الجهاديون بعد مقتل أيمن الظواهري بين الإنكار والانقسامات
عبر قناة خاصة بمشرفي الجبهة الإعلامية العالمية، التابعة للجناح الدعائي لتنظيم القاعدة، طرح “محب بالله”، أحد أنصار التنظيم سؤالًا عن حال ومصير أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة (المقتول)، بعد ساعات من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن نجاح الولايات المتحدة في اغتياله بطائرة مسيرة في حي “شربور” المركزي (الحي الدبلوماسي) في العاصمة الأفغانية كابل، لكن هذا السؤال بقي دون إجابة، لساعات قبل أن يرد عليه أحد المشرفين بأنهم لا يملكون معلومة واحدة وينتظرون مؤسسة السحاب، وسط حالة صمت استثنائية من جميع المنصات الدعائية للقاعدة بما فيها القنوات الرسمية لمؤسسة السحاب وغيرها.
أظهرت حالة الصمت التي عمت منصات القاعدة الدعائية، مدى الصدمة التي تلقاها التنظيم بمقتل زعيمه أيمن الظواهري
كشف الارتباك الذي سيطر على التنظيم ودفعه لعدم الكشف عن أي تفاصيل حول مصير “الظواهري”أو حتى تأكيد نبأ الاغتيال، على غرار ما فعل سابقًا عندما قُتل الزعيم الأسبق للقاعدة أسامة بن لادن، في آبوت آباد، عام 2011، إذ سارع التنظيم لتأكيد مقتله وأعلن عن تكليف سيف العدل (محمد صلاح زيدان) أميرًا مؤقتًا له.
وفي مقابل صمت القاعدة الرسمي، أثار الإعلان عن مقتل أيمن الظواهري حالة واسعة من الجدل، وتبعته ردود عديدة من قبل التيار الجهادي وكوادره الحاليين والسابقين.
أنصار القاعدة يتجاهلون إعلامه الرسمي
وبدورهم، تجاهل أنصار تنظيم القاعدة منصاته الإعلامية الرسمية، وأكدوا صراحة الراوية الأمريكية بشأن مقتل الظواهري، ناشرين عبارات الرثاء والنعي لزعيم التنظيم المقتول، وذلك على الرغم من سعي بعض كوادر القاعدة للتكتم على هذه الأنباء بدعوى انتظار التأكيد من قيادة القاعدة العليا أو قيادة حركة طالبان.
ووفقًا لـ”أبو السيف المصري”، الذي يُعرف نفسه على مواقع التواصل بأنه أحد كوادر القاعدة المتواصلين مع القيادة العليا للتنظيم، فإن “القادة الكبار” في القاعدة كلفوه بمطالبة عناصر القاعدة بالكف عن الحديث حول مقتل أيمن الظواهري، وانتظار البيان الرسمي الذي سيُعلنه التنظيم، على حد تعبيره.
وعلى نفس المنوال، سار أبو محمد المقدسي، المنظر الجهادي الشهير، الذي قال في تدوينة له عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر إنه لا يمكن التسليم بصحة وصدق نبأ مقتل أيمن الظواهري إلا بإعلان رسمي من قبل التنظيم، مضيفًا أن الولايات المتحدة سبق أن أعلنت عن استهداف زعيم القاعدة (المقتول) دون أن تثبت صحة هذه الأنباء.
وأردف “المقدسي” أن أيمن الظواهري كان عدوًا للولايات المتحدة الأمريكية والأنظمة العربية، والمؤسسات الدينية الرسمية، وأتباع المنهج السلفي المدخلي والجامي، وأنصار أيدولوجيا الجهاد المحلي (الذين يسميهم المميعة)، والخوارج (في إشارة منه لتنظيم داعش)، على حد قوله.
لا زال جزء من الجهاديين المحسوبين على القاعدة ينكرون نبأ مقتل زعيم التنظيم
رغم اعتراف مصادر حكومية أفغانية بمقتل أيمن الظواهري في كابل، واعتبار المتحدث باسم طاليان ذبيح الله مجاهد بأن الهجوم الذي استهدف أيمن الظواهري يُمثل انتهاكًا للسيادة الوطنية الأفغانية، لا زال جزء من الجهاديين المحسوبين على القاعدة ينكرون نبأ مقتل زعيم التنظيم.
وفي المقابل، أكد إسماعيل بن عبد الرحيم حميد، أمير ما يُعرف بجيش الأمة السلفي في غزة وهو فصيل جهادي موالي لتنظيم القاعدة، نبأ مقتل أيمن الظواهري، وأعلن أنه سيفتح بيت عزاء في بيته لتلقي عزاء زعيم القاعدة، قبل أن يعود ويعلن إلغاءه بسبب استدعاء الجهات الأمنية في غزة له.
وقال أبو عبد الله الشامي، أحد المنظرين الجهاديين المحسوبين على القاعدة في سوريا، إن أيمن الظواهري قضى عمره في الهجرة والقتال وله تجربة حركية نادرة، مضيفًا أن تلك التجربة انتهت بمقتله، على حد قوله.
ونشر عناصر وأنصار القاعدة صور أيمن الظواهري مصحوبة بعبارات الرثاء والتعزية له، قائلين إن زوجته وأولاده قتلوا، عام 2001، في قصف أمريكي على أفغانستان أيضًا، بينما حاول آخرون التقليل من شأن مقتل زعيم القاعدة قائلين إن نبأه مقتله لو صح، لا يعني هزيمة التنظيم، على حد تعبيرهم.
رفاق الظواهري “التائبين” يرثون أمير القاعدة
وانضم رفاق أيمن الظواهري السابقين من عناصر الجماعة الإسلامية المصرية، وتنظيم الجهاد المصري إلى أنصار القاعدة في رثاء زعيمه، فكتب الدكتور كمال حبيب، الباحث في الحركات الإسلامية والذي كانت له تجربة سابقة مع تنظيم الجهاد، أن أيمن الظواهري كان يخوض معركة ضد الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يُقتل بصاروخ أمريكي، مردفًا أنه يعز عليه ألا يرثي أحد زعيم القاعدة المقتول، على حد وصفه.
وأضاف عاصم عبد الماجد، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية المصرية سابقًا، وأحد القادة التاريخيين لها، أنه عاش مع أيمن الظواهري لمدة 3 سنوات في عنبر صغير بسجن ليمان طرة بمصر، إبان سجنهما على ذمة قضية اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات وهي القضية المعروفة بقضية الجهاد الكبرى، وتعامل معه عن قرب، مشيرًا إلى أن الجماعة الإسلامية اختلفت معه ومع أسامة بن لادن في استهداف الولايات المتحدة وتنفيذ هجمات 11 سبتمبر لكن ذلك لا يمنعها من الحزن على مقتله، على حد تعبيره.
وأوضح عاصم عبد الماجد أن القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية المصرية طالبت عناصرها وقادتها المتواجدين في أفغانستان، خلال تسيعينيات القرن الماضي، بأن لا يدخلوا في حلف مع القاعدة، كما وجه الأخيرين نصيحة لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري بأن لا يخالفوا توجيهات أمير حركة طالبان الملا محمد عمر، والتي نصت على عدم فتح جبهة قتالية مع الولايات المتحدة، لكن أسامة بن لادن أبلغهم (قيادات الجماعة الإسلامية المتواجدين في أفغانستان) بأن الوقت قد فات بمعنى أنه أرسل توجيهاته بشن هجمات 11 سبتمبر، معتبرًا أن ما فعله أسامة بن لادن وأيمن الظواهري كان خاطئًا، على حد وصفه.
كما نشر قادة وعناصر بجماعة الإخوان المسلمين في مصر تدوينات لنعي أيمن الظواهري بعد مقتله، وقال الدكتور وصفي عاشور أبو زيد، أحد أبرز المحسوبين على جماعة الإخوان، إن الولايات المتحدة قتلت أيمن الظواهري من أجل معركة انتخابية سياسية، على حد تعبيره.
الجهاديون السوريون ومقتل الظواهري: رثاء وتلميح للخلافات
وعلى صعيد متصل، حاول جهاديو سوريا وفي مقدمتهم قيادات هيئة تحرير الشام استغلال مقتل أيمن الظواهري للترويج لأنفسهم، فكتب أبو عبد الله الشامي عبد الرحيم عطوان، (وهو بخلاف أبو عبد الله الشامي المحسوب على القاعدة)، إن أيمن الظواهري عاش من أجل مشروعه القتال، مضيفًا أنه لا ينبغي ذكر أي شيء عنه في الوقت الحالي إلا تجربته التي عاش ومات من أجلها، على حد تعبيره.
وتحمل عبارات عبد الرحيم عطوان، في طياتها، دعوة لجهاديي هيئة تحرير الشام بعدم انتقاد أيمن الظواهري الذي كان على خلاف كبير مع الهيئة وهاجم قادتها ومنهم أبو محمد الجولاني، وأبو عبد الله الشامي (عبد الرحيم عطوان)، ووصفهم بأنهم حاربوا كل من ارتبط بتنظيم القاعدة، في رسائله وإصدارته الدعائية التي نُشرت قبل مقتله.
وسبق لعبد الرحيم عطوان أن هاجم أيمن الظواهري، واتهمه بترك إدارة القاعدة لقادة التنظيم المتواجدين في إيران (سيف العدل، وأبو محمد المصري قبل مقتله عام 2020)، قائلًا إن الأخيرين يتواجدن في دولة عدو (إيران) ومع ذلك يتحكمان في فرع القاعدة السوري السابق الذي صار حاليًا هيئة تحرير الشام.
ومن جهته، نشر مزمجر الشام، الجهادي السوري الشهير، مقتطفات من رسائل أيمن الظواهري السابقة لـ”أبو عبد الله الحموي، أمير حركة أحرار الشام سابقًا، قائلًا إن زعيم القاعدة المقتول أوصاهم بالاعتماد على وثيقتن كتبهما وهما: توجيهات عامة للعمل الجهادي، ونصرة الإسلام، كما طلب من قيادة هيئة أحرار الشام أن يمدوه بنصائح ليستفيد منها، وكلف أبو خالد السوري، القيادي الجهادي البارز الذي قُتل لاحقًا، بإدارة الأمور داخل سوريا وتنسيق العلاقات بين الفصائل المحسوبة على القاعدة.
وكشف مزمجر الشام أن أبو خالد السوري استبعد، خلال إحدى الجلسات السابقة له، أن يتولى سيف العدل محمد صلاح الدين زيدان، إمارة تنظيم القاعدة لأنه رجل بسيط ولا يملك القدرة على إدارة شؤون التنظيم، ملمحًا إلى أن تقدير “السوري” جاء في سياق مختلف وقبل مقتل أبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، الذين شغلا منصب النائبين الأول والثاني لزعيم القاعدة، سابقًا.
تؤكد تدوينات مزمجر الشام، أن تنظيم القاعدة أصبح في خضم مُعضلة قيادية تتعلق باختيار زعيم بديل لأيمن الظواهري
فمن ناحية هناك اعتراضات على سيف العدل (المصاب بمتلازمة طهران) وشكوك في قدراته على قيادة القاعدة، وهو ما نص عليه أسامة بن لادن نفسه سابقًا، ومن ناحية أخرى لا يتواجد لدى القاعدة قادة بارزين غيره، خاصةً أن الجيل المؤسس للقاعدة انتهى كله بمقتل أيمن الظواهري.
ويبدو أن عدم الاتفاق على من يخلف أيمن الظواهري في إمارة القاعدة هو الذي أجل الإعلان عن مقتله، إذ يتوقع أن قيادة التنظيم العليا ولا سيما العناصر المتواجدين منها في إيران يسعون لاختيار بديل توافقي لزعامة التنظيم حاليا، ولا يجدون خيارات مناسبة.
ويشيع في أوساط الخبراء والمتابعين لملف تنظيم القاعدة توقعات بأن إمارة التنظيم قد تؤول إلى سيف العدل، أو إلى أبو عبد الرحمن المغربي، المشرف على مؤسسة السحاب وصهر أيمن الظواهري، أو ربما يتم اختيار زعيم آخر غير معروف لكي تتجنب القاعدة الانقسام والتشظي بسبب الصراعات القيادية، وعدم الاستقرار على بديل مناسب.
داعش ومقتل الظواهري: صمت حتى حين
أما تنظيم داعش الذي يتنافس مع تنظيم القاعدة على قيادة الحركة الجهادية المعولمة أو الجهادية العابرة للحدود الوطنية، فظل ملتزمًا للصمت، واكتفت منصاته الإعلامية الرسمية (وكالة أعماق، و ناشر نيوز، وغيرها) بنشر أخبار العمليات التي يقوم بها عناصر التنظيم الأول، دون إشارة لمقتل أيمن الظواهري.
ومن المتوقع أن يحاول داعش استغلال مقتل الظواهري لاستقطاب مقاتلي تنظيم القاعدة، وخاصةً في ظل وجود خلافات وشبهات تحوم حول شخصية سيف العدل المرشح الأوفر حظًا لإمارة القاعدة، الذي يرتبط بشكل وثيق بنظام طهران، كما يتوقع أن ينوه داعش إلى نبأ مقتل أيمن الظواهري في صحيفته الأسبوعية (النبأ) التي ستصدر خلال يومين، كما هو معتاد.
ومن الواضح أن مقتل أيمن الظواهري أدى إلى خلط الأوراق أمام قيادة تنظيم القاعدة التي لم تستقر على زعيم جديد له حتى الآن، وهو ما يفاقم حالة الارتباك التي تعتري أنصار وعناصر التنظيم، وتزيد من الخلافات الداخلية التي تهدد مستقبل القاعدة الملبد بالغيوم الثقيلة.