الشتاء قادم.. متاعب الشعب الأفغاني تزيد
تواجه طالبان تحديات كبيرة منذ وصولها إلى الحكم في أغسطس/ آب العام الماضي، فمنذ استيلائها على العاصمة الأفغانية لم تستطع الحصول على اعتراف العالم بحكمها في ظل وجود شبكة حقاني بنفوذها الكبير في قلب الحركة.
خلال زيارة السفير الياباني لدى أفغانستان، اوكدا تاكشي، كان صندوق الهدايا الصغير الذي قدمه السفير لسراج الدين حقاني بمثابة تذكير رمزي باحتياجات أفغانستان الملحة. ومع ذلك، لا يمكن أن تكون مثل هذه المجاملات الدبلوماسية بديلاً عن الدعم الحقيقي المطلوب للبلاد بشكل عاجل. شعب أفغانستان يتضور جوعا ولا تستطيع طالبان تلبية احتياجاته بدون الاعتراف الدولي المناسب. لا يمكن أن يكون أي من هذين الأمرين ممكنًا طالما استمرت شبكة حقاني في حماية الإرهابيين.
التقى وزير الداخلية الحاج خليفة سراج الدين حقاني بالسفير الياباني لدى أفغانستان السيد اوكدا تاكشي
خلال اللقاء رحب معالي الوزير بفتح السفارة اليابانية في كابل واستئناف فعالياتها، واعتبر ذلك خطوة مؤثرة في تعزيز العلاقات بين البلدين
من جهته أكد تاكشي بمواصلة التعاون مع أفغانستان pic.twitter.com/QQoajLhsLV— الإمارة الإسلامية (@alemara_ar) October 23, 2022
أزمة شبكة حقاني
تضم حركة طالبان العديد من الأجنحة، وتعد شبكة حقاني من أقوى الأجنحة داخل الحركة، فـ سراج الدين حقاني ابن الشيخ جلال الدين مؤسس الشبكة التي تحتفظ بصلات وثيقة مع تنظيم القاعدة، يتولى منصبيّ وزير الداخلية، ونائب زعيم حركة طالبان.
ومنذ أيام تم تعيين محمد نبي عمري، المعتقل السابق في معتقل غوانتانامو والزعيم البارز في شبكة حقاني، نائباً أول لوزير الداخلية، كما يشغل قادة بارزون في الشبكة مناصب حكومية هامة، كـ خليل الرحمن حقاني، وزير اللاجئين، والملا تاج مير جواد، النائب الأول للمخابرات، وحاج مالي خان، والي إقليم لوغار، وغيرهم.
وقد دفعت أفغانستان ثمناً باهظاً لعلاقة حقاني وحركة طالبان مع تنظيم القاعدة، ففي عام 2001 تعرضت البلاد للغزو الأمريكي واستمر الوجود العسكري الأجنبي على أراضيها لمدة عشرين عاماً، واليوم لا تبدو الحركة مستعدة لإعادة دفع الثمن الباهظ لتلك العلاقة الخطرة.
وقد أظهر مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري وسط كابول نهاية يوليو/ تموز الماضي مدى خطورة هذه العلاقة وجدية وعمق التهديد الذي تمثله على هذه الدولة المنكوبة مما يجعلها عُرضة لكارثة أخرى إن لم يتم تدارك الأمر.
ومع عمق نفوذ شبكة حقاني داخل طالبان فإنه من الصعوبة تصور أن تتمكن الحركة من الحد من هذه العلاقة التي تلقى معارضة من جهات طالبانية عديدة، لا تتفهم استمرار التواصل مع القاعدة رغم ما سببه ذلك سابقاً من كوارث لا زال من الوارد تكرارها.
ويُعد تباين وجهات النظر حول هذا الأمر عنواناً للخلاف داخل طالبان، وما لذلك من أثر سلبي على أداء حكومتها، وبالتأكيد لا يتفهم الشعب الأفغاني مبررات استمرار هذه العلاقة التي تضع البلاد على حافة خطر لا تبدو قادرة على مواجهته، وتعطيل حدوث الاعتراف الدولي بالحكومة الحالية التي لا يثق المجتمع الدولي في تنفيذها لمقررات اتفاق الدوحة في الشق المتعلق بإيواء الإرهابيين الذين يمثلون تهديداً للدول الأخرى.
وبعد مقتل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، في مجمع تسيطر عليه شبكة حقاني في حي راقي بالعاصمة كابول، أصبحت طالبان في مرمى الاتهامات الدولية أكثر من ذي قبل، وضعفت احتمالات شطب حقاني من قوائم العقوبات الدولية، وبالتالي تراجعت فرص نيل القبول الدولي في ظل اتهام كبار المسؤولين في الحكومة الأفغانية بدعم الإرهاب، ومن الطبيعي أن يقوض هذا من فرص نجاح تلك الحكومة.
فالظواهري لم يكن شخصاً عاديا متهم بالتورط في نشاط إرهابي، بل قائد تنظيم القاعدة، والمطلوب رقم واحد في العالم، ووجوده في منطقة قريبة من وزارات طالبان يؤثر بشكل مباشر على سمعة طالبان وقوتها وموثوقيتها، ويُظهرها إما عاجزة عن السيطرة على الدولة وغافلة عن وجوده في هذا المكان، أو متواطئة معه.
الشتاء قادم
يعد الاختبار الصعب أمام طالبان اليوم هو تحدي التنمية، فالعزلة الدولية تُفاقم من أزمتها الاقتصادية بشكل كبير؛ فانهيار دخل المواطنين والانكماش الاقتصادي المستمر يعود بدرجة كبيرة إلى مشاكل السيولة المرتبطة بعزل البلاد عن النظام المصرفي الدولي.
ومؤخراً عبَّر القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لأفغانستان، ماركوس بوتزيل، عن تخوفه من نفاد صبر جهات عديدة في المجتمع الدولي فيما يتعلق باستراتيجية التعامل مع حكم طالبان، مبيناً أن “التطورات الإيجابية” التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية قليلة وبطيئة جدا وتفوقت عليها السلبيات، خاصًة مسألة حظر تعليم الفتيات، قائلاً أيضاً إن “بعض إنجازات طالبان المزعومة آخذة في التلاشي” في إشارة إلى هجمات تنظيم داعش خلال الأشهر الماضية التي أظهرت ضعف الأمن.
وكشف تقرير أممي أن الجفاف الشديد -حتى من قبل وصول طالبان للحكم- أدى إلى تدمير المحاصيل الزراعية وبالتالي أسهم في زيادة الأزمة الغذائية، في وقت يعيش معظم السكان تحت خط الفقر، ويواجه حوالي 19 مليون مواطن خطر انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ومع دخول فصل الشتاء القارس تزداد ضراوة الأزمة الإنسانية حيث تنخفض الحرارة إلى درجة التجمد وتتعطل الأنشطة البشرية بشكل كبير، وتنظم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حملة لجمع التبرعات قبل حلول فصل الشتاء تفادياً للكارثة المتوقعة.
الفرصة الضائعة
جاء لقاء وزير الداخلية الأفغاني، سراج الدين حقاني، بالسفير الياباني لدى أفغانستان، تاكاشي أوكادا، ليعطي الشعب الأفغاني بارقة أمل تشي بقرب انفراج أزمة البلاد؛ إذ كانت طوكيو ثاني أكبر مانح للمساعدات لأفغانستان، وقدمت دعماً إنسانياً وشاركت في أعمال البنية التحتية والتعليم والصحة.
وأكد السفير الياباني على مواصلة التعاون بين البلدين، وأبدى حقاني ترحيبه بفتح السفارة اليابانية في كابل واستئناف فعالياتها، واعتبر ذلك خطوة مؤثرة في مسيرة تعزيز العلاقات بين الدولتين، لكن رغم ذلك فإن تلك الزيارة لم تكن على قدر الآمال المعلقة عليها في ظل انهيار الأوضاع في أفغانستان وتعطشها للدعم الدولي العاجل.
وقد أغلقت طوكيو سفارتها في كابول في أغسطس/ آب العام الماضي بعد وصول طالبان للحكم، وبررت ذلك بتدهور الوضع الأمني في أفغانستان حينذاك، وأعلنت وزارة الخارجية اليابانية أن آخر مجموعة من العاملين بالسفارة غادرت البلاد، وتم نقل مهام السفارة إلى الخارج، قبل أن تعيد فتحها مؤخرا.
وتتنافس اليابان مع الصين التي توجّه أنظارها نحو المعادن النادرة في أفغانستان التي يُعتقد أنها تمتلك أكبر احتياطي من الليثيوم على مستوى العالم، بالإضافة إلى رواسب هائلة من الحديد والنحاس والكوبالت والذهب، وظلت هذه الموارد غير مستغلة بسبب النزاعات العسكرية والفساد، وقدرت الولايات المتحدة تلك الثروات بما يقارب تريليون دولار، لكن تقارير أخرى قدرتها بثلاثة تريليونات دولار أو أكثر.
وكان الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي تعهد بمنح طوكيو الأولوية لاستكشاف واستخراج الموارد المعدنية غير المستغلة، مقابل المساعدات الكثيرة التي قدمتها لبلاده، واليوم تعد عودة اليابان إلى الساحة الأفغانية فرصة مهمة لتجاوز كابول أزمتها الحالية، لكن لا يبدو أن طالبان في إمكانها استغلال هذه الفرصة كما ينبغي، كما أن اقتصاد دولة بحجم أفغانستان لا يمكنه الاعتماد على تبرعات اليابان فقط في ظل عزلة دولية خانقة، وتدهور في الأوضاع المعيشية وشح المساعدات الإنسانية، مما يجعل من الضروري التركيز على أصل المشكلة هنا وهي الاعتراف الدولي.
فالطريق ليس مفروشًا بالورود أمام كابول؛ فالمجتمع الدولي يبدو متوحدًا -رغم انقساماته- في مسألة عدم الاعتراف بحكومة طالبان حتى اليوم، ويضع لذلك شروطاً تتعلق بسلوك الحركة في الحكم، وبالتالي يظل الدعم الدولي محجوبًا حتى إشعار آخر بما لذلك من انعكاسات سلبية على الشعب الأفغاني.
وسبق أن زار السفير الياباني أفغانستان والتقى بحركة طالبان ودعاهم إلى احترام حقوق المرأة والأقليات الإثنية وإقامة نظام سياسي شامل، لكن ما أحرزته الحركة حتى اليوم في هذه الملفات لا يبدو مقنعاً لا لليابان ولا للمجتمع الدولي.
وتسعى حكومة طالبان بشكل حثيث للحصول على المقعد الأفغاني في الأمم المُتحدة، وهو الهدف الذي لم تتمكن من تحقيقه طوال فترة حكمها السابقة (1996-2001) لأسباب مشابهة لما هو حاصل اليوم، وما لم تستطع الحركة التوصل إلى صيغة لحل العقبات التي تعترض طريقها فإنها من الوارد أن تصل إلى النتيجة السابقة ذاتها.
وبالرغم من التحركات الدبلوماسية النشطة التي قامت بها الحركة لنيل الاعتراف الدولي، وبالتالي الحصول على المساعدات الاقتصادية التي هي أحوج ما تكون إليها، إلا أن ذلك لم يكن كافياً ما لم يقترن بإجراءات عملية واضحة تكتسي بالمصداقية لدى الدول الكبرى على وجه الخصوص.
الاختبار الأمني
بالإضافة إلى ذلك يبرز التحدي الضخم الذي يمثله وجود نشاط لتنظيم داعش على الأراضي الأفغانية مما يزعزع الثقة بقدرة الحركة على ضبط الأمن وما لهذا الأمر من تداعيات سلبية جدا على الاقتصاد.
وتشن طالبان حملة أمنية ضد تنظيم داعش-فرع خراسان، نجحت خلالها في تصفية عدد من كوادره واكتشاف مخابئه، بهدف تحسين صورتها التي اهتزت بعد سلسلة هجمات داعشية استهدفت عناصر الحركة، والمدنيين، والأقليات الدينية، والمصالح الأجنبية، مما أظهر طالبان أمام المجتمع الدولي بصورة العاجزة عن تحقيق الأمن ومواجهة الإرهاب وإدارة الدولة.
وبالتالي فإن وجود كلا من القاعدة وداعش –مع الفارق بين الحالتين- يضع تجربة طالبان على المحك؛ فداعش هز صورتها، ووجود الظواهري في كابول رغم تأكيد الحركة على عدم السماح بوجود أي نشاط لتنظيم القاعدة في ظل حكمها فإن بدد الاعتقاد في مصداقية هذه التصريحات.
ولا يعد تصرف شبكة حقاني بشكل مستقل عذراً لطالبان أمام المجتمع الدولي؛ فهذا التبرير يضعف الثقة في قدرة الحركة على الوفاء بالتزاماتها، فلا يكفي التعهد بعدم السماح بانبثاق أي تهديد من التراب الأفغاني، فهذا الكلام يحتاج إلى أن يتم دعمه بإجراءات عملية ملموسة وبناء رصيد من الثقة في هذا الموضوع.
ويدفع الشعب الأفغاني وحكومته ضريبة تأخر الاعتراف الدولي واستمرار الوضع الاقتصادي المنهار، وتُوجه أصابع الاتهام إلى قادة شبكة حقاني على وجه الخصوص لأنهم أصدقاء القاعدة، مع العلم بأن سراج الدين، أدرجته الولايات المتحدة ضمن قائمة الإرهابيين العالميين لعلاقاته مع القاعدة، وطالما استمر في إيواء عناصر هذا التنظيم فإن التواصل الدولي مع كابول يبدو صعبًا للغاية.