بعد متلازمة طهران.. القاعدة إلي أين؟ الجزء الخامس والأخير
منذ إعلان الرئيس الأمريكي جو بادين مقتل أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في عملية عسكرية استهدفته داخل الحي الدبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابل، ظل السؤال حول من يخلفه في إمارة تنظيم القاعدة مطروحًا دون أن يجد إجابة واضحة، فالتنظيم الذي سارع إلى تأكيد مقتل أسامة بن لادن، عام 2011، واختار أيمن الظواهري خلفًا له في أقل من شهر واحد، التزم الصمت تمامًا ولم يكشف عن هوية أمير القاعدة الجديد.
ورغم أن الفقه الحركي والنهج السلفي الجهادي الذي يتبناه تنظيم القاعدة يُوجب عليه عدم إخفاء مقتل أمراءه وقادته والإعلان عن ذلك حال حدوثه، إلا أن الطريقة التي تعامل بها التنظيم مع مقتل أميره السابق والرجل الأكثر تأثيرًا فيه بعد مؤسسه أسامة بن لادن، يُوحي بأن التحولات التي تمت داخله القاعدة في النهاية إلى وفاة تنظيم القاعدة بصورته التقليدية وانصهار ما تبقى منها داخل حالة جهادية هجينة موصومة بأنها تتخادم وتتماهى مع إيران وتنفذ أجندتها بفعل وجود ما تبقى من قادة القاعدة البارزين- وعلى رأسهم سيف العدل، المرشح الأول لخلافة أيمن الظواهري- الذين يمكن وصفهم بأنهم مصابون بـ”متلازمة طهران” في إيران.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن التخلص من أيمن الظواهري نفسه كان أحد الخطوات المحفزة لإتمام تماهي القاعدة بنمطها الجهادي الحالي مع نظام الملالي في طهران، ومع أن هذه العلاقة تبقى في إطار التحالف التكتيكي إلا أن تداعياتها وتأثيراتها على القاعدة تتجاوز إطار هذا التحالف لتصبح أحد أهم العوامل التي تصُوغ مستقبل التنظيم، وهو ما تناولته الحلقة الخامسة والأخيرة من “متلازمة طهران” لتسلط الضوء على طبيعة العلاقة بين الطرفين والتي يجهلها أو يتجاهلها الكثير من أنصار وأتباع القاعدة.
وفي هذا الشأن تقول الكاتبة الصحافية نهاد الجريري، إن “العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران هي مسألة يجب أن يتوقف عندها أنصار التنظيم أنفسهم، وهم في هذه المسألة صنفين، الأول يجهل طبيعة هذه العلاقة، أما الصنف فيتجاهلها”.
وأضافت خلال الحلقة الخامسة والأخيرة من “متلازمة طهران.. القاعدة إلى أين”، أن أنصار تنظيم القاعدة يقدمون أنفسهم على أنهم “حراس السنة”، إلا أن علاقتهم مع إيران تنفي هذه الفرضية، مشيرة إلى تواجد سيف العدل، وهو أبرز المرشحين لخلافة أيمن الظواهري لزعامة تنظيم القاعدة، في إيران منذ عام 2002، وذلك بعد خروج قيادات التنظيم من أفغانستان”.
وأوضحت أنه “عندما لجأت قيادات القاعدة، سيف العدل وغيره من القادة إلى إيران، كان بناء على دعوة وطلب من النظام الإيراني”، نافية الفرضية التي يتحدث عنها معظم أعضاء التنظيم، والتي يدّعون فيها أن قادة تنظيم القاعدة كانوا في طريقهم إلى العراق وسوريا، ولكن اعترضتهم إيران وسجنتهم.
وأشارت الجريري إلى التصريحات التي أدلى بها “أبو حفص الموريتاني”، والتي كشف فيها عن طبيعة العلاقة بين القاعدة وإيران، قائلة إن أبو حفص الموريتاني، كان أحد أهم القادة في التنظيم، حيث شغل منصب رئيس اللجنة الشرعية للتنظيم حتى استقالته قُبيل هجمات 11 سبتمبر، لأنه لم يكن موافقا على هذه الهجمات.
واستطردت الكاتبة الصحافية أن أبو حفص الموريتاني عندما يتحدث في هذا الأمر، هو يتحدث من موقع “العارف”.
كما كشفت الكاتبة الصحافية، أن تنظيم القاعدة في اليمن، كان يأخذ اتجاهًا يخدم فيه المصالح الإيرانية، من خلال التعاون مع الحوثي، وخدمته بشكل مباشر أو غير مباشر، مؤكدةً أن القبائل السُنية في اليمن لم تعد تثق بتنظيم القاعدة.
وأوضحت أن العلاقة بين تنظيم القاعدة في اليمن، والحوثي، واضحة، حيث يعد دخول التنظيم إلى أي منطقة، يعد خطوة أولى قبل استلام الميليشيات الحوثية هذه المنطقة.
إيران واغتيال أيمن الظواهري: القصة غير المروية
وتشير مصادر مطلعة بشكل وثيق على شؤون تنظيم القاعدة إلى أن اغتيال أيمن الظواهري كان جزءًا من مخطط أكبر يخدم مصالح عدد من الدول ومنها إيران، التي رأت أن التخلص من أمير التنظيم السابق يحيد أبرز المخالفين لها في قيادة القاعدة العليا، وسيؤدي إلى انتقالها بشكل كامل إلى المجموعة المقربة منها وعلى رأسها سيف العدل وعبد الرحمن المغربي (صهر أيمن الظواهري)، وهي المجموعة التي توصف بأنها مصابة بمتلازمة طهران.
ووفقًا للمصادر فإن مسؤول إيراني كبير عقد اجتماعًا برفقة مسؤولين في جهاز استخبارات إقليمي مع أحد قيادات تنظيم القاعدة الذين كان لهم اتصال مباشر بأيمن الظواهري، وجرى استدراج هذا القيادي للحصول على معلومات عن المنزل الذي أقام به الظواهري في العاصمة الأفغانية، ومن ثم شارك المسؤولين الاستخباريين هذه المعلومات مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي خططت ونفذت عملية استهداف أمير القاعدة السابق.
وبدوره، يقول صبرة القاسمي، الباحث المتخصص في الشأن الجهادي إن عملية استهداف أيمن الظواهري تمت بواسطة فرقة خاصة من عملاء الاستخبارات المركزية الأمريكية، على حد تعبيره، بينما جرى قصف شرفة المنزل الذي أقام به أمير القاعدة للتغطية على وجود شبكة من عملاء الاستخبارات الأمريكية في كابل، مضيفًا أن أحد قادة تنظيم القاعدة الحاليين والذي كانت تربطه علاقة بأيمن الظواهري منذ أن كانا معًا في تنظيم الجهاد المصري تواصل معه وطلب العديد من الأمور التنظيمية والمالية تخص القادة المصريين في القاعدة، وجرى عبر هذا الاتصال رصد مكان أمير القاعدة السابق واستهدافه.
ويلمح “القاسمي” في تصريحات خاصة إلى “أخبار الآن” إلى أن موقف أيمن الظواهري الرافض للتماهي الكامل مع إيران شكل أحد العوامل الهامة في سعي طهران للتخلص منه واختيار قيادي آخر من المتواجدين على أرضها كمحمد صلاح الدين زيدان (سيف العدل) لإمارة التنظيم، مردفًا أن الإيرانيين حاولوا، منذ الثمانينيات، عبر قيادي جهادي مصري تجنيد أيمن الظواهري أو التقرب منه وتوظيفه لخدمة مصالح طهران، لكن أمير القاعدة السابق رفض أن يتبع طهران، ومن ثم سعت الأخيرة إلى أن توظيف قيادات أخرى من تنظيم الجهاد المصري الذي اندمج، رسميًا مع القاعدة في عام 2001 قبيل تنفيذ هجمات 11 سبتمبر، ونجحت بالفعل في ذلك.
ومولت بعض المجموعات في التنظيم المصري، وتعاون أعضاء الجهاد المصري مع حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، المحسوبة على إيران أيضًا، في تنفيذ عمليات وعندما اكتشف أيمن الظواهري الأمر رفضه تمامًا ورفضه كذلك التنظيم وظل على موقفه هذا عندما اندمج بمن تبقى تحت إمرته من مجموعات الجهاد المصري في تنظيم القاعدة، عام 2001، وعندما نُفذت هجمات 11 سبتمبر واضطر تنظيم القاعدة إلى أن ينقل العديد من قادته إلى إيران سعت طهران لأن تُسيطر عليه بشكل كامل وأنفقت ملايين الدولارات للوصول إلى قلبه واختراقه وتجنيد بعض قادته لكن أيمن الظواهري ظل رافضًا بقوة لهذا التحول.
وبحسب صبرة القاسمي فإن إيران نجحت في تجنيد بعض “ضعاف النفوس” من قادة القاعدة- كسيف العدل وغيره- وهؤلاء القادة المصابين بمتلازمة طهران سعوا لتحقيق مصالحهم الشخصية عبر إيران التي خدموا مصالحها، مضيفًا أنه كان يجب التخلص من أيمن الظواهري تحديدًا لأنه فضلًا عن موقفه الرافض لإيران زاد في هجومه على المرتبطين بإيران سواءً داخل القاعدة أو حتى من التنظيمات والحركات الأخرى كالجهاد الإسلامي، وحركة حماس الفلسطينية.
وسبق لأيمن الظواهري أن بين موقف الرافض للتماهي مع إيران في أكثر من مرة منها في مقال كتبه في نشرة الأنصار الجهادية بعنوان موقفنا من إيران الرافضية، وفي حوار آخر مع نفس الجهة أجراه عام 1995، وقال فيه إن موقفه والجهاديين الذين معه من إيران ينبني على موقف عقدي رافض للتعاون مع طهران أو تلقي أموال منها معتبرًا أن العقيدة الدينية الشيعية التي يعتنقها نظام الملالي (المذهب الإثني عشري) تخالف العقيدة السلفية والتي تعتبر أن الإثنى عشرية “طائفة مرتدة”، مضيفًا أن قادة الثورة الإيرانية (الخمينية) ادعوا بعد إطاحتهم بنظام الشاه أن ثورتهم “ثورة إسلامية” وأنهم يقفون مع الحركات الإسلامية في كل أنحاء العالم دون التفرقة بين السنة والشيعة ثم انكشف، لاحقًا، أنهم يقفون مع الحركات الشيعية فقط وبرز ذلك خلال الحرب الأفغانية السوفيتية إذ دعموا الحركات الشيعية فقط وفرضوا إتاوات (مبالغ مالية) على قوافل إمداد “المجاهدين الأفغان”، على حد تعبيره.
ويؤكد “الظواهري” أن الإيرانيين لا يدعمون إلا من كان بوقًا لهم أو دائرًا في فلكهم وأما من يرفض التبعية لهم فلا يقدمون له شيئًا أصلًا أو يقدمون له الفتات لاستدراجه وتحويله تابعًا لهم، موجهًا الجهاديين الذين يتعاملون مع طهران إلى إلى ترك التعاون معها لأن مسلكهم هذا لن ينفعهم بشيء كما أنهم سيتُهمون من الشباب (أعضاء التنظيمات الجهادية) بأنهم “عملاء لإيران” ولن يملكوا حرية قرارهم إرضاءً لإيران وسيفقدون احترامهم.
وينطبق كلام أيمن الظواهري السابق على سيف العدل وصهره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، وعبد الرحمن المغربي، إذ يبدو أن أمير القاعدة السابق استشرف من خلاله ما حدث مع قادة القاعدة المصابين بمتلازمة طهران والذين أصبحوا يوصفون من قبل العديد من الدوائر الجهادية بأنهم “عملاء لإيران”.
ومن جهته يؤكد محفوظ ولد الوالد المعروف بـ”أبو حفص الموريتاني“، مفتي تنظيم القاعدة سابقًا، أن لجوء قيادات القاعدة، والذين كان واحدًا منهم إلى إيران جاء بموجب دعوة وعرض إيراني بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، لأن قادة التنظيم لم يكن لهم مخرج إلا إلى باكستان أو إيران، على حد تصريحاته في لقاء حصري سابق مع أخبار الآن في ديسمبر ٢٠١٣.
كما تُبين ردود سابقة نشرها أبو القسام الأردني، القيادي السابق بالقاعدة (قُتل في 2020)، الذي كان واحدًا من مجموعة الخمسة الذين أُفرج عنهم مع سيف العدل من قبل السلطات الإيرانية في عام 2015 بموجب صفقة تبادل أسرى، أن سيف العدل يعيش في إيران بحرية ولا يخضع للإقامة الجبرية وهو ما يبرهن على صحة الطرح السابق ويؤكد على وجود علاقات بين سيف العدل ورفاقه في القيادة العامة للقاعدة وإيران.
رد أبو القسام الأردني خالد العاروري صهر الزرقاوي والقيادي في حراس الدين في منشور شهير في خضم الرد على جبهة النصرة
ويشرح أحمد راشد، الخبير في الشأن الجهادي وأحد رفاق أيمن الظواهري السابقين، في مقابلة خاصة مع “أخبار الآن” أن أمير القاعدة الراحل خرج من مصر، عام 1984، قاصدًا إيران وليس أفغانستان، وذلك باتفاق مع المجموعة الجهادية التي عمل معها داخل تنظيم الجهاد، موضحًا أنه عرف تفاصيل الاتفاق من عصام القمري، وهو أحد رفاق الظواهري أيضًا وعمل ضابطًا بالجيش وانتمى لتنظيم الجهاد المصري وقُتل بعد هروبه من محبسه في سجن طرة عام 1991، بيد أن “الظواهري” اكتشف أن إيران لا تُساعد إلا من يواليها بشكل كامل لذا رفض أن يتعاون معها وانتقل إلى أفغانستان حيث التقى بأسامة بن لادن وقيادات الجهاد الأفغاني ومن ثم مضى في مساره مع تنظيم القاعدة إلى أن قُتل في أغسطس/ آب 2022.
وبدوره يقول جمال المنشاوي، الخبير في الحركات الإسلامية والذي كان مقربًا من أيمن الظواهري ومصطفى حامد على حد سواء، أن مصطفى حامد تبنى نهجًا براغماتيًا فيما يتعلق بالعقيدة والموقف من الشيعة بخلاف أيمن الظواهري الذي هتم جداً بحكاية التاريخ والدور الشيعي الذي لعبته الدولة الصفوية في مواجهة الدولة العثمانية، وعلى هذا الأساس عمل “حامد” من أجل التقريب بين إيران والمجاهدين الأفغان ثم حكومة طالبان من بعد، مضيفًا أن مصطفى حامد توهم أنه من الممكن أن يقرب بين إيران والجهاديين وخاصةً بعدما صارت إيران ملاذًا آمنًا له بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، لكن في الواقع إيران تستخدم “حامد” كمخلب قط من خلال كتاباته وآراءه، بينما هو لن يستطيع أن يحرك دولة أو أن يفرض على إيران أمراً ما، فإيران لها استراتيجية معينة تخدم مصالحها الذاتية فقط وعندما استضافت قادة القاعدة على أراضيها كان ذلك بغرض مقايضة أمريكا بهم واستخدامهم للضغط عليها، لكنها لم ولن تسمح لهم بتنفيذ عمليات تتحمل هي المسؤولية عنها.
ولم يستبعد جمال المنشاوي أن يكون مصطفى حامد في طريقه للتشيع نتيجة قربه من طهران وتخادمه معها، واصفًا إياه بأنه مصاب بـ”متلازمة” تجعله يُعجب بإيران، لذا إن متلازمة طهران تنطبق عليه بدرجة أكبر حتى مما تنطبق على صهره سيف العدل.
تصفية قيادات القاعدة والحفاظ على مصابي “متلازمة طهران”
إلى ذلك، يكشف التدقيق في حملة التصفية التي تعرضت لها قيادات القاعدة البارزين على مدار السنوات الماضية أن عمليات استهداف هؤلاء القادة تمت بصورة مركزة للغاية وعملت على تحييد القادة المعارضين لفكرة التعاون والتحالف مع إيران مقابل الحفاظ على نظرائهم من المصابين بمتلازمة طهران، فعلى سبيل المثال جرى استهداف مجموعة قيادات القاعدة الشهيرة بـ”مجموعة خراسان” والتي ترأسها القيادي الجهادي محسن الفضلي فبعد انتقال تلك المجموعة من أفغانستان وباكستان إلى سوريا، جرى استهدافها بصورة متتالية من قبل التحالف الدولي لحرب داعش (عملية العزم الصلب)، وهو ما أوحى بوجود وشاية من داخل القاعدة أفضت إلى مقتل هؤلاء القادة الذين كانوا مرتبطين بالجهادية العالمية ويخططون لشن هجمات في الولايات المتحدة وأوروبا وفق تقدير مسؤولي مكافحة الإرهاب الأمريكيين.
وبنفس الطريقة، جرى استهداف أبو الخير المصري، نائب أيمن الظواهري سابقًا والذي كان أول المرشحين لخلافته كما تكشف الوثائق المسربة من داخل التنظيم وهو ما بيناه في الجزء الثاني من متلازمة طهران، فبعد خلافه مع سيف العدل وأبو محمد المصري المصابين بمتلازمة طهران، جرى استهدافه بصورة دراماتيكية وسط تصاعد الانقسامات بين القيادة العامة للقاعدة (قاعدة خراسان) والفرع السوري للقاعدة (جبهة النصرة التي انشقت عن القاعدة وصارت تُعرف بهيئة تحرير الشام)، وغياب أيمن الظواهري عن التواصل مع الأفرع الخارجية للتنظيم بسبب احتياطات أمنية.
ومن المثير للاهتمام أن المجموعة التي جرى استهدافها في سوريا بالكامل تُصنف على أنه رافضة للتحالف مع إيران مع أنها انتقلت إلى سوريا من مناطق وزيرستان الباكستانية وأفغانستان عن طريق إيران، وسمحت طهران لهم بالخروج من أراضيها لأنها خشيت أن ينفذوا هجمات على أراضيها فسمحت لهم بالانتقال إلى الدولة الأولى بينما أبقت على مجموعة القيادات التي تتحالف معها وتتبنى موقفًا يرفض تكفير النظام الإيراني كسيف العدل وأبو محمد المصري، حسبما روى أبو عبيدة اللبناني الذي شغل عدة مناصب هامة في قيادة القاعدة منها منصب المسؤول الأمني، ومسؤول المعسكرات باللجنة العسكرية (وهو نفس المنصب الذي شغله سيف العدل لفترة تحت إمارة أبو محمد المصري، كما ذكرنا في الجزء الثالث من متلازمة طهران) قبل أن ينشق وينضم لتنظيم داعش بعد إعلان الخلافة المكانية عام 2014.
ويروي أبو عبيدة اللبناني، في حواره مع صحيفة النبأ الناطقة بلسان تنظيم داعش (عدد 19) أن الانتقال إلى سوريا كان سهلا نسبيًا إذ يشرف منسقو القاعدة على إدخال الأفراد إلى إيران، وهناك يبقى المسافرون في المضافات لفترة من الزمن حتى يتم ترتيب أمر سفرهم إلى سوريا، بعلم حكومة إيران، وتحت أعين أجهزة استخباراتها، مضيفًا أن المسافر بمجرد دخوله لإحدى المضافات تكون الاستخبارات الإيرانية علمت بوصوله عن طريق مسؤولي المضافات الذين يلتقون بالاستخبارات الإيرانية بشكل أسبوعي، فضلًا عن أنها تتابع جميع اتصالات أفراد القاعدة في تلك المضافات عن طريق الهواتف الخاصة بها والخاضعة للمراقبة بشكل كامل منها.
ويشير “اللبناني” إلى أنه من غير المستغرب أن تسمح إيران بعبور أفراد القاعدة إلى سوريا رغم أنهم سيقاتلون وميليشياتها وحلفاءها هناك، لأن إيران أكبر همها أن لا تحدث عمليات على أرضها، كما أنها باتت تأمن جانب القاعدة، بحكم وجود الكثير من قادتها على أراضيها منهم من يتجول بحرية كاملة ومنهم من يتحرك في إطار معين نظرًا لتحديد إقامته من قبل الاستخبارات الإيرانية، مؤكدًا أن سيف العدل وأبو محمد المصري لا يكفرون النظام الإيراني بل ويرونه صديقًا وحليفًا في الحرب على أمريكا.
ويشرح أبو عبيدة اللبناني، الذي ظل في القيادة العامة للقاعدة لفترة قبل انشقاقه عنها، أن إيران تستفيد من القيادات القاعدية المتواجدين على أراضيها في خدمة مصالحها وتوجه الأفرع الخارجية للتنظيم لشن هجمات تخدم مصالح طهران كشن هجمات ضد ناقلات النفط في الخليج العربي مثلما حدث مع ناقلة النفط العملاقة إم ستار التي استُهدفت أثناء وجودها رحلتها لليابان، عام 2010، مشددًا على أن إيران قدمت دعمًا للمجموعة التي نفذت هذا الهجوم والتي تسمت باسم “كتائب عبد الله عزام”.
ويسترسل “اللبناني” أن أحد أسباب الخلاف الرئيسية بين تنظيم القاعدة وغريمه الرئيسي تنظيم داعش هو الموقف من إيران إذ يُعارض قادة القاعدة المصابين بمتلازمة طهران استهداف الشيعة، كما ضيقوا الخناق على قادة التنظيم الذين يشكون في احتمالية انضمامهم لداعش أو شنهم هجمات ضد إيران وهو ما حدث أيضًا مع “أبو عبيدة” حينما شكت الاستخبارات الإيرانية في احتمالية هجرته إلى أراضي داعش، عام 2014، فظلت تراقبه لفترة حتى تمكن من التخلص من المراقبة والفرار من إيران وبعدها انشق عن القاعدة لجملة من الأسباب منها مواقف قادتها المتحالفين مع إيران.
ويُظهر العرض السابق أن التيار الرافض لإيران داخل القاعدة جرى تقويضه واستهدافه بصورة منظمة ومنسقة للتخلص منه بما يتيح للقادة المصابين بمتلازمة طهران التحكم في مقاليد الأمور داخل القاعدة بشكل كامل، وتوجيه التنظيم في المسار الذي يريده نظام الملالي في إيران.ويُظهر العرض السابق أن التيار الرافض لإيران داخل القاعدة جرى تقويضه واستهدافه بصورة منظمة ومنسقة للتخلص منه بما يتيح للقادة المصابين بمتلازمة طهران التحكم في مقاليد الأمور داخل القاعدة بشكل كامل، وتوجيه التنظيم في المسار الذي يريده نظام الملالي في إيران، كما جرى حجب رسائل التيار المناوئ لإيران عن أيمن الظواهري كما يتضح من رد سابق نشره أبو عبد الله الشامي، الشرعي العام لجبهة النصرة سابقًا والقيادي البارز بهيئة تحرير الشام حاليا.
وعلى الجهة المقابلة، احتضنت إيران التيار الموالي لها ونقلت قيادته كسيف العدل وأبو محمد المصري، بعد عام من إقامتهم في إيران في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، إلى معسكر 300 (معسكري السي سات) التابع للحرس الثوري الإيراني والمخصص لتدريب المجموعات الموالية لإيران- كما أوردنا في الجزء الثاني من متلازمة طهران- وسمحت لهم بهامش حرية أكبر وإمكانية الوصول إلى العالم الخارجي ونشر مقالات وكتب وتوجيهات صب جزء منها في النهاية في خدمة مصالح إيران، وتحول الأمر تدريجيًا للتماهي الكامل مع إيران.
كما برز في هذه الأثناء، تيار براجماتي داخل القاعدة يمثله أبو يوسف العنابي، أمير القاعدة في المغرب الإسلامي، والذي طرح فكرة التحالف مع دول إقليمية (كتركيا)، وذلك بعد مقتل زعيم التنظيم السابق أبو مصعب عبد الودود (عبد المالك درودكال)، وهذا الطرح أثار الانقسام داخل القاعدة في المغرب الإسلامي، كما تُظهر رسالة سابقة سربها حساب أنباء جاسم المقرب من تنظيم القاعدة، وهي الرسالة التي انتقدها أنصار القاعدة ومنظريها كأبو محمد المقدسي.
رسالة صادرة من القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. المصدر: أنباء جاسم
المشروع الجهادي الجديد في خدمة “الملالي”
على أن التخلص من قيادات القاعدة الرافضين للتحالف مع إيران ليس سوى جزء من خطة أوسع تهدف للسيطرة والتحكم في التنظيم، وهذه الخطة تنص على تحول ما تبقى من تنظيم القاعدة إلى صورة جديدة تتسمى باسم السلفية الجهادية التقليدية ظاهريا لكنها تترك النهج الجهادي فعليا وتتعاون مع إيران لإنجاز التحالف مع طهران.
ويحدد مصطفى حامد ملامح الحالة الجهادية الجديدة التي سيتسم بها تنظيم القاعدة بعد سيطرة القادة المصابين بمتلازمة طهران طهران على التنظيم، في مقال له بعنوان “البلطجة الأمريكية في الخليج” والذي نُشر في 8 يوليو/ تمو 2022، قائلًا إنه سيتم تجديد الفقه الجهادي التقليدي من الناحية النظرية والعملية ليكون المشروع الجهادي الجديد نوعيًا تمامًا.
وبحسب مصطفى حامد فإن إيران ستمثل القيادة السياسية ورأس المشروع، بينما سيكون له تنظيم عسكري يعمل على الأرض ويشمل (تنظيم القاعدة وأفرعه الخارجية، والمليشيات الولائية المحسوبة على إيران)، مردفًا أن هدف هذا التحالف سيكون شن هجمات إرهابية بصورة غير تقليدية وستُمهد لهبة وربيع كاسح يُغير ملامح المنطقة، على حد تعبيره.
ويوضح مصطفى حامد في كتاباته أن الهجمات الإرهابية ستعمل على إغراق المنطقة في الفوضى ومن ثم إطلاق خطة الجهاد البحري التي هي في حقيقتها خطة إيرانية استعمارية تهدف إلى إخضاع الخليج العربي، كاملًا، لسلطة نظام الملالي في طهران عن طريق شن هجمات منسقة وواسعة النطاق في مناطق عدة تمتد من شط العرب في العراق، وطرطوس في سوريا، إلى مقديشيو في الصومال، وممباسا في كينيا، وستشارك في تلك الهجمات المليشيات الشيعية في العراق، واليمن وسوريا، وحزب الله في لبنان وكذلك تنظيم القاعدة وأفرعه النشطة كجماعة الشباب الصومالية في تنفيذ الهجمات.
وتسعى الخطة إلى دعم إيران ضد أي “ناتو عربي” يتم تشكيله من دول المنطقة وضد أي تحرك أمريكي أو إسرائيلي يهدف لعزلها عن السواحل والممرات البحرية الحيوية، فوفقًا لمقال آخر لمصطفى حامد بعنوان “واسلاماه” نُشر بتاريخ 22 أغسطس/آب 2022، فإنه من الضروري أن تتحرك المليشيات المرتبطة بالقاعدة لضرب أي تحرك ضدها وإجهاض المحاولات الرامية لتحويل إيران لدولة محرومة من استخدام سواحلها البحرية على الخليج العربي، معتبرًا أن العائق الأكبر لإتمام التحالف ضد إيران هو تدفق أسلحة متطورة إلى (وكلاء إيران) في الجزيرة العربية وشرق إفريقيا وغيرها.
ومن جانبها تقول الدكتورة دلال محمود، أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة ومدير برنامج الأمن والدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية والتي أجرت بحثًا مطولًا عن مصطفى حامد، إن أبو الوليد المصري يرى أن التنظيمات السلفية الجهادية جلبت المكافحة الدولية وفرقت الحركة الجهادية ولذا يحملها تبعات الضعف الجهادي الآن، بينما يرى أن إيران المركزية ورمز الصمود وبالتالي فإن وجوده وتأييده لإيران يعكس قناعاته.
وتعكس كتابات مصطفى حامد حالة البراجماتية التي يعيش فيها، فالرجل الذي انتقد بيعة أيمن الظواهري، عام 2015، للملا أختر منصور أمير حركة طالبان السابق والذ خلف الملا محمد عمر في منصبه، بسبب أن تلك البيعة اشترطت أن يكون هذا الولاء مقابل العمل على استرداد أراضي المسلمين من كاشغر إلى الأندلس، هو نفسه الذي بات يدعو لتحالف السلفية الجهادية مع إيران للقيام بما يصفه عمليات تحرير للجزيرة العربية والقدس وغيرها، على حد زعمه.
ويقول الباحث الأردني في الحركات الجهادية حسن أبو هنية إن مصطفى حامد يدافع عن رؤية عتيقة عفا عليها الزمن لإيران، عندما كانت تبدو في الظاهر أنها معادية للإمبريالية والصهيونية وهو ما انكشفت حقيقته بعد عام 2011، حينما ظهر وجه طهران الطائفي سافرًا وبدأت في احتلال عواصم عربية، وأدى ذلك لظهور تنظيم مثل داعش، وبالتالي فسردية القاعدة للتعاون مع إيران لم تعد مناسبة لأن إيران تقتل الناس في العراق وسوريا واليمن.
وعلى صعيد متصل، فهناك أفرع للقاعدة (كالفرع اليمني) بدأ في التماهي مع أذرع إيران (جماعة الحوثي) حتى قبل مقتل أيمن الظواهري، فخالد باطرفي أمير القاعدة في اليمن، اعترف في لقاء سابق بأنهم انسحبوا من الجبهات أمام جماعة الحوثي معللًا ذلك بأن هناك أطراف تطعن التنظيم وبالتالي فإنه انسحب حتى يقوم خصومه المفترضين باستنزاف بعضهم، على حد قوله.
وفي المقابل، يقول جلال حسن، قائد دفاع شبوة، إن هناك تخادم بين الحوثيين والقاعدة، فالجماعة تقوم بالاستيلاء على مناطق وتنسحب منها ليتسلمها التنظيم ثم يعودون إلى هذه المناطق بدعوى حرب القاعدة، وهذه لعبة لإرهاق واستنزاف التحالف، مضيفًا أن قوات النخب والأحزمة الأمنية تشكلت لمواجهة التنظيم كما حصل مع النخبة الحضرمية التي حررت ساحل حضرموت وطردت التنظيم من المكلا، والنخبة الشبوانية كذلك قامت بمواجهة التنظيم ولم تسمح له بالسيطرة على منشأة بلحاف للغاز.
"ما حدث في شبوة لعبة بين الحوثي والقاعدة"
تصريحات حصرية لـ جلال حسن القائد في دفاع #شبوة من قلب #اليمن مع @souniaalzeghoul
يمكنك متابعة اللقاء كاملا عبر يوتيوب ⬇️https://t.co/iBhHwk548Z#مواجهة_التطرف #القاعدة_في_اليمن #تنظيم_القاعدة #الطابور_الخامس #تصفية_القاعدة pic.twitter.com/MBn7KXBN0R
— Akhbar Al Aan أخبار الآن (@akhbar) September 21, 2022
وبشكل رسمي، أيد تنظيم القاعدة، علانية، للمرة الأولى أطروحات مصطفى حامد وجاء هذا التأييد للمفارقة بعد مقتل أيمن الظواهري، في أغسطس/ آب 2022، فأصدرت القيادة العامة للقاعدة بيانًا عبر مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامي لها وصفت فيه قمة جدة للتنمية والأمن، والتي انعقدت منتصف يوليو/ تموز الماضي، بأنه تحاول التفرقة بين المعسكر ين السني والشيعي، داعيًا لإنشاء تحالف مشترك يأخذ على عاتقه مواجهة الوثبة القريبة لحركات التغيير الجهادية وتحجيم الحركات الوطنية (يُقصد بها المليشيات الولائية المحسوبة على إيران كجماعة الحوثي وحزب الله)، على حد تعبير البيان، كما ادعى البيان أن الولايات المتحدة والغرب وحلفائهما لن يكونوا قادرين على مواجهة الشرقين معًا (الشرق الشيوعي بما فيه الصين وروسيا، والشرق الإسلامي الذي يشمل القاعدة وإيران)، وبالتالي سينهار النظام العالمي الحالي، وهو ما يطمح له التنظيم.
ومن الجدير بالذكر أن حالة التلاقي والتناص الملاحظة بين كتابات مصطفى حامد (صهر سيف العدل) وبيانات تنظيم القاعدة، لم تظهر إلا بعد مقتل أيمن الظواهري والذي يبدو أنه كان معارضًا بقوة لمصطفى حامد لدرجة جعلت الأخير يشن عليه هجومًا لاذعًا عبر الموقع الذي يديره (مافا السياسي) ويصفه بأنه قائد فاشل لتنظيم القاعدة الذي عاش تحت قيادته حالة من التشتت والضياع الاستراتيجى، وفي نفس الوقت دعاه للتحالف مع إيران وقبول التعاون السني الشيعي ووقف الصراع المذهبي، وهو ما لفتنا إليه في الجزء الأول من متلازمة طهران.
القاعدة في مواجهة صراع “خلفاء الظواهري”
إلى ذلك، فتح مقتل أمير القاعدة السابق أيمن الظواهري بابًا واسعًا للصراع بين قيادات القاعدة على من يتولى إمارة التنظيم فمن ناحية يحاول سيف العدل وصهره مصطفى حامد تقويض نفوذ ما تبقى من التيار الرافض للتحالف مع إيران، كما أوردنا في الجزء الرابع من متلازمة طهران، وهذا الصراع يعد امتدادًا للصراع القديم بين حلفاء إيران وأعدائها داخل القاعدة وهو الصراع الذي شق التنظيم كما أكدنا في الجزء الثاني من سلسلة متلازمة طهران.
فمصطفى حامد مثلًا وظف كل إمكانياته الدعائية والحركية لمهاجمة المجموعات المعارضة لإيران والذين يُعرفون في أوساط التنظيم بـ”تيار الظواهرية” مقابل ثناءه المتكرر على القيادات المصابة بمتلازمة طهران، ويحمل هذا السلوك في طياته متناقضات جوهرية لا يمكن إغفالها فأبو الوليد المصري الذي بقي يُهاجم تنظيم القاعدة لأنه نفذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2011 وطالب بمحاكمة أسامة بن لادن ورفاقه على ما وصفه بـ”هولوكست 11 سبتمبر” وأعاد هذه الدعوات بعد الإعلان الأمريكي عن مقتل أيمن الظواهري وطالب بتشكيل محكمة شرعية لتحديد المسئولية عن حادث 11 سبتمبر واستدعاء كبار قادة حركة طالبان المرتبطين بتنظيم القاعدة للشهادة فيها وكذلك استدعاء مندوب من تنظيم القاعدة ليدلي بشهادته عن الهجمات ويؤكد أنها تمت بأوامر أسامة بن لادن ودون الرجوع للملا محمد عمر أمير طالبان المؤسس، مدح أبو محمد المصري، أحد أبرز قادة التنظيم الذين شاركوا في التحضير للعملية بعد نشر مؤسسة السحاب كتابًا له بعنوان “عمليات 11 سبتمبر بين الحقيقة والتشكيك“، ووصفه بأنه أكثر الشخصيات احتراماً في تنظيم القاعدة والوسط الجهادى العربي في أفغانستان بشكل عام وأن كتابه أفضل ما صدر عن تنظيم القاعدة حول هذا الموضوع ويحتوى على الكثير من المعلومات المفيدة مع وجهات نظر تستحق التقدير، على حد قوله.
ومن غير المستغرب أن يُبالغ مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) في مدح أبو محمد المصري لاعتبارات عديدة أولها أن الأخير من المجموعة المحسوبة على تيار إيران (المصابين بمتلازمة طهران) داخل القاعدة حتى أنه قُتل في قلب العاصمة طهران بعملية خاصة أشرفت عليها الاستخبارات الأمريكية، في أغسطس/ آب 2020، كما أن الأخير كان مقربًا للغاية من سيف العدل (صهر مصطفى حامد) وشكل معه قوة ضاربة في مواجهة التيار المعارض لإيران كما حصل مع أبو الخير المصري، والذي سبق وأشرنا له في الجزء الثاني من متلازمة طهران.
لكن الأكثر إثارة للاهتمام ليس إشادة مصطفى حامد بأبي محمد المصري، الذي قُتل قبل عامين، لكن في ما تضمنه كتابه “عمليات 11 سبتمبر بين الحقيقة والتشكيك” من معلومات عن سيف العدل إذ أتت تلك الرواية- التي لا يستطيع أحد الجزم بأن كاتبها الأصلي “أبو محمد المصري” نفسه وأنها لم تُضف على كتابه بعد مقتله- فيدافع الكتاب عن سيف العدل ويتطرق لنقد رواية الداعية السعودي البارز (المحسوب على تيار الصحوة) سفر الحوالي في كتابه “المسلمون والحضارة الغربية” التي تتضمن اتهامًا لسيف العدل بأنه زُرع من قبل الاستخبارات الأمريكية لاختراق القاعدة والتحكم في قيادة التنظيم.
ونفى أبو محمد المصري أن يكون سيف العدل ارتبط بجهاز المخابرات المصرية، كما ذكر سفر الحوالي، مضيفًا أن الأخير خلط بين شخصيتي سيف العدل محمد صلاح الدين زيدان الذي ولد عام 1963 بمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية بمصر، وتخرج من كلية التجارة بها وخدم بسلاح المظلات المصرية كضابط احتياط (بمعنى أنه لم يتجاوز رتبة الملازم أول ولم يشغل قط أي مناصب قيادية عسكرية)، ثم وصل إلى أفغانستان عام 1989 وانضم لمجموعة جميل الرحمن الأفغانية في كونر والتي كانت تحارب ضد السوفيت، لفترة وجيزة، ثم انضم في نفس العام لتنظيم القاعدة وشغل مناصب أمنية وعسكرية به، وأبو المنذر محمد مكاوي الذي ولد عام 1950 وخدم كضابط بسلاح الصاعقة المصرية ووصل إلى رتبة عقيد قبل إحالته للتقاعد (لم ينضم مكاوي إطلاقًا لتنظيم القاعدة ووصف حربه بـ”حرب المعيز” إشارة لكونها حرب عشوائية لا تقتل سوى أصحابها).
ولفت “المصري” إلى أن سيف العدل لم يتول إمارة القاعدة بشكل مؤقت بعد مقتل أسامة بن لادن لأنه كان قيد الإقامة الجبرية، لكنه يتمتع الآن بحرية مطلقة ويمارس عمله الجهادي، على حد وصف الكتاب.
وفي الحقيقة، يهدف التلميح إلى أن سيف العدل حر وطليق إلى الرد بشكل صريح على اتهامات خصومه في داخل القاعدة بأنه لا يملك حريته وأن زمام أموره في قبضة طهران، وذلك لتعزيز حظوظه في الوصول إلى إمارة القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري، خصوصًا في ظل وجود تخوف كبير لدى أفرع القاعدة الخارجية وخصوصًا الفرع السوري من أن تواجد سيف العدل في إيران سيؤدي للكشف عن شبكات التنظيم الفاعلة من خلال رصد وتتبع أميره، فضلًا عن معارضة الفقه الحركي والأحكام السلطانية- التي تتعلق بالإمارة في الفقه- لتولي الأسير الإمارة العامة لكونه منقوص الأهلية بسبب انتفاء حريته.
وقد يكون سيف العدل أو صهره مصطفى حامد هما من كتبا النص الخاص بسيف العدل وأدرجاه في كتاب أبو محمد المصري، لا سيما أن الأخير قُتل بالفعل وكذلك قُتل أيمن الظواهري وبالتالي لم يتبقى من قيادات القاعدة القدامى سوى سيف العدل الذي يطمح لإمارة التنظيم، مستقويًا بالدعم والإيواء الإيراني له، بعد طرح أسماء عدة لتولي منصب أمير التنظيم خلفًا لـ”الظواهري” ومنهم ياسين السوري وقتال العبدلي وعبد الرحمن المغربي وجميعهم من التيار المحسوب على إيران والمصابين بمتلازمة طهران، كما طُرح أسماء أبو عبيدة أحمد ديري، أمير جماعة الشباب الصومالية، وأبو يوسف العنابي يزيد مبارك أمير فرع القاعدة في المغرب الإسلامي، وأبو همام السوري أمير تنظيم حراس الدين لتولي إمارة التنظيم، لكن حتى لم يتم حسم الخلاف حول اختيار الأمير التالي للقاعدة.
وحاليا، ينقسم قادة التنظيم ويختلفون حول من يتولى الإمارة خلفًا لأيمن الظواهري، ويبقى سيف العدل ممسكًا بتلابيب التنظيم عن طريق ترأسه على لجنة حطين المنبثقة عن مجلس الشورى العالمي للقاعدة والمعنية بإدارة شؤون القاعدة في الوقت الحالي، فيما يرجح مصدر وثيق الصلة من التنظيم أن عملية اختيار الأمير الجديد قد تستغرق أشهر بسبب الخلافات والتدافعات بين قادة القاعدة.
غير أن الخلاف والصراع السابق بقي عاملًا هامًا يخدم مصالح سيف العدل وصهره مصطفى حامد الذين يمضيان بالتنظيم إلى مثواه الأخير بعد سنوات من التخادم مع إيران وتحقيق أهدافها جراء إصابتهم بـ”متلازمة طهران”، ظنًا منهم أن إيران حليف لكنهم تغافلوا عن حقيقة هامة وهي أن: الحليف هو أفضل من يعرف كيف يؤذي حليفه، فيتحالف معك وعليك، ويعرض عليه المساعدة ويمنحه الدعم المالي والسياسي، ويرشده ليكبر ويتضخم قبل الأوان ويزين له التواصل مع اتجاهات هي مطبات مستقبلية وهو بكل ذلك يحفر قبرًا لحليفه ومع كل خطوة يعمقه ويبقى يدعمه حيث مصلحته ثم يتوقف عن دعمه لكي يبقى تابعًا له ويحقق هدفه بإبقائه ضعيفاً تابعاً ذليلاً تمامًا كتنظيم القاعدة الذي بدأ رحلته الجهادية بالتنظير لفكرة الخلافة الجهادية العالمية ثم انتهى به المطاف تابعًا لطهران التي أحكمت المصيدة وحفرت القبر لتُواري (جثة تنظيم القاعدة) الذي كان يُعاني موتًا إكلينكيا منذ سنوات طويلة.