بعد متلازمة طهران.. القاعدة إلي أين؟ الجزء الثالث
بعد أيام معدودة على إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، مقتل أيمن الظواهري أمير تنظيم القاعدة كتب مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، صهر نائب أمير التنظيم سيف العدل، مقالًا بعنوان: “أهلا وسهلاً بكم فى إتفاق الدوحة (2).. ملحمة الدكتور الظواهرى فى كابول” ونشره عبر موقع إلكتروني يديره، وادعى فيه أن الرواية الأمريكية مليئة بالثغرات وأن جثة أيمن الظواهري لم يتم العثور عليها في البيت الذي استهدفته الولايات المتحدة الأمريكية بالحي الدبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابل.
وحاول مصطفى حامد التشكيك في اغتيال أيمن الظواهري بحجة عدم العثور على جثته، متجاهلًا إعلان أمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني السابق، أن جثة أمير القاعدة دُفنت في منطقة بانجواي في ولاية قندهار جنوب أفغانستان.
لكن أخطر ما سعى مصطفى حامد لتمريره عبر مقاله الجديد، كان ادعاءه أن الهجوم الأمريكي على كابل هدفه وقف بناء إمارة طالبان في أفغانستان، وقطع علاقتها بإيران بحيث تتحول إلى جزء من التحالف ضد طهران بما يخدم مصالح الغرب والولايات المتحدة.
وعَبّر مقال مصطفى حامد عن عرض آخر من أعراض “متلازمة طهران”، والتي تجعل صاحبها يسعى دائمًا لخدمة مصالح النظام الإيراني، وتبني وجهة نظره والتماهي معه بشكل كامل، وهو ما يفعله مصطفى حامد وصهره سيف العدل الذي يُتوقع أن يتولى إمارة القاعدة خلفًا لأيمن الظواهري.
وتطرح تلك التطورات، تساؤلات رئيسية حول مستقبل تنظيم القاعدة في ظل سيطرة القادة المصابين بمتلازمة طهران (كسيف العدل) على مقاليد القرار داخله، وهو ما يسعى التقرير الحالي للإجابة عليه:
في أحدث تقاريره عن علاقة تنظيم القاعدة بحركة طالبان الأفغانية، والصادر في مايو/ آيار 2022، قال فريق الدعم التحليلي المعني بمتابعة ملفي تنظيمي داعش والقاعدة بمجلس الأمن الدولي إن سيف العدل محمد صلاح زيدان، نائب أمير القاعدة، يُنظر إليه كخليفة محتمل لأمير تنظيم القاعدة (المقتول) أيمن الظواهري، لكن إذا أراد القدوم إلى أفغانستان فمن المتوقع أن ترفض أو تؤجل طالبان هذه الخطوة حتى آخر لحظة ممكنة، لخشيتها من أن تُثير هذه الخطوة حفيظة المجتمع الدولي.
ومع أن الفريق التابع لمجلس الأمن الدولي لم يستبعد، تمامًا، أن تستقبل حركة طالبان، سيف العدل المقيم في إيران حاليًا، إلا أنه أكد، ضمنيًا، أن نائب أمير القاعدة، الذي يتوقع أن يتولى الإمارة قريبًا حال اعترف التنظيم بمقتل أيمن الظواهري، أصبح عبءً على حلفاءه وأنصاره، وأنه قد لا يجد مكانًا آمنًا، خارج العاصمة الإيرانية طهران التي يقيم بها، منذ نحو عقدين من الزمان.
ففي أعقاب هجمات الـ 11 من سبتمبر 2001، أصدر أمير طالبان الملا محمد عمر قرارًا بإخراج أعضاء وعناصر القاعدة وغيرهم من العرب إلى خارج بلاده، وخارج منطقة الحدود الأفغانية- الباكستانية، وجراء هذا القرار توافدت مجموعات التنظيم على إيران، حسبما ذكر القيادي بالقاعدة أبو أنس الليبي (أنس السبيعي، ويُعرف أيضًا بأبي عبد الرحمن)، في رسالة أرسلها لأسامة بن لادن، زعيم القاعدة الراحل، عام 2010، ونشرتها الاستخبارات المركزية الأمريكية، لاحقًا، ضمن وثائق آبوت آباد.
وأوضح أنس السبيعي في رسالته أن سيف العدل ومجموعة من قيادات القاعدة التي تُعرف بمجموعة “السي سات”- كلمة فارسية تعني 300- (يسمي السبيعي مجموعة السي سات بالمجموعة الأولى وتضم أبو محمد المصري، نائب أمير القاعدة سابقًا، ومحمد شوقي الإسلامبولي شقيق الضابط خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري أنور السادات، وسليمان أبو غيث، المتحدث باسم القاعدة سابقًا، وأبناء أسامة بن لادن سعد، وعثمان- زوج ابنة سيف العدل الذي يقيم معها حاليا في قطر وفقًا لتقارير سابقة-، وآخرين)، استقروا في مدينة شيراز، مركز محافظة فارس الإيرانية، قبل أن يتم نقلهم، بعد نحو عام، إلى معسكر لتدريب المجموعات المتعاطفة مع إيران.
وتضمنت الرسالة السابقة وغيرها من الرسائل الموجودة ضمن وثائق آبوت آباد، شكاوى متكررة من تعامل الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية مع أمراء القاعدة المعتقلين لدى طهران، لكن لم تتضمن أي من هذه الرسائل شكوى واحدة لـ”سيف العدل”، الذي يبدو أنه تمتع بمعاملة مختلفة من قبل الإيرانيين، أتاحت له ميزات استثنائية مقارنة بغيره من قادة القاعدة، ومنها إمكانية الاتصال بالعالم الخارجي وكتابة مقالات ورسائل ونشرها عبر موقع إلكتروني يديره صهره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، الذي يرتبط بشكل وثيق بإيران ويُوصف بأنه مصاب بـ”متلازمة طهران”.
قصة “تلميع” سيف العدل
وصعدت أسطورة سيف العدل، على مدار السنوات التالية، وأصبح يُوصف من قبل الدوائر التنظيمية ودوائر مكافحة الإرهاب، والأمريكية منها تحديدًا، بأنه “الأمل الأخير لتنظيم القاعدة“، وأنه الشخص الوحيد القادر على إنقاذ التنظيم من حالة اللا فاعلية التي عاشها منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وعزز مصطفى حامد، صهر سيف العدل هذه الصورة النمطية بشكل دعائي مركز، فكتب في تصدير الرسالة الأولى التي نشرها سيف العدل على موقع الأول (موقع مافا) في ٣١ ديسمبر ٢٠١٢ تحت عنوان “رسالة القاعدة إلى موقع مافا السياسى بقلم / عابر سبيل- الجزء الاول”، إن الأخير (سيف العدل) والذي أطلق على نفسه اسم حركي جديد هو عابر سبيل: “أحد أخوة الجهاد ورفقة السلاح القديمة فى أفغانستان ، وأن تسميته بـ(عابر سبيل) يُستمد من صفة مميزة لجيل كامل طحنته أحداث أكثر من عقدين من الزمان حفلت بصراع تاريخى ثقيل الوطأة خاضه ذلك الجيل بلا قيادة حقيقية وبلا خبرة مسبقة”، وهو يعني بذلك الطعن في قيادة القاعدة بأكملها (بما في ذلك القادة المؤسسين الذين كانوا على قيد الحياة في هذه الفترة، وعلى رأسهم أيمن الظواهري، وعطية الليبي، وأبو الخير المصري.. إلخ).
مقدمة مصطفى حامد لسلسلة مقالات “رسالة القاعدة إلى موقع مافا السياسي – الجزء الأول” والتي كتبها سيف العدل تحت اسم عابر سبيل
واتبع مصطفى حامد إستراتيجية مزدوجة في ترويج أسطورة سيف العدل، فانتقد قيادة القاعدة ووصفها بأنها أضاعت أجيال الجهاديين وضحت بهم، بينما وصف سيف العدل، في التعريف الذي قدمه له في الرسالة الأولى المذكورة، بأنه: “عضو قديم فى تنظيم القاعدة، انضم إليه فى أواخر عام 1989، وبذلك لا يُعد من مؤسسى التنظيم، ولكنه يعتبر أهم من تولى مسئوليات تنفيذية فى مجالات التدريب وإدارة المعسكرات والأمن والعمل العسكرى بشكل عام، كما أنه قام بدور بارز فى الصومال، عام 1995، و أشرف على تدريب مجموعات صومالية ، وعمل على تفعيلها ميدانيا، كما لعب دور بارز أيضًا فى معركة قندهار الأخيرة (عام 2001 ) ضد القوات الزاحفة عليها والمدعومة من الجيش والطيران الأمريكى، وبعد مقتل أبو عبيدة البنشيرى، عام 1996 ثم أبو حفص المصرى،2001 وهما مؤسسا تنظيم القاعدة مع أسامة بن لادن ، أصبح (عابر سبيل/ سيف العدل) أقدم وأهم شخصيات الصف الميدانى الأول فى التنظيم”.
كما انحاز مصطفى حامد لتيارات حركة طالبان المعرضة لوجود الجهاديين العرب في أفغانستان، وعبر “حامد” عن هذا الرفض في العديد من مقالاته وكتاباته على موقعه الإلكتروني أو على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أن طالبان لم تقل، في العلن، أنها تتبنى موقفه إلا أنها سمحت له بمواصلة الكتابة والمشاركة الكبيرة في مجلة الصمود (المجلة الرسمية للحركة)، وهو ما يعني أنها تتماهي مع مواقفه الرافضة لوجود القاعدة على الأراضي الأفغانية.
واحتوت كلمات مصطفى حامد السابقة على 3 مغالطات كبرى، هي وصفه لسيف العدل بأنه أهم من تولى مسؤوليات تنفيذية في القاعدة، وأن دوره في الصومال كان محوريًا، إضافةً لاعتباره أن صهره (سيف العدل) أهم وأقدم شخصيات الصف الأول الميداني في القاعدة، إذ أن كل تلك النقاط كانت خاطئة تمامًا، كما سنبين في تقريرنا الحالي.
على أن مغالطات مصطفى حامد وسعيه لتلميع صهره سيف العدل، لم يكن سوى تكتيك مستمر اتبعه أبو الوليد المصري لترجيح كفة سيف العدل على منافسيه في قيادة القاعدة، وذلك لاعتبارات عديدة منها رغبة الأول في أن يتولى الأخير منصب أمير تنظيم القاعدة، بما يخدم مصالح مصطفى حامد ومن خلفه نظام الولي الفقيه في طهران، وهذه الرغبة فرضت عليه أن يسعى لصنع أسطورة من سيف العدل، الموصوف بأنه شخص محدود القدرات الإدارية والقيادية ولا يصلح لأن يتولى أي منصب قيادي حقيقي في إمارة القاعدة بما في ذلك منصب النائب الأول أو الثاني لأمير التنظيم، وذلك على حد تعبير زعيم القاعدة المؤسس أسامة بن لادن في رسالة كتبها إلى عطية الله الليبي مسؤول العمليات الخارجية بالقاعدة حتى عام 2012.
أسامة بن لادن ورأيه في قدرات سيف العدل القيادية كما جاء في رسالته لعطية الله الليبي مسؤول العمليات الخارجية في القاعدة (سابقًا)
وترتبط رغبة مصطفى حامد/ أبو الوليد المصري بتولي سيف العدل منصب أمير تنظيم القاعدة، بتوافق الرؤى بين الطرفين، وتأثير الأول على الأخير، إذ يُثبت تحليل كتابات ومقالات كلًا من “حامد” و”سيف العدل” أن نائب أمير القاعدة الحالي، متأثر ومتماهي للغاية مع صهره، ويستقي أفكاره منه، حتى أنه استقى كتاباته الأهم حول حروب العصابات من أفكار وكتابات مصطفى حامد في كتابه حرب المطاريد، بجانب كتابات أخرى لمنظرين آخرين لحروب العصابات والحروب الثورية.
ويعد نشر مقالات وكتب سيف العدل على الموقع الخاص بمصطفى حامد (موقع مافا)، دليلًا إضافيًا لحجم تأثير أبو الوليد المصري على صهره، وتقارب أو تطابق وجهات النظر بينهما، وهو الأمر الذي يخدم في النهاية مصالح النظام الإيراني، نظرًا لأن مصطفى حامد كان المصاب الأول بمتلازمة طهران، كما أطلقنا عليها.
سيف العدل.. الأسطورة الزائفة بين الحقيقة والوهم
وفي سياق صناعة أسطورة سيف العدل الزائفة أيضًا، انتشرت كتابات عديدة تخلط بين شخصية محمد صلاح الدين زيدان (الاسم الحقيقي لسيف العدل)، وبين شخصية محمد مكاوي (المكنى بأبي المنذر) والذي خدم في القوات المسلحة المصرية ووصل إلى رتبة العقيد بسلاح الصاعقة وتولى قيادة وحدة لمكافحة الإرهاب، قبل أن يُسافر إلى أفغانستان للمشاركة في ما عُرف بـ”الجهاد الأفغاني”، ثم ينضم لاحقًا لـ”حركة الجهاد الإسلامي- طلائع الفتح” ويصبح متحدثًا رسميًا لها، وهي حركة جهادية تكونت من المنشقين عن تنظيم الجهاد المصري بإمارة أيمن الظواهري، عام 1993.
وراجت هذه المعلومات، رغم خطأها، على نطاق واسع حتى أن الوكالات الاستخبارية الأمريكية بما فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI خلط بين الشخصيتين، وادعى أن محمد مكاوي هو نفسه سيف العدل ورصد مبلغ 25 مليون دولار مكافأة لمن يُدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه، ولعل ما ساهم في رواج هذه الأكذوبة انتشار مقال باسم “السيرة الذاتية للقائد الذباح أبو مصعب الزرقاوي” (لا يُعرف كاتبه الأصلي ويُحتمل أن يكون أحد أنصار محمد صلاح الدين زيدان “سيف العدل” كمصطفى حامد أو غيره، لكن لا يمكن الجزم بذلك حاليا)، يزعم كاتبه أن سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) كان ضابطًا برتبة عقيد في قوات الصاعقة المصرية (القوات الخاصة)، وأنه أسس خلية لتنظيم الجهاد المصري مع الرائد محمد البرم، وأنهما اتُهما في القضية رقم 401 عام 1987 المعروفة بإعادة إحياء تنظيم الجهاد، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري (الأسبق) اللواء حسن أبو باشا، ثم انضم إلى تنظيم القاعدة وكان نائبًا لأسامة بن لادن، وأُوكلت إليه مهمة تكوين خلايا للقاعدة في الدول المحيطة بإسرائيل لتكون بمثابة رأس حربة للتنظيم في مواجهتها، ولهذا الغرض تواصل مع أبو مصعب الزرقاوي واجتمع معه ومع مجموعته الجهادية (التي عُرفت باسم تنظيم التوحيد والجهاد)، كما أنه شارك في التخطيط والتجهيز لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وتؤكد مراسلات قادة تنظيم القاعدة (المراسلات بين أسامة بن لادن وعطية الله الليبي) تلك الرواية الواردة في “السيرة الذاتية للقائد الذباح أبو مصعب الزرقاوي) أن الرواية السابقة مكذوبة بأكملها وأن من كتبها كان هدفه أن يُضفي هالة من التعظيم والتقدير على شخصية سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) ليجعله في واجهة الأحداث ويزيد حظوظه في تولي إمارة تنظيم القاعدة، وذلك لأن قيادة القاعدة (وفي مقدمتها أسامة بن لادن) رأوا أن سيف العدل لا يصلح لمنصب قيادي حقيقي في التنظيم.
ويوضح كميل الطويل في كتابه “القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب” أن سيف العدل الحقيقي (محمد صلاح الدين زيدان) عمل تحت اسم حركي هو إبراهيم المدني (الاسم المستعار الأول لسيف العدل) وأنه برز داخل معسكرات تدريب القاعدة في أفغانستان.
ويضيف مصدر مُقرب من عائلة سيف العدل، رفض الإفصاح عن هويته الحقيقية لاعتبارات خاصة، لـ”أخبار الآن” أن سيف العدل تأثر بفكر أحد الجهاديين الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني، وقرر في عام 1989 أن يُهاجر إلى أفغانستان، وبالفعل توجه إلى المملكة العربية السعودية تحت ستار الحج، ومنها سافر إلى أفغانستان حيث انضم لتنظيم القاعدة.
ويؤكد المصدر أن سيف العدل لم يكن ضابطًا عاملًا (محترفًا) في الجيش المصري، وإنما تخرج من كلية التجارة ثم قضى خدمته الإلزامية في القوات المسلحة كضابط احتياط بسلاح المظلات، وهو ما يعني أن أعلى رتبة هي رتبة الملازم أول (تُصنف ضمن فئة الضباط الصغار داخل الجيش، ولا يتولى أصحابها مناصب قيادية).
وتتفق رواية المصدر مع شهادات هامة حول حقيقة سيف العدل، منها شهادة مصطفى حامد نفسه، في إحدى مقالاته عن سيف العدل وأسامة بن لادن والمعنون بـ”ذات يوم (10).. بن لادن في “حرب مياه” مع فلاحين مصر“، إذ يقول إن محمد صلاح الدين زيدان (سيف العدل) هو “فلاح منوفي” صار لاحقًا ضابط (احتياط) بقوات المظلات في الجيش المصري، وأنه تعرف عليه أثناء العمل في مشروع المطار 90 (إغلاق مطار خوست القديم، وهو مشروع قتالي جرى العمل عليه خلال الحرب مع الاتحاد السوفيتي)، وهذا يعني أن خدمة سيف العدل بسلاح الصاعقة المصرية ليس سوى أكذوبة متداولة، كغيرها من الأكاذيب المرتبطة بالشخصية الأسطورية المتوهمة له.
شهادة مصطفى حامد عن دور سيف العدل في الجيش المصري حسب ما ذكره في كتاب المطار تسعين
ويردف فاضل هارون الصومالي (فضل عبد الله محمد)، الملقب بأمين سر القاعدة والشهير بـ”فازول” وهو الحارس الخاص لسيف العدل ومرافقه سابقًا، أن سيف العدل كان من قادة الصف الثاني للقاعدة وأنه ضابط (احتياط) مظلي، كما أنه شغل مسؤولية حقيبة الأمن في التنظيم تحت إشراف أبو حفص المصري وهذا يعني أنه لم يكن أميرًا عامًا وإنما تابع لأمير آخر في القاعدة ويؤكد أن الهالة التي نُسِجت حول شخصية نائب أمير القاعدة، مجرد هالة مصطنعة.
وتوضح تلك الشهادات أمرًا لافتًا للنظر، وهو سطو سيف العدل وصهره مصطفى حامد على شخصية وإرث العقيد (السابق) محمد مكاوي “أبو المنذر” والذي اعترض على نهج القاعدة والمقاتلين العرب (المجاهدين العرب كما أُطلق عليهم) في أفغانستان ووصف حربهم بـ”حرب المعيز”- فضلًا عن انتقاده لأيمن الظواهري أمير القاعدة (المقتول) ووصفه بأنه عميل إيراني-، رغم أن أبو الوليد المصري اعترف صراحة في مذكراته “ثرثرة فوق سطح العالم” أن كلًا من سيف العدل ومحمد مكاوي شخصيتين منفصلتين.
ومن الجدير بالذكر أن مصطفى حامد، سبق أن سطا على كتابات محمد مكاوي عن حرب العصابات وغيرها في مجلة “منبع الجهاد“، والتي أساسها معًا عام 1990، وأعاد تقديمها في سلسلة كتبه عن “حرب المطاريد” وكأنها من أفكاره الخاصة دون أن ينسب الفضل لـ”مكاوي”، وهو نفس الأمر الذي حاول فعله عبر الإيهام بأن سيف العدل له تاريخ عسكري طويل، وفي الحقيقة كان هذا التاريخ لـ”مكاوي” وليس لسيف العدل.
وبدوره، شارك سيف العدل أيضًا في استمرار عملية التضليل، مع أنه اعترف صراحة في إحدى مقالاته بموقع صهره مصطفى حامد (موقع مافا) والذي كتبه باسم مستعار آخر هو “عابر سبيل” أن سيف العدل شخص مختلف عن العقيد محمد مكاوي، إلا أنه لم يُصحح أو ينفي الأكاذيب المتداولة عن الخبرة والخدمة العسكرية المزعومة لـ”سيف العدل”، كما أنه سرق كتابات “مكاوي” ونشرها باسمه وفق ما ذكره الأخير.
ويُلاحظ أن سيف العدل لجأ لنفي أنه محمد مكاوي نظرًا لانزعاج الأخير من الربط بين الشخصيتين، وتضرره من اتهام أمريكا له بأنه سيف العدل، ولعل ذلك يرجع لخشية الأخير من أن يقوم “مكاوي” بالكشف عن أسرار متعلقة بعلاقة مصطفى حامد وصهر ه (سيف العدل) بالنظام الإيراني، نظرًا لأن العقيد السابق بسلاح الصاعقة المصرية يمتلك معلومات ومعرفة تفصيلية بكواليس العلاقات بين قادة القاعدة وإيران، وظهر هذا بوضوح في ثنايا أحاديثه وتصريحاته الصحفية وغيرها، خلال أوقات سابقة، كما أنه من أشد المعارضين لنهج مصطفى حامد وصهره، حسبما ذكر مصدر وثيق الصلة بـ”مكاوي”.
متلازمة طهران.. الحاضرة دائماً
وعلى ذات الجهة، يتبين من التدقيق في أحاديث العقيد المصري السابق محمد مكاوي أن أعراض متلازمة طهران قديمة قدم الوجود الجهادي في أفغانستان، لا سيما في مرحلة ما بعد الانسحاب السوفيتي، ففي تلك الفترة سعت جميع التيارات والتنظيمات الجهادية بما فيها تنظيم القاعدة لتوثيق صلاتها بإيران، ومن بين من أوائل من أنشأوا علاقات مع الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري،مصطفى حامد ثم صهره سيف العدل، وكذلك أيمن الظواهري الذي تعامل مع الإيرانيين منذ وجوده بتنظيم الجهاد المصري.
واتهم “مكاوي” زعيم القاعدة (المقتول) أيمن الظواهري بأنه عميل مزدوج وأنه تلقى أموالًا ودعمًا إيرانيًا ووصلت تلك الأموال إلى أكثر من 25 مليون دولار في بعض المرات، غير أن الأخير اكتشف، لاحقًا، أن إيران تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة فقط، وأن ارتباطها بالحركات والتنظيمات الجهادية هدفه خدمة طهران وحدها، وهو ما عبر عنه في حواره المعنون بـ”موقفنا من إيران الرافضية” والمنشور في العدد 91 من “نشرة الأنصار”(نشرة جهادية دعائيًا صدرت سابقًا)، بتاريخ 6 أبريل/ نيسان 1995 ، بقوله: “إن الإيرانيين لا يساعدون إلا من كان بوقاً لهم أو دائراً في فلكهم، أما من يأبى ذلك فلا يقدمون له شيئًا أصلا أو ربما قدموا له بعض الفتات لاستدراجه، فإن أبى التبعية لم يقدموا له شيئًا”، مردفًا “موقفنا ممن يدور في فلك إيران؛ هو نصحهم وتحذيرهم، أن مسلكهم هذا لن ينفعهم بشيء، ففي مقابل القليل الذي تقدمه إيران لهم، سيُتهم الشباب المسلم بأنهم عملاء لإيران، وسيفقدون احترام جمهور أهل السنة لهم، ولن يملكوا حرية قرارهم إرضاءً لإيران، التي فقدت حتى ثوريتها التي كانت تدعيها في الأيام الأولى للثورة”.
وعبر عبد الحميد سلطان، المسؤول السياسي والإعلامي لحركة الجهاد- طلائع الفتح، عن رفض الجهاديين التابعين لحركته الارتباط بإيران أو الإقامة بها لأن ذلك يعني ضرب الحركة الجهادية في مقتل، قائلًا: “نحن نعيش في مناخ سنّي ولذلك فإن أي إتهام لنا بالإرتباط التنظيمي مع إيران سيسحب من تحت أرجلنا الشرعية التي نستند إليها في عملنا”.
كما اعتبر “سلطان” أن الإقامة في إيران أو السودان مثلا سيمنح أعداء الحركة الجهادية أسباب للطعن في شرعيتها واتهماها بأنها عملية للأنظمة الحاكمة في البلدين، مردفًا: “إن قيادة الجهاد في الخارج ستستقر في عاصمة غربية ولن نذهب إلى السودان أو إيران، لأن ذلك من شأنه إعطاء النظام القدرة على محاربتنا في وسطنا الذي نعيش فيه”.
وتوضح الوقائع السابقة أن إيران تسمح لكوادر القاعدة وعلى رأسهم سيف العدل، بالعمل إلى الحد الذي يفيد طهران، وتبقى من ضغوطها عليهم لضمان أنهم لن يخالفوا توجيهاتها ولعل هذا السبب كان وراء نقل إحدى وسائل الإعلام الإيرانية التابعة لنظام طهران لاتهامات العقيد محمد مكاوي لسيف العدل وصهره أبو الوليد المصري بسرقة كتاباته وتنظيراته العسكرية والأمنية ونشرها بأسمائهم.
وشكل هجوم أيمن الظواهري على إيران والدائرين في فلكها من المصابين بـ”متلازمة طهران” مرحلة فارقة على صعيد العلاقة بينه وبين النظام الإيراني، فمعسكر إيران وظف مصطفى حامد (ومن بعده سيف العدل) في مهاجمة التيار الرافض للعلاقات مع طهران، وأظهر أبو الوليد المصري عداءً كبيرًا لأمير القاعدة المقتول، وهاجمه في مقالات عديدة عبر موقعه الخاص (مافا).
واعتبر مصطفى حامد أنه بعد مقتل أسامة بن لادن لم تظهر قيادة جهادية على ذات القدر، في تلميح منه إلى أن أيمن الظواهري لا يصلح لقيادة القاعدة، ودعا أيضًا إلى وقف الصراع بين السنة والشيعة والتوجه جميعًا لمعركة واحدة من أجل المقدسات الإسلامية، على حد تعبيره، وهو ما يتضمن دعوة صريحة للتحالف بين طهران والقاعدة.
وبالرغم من أن أبو الوليد المصري (مصطفى حامد) دعا إلى تحرير المقدسات الإسلامية، إلا أنه حرض على التوجه صوب الجزيرة العربية والعمل على إسقاط الدول الخليجية، وذلك خدمةً لمصالح إيران التي توجهه بما يخدم مصالحها.
كما هاجم “حامد” ما وصفه بالسلفية العربية وهو يقصد بها السلفية الجهادية المعادية لإيران (وخاصةً المجموعة الجهادية الرافضة لإيران داخل القاعدة، التي يسميها بالسلفية القتالية أو الوهابية القتالية)، والتي تعتبر أن النظام الإيراني نظام رافضي معادي لا ينبغي التعامل أو التحالف معه، وحاول تأليب حركة طالبان ضدها ووصفها أنها تسعى لنزع شرعية الملا أو أمير حركة طالبان لتبقى لهم الشرعية العقدية في الساحات المختلفة، ولاقى تحريض مصطفى حامد أذنًا صاغية لدى قيادات بحركة طالبان ممن يرفضون تنظيم القاعدة ويسعون للتخلص من وجوده في أفغانستان ومنطقة الحدود الأفغانية الباكستانية.
حامد والهجوم الدائم على السلفية الجهادية والترويج لإيران والجماعات التابعة لها في مقال موقف السلفية العربية .. من الإمارة الإسلامية
وعلى نفس المنوال، سار سيف العدل الذي انتقد بشدة في رسائله لقيادة القاعدة (ومنها رسالته لخالد شيخ محمد الموجودة ضمن وثائق مشروع هارموني التابع لمركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية)، نهج وأفعال التنظيم واعتبر أنهم أسقطوا كل المجموعات الموجودة في شرق آسيا، وأوروبا، وأمريكا، والقرن الإفريقي، واليمن، والخليج، وباكستان، كما وصف أسامة بن لادن بأنه شخص متشبث برأيه ولا يبالي بآراء الآخرين وأنه أدخل القاعدة في نفق مظلم.
وبنظرة تحليلية لسلوك مصطفى حامد (وكذلك سلوك سيف العدل)، يتضح أنه يهدف لتشويه وإقصاء مجموعة أو تيار تنظيم القاعدة الرافض لإيران، وفتح المجال أمام صعود سيف العدل لمنصب أمير تنظيم القاعدة، كي يقوم الأخير بتحقيق وجهة نظر أبو الوليد المصري التي تأثر بها، وإقامة تحالف علني أو شبه علني بين القاعدة والحركات والتنظيمات المرتبطة به وبين إيران ومليشياتها الولائية.
سيف الانقسام الذي مزق القاعدة
ويُعطي التدقيق في مسيرة سيف العدل الجهادية لمحة هامة عن طبيعة شخصية الرجل الذي يحاول صهره (مصطفى حامد) تقديمه لأنصار القاعدة على أنه المنقذ للتنظيم والأمير الذي سيُجدد إرث أسامة بن لادن، والذي اختلف، للمفارقة، مع مصطفى حامد بشدة، حتى أن الأخير دعا لمحاكمته بتهمة تدمير تنظيم القاعدة وإلقاء الشباب في آتون محرقة بعد هجمات 11 سبتمبر.
وبغض النظر عن الصورة الكاريزمية التي حاول مصطفى حامد وغيره، تقديمها لـ”سيف العدل”، تكشف كتابات رفاق سيف العدل عن جوانب عديدة من شخصيته، ومنها على سبيل المثال ديكتاتوريته ورغبته في الاستفراد بالقيادة، وهو ما نص عليه فاضل هارون الصومالي في مذكراته حين قال إن سيف العدل يتابع كل التحركات ويغضب ممن يتصرف بشكل منفرد.
ففي السنوات الأولى لانضمامه إلى القاعدة، أواخر ثمانينات القرن الماضي، وأثناء وجود سيف العدل في تورا بورا (ولاية ننجرهار الأفغانية) اختار ه التنظيم ليكون أميرًا لجبهة جلال آباد (مركز ولاية ننجرهار)، والتي عانت من خلافات بين الجهاديين العرب والأفغان، وحاول سيف العدل أن يسيطر على الجبهة بشكل كامل إلا أن الجهادي الجزائري المعروف بالشيخ عبد المجيد ظل يُنسق مع القادة الأفغان بشكل مستقل وتصرف وكأنه بعيد عن القاعدة وهو ما أغضب سيف العدل بشدة، ولكنه حاول أن يسحب البساط من تحت أقدام “عبد المجيد الجزائري” ليبعده وحلفائه الأفغان من الصورة، ولذا قام بالتنسيق مع القائد العسكري ابن الخطاب ليكون معه ضد “الجزائري”، وفق ما ذكره فاضل هارون في مذكراته.
ولم يتصرف سيف العدل بشكل دبلوماسي، كما حاول رفيقه فاضل هارون أن يُصوره في مذكراته، فبمجرد وصوله إلى الصومال عام 1995، ازدادت الأمور سوءًا وتفاقم الانقسام بين العرب والصوماليين الذين رأوا أن العرب يريدون أن يتدخلوا في قرارهم، ورفضوا تقبل الأمر، ورفضت القبائل الصومالية المحلية تقبل خطة سيف العدل، بينما حاول الأخير دفع الصوماليين إلى طاعته عبر الاستشهاد بالنصوص الدينية التي تُوجب الطاعة للأمير.. إلخ وهو ما أعطى مردود سلبي أكثر، واضطر أبو حفص المصري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة آنذاك، أن يتدخل ليفض الاشتباك بين الطرفين، وينقل سيف العدل إلى مكان آخر.
وأُصيب سيف العدل، في اشتباك خلال وجوده في الصومال، لكن هذا الاشتباك وقع مع قُطاع طرق صوماليين لا مع القوات الأمريكية التي دخلت إلى الصومال ضمن عملية “استعادة الأمل“، عام 1992، وذلك بخلاف الرواية الشائعة لدى أنصار القاعدة والتي تزعم أن سيف العدل شارك في القتال المباشر ضد القوات الأمريكية في الصومال وأُصيب في يده.
وعندما فشل سيف العدل في الصومال انتقل إلى اليمن ولحق بخالد شيخ محمد، وحاولا تثبيت وجود تنظيم القاعدة هناك وخطط سيف العدل لنقل السلاح عبر الأراضي اليمنية وتحديدًا من مدينة المكلا الساحلية إلى الصومال، لكن تلك الخطة فشلت وقُبض على خالد شيخ محمد واحتُجز لفترة قبل الإفراج عنه، وانفض اليمنيين عن سيف العدل، واضطر ، مع خالد شيخ محمد، للعودة إلى السودان، قبل أن ينتقل سيف العدل إلى أفغانستان أواخر عام 1996.
وحتى مع فشله المتكرر في الصومال واليمن، استمر سيف العدل في التدخل في شؤون الأفرع الخارجية للقاعدة ولا سيما فرع شبه الجزيرة العربية، فكلف مجموعات القاعدة هناك بشن هجمات ضد المملكة العربية السعودية، وهي الهجمات التي تضر بالقاعدة وتخدم مصالح أعداء السعودية (ومنهم إيران) كما تنص مراسلات أسامة بن لادن وأتباع القاعدة في المملكة والموجودة ضمن وثائق آبوت آباد، وعندما رفضت المجموعات القاعدية شن تلك الهجمات، أصدر (سيف العدل) قرارًا بعزل يوسف العييري، الملقب في أوساط الجهاديين بـ”البتار” وهو أمير تنظيم القاعدة في السعودية وأحد مجموعة الـ 19 المطلوبين الشهيرة، لرفضه شن الهجمات الإرهابية في السعودية.
كما تدخل سيف العدل في شؤون التنظيم في اليمن (يحمل اسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية)، وانحاز إلى خالد باطرفي ومجموعته التي تُتهم بأنها تخدم مصالح جماعة الحوثي وأصبحت طابورًا خامسًا لها، على حساب المجموعات الرافضة للتعاون مع جماعة الحوثي (المحسوبة على طهران) والراغبة في القتال ضد الحوثيين وأبرزها مجموعة أبو عمر النهدي التي انشقت عن القاعدة في اليمن، وأرسلت رسالة لأيمن الظواهري، أمير القاعدة (المقتول)، تُطالبه بالتدخل لحسم الخلاف مع “باطرفي”، لكن هذه الرسالة جرى حجبها من قبل باطرفي بإيعاز من سيف العدل ومجموعة القاعدة في إيران، ولم تصل إلى “الظواهري”، حسبما يقول مصدران مطلعان أحدهما على علاقة وثيقة بـ”أبو عمر النهدي”.
وفي الحقيقة، لا تعد تلك المرة الأولى التي حجب فيها سيف العدل رسائل عن قيادة القاعدة العليا، وخصوصًا عندما تتعارض تلك الرسائل مع مصالح إيران ووكلائها في المنطقة، وسبق له أن حجب رسالة الفرع السوري للقاعدة (النصرة سابقًا، وهيئة تحرير الشام حاليا)، عن أيمن الظواهري- وفق ما ذكره أبو عبد الله الشامي “عبد الرحيم عطون في رسالته للرد على أيمن الظواهري- وأرسل له رسالة بديلة تُهاجم المجموعة السورية وتُهاجم أيضًا أبو الخير المصري، نائب أمير القاعدة (سابقًا) والذي كان المرشح الأول لخلافة أيمن الظواهري كما أنه يُشتهر بخلافه مع مصطفى حامد ومع إيران، قبل أن يُقتل في سوريا عام 2017، وجراء تلك الرسالة اندفع أيمن الظواهري وهاجم الفرع السوري، وأدى ذلك لانفصاله تمامً عن القاعدة بل وتحول إلى العداء معاها وصار يتتبع المرتبطين بالتنظيم، كمجموعة تنظيم حراس الدين، ويسعى للقضاء عليهم.
وتُبرهن تلك الوقائع وغيرها على أن سيف العدل، الذي يستمد رؤيته وتصوره من صهره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، أضر بتنظيم القاعدة بصورة كبيرة وأنه لا يصلح لإمارة التنظيم أو شغل منصب النائب الأول أو الثاني لأمير القاعدة، وهو ما ذكره أسامة بن لادن بالحرف الواحد في رسالته لعطية الله الليبي ردًا على استفسار الأخير حول من يصلح ليتولى منصب قيادي في القاعدة من كوادر التنظيم المتواجدين في إيران.
من معاناة التنظيم إلى معاناة العائلة
وعلى صعيد آخر، امتدت المعاناة التي تسبب فيها سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) من تنظيم القاعدة، إلى عائلته، ففي عام 1987 ترك منزل عائلته في مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية (وسط الدلتا)، وسافر إلى السعودية بدعوة أداء مناسك العمرة، ومن السعودية اختلق قصة لوفاته في حادث سيارة، وأرسل لأهله معطفًا كان يرتديه مع وسيط، ولحق بتنظيم القاعدة في أفغانستان، وفق ما يرويه شقيقه “حسان”.
وعانت والدة سيف العدل من المرض نتيجة حزنها على وفاته المزعومة، وأصيبت بجلطة توفيت على إثرها، وبعد سنوات توفي والده أيضًا، وتقدمت عائلته في شبين الكوم بطلب لمحكمة الأسرة لإثبات وفاته، وقضت المحكمة، في”إعلام الوراثة” الصادر برقم 977 لسنة 2007 ، أن محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان (سيف العدل) توفي لأنه لم يظهر في سجلات الدولة منذ عام 1986، وأن ورثته هم أشقاءه الثلاثة.
غير أن سيف العدل كان على قيد الحياة ينتقل من بلد إلى آخر مسببًا معاناةً إضافية لأسرته، فزوجته أسماء (نجلة مصطفى حامد) والتي فقدت شقيقها خالد في عام 1988، فقدت طفلها الأول الذي وضعته مع توأمه رقية، بسبب الظروف الصعبة التي عاشوها في السودان، عام 1993،قبل أن تضع ابنها “خالد” في وقت لاحق، وذلك وفق ما رواه فاضل هارون في مذكراته، والتي نص فيها على أن زوجته أرضعت “خالد” نجل سيف العدل أثناء وجودهم في السودان.
وإبان وجوده في أفغانستان، جرى استهداف منزل سيف العدل وأسرته في قندهار وفق ما ذكره في رسالة كتبها بعد انهيار نظام طالبان عام 2001، واضطر إلى أن يرحل وأسرته إلى إيران، ويمكث في معسكر خاص داخل طهران، التي تماهى معها وخدم مصالحها بشكل مباشر أو غير مباشر، ليثبت أن “متلازمة طهران” بقيت تسري في دمائه كما تسري في دماء صهره مصطفى حامد.