تترافق الحرب الروسية في أوكرانيا مع تطوير الصين ترسانتها النووية، وسط تزايد مخاوفها من عقوبات أمريكية كتلك المفروضة على روسيا، ترى أن مواجهتها المُثلى تكون بغزو تايوان مهد له الرئيس الصيني عبر إصدار قرار يسمح له القيام بعمليات عسكرية خارجية، خارجة عن نطاق الحرب. فكيف هو المشهد في الصين، وأي خطر يهدد الأمن العالمي لاسيما على ضوء تطوير الصين نظامها النووي الذي أصبح يتضمن آلاف الرؤوس النووية، التي يصل بعضها الى مدن في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما جديد خطة بكين بشأن تحويل القطارات السريعة إلى منصات لإطلاق صواريخ نووية؟
- بكين تعيد العمل بمشروع تحويل القطارات السريعة إلى منصات لإطلاق صواريخ نووية
- آلاف الرؤوس النووية مجهزة في خيلونغ جيانغ الصينية تصل بعضها إلى ولايات أمريكية
- مواقف صينية رسمية تتحدث عن غزو تايوان إن فرضت واشنطن عقوبات على بكين
- إنتخابات رئاسية صينية العام الجاري تُحتّم على شي جينبينغ القيام بعملية كبيرة للبقاء بالسلطة
التعزيز النووي الذي تضطلع به الصين في السنوات الأخيرة هو الخطر الأَولى بالاهتمام عالميا
مايكل شومان
تسعُ دول في العالم تمتلك ما يقرب 14 رأساً نووياً، بحسب رابطة الحد من الأسلحة. الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، باكستان، الهند، كوريا الشمالية وإسرائيل. هي دول تمتلك كلٌّ منها ترسانة نووية، بعضها وَقّع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، الهادفة لنزع السلاح النووي تدريجياً، وأُخرى رفضت.
لكن يبقى حجم الترسانة النووية لكل دولة غير دقيق، تماماً كما هو حال الصين التي تحلّ في المرتبة الثالثة من حيث حجم الترسانة النووية بعد روسيا والولايات المتحدة، من دون معرفة الحجم الحقيقي لمخزونها التشغيلي من الرؤوس الحربية النووية، والذي يُقدر بنحو 350 رأساً نووياً بحسب رابطة الحد من الأسلحة التي تشير في تقاريرها، إلى أنّ الصين تُسرّع من تطوير ترسانتها النووية بشكل مضطرد، ومن المتوقّع أن تصل إلى 1000 رأس نووي بحلول العام 2030، بحسب تقرير حول التطورات العسكرية والأمنية الصينية صدر عن البنتاغون في الثالث من تشرين الثاني العام 2021.
العام 2017، وخلال المؤتمر الوطني الـ 19 للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ عن الاستراتيجية الوطنية لتحقيق ما أسماه، “التجديد العظيم للأمة الصينية”، عبر تحويل جيش التحرير الشعبي الصيني إلى قوّة عسكرية عالمية، رابطاً الهدف بمهلة زمنية تنتهي في منتصف القرن الحادي والعشرين.
وبحسب مطَّلعين، فإنّ توسيع البحث النووي لرفع الترسانة النووية يأتي في صلب تلك الإستراتيجية التي عبّر عنها التقرير الصيني الدفاعي، الصادر العام 2019، والذي حمل عنوان ورقة الدفاع الوطني الصيني في العصر الجديد، يبرر فيه الحزب الشيوعي الصيني خطة توسيع ترسانته النووية من باب ما يعرف بالـ (active defense) أو “الدفاع النَشط”، الذي اعتبرته الباحثة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام لورا سلمان غير كاف لتفسير حجم الإستثمار الصيني الكبير في القطاع النووي.
وفي ورقتها البحثية التي حملت عنوان “الإبحار في التقارب النووي والفضائي الصيني الروسي”، اعتبرت سلمان أنّ الأنشطة النووية الصينية تتخطى نهج الدفاع النشط، وتضع بكين في خانة الهجوم لا الدفاع، شارحة حجم التقدم المتمثل بالتوسّع النووي لصوامع الصاروخ البالستي العابر للقارات، واختبار نظام قصف مداري جزئي يستخدم مركبة إنزلاقية يفوق سرعة الصوت، وتطوير البرنامج الفضائي بشكل لافت. وعليه تستنتج سلمان أنّ الصين لا تطوّر برنامجها النووي لحماية نفسها فقط، بل إنّها تستعد لما يتخطى الاستخدام السياسي لإنتاج السلاح النووي.
في ذلك السياق، يقول الباحث في مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي مايكل شومان، في مقال له نُشر في موقع “ذي أتلانتك”، إنّ “التعزيز النووي الذي تضطلع به الصين في السنوات الأخيرة هو الخطر الأَولى بالاهتمام عالمياً”. ويضيف أنّ “العلاقات بين بكين وموسكو أكثر وُدّاً ممّا كانت عليه منذ خمسينات القرن الماضي، وكأنّ البلدين يُعوضان فرصة ضائعة من الحرب الباردة بدعم بعضهما البعض في الهجوم على النظام العالمي”.
على ذلك الخط، وعشية الغزو الروسي لأوكرانيا، تحديداً في الرابع من فبراير 2022، التقى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ في العاصمة الصينية بكين على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية، معلنان حقبة جديدة في الشؤون الدولية محورها التوافق الاستراتيجي في الشق النووي، ومواجهة ما اعتبراه “الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي”.
وأواخر الشهر نفسه، وقبل مضي أسبوع على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلن بوتين وضع قوات الردع الروسية التي تضمّ أسلحة نووية في حالة تأهب قصوى، لتتجه بذلك أنظار العالم إلى القطاع النووي الذي ضاعفت الصين الإستثمار فيه إبّان الغزو الروسي، وذلك على عدة خطوط، أبرزها تلك المرتبطة بخطة استخدام القطارات السريعة كمنصّات لإطلاق صواريخ نووية تصل إلى العمق الأوروبي والأميركي، وسط تقارير أكّدت أنّ الصين أجرت تجارب إطلاق صاروخ نووي من طراز DF – 41 من قطار سريع.
وفي السياق نشرت جامة جنوب غرب جياوتونغ الصينية الأبحاث التي حضرتها بتمويل من الحكومة الصينية، التي راودها حلم تحويل القطارات السريعة إلى منصات لصواريخ نووية منذ أوائل تسعينيات القرن المنصرم، عندما حصلت بكين على تكنولوجيا المحركات الصاروخية الصلبة التي طوّرها الاتحاد السوفياتي لاستخدامها في الصواريخ التي تُطلق من الغواصات.
هنا تقول الباحثة الصينية المتخصصة بشؤون الحزب الشيوعي الصيني الحاكم والناشطة الحقوقية جنيفير زينغ (Jennifer Zeng)، لـ “أخبار الآن“، إنّ “إطلاق أسلحة نووية من القطارات يعتبر من المفاهيم التقليدية التي كان الحزب الشيوعي الصيني يستعدّ لها منذ زمن طويل، لكن بما أنّ تلك القطارات مجهّزة بكابلات كهربائية، لا يمكن استعمالها كلّها لإطلاق صواريخ، لذلك تعتبر القطارات السريعة مناسبة لما يسمى بالأسلحة النووية التكتيكية”.
وأضافت: “لكن بالنسبة إلى الأسلحة النووية الاستراتيجية، مثل “دونغ فونغ 41″ والصواريخ البالستية، فسبق أنْ بدأ الحزب الشيوعي باستعمال نظام انحرافات جيومغناطيسي لها، وبالتالي لا حاجة لاستعمال الملاحة عبر الأقمار الصناعية”.
وأشارت زينغ في حديثها إلى أنّ “لقاءً سريّاً عسكرياً عقده شي جينبينغ لتأمين الحشد اللازم لعملية عسكرية غير حربية”، قائلةً: “سيتمّ نشر صواريخ دونغ فونغ 41 ومنصات ووخو لإطلاق الصواريخ في خيلونغ جيانغ، وسيستهدف أحد الصواريخ العاصمة الأمريكية واشنطن بينما يستهدف آخر ولاية تكساس”. وأردفت بالقول إنّ “النظام الصيني جهّز آلاف الرؤوس النووية التي يصل بعضها إلى كلّ من العاصمة الأمريكية واشنطن وولاية تكساس”.
3 قواعد تضعها الصين لنفسها، تُجيز لها إستخدام السلاح النووي
في السياق ووسط التقارير البحثية التي تتناول التغيّر الحاصل في السياسة النووية الصينية، تحدثت زينغ عن 3 قواعد جديدة وضعها الحزب الشيوعي الصيني العام 2018، “تُجيز” له استخدام السلاح النووي. وتُشكل تلك القواعد خرقاً فادحاً لمواد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولما سبق أن تعهّدت به الصين كسائر الدول النووية، وهو عدم المبادرة في استخدام السلاح النووي. تلك القواعد هي كالتالي:
- إذا تعرضت المنشآت النووية الصينية لهجوم بصرف النظر عن طبيعته
- إذا تعرضت الصواريخ الجوية الاستراتيجية والغواصات النووية لهجوم من أسلحة نووية أو تقليدية
- إذا تعرضت الأراضي الصينية أو المشاريع الصينية إلى هجوم من عدو
لماذا ترفع الصين من إستثمارها في الأسلحة النووية؟
تقول زينغ لـ “أخبار الآن” إنّ “الصين لا تقدر على مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً إلّا عبر السلاح النووي”، معتبرة أنّ استثمار الصين في الأسلحة النووية خيار ينتهجه الحزب الشيوعي الحاكم الذي يدري أنّ مواجهته النظام العالمي بأسلحة نووية، هو المسار الوحيد الذي يجعل منه منتصراً لأنّ الصين “على عكس الشعوب والأنظمة العالمية لا تكترث إطلاقاً إلى عدد الضحايا أو الأشخاص الذين ستقع على عاتقهم تضحيات في تلك العملية، وهي تعلم أنّ الحكومات في الدول الغربية كما الرأي العالم الغربي، تولي أهمية كبيرة للأرواح البشرية”، بحسب قولها.
نشوب حرب عالمية ثالثة يكون لصالح الصين، فلا مشكلة إن ضحينا بأربعمئة مليون إنسان إن نجحنا بتغيير العالم
ماوتسي تونغ
وعلى ذلك الخط، كشفت زينغ أنّ “أحد أبرز الوجوه الأكاديمية في الحزب الشيوعي الصيني، وهو يُدعى “جن ون لينغ”، قال في تصريح له منذ فترة إنّ على بلاده مواجهة أي عقوبات أمريكية تفرض على الصين كتلك التي تفرض على روسيا، عبر غزو تايوان لاستردادها”.
ويوم الإثنين 13 يوليو 2022، وقّع الرئيس الصيني تشي جينبينغ على أمر بإصدار عدد من الخطوط العامة التجريبية بشأن العمليات العسكرية بخلاف الحرب، أي بكلام أخر، قراراً يسمح له بالقيام بعمليات عسكرية خارجية لا تندرج تحت خانة الحرب.
القرار يضم 59 مادة تشكّل القاعدة القانونية للعمليات العسكرية، ودخل حيّز التنفيذ يوم الأربعاء 15 يوليو. أمّا الهدف منه بحسب الصين، فهو “حماية أرواح الشعب وممتلكاته وحماية السيادة الوطنية والأمن ومصالح التنمية وحماية السلام العالمي والإستقرار الإقليمي”، في حين أنّه يعيد إلى الأذهان القرار الذي كان قد اتخذه بوتين عشية إطلاقه العلملية العسكرية الروسية. لذلك تلوح في الأفق عملية عسكرية صينية شبيهة بتلك الروسية.
تقول زينغ لـ “أخبار الآن” إنّ “الحزب الشيوعي الصيني الحاكم يتوقّع عقوبات أمريكية مدمّرة، ويعتقد أنّه يجب عليه التحرّك بشكل أكثر حزماً ضدّ تايوان، لكن القيادة تعلم أنّ أيّ هجوم على تايوان سيستدعي مواجهة مع الولايات المتحدة أو اليابان، لذلك ستكون تبعات العملية ضخمة، وربّما نكون أمام حرب عالمية ثالثة بدأت بالفعل من دون أن يدركها أحد أو يعلن عنها”.
في السياق تعود زينغ إلى فكرة الحرب العالمية لدى الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، التي اعتبرها مؤسسه ماوتسي تونغ ضرورة العام 1955، يوم رأى في تصريحاته أنّ نشوب حرب عالمية ثالثة سيكون أمراً مربحاً للصين، إذ قال: “بعد الحرب العالمية الأولى أصبحنا دولة إشتراكية في اتحاد سوفياتي، أمّا بعد الحرب العالمية الثانية أصبحنا في تحالف اشتراكي، لذا إذا خضنا حرباً عالمية ثالثة فسنحقق وحدة عالمية إشتراكية”.
وذكّرت زينغ بكلام ماوتسي تونغ الذي يحذو شي جينبينغ حذوه، يوم قال إنّ “نشوب حرب عالمية ثالثة يكون لصالح الصين، فلا مشكلة إنْ ضحينا بـ 400 مليون إنسان إنْ نجحنا بتغيير العالم”.
وتحدثت عن تصريحات مسؤول بارز في الحزب الشيوعي الصيني الحاكم اعتبر العام 2005 في كلمة له في هونغ كونغ، أنّ على الصين “القتال بالأسلحة النووية من دون الإهتمام بعدد الضحايا التي يخلّفها ذلك إذا ما هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية أراض صينية”.
وختمت: “لم يكن بوتين ليدخل في الحرب على أوكرانيا لولا الدعم اللامتناهي الصيني، والإتفاق المفتوح الذي صار بين الرئيسين الروسي والصيني قبل الحرب، وحتى قبل اللقاء الذي جمعهما على هامش الأولمبياد في فبراير من العام الجاري”.
مخاوف في تايوان
أحيا الصراع الأوكراني الروسي المخاوف في تايوان التي تعتبرها الصين مقاطعة متمرّدة يجب إعادة توحيدها مع البر الرئيسي، وبالقوّة إذا لزم الأمر، حيث تعتبر بكين أنّ الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي جزء من أراضيها، وكررت مراراً أنّها عازمة على استعادة السيطرة عليها ولو بالقوّة.
في ذلك السياق، سألت “أخبار الآن“، فيكتور غاو، وهو مسؤول صيني سابق، عن أيّ غزو صيني محتمل لتايوان، فردّ بالقول وقد بدا الغضب على وجهه: “هناك صين واحدة، وتايوان هي جزء من الصين، تلك هي الحقيقة، ذلك ما يعرفه العالم أجمع، ولا يمكن الإدّعاء بأن أحداً لا يعلم ذلك… هناك صين واحدة و تايوان هي جزء من الصين”.
في الختام، يتوسّع الإستثمار الصيني في الحقل النووي، من دون معرفة الحجم الحقيقي للترسانة النووية، التي يوليها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم أهمية كبيرة في الحفاظ على مصالحه.
ويأتي ذلك قبل أشهر من انتهاء ولاية الرئيس شي جينبينغ الذي لن ينجح بالتجديد لنفسه للمرّة الثالثة، إلّا إذا دخل بمواجهة مع الغرب تعطيه صكّاً للبقاء في السلطة للمرّة الثالثة على التوالي، على الرغم من فشله في التعاطي مع الأزمة الصحية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، كما رأت زينغ في حديثها لـ أخبار الآن.