المشهد الأخير قبل اختفاء طاهر العطاس
في الساعة السادسة من صباح يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وبينما كان عائدًا إلى منزله من صلاة الفجر، تعترض سيارة مجهولة طريق الداعية الصوفي طاهر العطاس، وتقتاده إلى جهة مجهولة، ولم تمر إلا ساعتين حتى أعلن الداعية الإسلامي علي الجفري في تغريدة على حسابه في تويتر، عن إختطاف الدكتور العطاس، محملاً المحافظ والمنطقة العسكرية الأولى مسؤولية عودته إلى أسرته، مشيرًا إلى أن الخاطفين توجهوا إلى مناطق تقع تحت نفوذ المنطقة العسكرية الأولى.
يقول أحد المقربين من العطاس، والذي يتحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن الداعية طاهر العطاس كان قد تلقى تهديدًا بالقتل من تنظيم القاعدة في حضرموت، وذلك بسبب نشاطه الدعوي الذي يقوم به من خلال عمله في دار المصطفى للدراسات والعلوم الإسلامية، والذي يعمل على نشر الدعوة الإسلامية التي تتسم بالوسطية والاعتدال داخل اليمن وخارجه، ويعتبر دار المصطفى من المراكز الإسلامية ذات الطابع الصوفي التي تستقطب الطلاب من مختلف أنحاء العالم لدراسة العلوم الإسلامية واللغة العربية.
ويجدر بالذكر أنه بعد حادثة إختطاف طاهر العطاس بشهر ونصف، تحديدًا في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2021، قام مجهولون باختطاف عبدالباري سالم العطاس وحبشي عمر الحبشي، أثناء تواجدهم في مديرية حورة ووادي العين التي تبعد 100 كيلومتر عن مدينة تريم، وحتى اللحظة لا تعلم عائلة العطاس أي أخبار عن المُختطفين، وتُعد عائلة آل العطاس، من كبار العائلات الهاشمية والوجاهات القبلية في محافظة حضرموت.
وعن انتهاكات عناصر تنظيم القاعدة ضد رموز الصوفية في حضرموت، قال الصحفي اليمني محمود العتمي في مقابلة مع أخبار الآن أن دعاة الصوفية المتواجدين في حضرموت لم يجد اليمنيون منهم إلا كل ما هو جيد، ولكن في الفترة الأخيرة وبعد أن عجزت ميليشيا الحوثي الموالية لإيران عن الدخول إلى حضرموت، استغلت موضوع تواجد القاعدة هناك وقامت بتجنيدها، وبدأ موضوع اختطاف دعاة الصوفيين مثل طاهر العطاس ومشايخ آخرون.
وأضاف العتمي: ” في ملابسات اختطاف العطاس نرى أن القاعدة ظاهرياً تدعي معاداة الصوفية، وبهذه الذريعة اختطفوا العطاس واعتقلوا وقتلوا بعضاً من طلابه، ولكن في الحقيقة هي رسالة سياسية من أجل وضع بساط للحوثي للدخول إلى هذه المناطق ومحاولة تجنيد أبناء المناطق التي يتواجد فيها أبناء الأسر الهاشمية والوصول إلى المجتمع الحضرمي وإجبار الصوفيين على قبول الحوثيين”.
استهداف ممنهج
منذ بداية الصراع المسلح باليمن في 25 مارس/ آذار 2015، تعرضت الجماعات الصوفية لعمليات استهداف ممنهجة في أوقات متفاوتة، كانت دائمًا ما تُقيد ضد مجهول، حيث بدأت هذه العمليات باغتيال الشيخ حسين العيدروس إمام جامع الحزم في مدينة شبام، والذي قُتل على يد مسلحين مجهولين يتبعون تنظيم القاعدة في 19 يونيو/ حزيران 2015، حينها لم تعلن أية جهة أو مؤسسة تعليمية تابعة للصوفية موقفها من هذه الأعمال، مكتفية بالصمت حيال ما يقوم به عناصر التنظيم.
وبعد عملية إغتيال العيدروس، في 13 سبتمبر/ أيلول 2015، أقدم تنظيم القاعدة والذي كان يسيطر على مدينة المكلا، على تدمير وهدم أكثر من 10 أضرحة وقِباب ومزارات صوفية بالمتفجرات، بالإضافة إلى نبش قبور رموز دينية وإخراج رفاتهم، يأتي ذلك بعد خطاب التنظيم الذي هدد فيه بهدم كل معاقل الصوفية، ودعا لتجنيد متطوعين لهذه المهمة، حيث يرى التنظيم إن هذه المزارات تدعو لـ”الشرك بالله”.
وتنتشر في محافظة حضرموت، خصوصاً في كل من المكلا وسيئون وتريم، مئات الأضرحة التي تعود إلى رموز وعلماء دين، وتقام حولها فعاليات خاصة، وبقيت لمئات السنين من دون أن تتعرض لأي سوء. وما قام به تنظيم القاعدة من استهداف الأضرحة والرموز الدينية في المكلا، كان أشبه ما قام به (تنظيم الدولة الإسلامية) “داعش” في العراق وسورية من استهداف وتدمير للآثار التاريخية والتماثيل التي تعود لشخصيات كبيرة.
إصرار مُبيَّت
في ظهيرة 28 من يونيو الماضي، فشلت عصابة مسلحة من اختطاف الشيخ محمد بلفقيه، فقد حاول أحد أفراد العصابة من إستدراج بلفقيه للخروج من منزله بمدينة تريم، مدعيًا أنه جاء بأحد المسنين من عائلة بلفقيه، وأنه في السيارة خارج المنزل لأنه أصبح عاجزًا عن الحركة، وقبل أن يصل الشيخ بلفقيه إلى السيارة، اشتبه بأحد الأشخاص الذين كانوا يقفوا بجانبها، واستطاع الإفلات منهم والعودة إلى منزله، ولكنهم باشروا بإطلاق النار على المنزل، قبل أن يرد عليهم أحد أبنائه بإطلاق النار على الخاطفين من سلاحه الشخصي، الذين فروا من المنطقة حينها.
وقال الصحفي اليمني محمود العتمي عن محاولة اختطاف محمد بلفقيه: “أعتقد أن أحد دعاة الصوفيين واسمه بلفقيه تعرض لكمين من القاعدة ونجا منه وهذه كانت محاولة أخرى بعد اختطاف العطاس”.
وعن سبب استهداف عناصر القاعدة للدعاة الذين يعملون في دار المصطفى، أوضح العتمي: “دار المصطفى هو دار دعوى يدرس العلوم الشرعية الصوفية بعيداً عن التطرف والتعصب الديني، وله قبول واسع وانتشار كبير في كثير من الدول، وهذا الأمر قد يؤرق الجماعات المتطرفة”.
الجدير بالذكر أن حادثة إختطاف العطاس ليست الأولى، التي ينفذها مجهولون تستهدف الطلاب والعلماء الصوفيين، خصوصًا الطلاب والعاملين في دار المصطفى، فقد تم إختطاف الداعية عبدالله مولى الدويلة في نهار الأربعاء 30 من أغسطس/آب 2017، وهو أحد العاملين في دار المصطفى، وبعد حادثة الدويلة بأشهر قليلة، أعلن دار المصطفى في 31 أكتوبر/ تشرين الثاني عن عملية اختطاف أخرى، قام بها اربعة أشخاص ملثمين يرتدون ملابس عسكرية، لأحد طلاب الدار من الجنسية الاسترالية، ووجه الدار رسالة إلى محافظ حضرموت اللواء الركن فرج سالمين البحسني، مطالبين الجهات الحكومية بإعادة الطالب إلى أهله كما جاء في نص الرسالة التي حصل “الآن” على نسخة منها.
وبعد مرور عامين على حادثة اختطاف الدويلة، عاد عبدالله مولى الدويلة إلى أسرته في تريم في ظروف غامضة، ولكنه منذ عودته يلتزم الصمت حيال الخاطفين، ويرفض بشكل قاطع الكشف عن هويتهم، حتى للأجهزة الأمنية، ولكن الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري في مقابلة تلفزيونية له، عقب عملية الاختطاف، وجه أصابع الاتهام إلى “الإسلاميين المتطرفين” بضلوعهم في عمليات الاختطاف التي تستهدف علماء الصوفية في حضرموت، مشيرًا أن الهدف من هذه العمليات الإرهابية هو إيقاف الدعوة الإسلامية، حد قوله.
فاعل مُنفلت
وبحسب مصدر أمني بمحافظة حضرموت لـ “الآن”، أن الأجهزة الأمنية حاولت معرفة هوية الخاطفين من الدويلة أبان عودته، إلا أنه رفض بشكل قاطع التعاون معهم، مشيرًا إلى أن التحفظ عن الإبلاغ بالمجرمين يُعد تعاونًا معهم في نظر القانون، مضيفًا “في الوقت الذي تشهد فيه البلاد حالة حرب، ينبغي على الجميع التعاون مع الجهات الأمنية، والإبلاغ عن المجرمين الذين يحاولوا إغراق المحافظة في الفوضى”.
ولا يُذكر أن للداعية العطاس أي انتماء أو توجه سياسي، وأن جل جهده كان يبذله في الجانب المجتمعي، حيث يحمل الدكتوراة في قضايا إصلاح الأسرة، وبحسب نبيل البكيري – الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، فإن الصوفية في اليمن منذ بدايتها ليس لها أي طموح سياسي، وأن علماء الصوفية دائمًا ما يحاولوا الابتعاد عن الحديث السياسي، ويحذرون غالباً من المشاركة في الفعاليات السياسية، وينأون بأنفسهم تجاه أي موقف بالرغم من شعبيتهم الكبيرة، ما يعني أنهم أهل علم وسلم، ودعوتهم إلى السلام والوسطية قد تكون هي السبب وراء استهداف علمائهم من قبل تنظيم القاعدة.
يرجح عبدالرزاق أحمد – الباحث المتخصص في شؤون تنظيم القاعدة، أن التنظيم هو من يقف وراء عمليات الخطف التي طالت علماء الصوفية، ومن ضمنهم الداعية طاهر العطاس ويقول لـ”الآن”، “يعتقد تنظيم القاعدة كما هو حال الفكر السلفي الجهادي، أن الصوفية قبوريون مشركون، ويتصرف التنظيم معهم على هذا الأساس، وأيضا يرى التنظيم أن وجود الصوفية في أية منطقة يمهد لدخول الحوثيين، على اعتبار أن بين الطرفين الكثير من القواسم المشتركة، خصوصا في موضوع تقديس الهاشمية وآل البيت”.
وهو ما يؤكد المصدر الأمني من محافظة حضرموت، الذي يرى أن لتنظيم القاعدة في حضرموت، يدًا في عملية إختطاف العطاس، خصوصًا أنه يعمل في دار المصطفى، مضيفًا “يرى التنظيم أن كل من يشارك في الدار، هو كافر يمنع الجهاد بنظرهم، وذلك بسبب الدور التنويري الذي يقوم به دار المصطفى، من خلال إستقطاب الشباب والأطفال وتعليمهم الشريعة الإسلامية المعتدلة، وكان للعطاس تأثير كبير على شباب حضرموت، خصوصًا ممن يتعلموا على يديه، وهذا أمر آخر يجعله هدفًا للقاعدة”.
حاول فريق “أخبار الآن” التواصل مع عائلة العطاس، إلا أنهم رفضوا الحديث عن عمليات الاختطاف، حيث يرفض محمد طاهر الابن الأكبر للداعية المُختطف طاهر العطاس، الحديث حول حادثة الاختطاف، مبررًا ذلك بأنهم لا يريدون إثارة القضية في هذا التوقيت تحديدًا، والذي قد يتضرر منها المختطفين، مؤكدًا أنهم لا يعلمون شيئًا عنه، ومشيرًا إلى أن الداعية الإسلامي الحبيب عمر بن حفيظ عميد دار المصطفى للدراسات الإسلامية، والحبيب علي الجفري هم من تولوا متابعة موضوع حادثة الاختطاف، ويأمل محمد طاهر أن يعود والده وكل المختطفين من مشائخ وطلاب الصوفية عما قريب.