تحديث 15 فبراير: أعلن خبراء الأمم المتحدة مؤخرًا أن الرأي السائد بين الدول الأعضاء هو أن قيادة التنظيم انتقلت إلى سيف العدل، بشكل فعلي دون إعلان ذلك، وهو ما ذهبت إليه “أخبار الآن” ورجحت وقوعه عقب اغتيال الظواهري.
مصير تنظيم القاعدة بعد الظواهري ومتلازمة طهران
بعد مضي أشهر عديدة على اغتيال أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الذي اغتيل في كابول، عاصمة إمارة طالبان نهاية يوليو/ تموز الماضي، ما زال التنظيم عاجزًا عن إعلان تنصيب خليفة له.
لم يكن الأمر كذلك عند اغتيال مؤسس التنظيم، أسامة بن لادن، عام 2011، فلم يستغرق الأمر سوى ستة أسابيع لإعلان اختيار خليفته الظواهري، ففي ذلك الحين لم يكن التنظيم قد أصيب بعد بـ “متلازمة طهران“، فلماذا تبدو خلافة التنظيم معقدة هذه المرة؟
في هذا التحليل المدعوم برسوم كاريكاتورية تحكي ” أخبار الآن” قصة أزمة خلافة أيمن الظواهري.
١. الأمير الاستبن على خطى الشاطر ومرسي
بعد مقتل الظواهري كل الأسماء المطروحة لخلافة زعيم القاعدة تبدو غير مناسبة؛ فالتنظيم مصاب بشدة بأعراض متلازمة طهران بشكل أفقده القدرة على اختيار زعيم مقبول له طيلة الفترة الماضية؛ فكلا من سيف العدل وعبد الرحمن المغربي يصعب إقناع قواعد التنظيم بأي منهما في ظل استمرار وجودهما في قبضة الحرس الثوري الإيراني.
فأعضاء القاعدة لا يأمنون تسليم قيادهم إلى سيف أو المغربي لأن الاثنين لم يخاطرا بحياتيهما من أجل القضية، بل ظلا يعيشان تحت الحماية الإيرانية لسنوات خلت مما يقدح في شرعية إمارة الرجلين، وبالتالي قد يتم اللجوء إلى خيار آخر لتجاوز هذه العقبة.
ويبدو من المحتمل أن يلجأ سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) إلى سيناريو “الأمير الاستبن” عن طريق تنصيب قائد دمية يحكم التنظيم من خلاله ويتحكم في قراراته، بحيث يظهر هذا الشخص في الواجهة ويحظى بقبول أعضاء التنظيم، بينما يظل سيف العدل القائد الفعلي للتنظيم الذي يقود هذا الأمير الاستبن.
لكن حتى هذا السيناريو قد لا يبدو مقنعاً لقادة وأعضاء فروع القاعدة حول العالم وحتى المناصرين للتنظيم؛ فتلك اللعبة سبق كشفها عندما لجأت إليها جماعة الإخوان في مصر عام 2012، إذ تم الدفع بـ مرسي، ليكون بديلاً لخيرت الشاطر، المعروف بأنه القائد الفعلي للجماعة، ونجح في إيصال مرسي إلى عرش مصر بينما كان هو صاحب القرار.
ويُحتمل أن تلجأ القاعدة إلى هذه الخطوة تحت ضغط عامل الوقت، فالتأخر أكثر من ذلك في تنصيب القائد الجديد ليس في صالح التنظيم، رغم ما يحمله هذا الاحتمال من مخاطر؛ فهذا السيناريو المكرر يبدو مكشوفاً وغير مقنع -على الأقل أمام قطاع من التنظيم- وقد يسهم في إضعاف الثقة بكل ما يصدر عن هذه القيادة المنتظرة، وسيقول البعض إن المصريين سلموا زمام المنظمة تماما للإيرانيين.
ولا يهم كثيرًا اختيار أي شخصية لأداء هذا الدور؛ فأعضاء وأنصار القاعدة سيدركون أن سيف العدل هو من يقف وراءها ويمسك بزمامها، وحينها سيكون من الواضح أيضاً رؤية اليد الإيرانية التي تمسك بزمام سيف العدل نفسه وتقود التنظيم من خلاله.
٢. أحلام سيف العدل
امتدت المعاناة التي تسبب فيها سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) من تنظيم القاعدة، إلى عائلته، فقد هجر منزلها منذ عام 1987، وبعد أن تزوج في أفغانستان ظلت أسرته من غربة إلى غربة؛ فبعد انهيار نظام طالبان عام 2001، رحلوا إلى إيران، ومكثوا في معسكر مغلق هناك، وتماهى سيف العدل مع أجندة إيران وخدم مصالحها بعد أن أصيب بـ”متلازمة طهران” وسرت في دمائه، وهو نفس الداء الذي أصاب صهره مصطفى حامد من قبله، ودفعت عائلاتهم الثمن.
٣. غرفة أخبار السحاب.. الإيرانية
يتخذ عبد الرحمن المغربي (محمد أباتي) الأراضي الإيرانية منطلقاً لعمله رغم حساسية منصبه؛ فهو يدير الذراع الإعلامية للقاعدة “السحاب”، التي تجعله مطلعًا على طرق التواصل مع قادة القاعدة في مخابئهم، والاطلاع على معلومات ومشاهد ذات حساسية أمنية، والتنسيق مع وسائل الإعلام العالمية للتواصل مع قادة القاعدة أو تزويدها بالمواد الحصرية.
وبسبب إقامة المغربي في إيران تحت حماية الحرس الثوري الإيراني، فإن ذلك يجعل ما بحوزته من معلومات وبيانات في وضع غير آمن، وهذا ما يعرفه أعضاء تنظيم القاعدة لكنهم يبررون وجود المغربي هناك بأنه في حكم المضطر.
٤. لا بيعة
ظلت القاعدة لسنوات في وضع بائس؛ فمنذ أعطى زعيم التنظيم البيعة لقائد طالبان هبة الله أخوند زاده، في يونيو/ حزيران 2016، لكن الأخير لم يعلن قبول هذه البيعة أبدًا كما فعل من سبقه، ولم يصدر ما يدل على قبولها لاحقاً، بل نفى ذلك صراحةً الناطق باسم طالبان، سهيل شاهين، في لقاء حصري مع أخبار الآن تم نشره في مايو ٢٠٢١، قائلاً إنه لا وجود لأيّ بيعة.
وهذا الموقف الصريح المعلن يمثل صفعة للقاعدة؛ فهذا يعني رفع غطاء الشرعية عن عمل التنظيم على الأراضي الأفغانية، وهو ما تعهدت به طالبان في اتفاق الدوحة. وبغض النظر عن هذا الالتزام فإن مصلحة الحركة الآن لا تبدو مع القاعدة أبداً حتى لو حظيت ببعض التعاطف من جناح داخل طالبان، لكن أفغانستان لم تعد هي نفسها كما كانت في النسخة السابقة، فبعد وصول طالبان للحكم في أغسطس/ آب 2021، صارت القاعدة عبئا ثقيلاً على حكومة كابول التي تسعى لنيل الاعتراف الدولي وأن تقنع العالم أنها حكومة مسؤولة لا تدعم الإرهاب الدولي، كما أظهر مقتل الظواهري في كابول أن القاعدة قد لا تثق في طالبان بسهولة بعد ذلك.
٥. المريض الأول بمتلازمة طهران وانتفاضة في الاتجاه المعاكس
يمثل أبو الوليد المصري (مصطفى حامد) بوقًا من أبواق النظام الإيراني ويستخدم موقعه “مافا السياسي” للترويج لرؤية جديدة للجهاد العالمي تحت راية الخميني، ويستخدم علاقاته السابقة مع زعماء التيار الجهادي وشهرته بلقب “مؤرخ القاعدة”، لبث أفكاره بين أتباع وأنصار التيارات الجهادية وإعادة صياغة مفاهيمهم خدمةً للمشروع الإيراني التوسعي.
ويمثل مصطفى حامد -صهر سيف العدل أبرز قادة تنظيم القاعدة- أبرز مريض بمتلازمة طهران؛ فرغم ما لاقاه من ظلم وقهر من النظام الإيراني إلا أنه تشرب الولاء له، وسرى هذا الداء العضال في عروقه خلال إقامته فى طهران، حتى أدمن خدمة هذا النظام، وسخَّر مواهبه البلاغية في الدعاية له، ومحاولة تجنيد الجهاديين العرب في صفوفه في الصومال واليمن وفي كل مكان، تحت شعار تحرير القدس ومركزية القضية الفلسطينية، وهو ما اتضح أنه محض ادعاء كاذب.
فاليوم بعد أكثر من 40 عامًا من حكم ما يسمى بـ “الثورة الإسلامية”، ينتفض الشعب الإيراني ضد نظام مصطفى حامد المفضل، ويعلنون بأعلى صوت رفضهم لسياسة النظام تجاه القضية الفلسطينية، لأنهم يعرفون أنها مجرد كذب وإلهاء وتبرير لمغامرات توسعية، ومنذ سنوات يهتف المتظاهرون في الاحتجاجات “لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء لإيران”.
ويبدو الشعب الإيراني أكثر وعيًا بألاعيب نظامه الذي يتاجر بالقضية منذ عشرات السنين، وأنشأ “فيلق القدس” تحت شعار تحرير الأقصى لكنه قاتل وانتشر في عواصم العالم شرقاً وغرباً ما عدا القدس.
٦. كابوس القاعدة في أفريقيا
وسط أزمة خلافة الظواهري يُطرح احتمال تولي أحد قادة فروع القاعدة منصب الإمارة العامة للتنظيم، لكن الحقيقة أن العامل المشترك بين هذه الفروع اليوم هو أنها جميعًا باتت تركز على أجنداتها الخاصة، ولا تنشغل كثيراً بأمر التنظيم المركزي.
ففي شمال إفريقيا، يعمل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بقيادة الجزائري مبارك يزيد (أبو عبيدة العنابي)، على استعادة نشاط الجماعة في منطقة الساحل والصحراء، ويسعى لإبرام صفقة مع الأتراك.
وفي الساحة السورية تزداد قوة “هيئة تحرير الشام” بزعامة محمد الجولاني، الذي فرض سيطرته على كامل مدينة عفرين في ريف حلب مؤخرا بقوة السلاح، تاركاً فرع القاعدة في سوريا المعروف ب”حراس الدين” أمام خيار الانضمام إلى “تحرير الشام” أو البقاء في طي النسيان حتى إشعار آخر.
وفي مالي، فقد أعاد زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إياد أغ غالي، تقديم نفسه كسياسي براجماتي وقائد قبلي في مناطق الشمال المالي، ويبدو أيضاً أكثر انشغالاً بمشروعه المحلي وجلب التمويلات المالية له.
وفي منطقة القرن الأفريقي تحاول حركة شباب المجاهدين إثبات وجودها وأهميتها ولكن مهما كانت التحركات اليائسة التي تقوم بها، فإن زعيمها أحمد الدرعي (أحمد عمر أبو عبيدة) لا يملك أي فرصة لقيادة القاعدة، وذلك لأسباب عنصرية بحتة؛ فالتنظيم متعدد الجنسيات لا يقبل في قُمرة قيادته أي عنصر، فالانتماءات العرقية والمناطقية لها تأثيرها الذي يفرض نفسه وفقاً لأعراف غير مكتوبة لكنها محترمة في الواقع الفعلي، ولنا في قصة ولادة تنظيم داعش من رحم القاعدة مثالا حيا؛ فأعضاء التنظيم العراقيين أنفوا الانقياد لأبي أيوب “المصري” الذي اضطر لتسليم الراية إلى أبي عمر “البغدادي” وعقب مقتل الأخير تلقفها أبو بكر البغدادي، مؤسس داعش لاحقاً.
ويمكن تخيل الفوضى والارتباك الذي سيصيب التنظيم حال انتقلت زعامته إلى القرن الأفريقي بسبب حالة ضعف الثقة بين القيادة المركزية للقاعدة والصوماليين، فالطرفان يتسامحان مع بعضهما البعض في الوقت الحالي، ولكن إذا تعلق الأمر بالقيادة والطاعة، ففي هذه الحالة سيصبح التمرد والتفكك أمرًا متوقعاً.
فمن المعروف أن كلا الجانبين يستخدم الآخر لمصالحه؛ فقادة القاعدة العرب يعرفون أن حركة الشباب تبالغ في عدد هجماتها وعدد الغربيين الذين تقتلهم، بينما هي في الحقيقة تستأسد على المدنيين الصوماليين الأبرياء، وتعرف أن ما يهم التنظيم المركزي هو المال والموارد التي توفرها له، وأنه في سبيل ذلك يتغاضى عن التدقيق في مصداقيتها.
كما أن هناك أمر آخر مهم حقاً وهو أن سيف العدل ترك ذكريات سيئة لدى قادة الشباب حين كان يشرف عليهم في الماضي، إذ وُصف أسلوب قيادته بأنه كان خانقًا بشكل منفر.
وحتى اليوم لم ترفع حركة الشباب صوتها ضد القيادة المركزية للقاعدة وعلاقتها بطهران، ولم يعلن الدرعي رفضه لهذا الأمر، لكن يبدو أن هذا الصمت سيكلفهم الكثير في ظل محاولات سيف العدل ومصطفى حامد لجر الشباب إلى المستنقع الإيراني.
وبالنسبة لتنظيم أنصار المسلمين في بلاد السودان المعروف اختصارا ب”أنصارو”، والذي ينشط في نيجيريا، فتبدو إصداراته الإعلامية وكأنها صادرة عن القيادة المركزية للتنظيم وليس عن هذا الفرع الذي صار أشبه ببوق لسيف العدل.
٧. التوجيهات مستمرة
في اليمن، يعقد فرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بزعامة خالد باطرفي صفقات مع الحوثيين التابعين لطهران، وهذه العلاقة ليست وليدة هذه الأيام بل ترجع إلى سنوات طويلة.
ويأخذ هذا التعاون الحوثي- القاعدي ضوءًا أخضر من طهران حيث تطفح كتابات موقع مافا السياسي الذي يعد منبراً لسيف العدل وصهره مصطفى حامد، بمقالات وكتابات تدعو صراحةً للتوحد بين الجهاديين السنة والحوثيين ضد دول الخليج العربي.
٨. الطابور الخامس
أقام فرع تنظيم القاعدة في اليمن بزعامة خالد باطرفي، علاقات وتفاهمات سرية مع جماعة الحوثي التابعة لإيران؛ التي وفرت لعناصره سبل التخفي والتنقل بل والتسلح، فضلاً عن علاقة التخادم بين الطرفين في الميدان فهما يقاتلان معًا عدوا واحداً وهي حكومة اليمن المدعومة من التحالف العربي لدعم الشرعية.
٩. كشف المستور
بعد ثبوت علاقة التخادم بين تنظيم القاعدة في اليمن وجماعة الحوثي التابعة لإيران، وقعت انشقاقات عميقة في صفوف التنظيم الأول بعد اكتشاف أعضائه أنه مخترق ومُوجه من أطراف مُغرضة، مما أسفر عن ضعفه وتفككه من الداخل، وانتفاض أبناء القبائل ضده بعد انكشاف حقيقته كما وقع في محافظة شبوة وغيرها.
١٠. تابعا ذليلا
خلال السنوات الأخيرة أصبح تنظيم القاعدة أشبه ما يكون بسفينة تائهة ضلت طريقها في البحار العاصفة، بلا قبطان ولا ملاحين يستطيعون السير بها إلى بر الأمان، ولا يلوح أمام ركابها سوى الرسو بها في المرفأ الإيراني، لتُكتب النهاية لهذه الرحلة الطويلة التي جنحت بهم في بحر الظلمات زمناً طويلاً، بعد أن بات التنظيم بعد اغتيال زعيمه أيمن الظواهري على مشارف لفظ أنفاسه الأخيرة في إيران تابعا ذليلا.