعضِ الوثائق التي تفيدُ بأنَّ بوتين يوجهُ الإعلام خدمةً للدعاية له ممارساً بالتالي أعلى درجاتِ الرقابة.فعقب انطلاق غزو روسيا لأوكرانيا، تمّ اختراق عشرات المنظمات الروسية، بما في ذلك الوكالات الحكومية وشركات النفط والغاز والمؤسسات المالية، وقد سُرّبت البيانات “المهكرة” على الإنترنت. مجموعة تلك البيانات التي تمّ اختراقها، نُقلت من قبل متسلّلين مجهولين إلى موقع دي دو سيكرتس (DDo Secrets)، الذي يهتم بنشر البيانات “المهكرّة” والوثائق المسرّبة.
- تعرّضت العشرات من الشركات والوكالات الحكومية الروسية للقرصنة في انتقام واضح لغزو أوكرانيا
- أخبار الآن تنشر عدداً من البيانات تفيد بأنّ الروس يعملون على تضييق الخناق على وسائل الإعلام
- هيئة الرّقابة الفيدرالية الروسية بدأت بعملية مراقبة الاحتجاجات في روسيا منذ العام 2020
- لوريكس هورن من DDoSecrets لأخبار الآن: “لم نرَ مثل هذا الكم الهائل من البيانات من روسيا من قبل
“أخبار الآن“ حصلت على المئات من تلك البيانات التي نشرها موقع Meduza و DDo Secrets، وعلمت أنّ الرقابة الفيدرالية الروسية (RKN)، بدأت في مراقبة الإحتجاجات في روسيا منذ العام 2020، إذ تم إرسال تقارير يومية عديدة إلى مختلف الوكالات الحكومية الروسية، بما في ذلك جهاز الأمن القومي الروسي، للعمل على تدارك اي محاولة لزعزعة استقرار المجتمع الروسي.
في ذلك السياق، قال لوريكس هورن (Lorax Horne)، وهو عضو في مجموعة DDoSecrets لـ”أخبار الآن“: “لم نرَ مثل ذلك الكم الهائل من البيانات من روسيا من قبل، فعدد التسريبات بعد غزو أوكرانيا، يفوق كلّ التسريبات الروسية قبل الغزو”. وتابع: “الروس حاولوا محو الوثائق من على موقعنا، لكنّنا كنّا مدركين لمثل تلك الإحتمالات، ونحن نعرف مَنْ يحاول تعطيل عملنا، لذلك نقوم بتخزين نسخ عديدة من الأرشيف بأكمله في أماكن متعدّدة، لحمايته ومنع اختراقه”.
وقد سُرّبت الوثائق من قبل أشخاص مجهولين إلى “DDo Secrets”، وهي تحتوي على بيانات من شركة البث الإذاعي والتلفزيوني لعموم روسيا، المشار إليها باسم “VGTRK”، محطة البث المملوكة للدولة في روسيا وهي تدير عشرات المحطات التلفزيونية والإذاعية في كل أنحاء روسيا، بما في ذلك المحطات الإقليمية والوطنية والدولية بلغات عديدة. ويخبر الموظفون السابقون في VGTRK أنّ الكرملين كان يملي في كثير من الأحيان، تعليمات حول كيفية تغطية الأخبار.
هيئة الرقابة الفيدرالية الروسية “RKN” لديها نظام مراقبة آلي جديد يُسمى بمكتب التفاعل التشغيلي (AS KOV). وفي ديسمبر العام 2020، أعلنت الهيئة أنّها تخطّط لإنفاق 7 ملايين روبل لتجهيز مركز تردّدات الراديو الرئيسي الذي يراقب وسائل الإعلام والإنترنت، مع استحداث تطبيق “AS KOV” على الهواتف، كجزء من منصة رقمية موحّدة لمراقبة كافة وسائل الإعلام الروسية.
وبعد ذلك، أمرت لجنة مكافحة التطرّف بتطوير النظام لتسهيل العمل بين الإدارات على مراقبة وسائل الإعلام والإنترنت، بحثاً عن محتوى “قادر على زعزعة استقرار الوضع الإجتماعي والسياسي لروسيا”، والعمل على منعه فوراً.
ومن خلال استخدام نظام المراقبة الآلي لمكتب التفاعل التشغيلي، ترسل هيئة الرقابة الفيدرالية الروسية تلك التقارير إلى المكاتب المركزية والفروع المحلية لخدمة الحماية الفيدرالية (FSB) ووزارة الداخلية (قوة الشرطة الروسية)، بالإضافة إلى الحكومات الإقليمية والمفتشين العاملين في الكرملين.
وتشير المواد التي تمّ استردادها من تجارب RKN، إلى أنّ عمل المراقبة مصمم لتغطية كلّ موارد وسائل الإعلام، باستثناء ما تسميه الوكالة المنافذ “الموالية للدولة”.
كما تظهر الصورة أعلاه، فإنّ هيئة الرقابة الفيدرالية الروسية تقسّم كلّ مصادر المعلومات التي تراقبها إلى فئتين رئيسيتين: بروباغندا وقوة ناعمة. كل تقرير يحتوي على معلومات مناهضة للحكومة الروسية، أو يتحدّث عن “حالات عدم الإستقرار الاجتماعي”، يؤخذ في اعتبار هاتين المجموعتين المذكورتين أعلاه، ويصنّف على اساسهما وفق ما تقتضيه الضرورة.
في الصورة أعلاه، وثيقة تمّ إرسالها من لجنة الإنتخابات الحكومية التّابعة للحكومة الروسية إلى الرئيس التنفيذي لـ VGTRK (شركة عموم روسيا للراديو والتلفزيون الحكومية)، وهي تطلب نوعاً من الإعلان المجاني ونشر إعلانات مجانية على التلفزيون والراديو ووسائل الإعلام الحكومية، حول الإستفتاء على التعديل الدستوري الذي يسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالبقاء في الحكم، ودعم ذلك التعديل الدستوري وإقناع الرأي العام الروسي به.
غالبية المصادر التي قدمت البيانات الروسية هم أفراد مجهولون، والعديد منهم يعرّفون على أنفسهم كجزء من حركة “أنونيموس للقرصنة”. وفي التغريدة أدناه، مثال على أحد “المهكّرين” المجهولين الذين يعملون على التسلسل إلى المنظمات والدوائر الروسية للحصول على البيانات والوثائق.
JSC Bank PSCB, you are now controlled by Network Battalion 65. We're very thankful that you store so many credentials in Chrome. Well done.
It's obvious that incident response has started. Good luck getting your data back without us.
Tell your government to GTFO of #Ukraine pic.twitter.com/1HYikMU99N— NB65 (@xxNB65) April 18, 2022
كذلك في الصورة أدناه، يوجد اقتراح لفيلم “أوكرانيا الألمانية”… ذلك الإقتراح تم الترويج له قبل أسبوعين من غزو أوكرانيا، وقد تلقّت مؤسسة الإعلام الحكومية الروسية ذلك الإقتراح، مع الإشارة إلى أنّ “أوكرانيا الألمانية” يركّز على التعاون النازي في أوكرانيا.
أخبار الآن سألت الباحث أريك تولر (Aric Toler) عن ذلك البريد الإلكتروني، فقال: “البريد أُرسل إلى مؤسسة الإعلام الحكومية الروسية قبل أسبوعين من غزو أوكرانيا، وفي ذلك الوقت كانت الدعاية تتزايد حول غزو محتمل لأوكرانيا. وبعتبر ذلك الإقتراح مثيراً للإهتمام لأنّه اقتراح لفيلم يقدمونه إلى مؤسسة الإعلام الحكومية، فهم لديهم شركة إنتاج، وذلك الفيلم “أوكرانيا الألمانية” سيكون عبارة عن فيلم وثائقي يركّز على التعاون النازي في أوكرانيا، وكيف أن أوكرانيا نفسها دولة نازية، ومن الواضح أن روسيا لها عادة في تكثيف الدعاية ضدّ أوكرانيا”.
تجدر الإشارة إلى أنّ غزو روسيا لأوكرانيا أدّى إلى هجوم عالمي على الفضاء الإلكتروني استهدف بأغلبية ساحقة الحكومة الروسية، فيما وصفت وزارة التحوّل الرقمي الأوكرانية تلك الهجمة بأنّها “الحرب الإلكترونية الأولى في العالم”.
ما تقدّم في ذلك المقال قلة من وثائق تتظهّر تباعاً وربما تكون من الأهم كونها تفيد بكيفية سعي النظام في روسيا إلى إملاء ما يريده على الرأي العام الروسي رافضاً أيَّ صوتٍ يعارض مخططات بوتين الدموية.
شاهدوا أيضاً: بوتشا تحولت إلى مقبرة كبيرة وجثث كثيرة مازالت مطمورة..