أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتل أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة جوية استهدفته أوائل أغسطس/ آب الجاري، بالحي الدبلوماسي في العاصمة الأفغانية كابول، فاتحًا بذلك الباب أمام تدافع داخلي في قيادة القاعدة وصراع حول من يخلف الأمير المقتول.
ومع أن التنظيم سارع، سابقًا، بعد مقتل زعيمه المؤسس أسامة بن لادن إلى الإعلان عن اختيار نائبه أيمن الظواهري، خليفةً له في إمارة القاعدة، إلا أن الظروف الحاصلة داخل التنظيم هذه المرة مختلفة ومتداخلة إذ يسعى التيار الإيراني في القاعدة والذي يمثله سيف العدل وأنصاره لإحكام السيطرة عليه، للمضي قدمًا في مشروعهم الخاص والمستمد من أفكار مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) المصاب الأول بمتلازمة طهران، وهذا المشروع يتضمن تحالفًا واسع بين القاعدة وأفرعها وبين إيران ومليشياتها الولائية.
ويسعى التقرير الحالي لتسليط الضوء على تأثير سيف العدل ومتلازمة طهران على صفوف القاعدة، وكيف شق نائب أمير القاعدة والذي يعد أيضًا أمير التنظيم غير المتوج صفوف القاعدة:
بعد متلازمة طهران.. القاعدة إلي أين؟ الجزء الثاني
حينما كان أبو الخير المصري (أحمد حسن أبو الخير)، نائب أمير تنظيم القاعدة المكلف بالتنسيق والإشراف على الفرع السوري (سابقًا)، يُحاول تأسيس مشروع يستوعب التنظيمات المقربة من القاعدة في سوريا، أواخر عام 2016، فوجئ “المصري” برسالة شديدة اللهجة من أيمن الظواهري ينتقد فيها المشروع الجهادي الجديد، قبل أن يكتشف، لاحقًا، أن هذه الرسالة كُتبت بإيعاز من سيف العدل (محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان، المقيم في العاصمة الإيرانية طهران) الذي أوقف مخطط “توسيع القاعدة” وأدى إلى انقسامها وتشرذمها.
مثلت رسالة أيمن الظواهري محطة مفصلية في علاقة تنظيم القاعدة المركزي (قاعدة خراسان)، بفرعه السوري السابق هيئة تحرير الشام (سُميت أيضًا بجبهة النصرة حتى عام 2016، وبجبهة فتح الشام حتى عام 2017)، إذ زرعت تلك الرسالة بذرة شقاق بين الطرفين، ورُويت تلك البذرة بسلسلة من المراسلات والمكاتبات المتبادلة بين سيف العدل ومجموعة من المقربين منه، أبرزهم أبو القسام الأردني (رفيق سيف العدل في السجون الإيرانية حتى عام 2015) والتي حرضهم فيها على الانشقاق وتأسيس كيان جديد منفصل عن الهيئة، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك، كما كشف أبو عبد الله الشامي، عبد الرحيم عطون، في رده على أمير القاعدة.
عبد الرحيم عطون يكشف كواليس تحريض سيف العدل لأيمن الظواهري ضد الفرع السوري
وفي خضم الخلافات التي نشبت بين قيادة القاعدة المركزية، وتحرير الشام اكتشف الجهاديون المحسوبون على القاعدة في سوريا أن سيف العدل يقوم بحجب الرسائل التي تُرسل من الأفرع الخارجية (ومنها الفرع السوري) عن أيمن الظواهري، ويقوم بإيصال رسائله الخاصة لأمير القاعدة ليضمن أن الأخير سيتخذ القرار الذي يتوافق مع قناعات الأول الخاصة، بحسب ما أكده عبد الرحيم عطون أيضًا.
وتوضح كواليس المراسلات والخلافات التي نشبت بين القاعدة ومجموعاتها في سوريا، أن سيف العدل الذي يشغل حاليًا منصب نائب أمير القاعدة، يقوم بتوجيه قيادة التنظيم من مخبأه السري في إيران ويتحكم، فعليًا، بأيمن الظواهري الذي يبقى منفصلًا عن الواقع بسبب اختفائه وانقطاعه المتكرر عن التواصل مع أفرع التنظيم في الخارج لمدة تصل لأشهر ولما يزيد عن سنة في بعض الأحيان، كما تؤكد تلك المراسلات أن ثقة الأفرع الخارجية في “سيف العدل” تبقى ملبدة بالشكوك بسبب إقامة الأخير في إيران، وسلوكه نهج براجماتي مثير للجدل وكأنه مُصاب بما يمكن تسميته “متلازمة طهران” التي تجعله يسعى لخدمة مصالح نظام الولي الفقيه في إيران ولو على حساب شق صف القاعدة وتقسيمه.
سيف العدل.. بين تجميع الجهاديين وتفريقهم
ففي حين، ركزت كتابات سيف العدل التي نشرها باسمه الحقيقي “محمد صلاح الدين زيدان” أو باسمه الحركي الأقل شهرةً “عابر سبيل“، على دعوة الجهاديين إلى التلاحم والاتحاد لخوض معركة واحدة ضد الولايات المتحدة وحلفائها- وذلك في مقالاته المنشورة عبر موقع خاص يديره صهره مصطفى حامد أبو الوليد حليف إيران المقرب والمصاب أيضًا بـ”متلازمة طهران”- تسببت ممارسته وأسلوبه في قيادة تنظيم القاعدة في مزيد من التفتيت والانقسام، وأفضت إلى انفصال أو انشقاق 2 من أبرز الأفرع الفاعلة وهما: الفرع العراقي السابق (داعش حاليًا)، والفرع السوري السابق (هيئة تحرير الشام حاليًا).
تركيز سيف العدل على الجهاد الخارجي من أهم أسباب انقسام تنظيم القاعدة
على أن المشترك في حالتي الانشقاق الهيكلي للفرعين العراقي والسوري، كان موقفهما من إيران وقيادات القاعدة المتواجدين بها، وهو ما يُعطي لمحة هامة عن الأسرار والأسباب الحقيقية التي أدت لتشرذم القاعدة، وتحولها إلى تنظيم وظيفي يخدم المصالح الإيرانية، كما يتهمها حلفاؤها السابقون، وهو ما يتبين من الرسائل والكلمات الصوتية التي نشرها داعش وهيئة تحرير الشام، كلًا على حدة، في فترات زمنية مختلفة.
فمن جهته، أفصح أبو محمد العدناني، نائب خليفة داعش ومتحدثه الإعلامي الأسبق، في كلمته الصوتية المعنونة بـ”عذرًا أمير القاعدة” (مايو/ آيار 2014)، عن توجيهات قيادة القاعدة للفرع العراقي (السابق) بعدم استهداف إيران قائلًا إن داعش التزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد (الظواهري، وسيف العدل)، ولم نضرب الشيعة في إيران وكبحنا جماح جنودنا، رغم اتهامنا بالعمالة لإيران لأننا لا ننفذ هجمات فيها، وكل ذلك امتثالاً لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران، مضيفًا أن على التاريخ أن يُسجل أن “للقاعدة دَينٌ ثمينٌ في عنُقِ إيران”، على حد تعبيره.
العدناني يشير إلى الفترة التي سبقت تأسيس داعش مما يعطي مصداقية أكبر لكلماته حيث لا يمكن اعتبارها مجرد هجوم مبتذل لداعش على القاعدة، كما تتفق كلمة العدناني مع ما احتوته وثائق أبوت آباد، التي تضمنت رسالة من قيادة القاعدة لفرعها العراقي (داعش حاليًا) بعدم استهداف إيران لأنها الممر الوحيد للأموال والأفراد والمراسلات الخاصة بالقاعدة وهي كذلك مقر إقامة أمراء القاعدة الذين وصفوا في تلك الفترة بالأسرى (كسيف العدل، وأبو محمد المصري، وأبو الخير المصري).
القاعدة الأم تطلب عدم استهداف إيران
وبدوره، أكد أبو عبد الله الشامي عبد الرحيم عطون، الشرعي العام لهيئة تحرير الشام، أن سيف العدل وأبو محمد المصري تحكما في القرارات بالخاصة بالفرع السوري، وسعيا لفرض قرارات تُضر به وتخالف الواقع الميداني، رغم أنهما تواجدا في دولة “عدو”، في إشارة منه إلى أن سيف العدل ورفيقه أبو محمد المصري (قُتل لاحقًا، أغسطس 2020) يخدمان مصالح طهران على حساب المشروع الجهادي.
ويوضح الباحث في شؤون الجماعات الجهادية عروة عجوب إن جذور العلاقة بين القاعدة وإيران تعود إلى أوائل التسعينات عندما أبرمت إيران نوعا ما صفقة مع رجال القاعدة لتدريب بعضهم في إيران وفي لبنان في سهل البقاع مع عناصر حزب الله، لكن تواجد قادة القاعدة وأفراد من عائلة بن لادن في إيران بدأ بشكل فعلي عام 2002 أو 2003 بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، وفي بادئ الأمر لم يكن خيار لجوء قادة القاعدة إلى إيران بسبب رغبة إيران في استقبالهم إنما إيران كان أفضل خيار من بين عدة خيارات سيئة، والسبب الأول لاختيار إيران هو صعوبة السفر إلى دول أخرى ، فالحدود مثلاً مع تركمانستان كانت مضبوطة بشدة، بالإضافة إلى أن الدول الموجودة شمال وشمال شرق أفغانستان كان قد تم السيطرة عليها من قبل التحالف الشمالي بقيادة شاه مسعود والذي كان عدواً لدوداً للقاعدة.
ويضيف “عجوب” أنه بسبب العداء التاريخي بين الولايات المتحدة وإيران كان هناك اعتقاد من قبل قادة القاعدة أن إيران لن تقوم بتسليمهم إلى عدوها وعدوهم الولايات المتحدة، مبينًا أن وصول قادة القاعدة وتحديداً عائلة أسامة بن لادن إلى الأراضي الإيرانية لم تكن بطريقة شرعية عام 2002 وجاءت من خلال مساعدة مجموعة إثنية متعاطفة مع القاعدة تعرف باسم “البلوش” لكن مع الوقت تمكنت السلطات الإيرانية من إلقاء القبض على هؤلاء القادة ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وفي بداية الأمر لم يكن الموضوع شديد التعقيد وكان التعامل معهم ميسراً ، ولكن مع الوقت بدأت إيران بتضييق الخناق عليهم.
ويلفت الباحث في شؤون الجماعات الجهادية إلى أن النقطة الفارقة كانت عام 2003 بدأ الغزو الأمريكي للعراق إذ شعرت إيران أن بإمكانها استخدام وجود قادة القاعدة وعائلة بن لادن كورقة ضغط على القاعدة لسببين: ضمان سلامة أراضيها وإجبار القاعدة على عدم شن عمليات داخل الأراضي الإيرانية وهو مانجح إلى حد كبير، والسبب الثاني وضع الضغط على قادة القاعدة وتحديداً بن لادن والظواهري ليقوموا بتغيير سلوك فرع القاعدة في العراق وهنا نتحدث عن جماعة أبو مصعب الزرقاوي التي كانت تشن هجمات عنيفة ضد الشيعة وأماكنهم المقدسة.
ويؤكد “عجوب” أن عدم قدرة القاعدة الأم بقيادة بن لادن والظواهري على ضبط الفرع العراقي وإيقاف عملياته ضد الشيعة وأماكنهم المقدسة فضلاً عن تشديد ظروف الاعتقال لقادة القاعدة في إيران زاد من حدة التوتر بين الطرفين وكما وجدنا في الرسائل التي تم الكشف عنها مؤخراً من قبل الولايات المتحدة بين قادة القاعدة في إيران وبن لادن، ظهر هذا التوتر بشكل جلي حيث طالب بعض قادة القاعدة من بن لادن بخطف مسؤولين أو دبلوماسيين إيران، أحد الرسائل ظهر من خلالها الظروف القاسية التي يعاني منها قادة القاعدة في إيران حيث قال أحد القادة لبن لادن بأنه يرغب في الترحيل إلى أي مكان في العالم حتى إلى إسرائيل، وماحدث بعدها بالفعل استجابت القاعدة لطلبات القادة الموجودين في إيران وقامت بعمليتين أمنيتين تمكنت من خلالهما من اختطاف دبلوماسيين إيرانيين الأولى في باكستان عام 2011 والثانية في اليمن عام 2015 وقامت القاعدة بمبادلة هؤلاء ببعض قادتها وحتى أسرة بن لادن الموجودة في إيران وتعهدت بعدها بعدم القيام بشن هجمات ضد إيران.
ويتابع: الشخصيات التي خرجت من السجن مقابل الصفقة الثانية عام 2015 سيف العدل وهو الشخصية الثانية في تنظيم القاعدة ويعتبر خليفة أيمن الظواهري، إضافة إلى أبو محمد المصري وهو مسؤول عسكري بالقاعدة وقد تم استهدافه عام 2020 في طهران مايعتقد أنها عملية قام بها الموساد الاسرائيلي داخل إيران.
متلازمة طهران وعلاقتها بالمخابرات الإيرانية
وفي الحقيقة، لا يعد اتهام سيف العدل وقادة القاعدة في إيران بأنهم مصابون بـ”متلازمة طهران” أو أنهم يخدمون المصالح الإيرانية بتعبير آخر، أمرًا مستغربًا، لأن هذا الاتهام سبق أن ذُكر صراحة في مراسلات قيادة القاعدة واتهم به أبو الوليد المصري مصطفى حامد، صهر سيف العدل ومستشار أسامة بن لادن سابقًا، بحسب رسالة مطولة كتبها أبو الخير المصري، نائب أمير القاعدة سابقًا، وخصصها لانتقاد “حامد”.
وقال أبو الخير المصري، في رسالته التي كتبها في أغسطس/ آب 2009، إن مصطفى حامد انتقد تنظيم القاعدة بشدة رغم عمل مستشارًا لأسامة بن لادن، كما انتقد السلفية الجهادية وحركة طالبان، ولم يسلم من انتقاداته إلا مجموعة من الأوزبك والطاجيك الذين تربطهم علاقة مباشرة بإيران، مضيفًا أنه يتبنى وجهة نظر المخابرات الإيرانية تمامًا.
ولفت نائب أمير القاعدة (سابقًا) إلى أنه عرض ما يروجه مصطفى حامد أبو الوليد على غالبية أعضاء مجلس شورى التنظيم الذين كانوا مسجونين معه في إيران، فأجمعوا أن كتابات “حامد” تتبنى وجهة النظر الإيرانية وتهدف لضرب الحركة الجهادية العالمية، وإبراز وتمجيد الحركات المرتبطة بإيران كحزب الله والمجموعات الجهادية الطاجيكية والأوزبكية التي على صلة بالمخابرات الإيرانية.
أبو الخير المصري يتهم صهر سيف العدل بمحاولة ضرب الحركة الجهادية العالمية وتجميل وجه المجموعات الإيرانية
ويقول الباحث المصري في الجماعات الإسلامية عمرو عبد المنعم إن مصطفى حامد لعب دور في إقناع قيادات القاعدة بالتحالف الجزئي مع إيران، استنادًا لفتوى تقول إن التعامل مع دولة مسلمة مبتدعة كإيران أفضل من التعامل مع “دول مرتدة” انتهجت المذهب السني قبل أن تتحول إلى العلمانية، على حد تعبيره، مضيفًا أن إيران هي الملاذ الآمن الوحيد لقيادات القاعدة.
وبدورها، تقول الدكتور دلال محمود، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير برنامج الأمن والدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية إن مصطفى حامد جزء من متلازمة طهران وله دور في العلاقة الارتباطية بين تنظيم القاعدة وإيران، مضيفةً أن إيران بالنسبة له ليست مجرد دولة، وفقاً لكلامه وكتاباته وآراءه فإن إيران هي النموذج الذي يجب أن تكون عليه الدولة الإسلامية، كما أن طالبان هي النموذج الذي يمكن ان يخدم، فهو يربط بين إيران كفرع داعم لدولة إسلامية مركزية.
وتضيف: كان مصطفى حامد جزءاً من علاقة إيران بتنظيم القاعدة، وهذه ليست جديدة عليه وهو يرى أن إيران لها مشروع إسلامي وهي تدعم المسلمين شيعة وسنة، وهذه كانت نقطة خلافية بينه وبين بعض قيادات القاعدة، في البداية كان التحفظ على التعامل مع إيران على اعتبارها شيعية، لكن الرد الذي كان يسوقه مصطفى حامد في سبيل تقريب المسافات هو أن الإسلام هو الأصل والمذهب هو الفرع، وإيران تعمل على نشر الأصل، ووجود دولة اسلامية، مشيرةً إلى أن تقريب المسافات بدأ عندما كان تضييق أمني على حركة قيادات القاعدة، وكان يوجد تقييد حتى على وصول المؤن والأغذية إليهم وهم في أفغانستان وبدأوا يبحثون عن سبيل آخر بعيداً عن مسار باكستان وكانت إيران هي الطريق، وبالتالي كان يتم الاقتراب من الحدود تسهيل معاملاتهم، تسهيل وصول المؤمن واللوجستيات الحياتية عن طريق إيران، في مقابل أنها تدعم مشروعهم.
وتردف الدكتور دلال محمود أنه حتى عندما تم اعتقال مصطفى حامد عام 2001 وجه له اتهامان التسلل عبر الحدود بشكل غير قانوني و تلقي أموال وتبرعات تمر عبر إيران غير معروفة المصدر، وقد اعترف بهذا الأمر، لكنه وفقاً للمحاكمات لم يعترف بأن ما حصل كان بالتنسيق مع بعض الأجهزة في إيران.
وفي المقابل، لم ينفِ مصطفى حامد الاتهامات التي أوردها أبو الخير المصري في رسالته السابقة، مع أنه رد عليها في 7 مقالات تفصيلية عبر موقعه الذي يديره وفند فيها كل النقاط التي تحدث عنها الأخير، عدا العلاقة مع إيران، مكتفيًا بالقول إن أحاديث أبو الخير هي كلام كبير جدًا وخطابي جدًا يُذكره بأحاديث المذيع المصري الشهير في العهد الناصري أحمد سعيد الشهير بـ”مذيع النكسة“، ملمحًا إلى أن تنظيم القاعدة انحسر ولا يدعم الحركات الجهادية بينما ظلت المخابرات الإيرانية في الواجهة تقوم بدورها في دعم المجموعات المحسوبة عليها في العالم، كما اعتبر في مقاله “الرد المفقود من تسريبات أبوت آباد ( 3 من 7) المنشور في ١١ يونيو ٢٠١٧، أن حديث أبو الخير عن المؤامرة الإيرانية مجرد صياح هيستري، ناصحًا الأخير برؤية العالم من حوله، على حد تعبيره.
واستغل مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) رده على أبو الخير المصري، لتسريب رسائل ضمنية توحي بضرورة تعاون تنظيم القاعدة وإيران، معتبرًا أن البديل عن الملاذ الإيراني للقاعدة أو السجن الإيراني بتعبيره سيكون سجن غوانتنامو الأمريكي، كما أردف أن سقوط نظام حركة طالبان في أفغانستان وسقوط نظام صدام حسين في العراق خدم مصالح إيران والقاعدة معًا، متسائلًا إذا كانت إيران والقاعدة رابحان من سقوط هذه الأنظمة فلماذا يغضب أبو الخير من تبنيه (مصطفى حامد) لوجهة النظر الإيرانية.
ودافع مصطفى حامد عن العلاقات بين إيران والقاعدة في مقال “الرد المفقود من تسريبات أبوت آباد (5 من 7) المنشور في ١٦ يونيو ٢٠١٧، واعتبر أن رفض أبو الخير المصري لتلك العلاقة بأنه جزء من مشكلته العقدية القديمة مع الشيعة، موضحًا أن تلك المشكلة أدت لمعاناته أثناء سجنه في إيران لأن الإيرانيين ضغطوا عليه بشدة بينما تساهلوا مع آخرين من قيادات القاعدة ممن عرفوا بعدم عدائهم للشيعة كما وصف أبو الوليد المصري التيار الرافض للتقارب بين القاعدة وإيران بأنه يقف مع الموساد الإسرائيلي (جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي)، وأن الموساد هو من طرح لهم فكرة العدو البديل (إيران والشيعة) بحسب الجزء السادس من “سلسلة الرد المفقود من تسريبات أبوت آباد” المنشورة عبر موقع مافا الخاص بحامد.
ويُلاحظ أن مصطفى حامد أبو الوليد خصص مقالاته الـ7 لنقد التيار الرافض لإيران داخل القاعدة، في نفس الوقت الذي دعم فيه التيار المقرب من إيران والذي يُمثله سيف العدل، وأبو محمد المصري (قبل مقتله)، كما سمح لسيف العدل بنشر مقالات عديدة عبر الموقع الذي يديره.
ولم تكن تلك الخطوة سوى جزء من مخطط نشر عدوى “متلازمة طهران” في صفوف قادة القاعدة، وذلك عبر اتباع مقاربة ثنائية تتضمن مهاجمة قادة القاعدة الذين رفضوا الخضوع لإيران أو السير في ركابها، في مقابل إضفاء مسحة تفضيل وتعظيم على القادة المؤيدين لإيران وفي مقدمتهم سيف العدل الذي هو صهر مصطفى حامد (زوج ابنته أسماء)، وصهر أيمن الظواهري، عبد الرحمن المغربي أو عبد الرحمن آباتي، الذي يتواجد في إيران هو الآخر، وأدت تلك المقاربة إلى تجزئة وتقسيم القاعدة.
وبينما تمت مهاجمة أبو الخير المصري والمجموعة المؤيدة له والتعتيم عليهم إعلاميًا، نشر مصطفى حامد في ٣١ ديسمبر ٢٠١٢ ما قال إنه “رسالة القاعدة إلى موقع مافا السياسي“، والتي قال إن كاتبها الذي عرفه بـ”عابر سبيل” هو أهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى تنظيم القاعدة، وإنه انضم للتنظيم في عام 1989 (بما يعني أنه ليس من مؤسسيه، لأن التنظيم تأسس في عام 1987)، وتولى مهام في إدارة المعسكرات والأمن، وشارك في القتال في الصومال عام 1995، وأصبح أهم وأقدم شخصية محورية في القاعدة بعد مقتل نائبي أسامة بن لادن أبو عبيدة البنشيري، عام 1996، وأبو حفص المصري عام 1996.
وشكلت تلك الكلمات محاولة لتلميع شخصية عابر سبيل (سيف العدل) قبل الإعلان عن اسمه الحقيقي، وذلك ضمن حملة مُخططة هدفت لإضفاء مسحة تفضيلية عليه ووصفه بأنه قيادي كاريزمي وأنه أفضل من تبقى من قيادات القاعدة، بيد أنه في الحقيقة لم يكن عابر سبيل إلا سيف العدل نفسه، وهو ما كشفه الأخير نفسه في سلسلة كتبه المعنون بـ”الصراع”، والتي نُشرت أيضًا عبر موقع صهره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري).
وتؤكد مراسلات ووثائق أبوت آباد، أن سيف العدل لا يتمتع بهذا القدر من الصفات القيادية والكاريزمية كما أنه ليس أقدم أو أهم شخصية في القاعدة، إذ ذكر أسامة بن لادن، في رسالة، لعطية الله الليبي (جمال المصراتي)، مسؤول العمليات الخارجية في القاعدة حتى عام 2011، أن سيف العدل لا يصلح أن يكون نائبًا أولًا أو ثانيًا لأمير القاعدة، فضلًا عن أن رفيقيه أبو الخير المصري، وأبو محمد المصري يتفوقان عليه في الملكات القيادية والثقة التنظيمية، وهو ما كشفت “أخبار الآن” عنه في مقال سابق عن سيف العدل.
وتثبت تلك الرسائل بما لا يدع مجالًا للشك أن عملية “تلميع سيف العدل” هدفت لإبرازه على الساحة باعتباره الأمل الأخير لقيادة القاعدة، خاصة بعد مقتل أسامة بن لادن، بحيث يصبح سيف العدل أو عابر سبيل (اسمه الحركي الأقل شهرةً) متحكمًا بشكل كامل في التنظيم، وبالتي يتم توجيهه بالكامل في الطريق الذي يريده مصطفى حامد، أي خدمة مشروع طهران في المنطقة والعالم.
ويقول الباحث المصري عمرو عبد المنعم إن وجود سيف العدل على رأس القاعدة حتى الآن غير محسوم لأن الهيكلية التنظيمية للقاعدة تؤكد على ضرورة أن يكون من يتبوأ هذا المنصب نقي العقيدة، وسيف العدل على علاقة بإيران إلى حد كبير وبالتالي يمكن أن يحصل اختراق للتنظيم وخلاياه المنتشرة في العالم، إضافةً إلى أن سيف العدل من الناحية الشرعية ليس قوياً، كما أن من سيتولى القيادة العليا لتنظيم القاعدة يجب أن يتمتع بقيادة عسكرية صلبة عاصرت المعارك التي خاضها التنظيم في مختلف جبهات الصراع.
ويشير الدكتور كمال حبيب، الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، إلى أن علاقة إيران مع تنظيم القاعدة أدت إلى انشقاق داخل التنظيم، مضيفًا أن الطرفان ينظران إلى بعضهما بحساسية شديدة نظرًا لطبيعة المجموعات الجهادية، ولكن كانت السياسة تفرض في بعض الأحيان أن يكون هناك علاقة، كما أن مصطفى حامد صهر سيف العدل يعتبر جسر مهم في هذه القصة.
وعن موقفه من هجمات 11 سبتمبر، يقول الدكتور كمال حبيب إن مجموعة من قيادات القاعدة منهم سيف العدل عارضوا الهجمات ضد الولايات المتحدة، وتوقع الأخير أن تكون الهجمات مدمرة وكارثية على القاعدة.
ومن المثير للاهتمام أيضًا أن سيف العدل الذي عُرف بانتقاده الشديد لهجمات الـ11 من سبتمبر/ أيلول 2001 ونقده لقيادة القاعدة وعلى رأسها أسامة بن لادن ومطالبته بمحاكمته (طالب مصطفى حامد بمحاكمة أسامة بن لادن أمام محكمة جهادية، وهو ما كرره سيف العدل)- كما تُبين رسالة سرية كشفها مشروع هارموني التابع لمركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية- دافع باستماتة عن القاعدة وعن الهجمات المذكورة في مقالته المنشورة على موقع صهره أبو الوليد المصري (مصطفى حامد)، وخاصةً في مقال: “لسنا.. على رقعة الشطرنج ولسنا أحجار” المنشور بتاريخ ٢٣ مارس ٢٠١١.
وبدا، وقتها، أن سيف العدل ينتقد صهره مصطفى حامد، لكن تبين، لاحقًا، أن هذا النقد لا يعدو كونه تكتيك براجماتي يهدف لإظهار القيادي الأول كأنه مخلص، حتى النخاع، للقاعدة، بعدما راجت أنباء عن وجود بوادر انشقاق يقوده سيف العدل داخل القاعدة.
سيف العدل يتهم قيادات القاعدة بعدم اللجوء للشورى
وبنظرة تحليلية إلى رسائل وكتابات سيف العدل والمنشورة عبر موقع صهره مصطفى حامد، يتضح أن القيادي الأول متماهي تمامًا مع صهره، ويسير على خطاه، وهذا يُفسر وجود نزعة تمردية ورغبة لديه في التخلص من قيادة القاعدة، وانتقاده لها إلى درجة اضطرت أيمن الظواهري للاتصال به مباشرة ومطالبته بوقف الانتقادات.
الصحفي جمال إسماعيل كتب في “الحياة“ أن جهوداً بُذلت لإثناء سيف العدل عن إعلان موقفه، الذي اعتبره يشير إلى بوادر انشقاق في تنظيم القاعدة.
ونقل إسماعيل عن مصادر باكستانية مطّلعة قولها إن انخراط القادة السابقين في القاعدة في مراجعات “يعكس تبايناً متزايداً في وجهات النظر بين بن لادن وأعضاء في مجلس شورى التنظيم”.
وتكتسب هذه المواقف أهمية أكبر نظراً لنشرها حصرياً عبر موقع مصطفى حامد “مافا السياسي” والذي يٌعتبر بنظر الكثيرين “مؤرخ القاعدة”.
دعوة سيف العدل لمراجعة عمليات القاعدة أشارت لبدايات انشقاق داخل التنظيم
ولعل التماهي الحاصل بين سيف العدل وصهره مصطفى حامد، كان من بين أسباب تفضيلهما البقاء في إيران وكذلك تفضيل نظام طهران وجودهما على الأراضي الإيرانية، بعد عام 2015 والذي شهد الإفراج عن 5 من أبرز قيادات القاعدة ضمن صفقة تبادل أسرى مع فرع القاعدة في اليمن، هم: (أبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، وسيف العدل، وأبو القسام الأردني، وساري شهاب)- أفرجت إيران عنهم، إذ اختار أبو الخير، وأبو القسام، وساري شهاب الانتقال إلى سوريا، بينما ظل سيف العدل وأبو محمد المصري في إيران بحجة أنهما ممنوعان من السفر، رغم اعتراف قيادات بالقاعدة- منهم أبو القسام نفسه- أنهما يعيشان حياتهما بحرية كاملة في طهران.
رفاق سيف العدل في اليمن وخدمة مصالح طهران
وتُشير صفقة تبادل الأسرى التي أجراها فرع القاعدة في اليمن (القاعدة في شبه الجيرة العربية)، مع إيران إلى ملمح آخر من ملامح التعاون بين تنظيم القاعدة وإيران، وتؤكد تلك العلاقة وجود علاقات بين الفرع اليمني للقاعدة وبين طهران، ولعب الحوثيون، الموالين لطهران، دورًا في تعزيز هذه العلاقة وإقامة قنوات اتصال بين التنظيم ونظام الملالي.
وبدأت هذه العلاقات في السنوات الأولى لتأسيس تنظيم القاعدة في اليمن، باعتراف إبراهيم البنا أو إبراهيم أبو صالح المصري، رئيس اللجنة الأمنية في قاعدة اليمن وأحد أبرز قادة التنظيم حاليًا، فحينما سعى التنظيم للتغلغل في اليمن أنشأ علاقات مع الحوثيين وبعض القبائل اليمنية، وقام ببيع السلاح للحوثيين وكذلك إمدادهم بمعلومات وخطط سرية عن خطط الجيش اليمني لضرب الجماعة المرتبطة بإيران، وساعدت تلك المعلومات الحوثيين على الصمود وعدم الانهزام أمام الجيش اليمني خلال الحروب العديدة التي شنها ضدها.
اعترافات القيادي بقاعدة اليمن إبراهيم البنا سلطت الضوء على تعاون التنظيم مع الحوثيين
ولا يقتصر التعاون الذي نشأ بين الحوثيين وفرع القاعدة في اليمن على عمليات بيع السلاح أو تبادل المعلومات الاستخبارية، بل إن الحوثيين وفروا ملاذات آمنة لعناصر القاعدة وساعدوا في تهريبهم إلى المملكة العربية السعودية، وفق اعترافات إبراهيم أبو صالح (إبراهيم البنا)، في تحقيق أجرته مع السلطات اليمنية عام 2010.
ومن المعروف أن عناصر القاعدة الذين جرى تهريبهم من اليمن إلى السعودية شاركوا في هجمات ومؤامرات إرهابية ضد مصالح وشخصيات سعودية هامة، ومن أبرزها محاولة رابعة لاغتيال الأمير السعودي محمد بن نايف عام 2010، والتي تمت بعد نحو عام على المحاولة الشهيرة لاغتياله عن طريق انتحاري من القاعدة عام 2009.
ويقول الصحفي اليمني محمود العتمي إن الخلاف العقائدي بين القاعدة والحوثي قائم شكلياً بينما هناك توافق حوثي مع القاعدة مبني على أساس المصالح السياسية ومتى تضاربت المصالح بينهما تجد الخلافات والاقتتال وهذه الحروب القائمة ما هي إلا لإيهام المجتمع لكن المعروف حالياً أن إيران تقف خلف القاعدة والحوثي وبالتالي فإن القاعدة في اليمن أصبح أداة بيد إيران لتنفيذ مصالح الحوثي، فمثلاً القاعدة الآن والتنظيمات الإرهابية بشكل عام في اليمن تكن العداء للتحالف العربي بشكل كبير ومن الطبيعي جداً وجود علاقة قائمة بين القاعدة والحوثيين، وهذان التنظيمان يخططان للعمليات بشكل جماعي.
غير أن الأكثر إثارة للاهتمام ليس التعاون الحوثي- القاعدي فحسب، بل دور سيف العدل وصهره مصطفى حامد في تعزيز وتنسيق هذا التعاون، فالأخير زعم في مقالاته أن الوجود الأمريكي والعلاقات الأمريكية السعودية موجهة ضد إيران، وفي صالح إسرائيل، محرضًا على “التعاون الجهادي” بين السنة والشيعة (يقصد إيران وحزب الله) لشن هجمات إرهابية وتفجيرات في الخليج العربي لإسقاط الدول الخليجية وتأسيس نُظم حكم جديدة، ودعا صراحةً في مقال آخر إلى إنهاء”الطائفية في اليمن” والسماح لمن وصفهم بأهل البلاد بالسيطرة على البلاد، وهذه دعوة صريحة للتعاون بين القاعدة والحوثيين باعتبارهم يمثلان اتجاهات العمل السنية والشيعية، وكذلك دعا سيف العدل في مقالاته المنشورة عبر موقع الثاني إلى مهاجمة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تمهيدًا لما يصفه بـ”المعركة الفاصلة“.
مصطفى حامد والترويج للجماعات التابعة لإيران
ولاقى الاتجاه السابق والرامي لإشعال الخليج العربي وضرب المملكة العربية السعودية، رفضًا قويًا من قبل قادة التنظيم في شبه الجزيرة العربية وعلى رأسهم يوسف العييري، الملقب في أوساط الجهاديين بـ”البتار”، الذي اعترض بشدة على تنفيذ هجمات إرهابية داخل المملكة، وفقًا لرسالة أرسلها الجهادي أبو الطيب الجزراوي إلى أسامة بن لادن، أواخر فبراير/ شباط 2009.
وأمام هذا الرفض، تدخل سيف العدل للإطاحة بيوسف العييري وعزله من قيادة التنظيم في السعودية، كما تُبين رسالة أخرى من وثائق أبوت آباد، ووصل هذا القرار إلى فرع التنظيم في شبه الجزيرة العربية عن طريق أيمن الظواهري، وبعدها فُتح الطريق أمام تنفيذ هجمات إرهابية داخل المملكة.
سيف العدل فصل يوسف العييري من قيادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية
وبالجمع بين كتابات سيف العدل وصهره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، والوقائع الخاصة باستبعاد وعزل قادة القاعدة الرافضين لشن هجمات إرهابية في الخليج العربي وخاصةً في المملكة العربية السعودية، يتأكد تماما أن سيف العدل وصهره، المصابان بـ”متلازمة طهران”، يخدمان المصالح الإيرانية بصورة مباشرة، وأن هذا النهج أدى لتقسيم أفرع القاعدة الخارجية أيضًا ومنها الفرع اليمني.
إلى ذلك، انتهج قادة الفرع اليمني للقاعدة وفي مقدمتهم أمير التنظيم الحالي خالد باطرفي، نفس النهج الذي يسير عليه سيف العدل، بالتقارب وإقامة علاقات مع الحوثيين ومن خلفهم إيران، حتى مع إدعائهم عكس ذلك، وظهرت دلائل عديدة تُثبت وجود هذه العلاقات، منها على سبيل المثال انسحاب مقاتلي القاعدة دون قتال أمام تقدم الحوثيين في مناطق عدة منها مديرية الصومعة بمحافظة البيضاء، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وإيواء الحوثيين لقادة القاعدة البارزين ومنهم “أبو عمير الحضرمي” (صالح بن سالم بن عبيد عبولان)، الأمير العسكري الأسبق للقاعدة، ومنحه بطاقة هوية باسم آخر ليهرب من الملاحقة الأمريكية والدولية لا سيما وأنه أُدرج قبل مقتله على قوائم الإرهاب العالمية.
وأثارت تلك العلاقة شكوك قوية في دوافع ونوايا خالد باطرفي وقيادة القاعدة، واتُهم من قبل أفراد في التنظيم بأنه يمنع مقاتلي القاعدة من نصرة القبائل اليمنية والقتال ضد الحوثيين، وفق تعبير أبو عمر النهدي، أمير القاعدة في المكلا سابقًا، والقيادي البارز المنشق عن التنظيم، في رسالته الشهيرة عن الخلاف مع “باطرفي” والتي لم تصل للظواهري بعد أن حجبها الأخير، ونُشرت عبر أفراد مؤيدين للنهدي على مواقع التواصل الاجتماعي لاحقًا.
كما اتُهم خالد باطرفي بأنه يتخلص من أمراء تنظيم القاعدة خدمةً لمصالح الحوثي وإيران، وتعزز ت تلك الشكوك بعد مقتل عمار الصنعاني (إبراهيم بن علي السنفي)، بصورة غامضة داخل مدينة مأرب اليمنية، في مارس/ آذار الماضي.
ويمكن افتراض أن رسالة أبو عمر النهدي حول الخلافات في فرع القاعدة في اليمن وتعاون خالد باطرفي ورفاقه مع الحوثيين وإيران لم تصل لأيمن الظواهري، الذي ينقطع عن التواصل مع أتباعه لفترات طويلة بحجة الدواعي الأمنية- الذي لم يُجب عنها أو يلتفت لها بأي صورة حتى الآن- وأن سيف العدل حجبها كما حصل سابقًا عندما حجب الرسالة التي بعثها قادة هيئة تحرير الشام أو الفرع السوري (السابق) للقاعدة إلى أيمن الظواهري، وأرسل بدلًا منها رسالة تحريضية ضدهم، وبالتالي ترسخ الانقسام داخل التنظيم.
تغيير علامة القاعدة الجهادية
وفي سياق تعزيز الانقسام داخل التنظيم، تلفت الوثائق المسربة من داخل فرع القاعدة في المغرب الإسلامي إلى وجود اتجاه براجماتي يقوده أمير التنظيم الحالي أبو يوسف العنابي “يزيد مبراك” (يشتهر بـ”مبارك يزيد”)، يتقاطع مع براجماتية سيف العدل، ويرى أصحاب هذا الاتجاه التعاون مع دول إقليمية كتركيا وقطر وباكستان وماليزيا، لمواجهة المحور السعودي الإماراتي، ومواجهة فرنسا.
وتحمل الصيغة التي كُتب بها عرض القاعدة في المغرب الإسلامي للتعاون مع تركيا، رسائل عديدة أهمها التركيز على مواجهة المحور العربي الذي تمثله الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بالإضافة للدعوة لتشكيل تحالف من الدول التي ينظر لها القاعدة كأصدقاء محتملين (تركيا، وقطر، وباكستان.. إلخ)، وهو نفس الأمر الذي يدعو له سيف العدل، وصهره مصطفى حامد في كتابتهم الأخيرة.
عرض القاعدة في المغرب الإسلامي للتعاون مع تركيا
ويُجسد العرض المقدم من القاعدة في المغرب الإسلامي للتعاون مع تركيا حالة البراجماتية التي تحكم تصرفات بعض قيادات القاعدة، كسيف العدل والعنابي.. إلخ، وهي براجماتية تؤدي إلى مزيد من التقسيم في صفوف التنظيم، إذ قُوبل هذا العرض بالرفض والسخط من قبل مجموعات داخل التنظيم، واعتبروها “انحطاط فكري وأخلاقي، وتفريط في الثوابت الجهادية”.
ويُرجح أن العرض المقدم من القاعدة في المغرب الإسلامي للتحالف مع تركيا، يأتي ضمن محاولات التنظيم للبحث عن راعي دولي جديد يضمن له العمل والانتشار بشكل أوسع، لكن ردود الأفعال التي أعقبت نشر هذا العرض تُوحي بوجود انقسام داخل التنظيم بشأنه.
ومن غير المستغرب أن يتقدم أبو يوسف العنابي بعرض شبيه، خصوصًا أنه سبق وأبدى مواقف بعدية عن الخط التقليدي للسلفية الجهادية كموقفه من رثاء الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وكذلك محاولته التودد للمتظاهرين الجزائرين الثائرين على الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، عام 2019.
وتضاد هذه الرؤية مع الرؤية السلفية الجهادية التقليدية التي تنظر للتحالف مع الدول الإقليمية باعتباره فخًا لاستدراجها لتقديم تنازلات والابتعاد عن منهجها وأيدولوجيتها، وهذه النظرة لا زالت موجودة لدى تيار داخل القاعدة- وينظر هذا التيار بعين التقدير للمنظرين الجهاديين الذين لم يبدلوا مواقفهم كأبي محمد المقدسي-، بينما يوجد تيار آخر يرى ضرورة الاستفادة من التناقضات الدولية وطرح نموذج جديد للقاعدة يتوائم مع الرغبة الشعبية، بتعبير سيف العدل في كتابه الصراع ورياح التغيير.. الجزء الثاني (الثورة.. الاستراتيجية).
ويُعتقد أن هذا الاختلاف في وجهات الرؤى، سيبقى أحد العوامل المحفزة لمزيد من التقسيم داخل القاعدة بالنظر إلى السياقات والتفاعلات التنظيمية السابقة داخل التنظيم، والتي تُثبت أن الخلافات الداخلية وقفت وراء عمليات انشقاق هيكلي كبرى مثلما حدث في العراق وسوريا.
ماذا تبقى من “القاعدة القديمة”؟
وعلى الجهة الأخرى، يستمر فرعا تنظيم القاعدة في سوريا والصومال، حراس الدين وحركة الشباب على الترتيب، في اقتفاء أثر قيادة القاعدة، والسباحة ضد التيار الرافض لتراجعات وانتكاسات التنظيم، ويحرص كلا الفرعين على إبداء تأييدهما لأيمن الظواهري ومجموعة “قاعدة خراسان”، حتى مع استمرار انفصال أمير القاعدة عن الواقع واكتفاءه ببث نصائح وتوجيهات بعيدة عن التطورات الميدانية التي يواجهها فرعي القاعدة في سوريا والصومال.
ويتبنى فرعا القاعدة في سوريا والصومال، حتى الآن، أيدولوجيا الجهاد المعولم أي أنهما لا زالا جزءًا من الشبكة الدولية لتنظيم القاعدة، رغم وجود انتقادات داخلية لهذا النهج ودعوات للتركيز على الجهاد المحلي أو القُطري.
وهناك عوامل عدة تُفسر لماذا بقي حراس الدين وحركة الشباب الصومالية على ولائهما القديم للقاعدة، أولها رغبتهما في كسب الزخم الجهادي وتقديم نفسهما باعتبارهما جزءً من حركة جهادية أوسع مستفيدين من الرمزية التاريخية لاسم القاعدة لدى بعض الأوساط الجهادية، وثانيهما وجود روابط مباشرة بين سيف العدل وقيادات الفرعين السوري والصومالي.
وأنشأ سيف العدل، أثناء وجوده في الصومال عام 1995، صلات وروابط مع نشطاء صوماليين صاروا لاحقًا قيادات بحركة الشباب الصومالية، وظلت الصلات قائمة، حتى الآن، بحسب ما يتضح من تقارير فريق الدعم التحليلي المعني بمراقبة أنشطة تنظيمي داعش والقاعدة بمجلس الأمن الدولي، وكذلك نجح سيف العدل في الارتباط بكثير من مجموعات حراس الدين المتواجدين في سوريا والذين تواصل معهم عبر الإنترنت، وفق ما ذكره عبد الرحيم عطون، الشرعي العام لهيئة تحرير الشام في رده على أيمن الظواهري.
ولجأ سيف العدل إلى حيلة ذكية لتوثيق صلاته بقادة حركة الشباب، وتنظيم حراس الدين وهي اختيار تصعيد القيادات المحسوبة عليه إلى مناصب عليا داخل الهرم القيادي للقاعدة، ولهذا الغرض جرى اختيار أمير تنظيم حراس الدين أبو همام السوري (سمير حجازي، يُعرف بفاروق السوري أيضًا)، وأحمد ديري (يُعرف بأبي عبيدة أحمد عمر ) لشغل عضوية “لجنة حطين” وهذه اللجنة مسؤولة عن الإشراف على أنشطة تنظيم القاعدة وأفرعه الخارجية، حسبما ذكر التقرير الأخير لفريق الدعم التحليلي بمجلس الأمن الدولي.
وتُعد هذه الخطوة بمثابة “رشوة تنظيمية” لضمان ولاء أمراء تنظيم حراس الدين، وحركة الشباب الصومالية، والسيطرة عليهما، وبالتالي تسهيل تقبلهما لتولي سيف العدل إمارة القاعدة حال اختفى أيمن الظواهري من المشهد، لأي سبب.
ويسلط تقرير مجلس الأمن الدولي الأخير عن تنظيمي داعش والقاعدة، الضوء على تكتيكات تنظيمية تقوم بها قيادة قاعدة خراسان، أهمها دعوة مقاتلي حراس الدين المتواجدين في شمال سوريا (إدلب) إلى الانتقال إلى أفغانستان والانضمام لمجموعات القاعدة هناك، وأيضًا قيام حركة الشباب الصومالية بتمويل التنظيم المركزي للقاعدة بمبالغ مالية كبيرة من حصيلة الأموال التي تجمعها الحركة شهريًا.
ومع أن عمليات نقل الأفراد والأموال تعتبر أمرًا روتينيا داخل شبكات التنظيمات الجهادية والإرهابية، إلا أن نهج سيف العدل وقيادة القاعدة في خراسان يحمل في طياته رغبة في الاستئثار بموارد الأفرع الخارجية للتنظيم، واستنزافها من ناحية الموارد البشرية والمالية، فبدلًا من أن يقوم التنظيم المركزي بتقديم دعم لهذه الأفرع يطالبها بمد يد العون له، في نفس الفترة، التي تُعاني فيها من ضغوط عملياتية كبيرة، ففي سوريا يُعاني تنظيم حراس الدين بقوة تحت وطأة العمليات الأمريكية ضده والصراع الذي تخوضه هيئة تحرير الشام لاقتلاعه من شمال سوريا، وفي الصومال تواجه حركة الشباب حملات عسكرية متواصلة تشنها القوات الحكومية والإفريقية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
كما يُحتمل أن يكون توجيه أوامر لكوادر حراس الدين بالانتقال إلى أفغانستان، جزء من مخطط أوسع هدفه تفتيت ما تبقى من الكتلة الصلبة لحراس الدين وإخماد أي معارضة أو رفض محتمل لتولي سيف العدل إمارة تنظيم القاعدة بسبب وجوده في إيران، إذ يتبنى الجهاديون السوريون (حراس الدين) موقفًا عدائيًا من إيران، ويعتبرون أن وجود سيف العدل داخلها من الأمور التي تقدح في أهليته لتولى إمارة القاعدة، كما أن الفقه الحركي الذي يتبعه الجهاديون يرفض تولي “الأسير“ الإمارة لأنه منقوص الأهلية، وهو الأمر الذي ينطبق من وجهة نظرهم على سيف العدل باعتبار أنه غير قادر أو راغب في مغادرة طهران إلى مكان آخر.
وبتحليل الخطاب الجهادي والسجلات التي خاضها كوادر تنظيم حراس الدين ضد خصومهم في هيئة تحرير الشام، يتبين أن أفراد الحراس يميلون إلى استقاء أرائهم من أبو محمد المقدسي، المنظر الجهادي الشهير، الذي يعتبرون أنه باقٍ على النهج الجهادي القويم، ولم ينحرف إلى تيار التمييع الذي يرى إقامة علاقة مع الدول الإقليمية، أو للتيار المهادن لإيران، وهذا يُشكل عامل إضافي قد يحول دون وصول سيف العدل إلى إمارة القاعدة، لأن “المقدسي” يُسارع لإبداء رأيه ونقده في مثل هذه الحالات، ويُستبعد أن يصمت على أن تولى “أسير معنوي” (بالمفهوم الحركي وتعني الشخص الذي لا يستطيع الخروج من أرض أو بلد معينة حتى لو امتلك حرية الحركة داخلها)، لإمارة تنظيم القاعدة.
ويرى الباحث الأردني في الحركات الجهادية حسن أبو هنية أن هناك علاقة تجمع بين أبو محمد المقدسي وكلًا من سيف العدل ومصطفى حامد، وهذه العلاقة تدفعه للصمت وعدم إبداء تعليقاته بشأنهما، مردفًا أن “المقدسي” سيتكلم عندما تتضح الأمور ولن يسعه الصمت لأن العلاقة بين القاعدة وإيران أمر لا يمكن السكوت عليه أو تأويله.
ويردف تقرير فريق الدعم التحليلي التابع لمجلس الأمن الدولي أن أعضاء تنظيم حراس الدين غير قادرين أو غير راغبين في الانتقال من سوريا إلى أفغانستان، وهذا يُعطي لمحة أخرى عن وجود حالة من الرفض الداخلي للأوامر العملياتية الصادرة من قاعدة خراسان لفرعها السوري.
وفي الوقت الذي تعول فيه قيادتا الفرع السوري (حراس الدين)، والصومالي(حركة الشباب) على أن يؤدي ارتباطهما بتنظيم القاعدة المركزي، وتواصلهما مع سيف العدل، نائب أيمن الظواهري حاليًا، إلى نجاح مشروعهما الجهادي في الشام والقرن الإفريقي، يمضي سيف العدل في تنفيذ مشروعه ورؤيته الخاصة المتوافقة مع رؤية صهره مصطفى حامد، والتي يبدو أنها ستنزف القاعدة وأفرعها الخارجية وتوقف مشروعها الجهادي، تمامًا كما حصل مع مشروع الوحدة الذي خطط له أبو الخير المصري وأجهضه سيف العدل سابقًا.