مقتل أيمن الظواهري.. دليل جديد على فشل تنظيم القاعدة
- أتاحت إقامة أيمن الظواهري في العاصمة الأفغانية كابل أن ينعم برفاهية
- توصلت الاستخبارات الأمريكية إلى مكانه واستهدفته
- طمح تنظيم القاعدة أن يتيح له تواجده في أفغانستان فرصة لالتقاط الأنفاس
كتبت الولايات المتحدة الأمريكية الفصل الأخير من قصة أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، بعد أن استهدفت بطائرة مسيرة منزلًا كان يقطنه بحي “شربور” المركزي، وهو الحي الدبلوماسي الذي لا يبعد سوى مسافة قصيرة عن القصر الرئاسي ومقر السفارة البريطانية في العاصمة كابل.
وقال الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إن الاستخبارات الأمريكية رصدت وصول أيمن الظواهري إلى كابل، في وقت سابق من العام الجاري، بينما ذكر مصدر حكومي أفغاني أن عائلة الظواهري وصلت إلى أفغانستان بعد 3 أشهر من الانسحاب الأمريكي من البلاد، والذي تم في أغسطس/ آب 2021، وجرى تسكينهم بمنزل عاش فيه اثنان من كبار مساعدي الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، ولحق بهم زعيم القاعدة، بعد ذلك، حيث أقاموا في المنزل الذي قُتل فيه “الظواهري”، قبل أيام، بتنسيق ومعرفة مساعدي وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني، القيادي البارز بشبكة حقاني الطالبانية والتي تُبقي على علاقتها بتنظيم القاعدة حتى الآن.
وأتاحت إقامة أيمن الظواهري في العاصمة الأفغانية كابل أن ينعم برفاهية نسبية أكبر، وهو ما ظهر بشكل واضح في الإصدارات الأخيرة التي نشرتها مؤسسة السحاب، الذراع الدعائي للقاعدة، له والمعنونة بـ”صفقة القرن أم حملات القرون“، إذ بدا أن صحة زعيم القاعدة الراحل تحسنت بشكل واضح، وانعكس ذلك في زوال ملامح الإجهاد التي كست وجهه في الإصدارات التي بثتها المؤسسة له في أواخر عام 2021، وتعافي نبرة صوته التي كانت مهتزة في الإصدارات المذكورة.
وعلاوة على تحسن صحته، بشكل واضح، بينت اللقطات المرئية التي تضمنتها الحلقات الأخيرة من سلسلة “صفقة القرن أم حملات القرون” (يبلغ عددها 6 حلقات منها حلقتين صوتيتين هما الحلقة الخامسة والسادسة، بثت المؤسسة آخرها في 15 يوليو/ تموز الماضي أي قبل أقل من أسبوعين عن مقتل زعيم القاعدة)، أن أيمن الظواهري كان لديه وصول إلى مكتبة تتضمن كتبًا مطبوعة بما عني أنه استقر بشكل ثابت في مقر إقامته (بالعاصمة كابل) وأصبح لديه وصول لموارد جديدة تتيح له الحصول على الكتب والإصدارات المطبوعة وغيرها.
وفي خضم حالة النشاط الدعائي التي طرأت على زعيم القاعدة، خلال الأشهر الأخيرة والتي استقر فيها في كابل، توصلت الاستخبارات الأمريكية إلى مكانه واستهدفته، لتُنهي حقبة أيمن الظواهري في إمارة تنظيم القاعدة، والتي بلغت نحو 11 عامًا كاملة، كان عنوانها الأبرز الفشل والانتكاسات والاغتيالات المتكررة.
دليل إضافي لفشل القاعدة
وبرهن مقتل أيمن الظواهري على حالة الفشل التي تعتري تنظيم القاعدة منذ وقت طويل، مؤكدًا أن التنظيم مخترق حتى النخاع وعاجز عن حماية قادته وعلى رأسهم زعيمه الذي يعد آخر من تبقى من القيادات المؤسسة له، بعد مقتل أسامة بن لادن (2001)، وأبو الخير المصري (2017)، وأبو محمد المصري (2020)، نائبي الظواهري السابقين، وغيرهم.
كما أثبتت عملية الاستهداف أن اعتقاد قيادة القاعدة العليا أنها آمنة داخل المنازل التي استقرت بها داخل أفغانستان بالتنسيق مع شبكة حقاني، المكون الأكثر تشددًا داخل طالبان، لا يعدو كونه وهمًا أفضى في النهاية إلى خسارتها زعيم التنظيم أيمن الظواهري.
صورة متداولة للمنزل الذي قيل إن أيمن الظواهري كان مقيماً بهوطمح تنظيم القاعدة أن يتيح له تواجده في أفغانستان فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة بناء قدراته التنظيمية وترميم شبكاته المتضررة، ومن ثم العودة من جديد للمشهد كقائد لحركة الجهاد المعولم أو الجهادية العابرة للحدود الوطنية، كما يتبين من مراجعة آخر التقارير الصادرة عن فريق الدعم التحليلي ومراقبة الجزاءات التابع لمجلس الأمن الدولي، منتصف يوليو/ تموز الماضي.
ولجأ التنظيم وأفرعه الخارجية وعلى رأسها فرعي اليمن ومالي إلى مبايعة أمير حركة طالبان الملا هبة الله آخوند زاده، وتهنئة الحركة بسيطرتها على أفغانستان، قبيل الانسحاب الأمريكي أواخر أغسطس/ آب الماضي، وبدأ كوادر وقادة القاعدة يفدون إلى أفغانستان التي اعتبروها ملاذًا آمنًا من جديد لهم.
ودعا التنظيم أنصاره في سوريا (مقاتلي تنظيم حراس الدين) إلى الانتقال إلى أفغانستان والالتحاق بعناصر القاعدة هناك، لكن عناصر حراس الدين لم يكونوا قادرين أو راغبين في ذلك، وفق تقرير مجلس الأمن المذكور.
محاولة التشبث بـ”قشة” طالبان
وتكشف التوجيهات السابقة، والتي وجهها قادة القاعدة إلى أتباعهم مساعي الجماعة للتشبث بوجودهم داخل أفغانستان، والتشبث بجماعة طالبان باعتبارها القشة التي قد تُنجي التنظيم من حالة الغرق والموت السريري التي عاشها، منذ تولي أيمن الظواهري إمارته، في عام 2011.
وحظي تنظيم القاعدة بوجود تاريخي داخل مناطق جنوب وشرق أفغانستان،وخصوصًا في المناطق الممتدة من ولاية زابل وحتى ولاية كونر وعلى طول الحدود الأفغانية الباكستانية، كما سعى التنظيم منذ سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان، إلى نقل عناصره إلى غربي البلاد وتحديدًا نحو ولايتي فاره، وهيرات القريبتين من الحدود مع إيران، حسبما أكد تقرير لمجلس الأمن الدولي صادر في منتصف مايو/ آيار 2022.
وربما جاءت تلك الخطوة كنتيجة لتوجيهات قادة القاعدة المتواجدين في إيران، وعلى رأسهم سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) المصاب بمتلازمة طهران، بهدف تعزيز وجود التنظيم في المناطق الحدودية، بما قد يخدم مصالح إيران، لكن لا يمكن الجزم بذلك، حاليا، في ظل ندرة المعلومات المتاحة عن نشاط القاعدة في تلك المناطق.
كما يشير تقرير مجلس الأمن الصادر في مايو الماضي إلى أن التنظيم عمل على تعزيز تواجده في ولاية كونر الأفغانية بالتحديد، بجهود اثنين من قادة القاعدة البارزين هما أبو إخلاص المصري، وعبد الحكيم المصري، وقاد “أبو إخلاص” كتيبة (لواء) لتنظيم القاعدة في الولاية عام 2017، وأُلقي القبض عليه، لاحقًا، وسجن حتى إطلاق سراحه خلال حملة الجماعة الأفغانية على كابل عام 2021.
وعلى صعيد متصل، يُبقي تنظيم القاعدة على علاقاته الوثيقة مع شبكة حقاني، وهو ما تؤكده شهادات ووثائق عدة منها تقارير مجلس الأمن عن الأوضاع في أفغانستان، وتقوم الشبكة بتوفير ملاذات آمنة للقاعدة ومنح عناصره هويات مزورة باعتبار أنها تسيطر على إصدار أوراق الهوية في أفغانستان عبر وزارة الداخلية الحالية، وهو ما يعني أن جماعة طالبان انتهكت وأخلت باتفاق السلام الموقع مع الولايات المتحدة الأمريكية، عام 2020، والذي ينص على عدم السماح لتنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات الإرهابية المعولمة بالحصول على ملاذات آمنة في أفغانستان أو استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد الدول الأخرى.
طالبان بين استئصال القاعدة وترويضه
على أن العلاقات والارتباط بين تنظيم القاعدة وشبكة حقاني، لا زال أحد النقاط الخلافية داخل جماعة طالبان التي تعيش على وقع تنافس غير محمود يهدد تماسكها الداخلي في الوقت الراهن.
فوفقًا لتقرير مجلس الأمن الصادر في مايو الماضي، فإن التماسك التنظيمي لطالبان ضعف خلال السنة التي حكمت فيها طالبان أفغانستان، منذ الانسحاب الأمريكي، مقارنة بفترة السنوات العشرين التي خاضت فيها الجماعة حربًا ضد النظام الأفغاني السابق والقوات الأمريكية والدولية التي غزت أفغانستان، عام 2001.
وسعت شبكة حقاني للسيطرة على الحقائب الوزارية والمؤسسات الأفغانية الهامة ومنها وزارة الداخلية (يشغلها سراج الدين حقاني)، والاستخبارات، والإدارات المسؤولة عن أوراق الهوية وجوازات السفر، وكذلك تُسيطر على الأمن في العاصمة كابل وفي غالب المناطق الأفغانية، فضلًا عن أن الشبكة تحتفظ باستقلالها التكتيكي والعملياتي عن طالبان، وأصبحت أفضل فصيل عسكري داخل الجماعة وسيطرت على كتيبة النخبة 313 وهي وحدة تدخل سريع تابعة بشكل مباشر لقيادة طالبان العليا، وحاولت السيطرة على كامل الجيش عبر تعيين قيادات الشبكة في المناصب التنفيذية داخله، كما حصل عندما أصدر رئيس أركان الجيش قاري فصيح الدين، بتعيين “مالي خان” والد زوجة سراج الدين حقاني كنائب لرئيس الأركان.
وبالطبع، تقوم شبكة حقاني باستخدام نفوذها وسلطتها لضمان وجود القاعدة في أفغانستان، لكن هناك تيارات طالبانية أخرى ترى ضرورة التخلص من تنظيم القاعدة باعتبار أنه لم يجلب للبلاد سوى القتل والموت والدمار، ومن هذا التيار الملا محمد حسن آخوند، والملا عبد الغني بردار وآخرين، وانضم لهذا الفريق أيضًا الملا محمد فضل منصور نائب رئيس أركان الجيش في طالبان.
وسعى فريق (تيار) الملا بردار لتحجيم نفوذ شبكة حقاني في داخل أفغانستان، إذ قام بإجهاض ترقية سراج الدين حقاني لمنصب نائب رئيس الوزراء الأفغاني، وكذلك نفذوا حملة تفتيش واسعة في كابل دون الرجوع لسراج الدين حقاني، وكذلك ألقوا القبض على شقيق رئيس مكتب الجوازات الأفغاني الملا علم جول حقاني بتهمة ارتكاب جرائم فساد والقيام بممارسات غير أخلاقية.
ويبدو أن استمرار التنافس غير المحموم داخل جماعة طالبان الأفغانية، ألقى بظلاله على تنظيم القاعدة، إذ تروج شكوك قوية حاليًا على تورط عناصر من الجماعة في الإيقاع بأيمن الظواهري والكشف عن مكانه للاستخبارات الأمريكية، وذلك لتقديم إثبات للولايات المتحدة أن طالبان اختلفت عما كانت في السابق وأن ما يُعرف بالتيار الوطني داخلها، الذي يرفض عولمة الجماعة الإرهابية ويعترض على وجود القاعدة والمقاتلين الأجانب على الأراضي الأفغانية، أصبح يسيطر على الأمور بشكل أفضل.
وفي نفس السياق، رجحت صحف آسيوية أن يكون بعض قادة أو كوادر حركة طالبان شاركوا في الإيقاع بأيمن الظواهري نظير الإفراج عن الأموال المجمدة الموجودة في أمريكا، والتي كانت جماعة طالبان تتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الإفراج عنها، في نفس التوقيت الذي قُتل فيه أيمن الظواهري تقريبًا.
وتعزز تصريحات المصادر الأمريكية التي أطلعت على عملية اغتيال أيمن الظواهري، من الشكوك المتداولة حول تورط طالبان في العملي، إذ ذكرت تلك المصادر أن الاستخبارات الأمريكية حصلت على معلومات عن وصول أسرة زعيم القاعدة إلى الحي الدبلوماسي في كابل، من على الأرض، ومن ثم توثقت من وجوده وظلت تتابعه لأشهر قبل أن تُجهز عليه.
وفي حين، تروج بعض المصادر القريبة من تنظيم القاعدة أن سيف العدل، الموجود في العاصمة الإيرانية طهران، قد ينتقل إلى أفغانستان، بعد مقتل زعيم القاعدة، لكي يصبح الأمير الجديد للقاعدة، ويتلاشى الاتهامات التي توجه له بأنه مصاب بـ”متلازمة طهران”، يقول تقرير مجلس الأمن الدولي الصادر في يوليو/ تموز الماضي، أن جماعة طالبان الأفغانية سُتماطل وسترفض السماح له بالوصول إلى الأراضي الأفغانية لعدم إثارة حفيظة المجتمع الدولي، مما يعني أن الصراع على التخلص من “عقدة القاعدة” في أفغانستان سيستمر ولن ينتهي بنهاية أيمن الظواهري المثيرة للجدل.