مأرب تدفع ثمن تعاون الحوثي والقاعدة
كشف محمد ركنه، مدير مكتب تربية مديرية ”الجوبة“ بمحافظة مأرب، عن نزوح 6248 طالبًا وطالبة من المديرية بسبب الحرب التي اشعلتها المليشيات الحوثية المدعومة إيرانيًا.
ويأتي ذلك استمرارًا لمعاناة الشعب اليمني من ممارسات ميلشيا الحوثي، وأنصارهم من تنظيم القاعدة الذين باتوا يعملون بمثابة الطابور الخامس للحوثيين في اليمن.
ومن أبرز الأمثلة الصارخة على انتهاكات الحوثي وعناصر القاعدة في اليمن وخاصة في مديرية الجوبة، ما حدث في قرية الخثلة وهو ما نسلط عليه الضوء هذا التقرير.
الخثلة الفقراء.. كيف جندت القاعدة شباب القرية وسلمتها للحوثي
في إحدى ليالي فبراير الباردة عام 2019، عاد (صلاح محمد 25 عام) من روسيا بعد غربة 6 سنوات إلى قريته “الخثلة” في مديرية الجوبة جنوب مأرب، التي تركها في 2013 بعد أن حصل على منحة لدراسة الهندسة البترولية في موسكو، يقول صلاح لـ “الآن”: “عندما وصلت إلى القرية الساعه 3 فجرًا، تفاجأت بخمسة مسلحين يمنعوني من دخول القرية، ويشهرون أسلحتهم في وجهي قبل أن يعتدوا عليّ بالضرب بأعقاب البنادق، ويصرخوا أنهم قبضوا على جاسوس، ولكنهم تعرفوا عليّ بعد أن رأوا جواز السفر، والمؤسف أن أحد هؤلاء كان ابن عمي”.
يضيف صلاح: “في اليوم الثاني عرفت أن جميع شباب القرية قد تم استقطابهم من قبل تنظيم القاعدة، وصاروا يدينوا بالولاء للتنظيم ويحملوا أفكاره، لدرجة أن أحد الشباب الذين لم يتجاوز عمره 15 عامًا هددني بالذبح، بسبب الملابس التي كنت أرتديها، وعرفت أيضًا أن معظم شباب القرية اُجبروا على الذهاب إلى محافظة البيضاء، وذلك لدراسة الدين بمنظور القاعدة”.
هذا هو المكان الذي تعيش فيه قبيلة المراد. بعضهم يحمل اسم الفقير
يتذكر صلاح أن شخصين من تنظيم القاعدة كانوا هم من يتحكم بكل ما يجري في القرية، وكانوا يحرضون الناس ضد جماعة الحوثي والشيعة ويصفونهم بالروافض “لكن مع اندلاع المواجهات العسكرية بين الجيش اليمني وجماعة الحوثي في مديرية الجوبة بداية 2020، ظلوا في بيوتهم مع أنني وجميع أهالي القرية، كنا نتوقع أنهم سيكونون أول من يواجه الحوثيين بحكم عقيدتهم، لكننا تفاجأنا مع سيطرة جماعة الحوثي على المديرية، أنهم خرجوا وواجهوا الجيش، ثم عرفت مؤخرًا أن أحدهم أصبح مشرفًا تابعًا للحوثيين في مديرية حريب”.
يشير مصدر حكومي في محافظة مأرب (رفض الكشف عن هويته)، إلى أن كلٍ من مناطق: الخثلة، الفقراء، الحصون، البلق الشرقي، وجو النسيم، تعد من أبرز معاقل تنظيم القاعدة في مأرب منذ 15 عامًا، ولا زالت حاضنة لهم حتى الآن. مضيفًا “لم تستطع القوات الحكومية منذ 15 عامًا، القضاء على التنظيم في المحافظة، بسبب الطابع القبلي الذي يتحكم بمحافظة مأرب، حيث كانت تعمل الحكومات المتعاقبة على تطبيع الأوضاع والتعايش مع التنظيم، ولم تكن تريد إيجاد حل جذري للقضاء على التنظيم الإرهابي، وهذا ما جعل التنظيم يتمدد في جنوب المحافظة، مستغلاً الأوضاع الأمنية التي تمر بها البلاد، بالإضافة إلى اعتماده على حماية القبائل، حيث أن قيادات التنظيم في مأرب، معظمهم من مشايخ القبائل، ولهذا كانت الدولة لا تريد الدخول في صراع مع القبائل بينما هي في حرب مع ميليشيا الحوثي”
عداوة العلن وشراكة السر
في مطلع فبراير 2020، أصدرت النيابة العامة في مأرب، أمر القبض القهري بحق عدد من أفراد قبائل المحافظة، الذين ثبت انتماؤهم لتنظيم القاعدة في اليمن. كان محسن سبيعيان واحدًا من ضمن هؤلاء الذي صدر أمر النيابة بالقبض عنهم، إلا أنه احتمى بقبيلته “عبيدة” إحدى أكبر قبائل محافظة مأرب وسط اليمن، التي رفضت تسليمه للنيابة.
وفي صباح 11 مارس/ آذار 2020، خرجت دورية تتبع أمن الطرق من مدينة مأرب، وذلك لتأمين الخط العام المؤدي إلى منشأة صافر النفطية، فجأة تعترض الدورية سيارة يقودها محسن سبيعيان كانت تقل عدد من مسلحي تنظيم القاعدة، الذين قاموا بإطلاق النار بالأسلحة الرشاشة على أفراد الدورية وقتلوهم، بالإضافة إلى قتلهم 5 مدنيين وجرح 51 آخرين كانوا يمرون من ذات الطريق.
وبعد سلسلة من العمليات الإرهابية التي نفذها سبيعيان وأفراد يتبعون تنظيم القاعدة، انطلقت في 29 يونيو/ حزيران حملة أمنية مشتركة بين وزارتي الدفاع والداخلية، بالتنسيق مع قبيلة عبيدة في مأرب، للقبض على “محسن سبيعيان” وبقية عناصر التنظيم في منطقة “الخشعة” بمديرية الوادي، وبعد اشتباكات مسلحة استمرت أكثر من 10 ساعات، قامت وساطة قبيلة بالتدخل وإيقاف الاشتباكات، إلا أن سبيعيان وجماعته قاموا باستهداف أحد المعسكرات التابعة للجيش بقذائف الهاون، رافعًا شعار جماعة الحوثي نكاية بقبيلته، إلا أن الجيش تدخل بعد القصف، حيث تمكنت القوات العسكرية من القضاء على سبيعيان و 7 آخرين من الذين كانوا معه، والقبض على بقية الخلية..
في بيان للناطق الرسمي باسم الجيش العميد عبده مجلي، ذكر أن “خلية سبيعيان” كانت على اتصال وثيق بجماعة الحوثي، وعرض خلال البيان ما حصلت عليه القوات الحكومية في منزل سبيعيان، حيث عثرت القوات الحكومية على عبوات ناسفة، وطائرات مسيرة من ذات الطراز التي تستخدمها جماعة الحوثي.
في تصريح خاص لـ”الآن”، يقول مجلي: “إن هذا السبب الذي جعل جماعة الحوثي تضج بعد مقتل سبيعيان حيث فقدت إحدى أذرعها في مأرب، فقد كانت تستغل الفوضى التي يتسبب بها سبيعيان وخليته الإرهابية، للترويج بين أتباعها أن المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية ليست آمنة”، حد قوله.
اللافت أن جماعة الحوثي قامت بحملة واسعة للتنديد بمقتل سبيعيان، من خلال وسائل الإعلام التابعة لها، ووصفت ذلك بأنها مجزرة مروعة بحق قبائل مأرب، حيث روج الإعلام التابع للجماعة أن الحملة الأمنية قامت بقتل كافة أفراد عائلة سبيعيان ولم تستثنِ حتى النساء والأطفال، وقامت قناة المسيرة التابعة لجماعة الحوثي، بعمل مقابلة مصورة مع أحد أطفال محسن سبيعيان، وذكرت أنه الناجي الوحيد من العائلة، وهذا ما نفاه مدير أمن محافظة مأرب العميد يحيى حُميد قائلاً “بعد أن رفض سبيعيان والعناصر التابعة له تسليم أنفسهم والامتثال للقانون، وباشروا بإطلاق النار اضطررنا للرد عليهم، بعد تأمين النساء والأطفال وإخلائهم من منطقة الاشتباك”.
جيوب رخوة
في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كشف جهاز الأمن والمخابرات التابع لجماعة الحوثي، معلومات بشأن قيادات تنظيم القاعدة في مديرية الجوبة بمحافظة مأرب، وأوضح جهاز الأمن والمخابرات، أن منصر الفقير الملقب “أبو الزبير المرادي” يتواجد في قرية الخثلة بمديرية الجوبة، وذلك بعد فراره من مديرية الصومعة بمحافظة البيضاء، إبان سيطرة جماعة الحوثي عليها، ويضيف جهاز الأمن والمخابرات، أن المرادي يشغل أميراً لتنظيم القاعدة في منطقة الجوبة بتكليف من خالد باطرفي، أمير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
بعد أيام قليلة من صدور بيان جهاز الأمن والمخابرات التابعة لجماعة الحوثي، الذي كشف عن معلومات بشأن وجود تنظيم القاعدة في مأرب، تم تسليم قرية الخثلة وعددٍ من القرى المجاورة لها في مديرية الجوبة، لجماعة الحوثي دون أي مواجهات، ما يشير إلى وجود تنسيق بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي، حيث نقلت شبكة الوفاق التابعة للخارجية الإيرانية، أن جماعة الحوثي استطاعت فرض سيطرتها على مديرية الجوبة سلميًا دون مواجهات، وذلك بعد اتفاقٍ عقدته الجماعة مع القبائل لتسليم المحافظة حقنًا للدماء.
محمد عمر – الملازم في الجيش اليمني بمحافظة مأرب، كشف لـ “الآن” أن “الحوثيين قاموا بتفجير كامل المنازل والبيوت في منطقة البلق الشرقي، بعد أن تمكنوا من السيطرة على المنطقة، عدا منزل واحد يمتلكه أحد وجهاء جبل البلق الشرقي، وكان هذا المنزل هو نقطة تجمع عناصر تنظيم القاعدة، حيث كان يأتي إليه المجندون الذين ينتمون للتنظيم من محافظة شبوة والبيضاء، ولا يزال يتوافد إليه حتى الآن مجندو تنظيم القاعدة”.
يؤكد هذا ما قاله (م.ع) 22 عامًا، وهو أحد الأفراد المنشقين عن التنظيم في محافظة مأرب، الذي ذكر لـ “الآن” “بعد أن تم تدريبنا على استخدام جميع أنواع الأسلحة، وتصنيع العبوات الناسفة في مديرية الصومعة بالبيضاء، كان يتم نقلنا بشكل تدريجي إلى نقطة اللقاء، التي تقع في جبل البلق الشرقي، وهي منطقة غير مُلفتة للنظر ومحصنة من جهة الشمال بالكثبان الرملية وصخور جبل البلق من الجنوب، ولكن بعد أن تم استهداف مواطنين ومدنيين عُزل، أنا تركت التنظيم واتجهت للعمل في مدينة مأرب”.
بعد أن تم استهداف مواطنين ومدنيين عُزل، أنا تركت التنظيم واتجهت للعمل في مدينة مأرب
(م.ع) أحد الأفراد المنشقين عن القاعدة في اليمن
“حتى الآن هناك مناطق في مأرب لا يستطيع الجيش الذهاب إليها، ويتم تحذير المستجدين من أفراد الجيش بعدم المرور من تلك المناطق، بسبب تواجد عناصر من تنظيم القاعدة فيها، لأن مرورهم من مناطق التنظيم قد يتسبب بمقتلهم” مشيرًا إلى أن تنظيم القاعدة من قبل كان يتواجد في مأرب باسم تنظيم القاعدة أو (الجماعة السوداء)، “لكن الآن هم انخرطوا بين القبائل وهذا يوفر لهم حماية من المواجهة مع القوات الحكومية” بحسب الملازم عمر.
الجدير بالذكر أن في 23 مايو/ أيار 2017، شنت القوات الخاصة الأمريكية عملية عسكرية خاطفة في قرية الخثلة، جنوب محافظة مأرب والتي يتواجد فيها منزل خالد العرادة، جاء ذلك بعد 4 أيام من قيام وزارة الخزانة الأمريكية بإضافة إثنين من زعماء القبائل في اليمن، كإرهابيين عالميين لدعمهم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهم هاشم عيدروس الحميد، وخالد العرادة، ومنذ ذلك الحين نفذت طائرات الدرون الأمريكية غارات جوية في أنحاء متفرقة من مديرية الجوية، بينما يستمر تحليقها فوق المنطقة، حيث صرحت القيادة المركزية الأمريكية “مثل هذه الغارات توفر نظرة ثاقبة على تصرفات القاعدة في شبه الجزيرة العربية وقدراتها ونواياها، مما سيسمح لنا بمواصلة تعقب القاعدة في جزيرة العرب وتعطيلها وإضعافها”.
تغطية الحوثيين
من خلال إعلان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن مقتل اثنين من عناصره في الخثلة الفقراء وهما منصر مبخوت الفقير المرادي المعروف باسم “الزبير” وسالمين مبخوت الفقير المرادي، يظهر جلياً أن الرسالة في الصورة تصب في مصلحة الحوثيين، اللذين يوظفون هكذا اصدارات لخدمة أجندتهم وإظهار أنفسهم في موقع المواجهة مع القاعدة، على عكس مجريات الواقع التي تثبت التواطئ بين الطرفين وتبادل السيطرة على عدة مناطق في اليمن.
ومنصر الفقير هو الرجل الذي أعلن تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب مقتله في الخثلة، واللافت في الأمر أن الرجل استضاف عددًا من قيادات القاعدة الكبار في منزله مثل خالد باطرفي أمير قاعدة اليمن والذي اتخذ من الدور الأول في منزل الفقير مقرا لاجتماعات قيادات التنظيم وكان يتردد عليه بانتظام، وعمار الصنعاني المسؤول العسكري للتنظيم، والقيادي إبراهيم القوصي “خبيب السوداني“، ولكن في النهاية قُتل بمفرده فقط دون أن يُصاب أي من ضيوفه بأذى، وربما كان بمثابة كبش فداء استخدمه قادة القاعدة لإخفاء التنسيق والتعاون مع الحوثيين.
وإذا كان الحوثيون يعتزمون حقًا مهاجمة تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، فقد أتيحت لهم الفرصة لتوجيه ضربة كبرى مع تواجد عدد ضخم من قيادات التنظيم في منزل منصر الفقير، ولكن الرجل قُتِلَ بمفرده.
قبل أشهر قليلة كشف جهاز الأمن والمخابرات عن معلومات حول أمير ما يسمى بتنظيم القاعدة في منطقة الجوبة بمحافظة #مأرب والمسؤول العسكري لجبهة جبل مراد سابقاً منصر مبخوت هادي الفقير المرادي المكنى الزبير المرادي
*واليوم يعترف تنظيم المخابرات القاعدة بمقتلة في عملة تطهر مديرية #الجوبة pic.twitter.com/uhcMqfsy9k— فضل المهدي 🇾🇪 🔻 🇵🇸 (@fadhl_al_mahdi) November 21, 2021
ومن جانبه، أكد الصحفي اليمني محمود العتمي في مقابلة خاصة مع أخبار الآن أنه في قرية الخثلة التابعة لمأرب هناك رفض للحوثي ولو لم يكن تنظيم القاعدة متواجداً فيها لما سقطت بيد الحوثيين.
وأضاف العتمي: “بالأصل التركيبة السكانية ترفض الحوثي ولكن الحل لإسقاط تلك القرية كان عبر تجنيد أبنائها لصالح القاعدة واتخاذ ذلك ذريعة للدخول بحجة محاربة القاعدة، لقد صدم أبناء القرية لأنهم كانوا يواجهون عدوين في آن معاً الحوثي والقاعدة التي ادعت تجنيدهم لمحاربة الحوثي”.
وأوضح العتمي في تصريحاته: “ما حدث في قرية الخثلة يجب ألا يتكرر لأن أبناء مأرب شجعان وأبناء القبائل في مناطق رفض الحوثي يجب ألا تذهب دماؤهم هدرًا، وألا يدفعوا ضريبة لا ذنب لهم فيها، وهذه المناطق يجب أن ترفض تواجد تنظيم القاعدة كما ترفض الحوثي لأن تواجد تنظيم القاعدة هو ذريعة لدخول الحوثيين إلى تلك المناطق، وهو طعم لهدر دماء اليمنيين، لأنه لا الدولة تستطيع الدفاع عنهم لاحقًا ولا الحوثي سيترك أي منطقة من دون الدخول إليها”.
الخلاصة
تعتبر قرية مأرب الصغيرة هذه مثالاً رائعًا لفضح كيفية عمل القاعدة في جزيرة العرب مع الحوثيين. لقد كانت معقلًا مفترضًا للقاعدة في شبه الجزيرة العربية لفترة طويلة. ثم سلمها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى الحوثيين.
بالطبع، الدرس الرئيسي لليمنيين هو أنه لا فائدة على الإطلاق من مساعدة القاعدة في شبه الجزيرة العربية تحت أي ظرف من الظروف. لقد خان القادة المحليون للقاعدة في شبه الجزيرة العربية (وخاصة المرادي – الزبير) قريتهم واحتجزوا الناس كدروع بشرية. حتى قبل أن يمنح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب القرية للحوثيين، فإن وجود القاعدة في جزيرة العرب هناك يعني أنه لم يكن يحصل على أي نوع من المساعدة من الحكومة أو منظمات الإغاثة. ما من قرية تريد أن تكون مثل الخثلة الفقراء.