عراب المشروع الإيراني.. ماذا يريد مصطفى حامد من جماعة الشباب الصومالية؟
على مدار الأشهر الخمسة الماضية، نشر مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) سلسلة مقالات (8 مقالات، حتى الآن)، حول الصومال ودور جماعة الشباب في ما سماه “الجهاد الأممي”، بمعدل مقال أو مقالين لكل شهر، معتبرًا أن الجماعة أحد أجنحة مشروع الوحدة الجهادية الذي يعتبر طهران قلبًا له، وفق تعبيره، وتزامنت تلك المقالات مع تكثيف الهجمات الإرهابية التي تشنها الجماعة داخل العاصمة مقديشو والتي كان من بينها الهجوم على مقر وزارة التعليم، وفندق حياة بقلب العاصمة، وهو الهجوم الذي أشاد به “حامد” قائلًا إنه بداية لتطبيق “إستراتيجية التحرير” الطالبانية (نسبة لحركة طالبان الأفغانية) في الصومال، وقيام إمارة أخرى تحت راية جماعة الشباب.
بدا مصطفى حامد وكأنما انتبه فجأة إلى وجود جماعة الشباب الصومالية، فقبل عام 2022، لم يركز أبو الوليد المصري على جماعة الشباب بأي صورة من الصور، ولم يشر إليها إلا ضمنيًا في مقال كتبه عبر موقعه “مافا” أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2018 بعنوان “نحو إستراتيجية إسلامية لتحرير فلسطين“، لكنه تحول فجأة إلى التنظير إلى مشروع الجهادية الأممية الذي تُشكل الجماعة الصومالية أحد أذرعه (أجنحته)، داعيًا لإطلاق حرب نوعية في شرق إفريقيا، وعلى طول خط الممرات البحرية الإستراتيجية المحاذية للصومال تمهيدًا لقيام دولة الجهاد الأممي كما يسميها.
وفي نفس الوقت الذي نشر فيه حامد مقالاته العديدة عن الصومال وجماعة الشباب، كانت الأخيرة تُكثف هجماتها ضد الحكومة والمدنيين في البلاد مركزة على تحقيق أهدافها الخاصة في البلاد والاستثمار في الفوضى، دون الالتفات إلى الإستراتيجية العامة لتنظيم القاعدة الذي تقول الجماعة، في العلن، إنه جزء من شبكته العالمية.
التركيز على الصراع المحلي والابتعاد عن القاعدة
وحاولت جماعة الشباب الصومالية تبرير الهجمات التي تشنها ضد المدنيين، فعقدت، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2022 مؤتمرًا بعنوان: “المؤتمر الخامس لعلماء الولايات الإسلامية” ضم مجموعة من الشرعيين المقربين من الجماعة والذين أفتوا لها بمواصلة الهجمات الإرهابية التي تشنها حتى رغم سقوط ضحايا مدنيين في تلك الهجمات.
وبين المؤتمر أن الجماعة الصومالية أصبحت متمايزة ومبتعدة تمامًا عن تنظيم القاعدة وأنها تركز على إستراتيجيتها الخاصة، لكن دون أن تُعلن، رسميا، قطع صلاتها مع تنظيم القاعدة.
وأظهرت الإصدارات والخطابات الرسمية لقادة الجماعة أنها لا تهتم بالعلاقة مع تنظيم القاعدة، فعلى سبيل المثال ركزت القيادة العامة للجماعة في بيانها الذي أصدرته عقب ما سُمي بـ”المؤتمر الخامس لعلماء الولايات الإسلامية” على مهاجمة الحكومة الصومالية وعلى الصراع في البلاد دون أن تأتي على ذكر فكرة الجهاد العالمي أو تنظيم القاعدة.
وقال القيادي البارز بالجماعة “أبو عبد الرحمن مهد ورسمي” إن الحكومة الصومالية لا تملك مقومات دولة تقدم خدمات للشعب الصومالي، وجميع مؤسساتها ومقراتها إنما هي ديكور الحكومة، ولتمرير أجندات الغرب، وهدفا منع مشروع جماعة الشباب في البلاد على حد قوله.
أما أمير الجماعة “أبو عبيدة أحمد ديري” فتجاهل تمامًا في آخر كلماته الصوتية التي بثتها الجماعة في يوليو/ تموز 2022 بعنوان: “قل لا يستوي الخبيث والطيب” ذكر تنظيم القاعدة أو أميره (السابق) أيمن الظواهري، مع أنه ذكر حركة طالبان الأفغانية في نفس الكلمة 7 مرات على الأقل وأشاد بها.
ويعد تجاهل الإشارة لتنظيم القاعدة وقيادته تطورًا فارقًا في الخطاب الدعائي لجماعة الشباب الصومالية، التي حرصت سابقًا على تهنئة أمير القاعدة وتنظيمه والإشارة له في الإصدارات المختلفة التي تتزامن مع مناسبات دينية، وهو يحمل في طياته تأكيدًا على أنها ابتعدت تدريجيا عن التنظيم، لا سيما وأنها لم تجنِ من تلك العلاقة إلا الدمار والقتل والاستهداف من قبل الولايات المتحدة والقوى الدولية المنخرطة في مكافحة الإرهاب، فضلًا عن أن إستراتيجية الجهاد المعولم (العالمي) التي يتبناها القاعدة تتناقض مع الإستراتيجية المحلية التي تتبعها الجماعة الصومالية، والتي تهدف في النهاية لإقامة إمارة أو ولاية محلية خاضعة لسيطرتها في الصومال.
الشباب الصومالية والمشروع الإيراني
ولاقت فكرة الابتعاد عن القاعدة حظوة كبيرة عند مصطفى حامد الذي يُنظر لمشروع آخر تتحول فيه القاعدة وأفرعها إلى جماعات وظيفية تابعة كليةً لإيران وتخدم مصالحها، فروج أبو الوليد المصري لفكرة ابتعاد جماعة الشباب الصومالية عن تنظيم القاعدة وأيضًا تقاربها مع إيران، قائلًا في مقال نشره موقعه مافا في ١٥ مايو ٢٠٢٢ بعنوان: “جهاد البحار وتطوير الحرب البحرية“، إن أصحاب المشاريع الجهادية الحقيقية في الوقت الحالي قليلون وأبرزهم جماعة الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، وجماعة الشباب في الصومال، على حد تعبيره.
وبدوره، يدعو حامد إلى “تحالف المليشيات” التابعة لإيران وجماعة الشباب الصومالية من أجل استنزاف خصوم إيران ومنح طهران سيطرة على الممرات البحرية الحيوية وخاصةً القريبة من الخليج العربي، كما يدعو أيضًا إلى تحالف مع روسيا تقوم موسكو من خلاله بتقديم الصواريخ البحرية لصالح جماعة الشباب، والحوثيين، وحزب الله اللبناني ليستخدموها في الحرب البحرية، وكذلك في فك الحصار البحري المفروض على الموانئ التي تُسيطر عليها جماعة الحوثي في اليمن وأبرزها ميناء الحديدة.
ويشكل التنسيق والتعاون بين الحوثيين وجماعة الشباب واحدًا من النقاط الرئيسية التي يُروج لها مصطفى حامد تحت شعار “وجود مقاومة بحرية إسلامية جهادية مشتركة من اليمنيين والصوماليين” بهدف السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر ومنع مرور السفن المعادية لإيران فيه، ويقوم هذا التعاون بالأساس على استخدام الغواصات الصغيرة والكوماندوز البحري، والمسيرات التي يحصل عليها الجماعتان عن طريق إيران.
ويكشف التدقيق في مسارات تهريب السلاح إلى جماعة الشباب الصومالية وجود دور فاعل لجماعة الحوثي ومن خلفها إيران في إمداد الجماعة الصومالية بالسلاح، فحسب تقرير لمعهد هيرال للشؤون الأمنية والذي يتخذ من العاصمة مقديشو مقرًا له فإن جماعة الشباب تنفق نحو ربع ميزانيتها (حوالي 24 مليون دولار) على التسليح ويتم شراء غالبية السلاح والمتفجرات التي تستخدمها الجماعة من اليمن عن طريق السوق السوداء التي يتحكم فيها الحوثيون.
ومن المرجح أن تكون عملية تنسيق انتقال السلاح بين اليمن والصومال تتم برعاية “الوحدة 400” التابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري الإثيراني، وهذه الوحدة تعمل في شرق إفريقيا، وسبق أن خططت لاستهداف مصالح سعودية وبريطانية وأمريكية وكينية في شرق إفريقيا، والتي يُعتقد أنها على تواصل مع جماعة الشباب الصومالية وسبق أن وجهتها في الهجوم على معسكر للقوات الأمريكية بكينيا (كامب سيمبا)، عام 2020، انتقامًا لاغتيال قائد فيلق القدس السابق اللواء قاسم سليماني بواسطة القوات الأمريكية أثناء زيارة سرية أجراها إلى العاصمة العراقية بغداد.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب الصومالي محمود عبدي إن هناك مؤشرات على وجود دعم إيراني لجماعة الشباب، مضيفًا أن المصادر الحكومية تتحدث عن انتقال أسلحة إيرانية إلى الصومال وتُرجح أنها كانت متوجهة إلى جماعة الشباب التي هي في الواقع ليست بعيدة عن الأخذ والرد مع طهران، بسبب تحالفها مع تنظيم القاعدة ووجود قادة القاعدة (وعلى رأسهم سيف العدل) داخل إيران.
ويردف “عبدي” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن جماعة الشباب هي كيان براجماتي وميكافيلي لأبعد مدى ولا مانع لديها في أن تتحالف مع إيران، رغم أن أدبيات الجهادية التقليدية لها تُكفر الشيعة الإثنى عشرية (شيعة إيران)، لكن السلوك العام لجماعة الشباب يشير إلى عدم وجود أي انضباط أو التزام بالنهج الجهادي طالما كانت هناك مصالح، فالمصالح تسبق أي مبدأ يدعون الاحتكام إليه.
ويهدف التعاون الحاصل بين وكلاء إيران الإقليميين (بما فيهم الحوثيين والقاعدة في اليمن وجماعة الشباب) إلى التسريع بتحقيق التمدد الإيراني في الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، وهذا التمدد يقوم بالأساس على فكرة إشعال المنطقة بالصراعات ضمن محاور وجبهات قسمتها إيران وتحدث عنها مصطفى حامد في مقالات عدة، وينطلق التمدد من ركيزة أساسية هي استهداف المملكة العربية السعودية، تحقيقًا للشعار الإيراني المزعوم بأن “طريق القدس يمر من مكة والمدينة“.
وبحسب هذا التصور فإن المشروع الإيراني سيكون له 3 قطاعات فرعية و4 قطاعات إستراتيجية، أما القطاعات الفرعية فستكون فلسطين والجزيرة العربية وقطاع اليمن وعمان والصومال، وتعتمد فكرة القطاعات الفرعية على الأهمية الاقتصادية لتلك القطاعات قبل الأهمية العسكرية.
ومع أن أبو الوليد المصري يعتبر أن الصومال هي جزء من القطاع الإفريقي، إلا أنه يعتبر العمل داخلها أهم من العمل في قطاعات إستراتيجية أخرى، قائلًا إن جماعة الشباب تمثل أهمية خاصة نظرًا لأنها تمثل تهديدًا للنفوذ الأمريكي والغربي في شرق إفريقيا، وساحة دعم عملياتي لوكلاء إيران في الجزيرة العربية، على حسب ما كتبه في مقال “نحو إستراتيجية إسلامية لتحرير فلسطين، والمقدسات الإسلامية، والجزيرة العربية” المنشور علي موقع “مافا” بتاريخ ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨.
ولا يأتي اهتمام مصطفى حامد، الذي تكشف كتاباته ومقالاته المختلفة أنه بمثابة عراب للمشروع الإيراني ومصاب بمتلازمة طهران، بجماعة الشباب من فراغ بل ضمن خطة إيرانية أكبر تهدف لتنفيذ ضربات ضد المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي وأيضًا المصالح الأمريكية في شرق إفريقيا والخليج.
فأبو الوليد المصري دعا في 8 يوليو/ تموز 2022 إلى مهاجمة المملكة العربية السعودية انطلاقًا من الصومال باعتبار أن جماعة الشباب الصومالية المدد والدعم الوحيد الذي يمكن أن يدعم المشروع الإيراني من جنوب الجزيرة العربية، قائلًا في مقاله المعنون بـ”حركة الشباب على خطى طالبان أفغانستان” إن المعركة بين المشروع الإيراني ودول المنطقة وصلت إلى ذروة جديدة بعقد مؤتمر جدة للتنمية والأمن، والذي عُقد في السعودية منتصف يوليو/ تموز 2022.
وفي مقالٍ ثانٍ له، نشره على موقعه في 13 يوليو/ تموز 2022 بعنوان “وا إسلاماه (2)” قال حامد إن هدف مؤتمر جدة للتنمية والأمن هو الانخراط في ناتو عربي أمريكي وتوسيع حلف الناتو التقليدي بضم دول أخرى كباكستان ليصبح هذا التحالف موجه ضد إيران وأنصارها بما فيهم حزب الله في لبنان، والحركات المقربة من إيران في فلسطين، والحوثيين في اليمن، وجماعة الشباب في الصومال، وحركة طالبان في بأفغانستان.
مصطفى حامد وجماعة الشباب والخطة الإيرانية لاستهداف السعودية
ويُلاحظ أن حامد كثف مقالاته الداعية إلى مهاجمة المملكة العربية السعودية في شهر يوليو/ تموز 2022 بالتزامن مع انعقاد قمة جدة للتنمية والأمن والتي اعتبر أنها موجهة ضد إيران وأذرعها، فدعا في مقاله الثالث الذي نشره بعد نحو أسبوع من انعقاد القمة والمعنون بـ:”الأسلحة النوعية للجهاد البحري” إن المهمة الأساسية لفكرة الجهاد البحري الذي تنخرط فيه جماعة الشباب هو فك الحصار البحري المفروض بشكل إستراتيجي محكم على جزيرة العرب، مشيرًا إلى الحصار الذي فرضه التحالف العربي على جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن الذي يُوصف بأنه طابور خامس ومتخادم مع الحوثيين.
وكشف مصطفى حامد في مقاله المذكور عن دوافع إطلاق هذه الهجمات قائلًا “إن الوضع في اليمن أصبح أكثر خطورة نتيجة حرب الاستئصال التي تشنها الجيوش السعودية والإماراتية ضد المليشيات في البلاد”، لذا فإن جماعة الشباب في الصومال يمكنهم أن يطوروا موقفهم وعملهم لفك الحصار المفروض على الحوثيين وحلفائهم في اليمن، ودعم إيران في حربها ضد الدول العربية في المنطقة.
وذكر أبو الوليد المصري إن جماعة الشباب يمكن أن تستخدم الصواريخ البحرية والطائرات بدون طيار، والصواريخ أرض أرض- التي تحصل عليها من إيران عن طريق الحوثيين في اليمن- يمكن أن تُشكل منظومة للتحكم في الملاحة في باب المندب، وهو أحد أهم المضايق البحرية للملاحة العالمية، عن طريق استهداف دول التحالف العربي (السعودية، والإمارات) بما يخدم الأهداف الإيرانية.
وبمراجعة تطورات الأحداث، خلال الفترة الماضية، يتبين أن مصطفى حامد كان يتحدث عن الخطة الإيرانية المعدة لاستهداف المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وهي الخطة التي بدأت تتكشف ملامحها، خلال الفترة الحالية، بعد إعلان مسؤولين سعوديين وأمريكيين لصحيفة “وول ستريت جورنال” عن خطط إيرانية لاستهداف السعودية عن طريق وكلاء إيران، بسبب اندلاع احتجاجات داخل إيران على مقتل الشابة مهسا أميني، وزعم مسؤولي نظام طهران أن المملكة تدعم هذه الاحتجاجات.
لماذا اللجوء لجماعة الشباب؟
ويبرر مصطفى حامد اللجوء لجماعة الشباب الصومالية وتوظيفها ضمن الخطة الإيرانية في مقال آخر له نشر بتاريخ ٢٣ يونيو ٢٠٢٢ تحت عنوان: “أخطار تُهدد المقدسات الإسلامية في جزيرة العرب” بأنه من الأسهل والأقرب التحالف مع الجماعة الصومالية، مضيفًا في مقال “شباب الصومال على خطى طالبان أفغانستان” بتاريخ ٨ يوليو ٢٠٢٢ أن وكلاء إيران في اليمن تراجعت أهميتهم أو ما يسميه هو بـ”الجزء الإفريقي في جزيرة العرب” في مقابل زيادة أهمية “شباب الصومال” الذين ينبغي عليهم العمل لخدمة المشروع الإيراني.
ووفقًا لتصور مصطفى حامد، عراب المشروع الإيراني والمصاب بمتلازمة طهران، فإن جماعة الشباب تواجه تحديات هامة في الإستراتيجية العسكرية وما يتعلق بها من مجالات السياسة والتمويل، وللتغلب عليها يجب أن تعمل قيادة الجماعة للسيطرة على المدن الصومالية من الداخل عن طريق تكوين مجموعات موالية للجماعة، وشبكة من المتعاونين والعملاء العاملين معها، مع ترك مهام الإدارة والإنفاق على هذه المدن للحكومة الصومالية بحيث لا تتحمل الجماعة أي عبء للإدارة وتوفير الخدمات.
وفي نفس الوقت، تستغل الجماعة هذه المدن للحصول على الإمدادات والدعم اللوجيستي وتقوم الجماعة بالعمل على تنفيذ عمليات اغتيال وتدمير المراكز الهامة بالنسبة للحكومة الصومالية، مع استخدام “المرتزقة” من العاطلين عن العمل الذي يمكن أن يساعدوا في إيصال المتفجرات والرسائل مقابل مبالغ ومكافأت مالية.
ومن التحديات التي تحدث عنها مصطفى حامد انتشار الجفاف في البلاد وعدم وجود المال الكافي للقيام بعمليات حفر الآبار أو توفير المواد الغذائية الأساسية للشعب الصومالي.
ولا يُقدم مصطفى حامد أو جماعة الشباب حلًا حقيقيًا للمشكلات والأزمات الكبرى التي تواجه الشعب الصومالي ومن بينها أزمة الجفاف والتي تفاقمها حالة الفوضى الناجمة عن الهجمات الإرهابية التي تشنها جماعة الشباب إذ يكتفي أبو الوليد المصري بالدعوة للاستيلاء على البلاد عسكريًا دون النظر لمعاناة الشعب.
ودعا مصطفى حامد في مقال نشره في 25 أغسطس/ آب 2022 بعنوان “تحرير الصومال على خطي تحرير أفغانستان”، جماعة الشباب إلى محاكاة النموذج الطالباني للاستيلاء على الحكم في البلاد أو ما يسميه هو بـ”إستراتيجية التحرير” والتي تقوم على إسقاط المدن من الداخل عن طريق شبكات المتعاونين والعملاء ثم شن هجوم شامل لإسقاط جميع هذه المدن في قبضة الجماعة.
ومن المثير للاهتمام أن نفس التصور الذي قدمه مصطفى حامد لجماعة الشباب الصومالية هو الذي تحدث عنه أمير الجماعة أحمد ديري في آخر كلماته الصوتية “قل لا يستوي الخبيث والطيب” والتي تحدث فيها عن توظيف كسب ود المتعاطفين مع الجماعة (المرتزقة) وتوظيفهم في خدمة مشروعها والاتفاق مع وجهاء وشيوخ العشائر الصومالية لإسقاط المدن من الداخل في قبضة الجماعة، كما فعلت حركة طالبان الأفغانية.
ورغم هذا التقارب المذكور، لا تُبدي جماعة الشباب، حتى الآن، موقفًا علنيًا تجاه التحالف مع إيران، لكن الشواهد على الأرض تقول إن هناك تعاون وتحالف ضمني تطمح الجماعة من وراءه للحصول على أسلحة أكثر تطورًا لاستخدامها ضد الجيش وقوات الأمن الصومالية، ومن ثم السيطرة على البلاد.
وتنطلق الجماعة من دافعية براجماتية بحتة هدفها إحراز أكبر مكاسب ممكنة، بيد أن هذا التوجه قد يحمل في طياته عناصر فناء الجماعة وقد يؤدي إلى مزيد من الانقسام في صفوفها بسبب اختلاف وجهات نظر قادة الجماعة تجاه التعاون مع إيران.
ومن هذا المنطلق، يقول الباحث السياسي الصومالي عبد العزيز محمد إن جماعة الشباب كغيرها من الحركات والجماعات المتمردة تتحالف دائمًا مع كل من يستطيع مساعدتها في تنفيذ أهدافها وتحقيق طموحاتها سواء أكان هذا التعاون مع دول أم مع أشخاص عاديين.
ويردف “محمد” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن تحالف جماعة الشباب مع إيران أمر خطر على الجماعة نفسها، وذلك لأسباب منها أنه لا تُوجد علاقات رسمية أو غير رسمية بين الصومال وإيران وبالتالي فإنه لن يكون هناك دعم كبير كما يتخيل من طهران للجماعة الصومالية، كما أن واخيراً الشعب الصومالي لديه حساسية شديدة تجاه المذهب الشيعي، وبالتالي فإن حدوث أي نوع من التعاون أو التحالف بين جماعة الشباب وطهران سيؤدي إلى تأثيرات وارتدادات سلبية داخل الجماعة وفي أوساط مناصريها، وستخسر الجماعة شعبيتها حتى في داخل المناطق التي تنشط بها، وهو ما سيكون مدمرًا لها.
سيف العدل والصراع داخل جماعة الشباب
وتكشف كتابات مصطفى حامد والكلمات والإصدارات الدعائية الصادرة عن قيادة جماعة الشباب الصومالية أن الجماعة ابتعدت عن الخط التقليدي لتنظيم القاعدة وركزت على أهدافها الذاتية، وفي نفس الوقت اقتربت، تدريجيا، من طهران لتصير بذلك واحدة من الجماعات الوظيفية التي تستخدمها إيران في خدمة مشاريعها الهادفة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وزيادة النفوذ الإيراني فيها.
ويرتبط التقارب بين إيران وجماعة الشباب الصومالية، بالتحولات الإستراتيجية التي تمت داخل تنظيم القاعدة وحالة الصراع القيادي التي يعيشها حاليا بعد مقتل أميره السابق أيمن الظواهري، فالمرشحون الأبرز لقيادة التنظيم في مرحلة ما بعد الظواهري هم مجموعة من القادة المصابين بمتلازمة طهران، وعلى رأسهم سيف العدل المعروف بأن له صلات قديمة مع جماعة الشباب الصومالية.
ويمكن افتراض أن سيف العدل استخدم هذه الصلات مع قيادة الجماعة الصومالية لدفعها للتقارب والتماهي مع المشروع الإيراني، بما يتوافق مع رؤية نظام طهران وكذلك رؤية صهره مصطفى حامد، عراب المشروع الإيراني والمصاب بمتلازمة طهران أيضًا، الذي نظر لفكرة ومشروع الجهاد الأممي الذي يتمحور حول إيران ويسعى لخدمة أهدافها الاستعمارية التوسعية في شرق إفريقيا والجزيرة العربية.
غير أن التجربة السابقة لسيف العدل في الصومال تؤكد أن أمير القاعدة “غير المتوج” لم يجلب للجماعة الصومالية سوى الانقسام والشتات، وفقًا لما قاله أمير جماعة الشباب سابقًا فاضل هارون “فازول” في مذكراته، التي ذكر فيها أن سيف العدل عندما وصل إلى الصومال في التسعينيات زادت الانقسامات بين الجهاديين الصوماليين واشتعلت الخلافات مع العشائر الصومالية نتيجة النهج الذي تبناه، مما اضطر أبو حفص المصري، نائب زعيم القاعدة أسامة بن لادن وقتها، إلى إخراج سيف العدل من الصومال.
ولا يبدو أن النهج الحالي لسيف العدل وصهره مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) سيؤدي إلى نتائج مختلفة بالنسبة لجماعة الشباب الصومالية، ففي الوقت الذي تبتعد فيه الجماعة الصومالية عن خط الجهاد العالمي التقليدي لتنظيم القاعدة، وتحاول التركيز على أهدافها ومصالحها الذاتية، يسعى سيف العدل وحامد إلى توظيفها بشكل كامل في خدمة المشروع الإيراني وهو ما يُنذر بمزيد من الخلافات والانقسام داخل الجماعة الصومالية خلال الفترة المقبلة.
ويزيد من حدة هذه الخلافات استمرار حملة مكافحة الإرهاب التي تخوضها القوات الحكومية بدعم إقليمي ودولي ضد جماعة الشباب الصومالية.
ووفقًا للكاتب الصومالي محمود عبدي فإن الضغوط الحالية على الجماعة قد تؤدي إلى تضعضع القيادة وبالتالي حدوث انشقاقات وانقسامات واسعة داخلها، لافتًا إلى أن الجماعة، الآن، تتلقى ضربات شديدة، وميدانيا خسرت العديد من معاقلها في وسط وجنوب البلاد وخسرت محافظة كاملة قبل عدة أيام، كما جرى الكشف خلال الفترة القليلة الماضية عن مقتل 100 عنصر من الجماعة دفعة واحدة في يوم واحد، وهو ما يعني نجاح القوات الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة ودول إقليمية أخرى في تكبيد الجماعة خسائر مستمرة.
ويشير الكاتب الصومالي إلى أن جماعة الشباب تمر بأزمة في الوقت الحالي الذي تتقدم فيه القوات الحكومية المدعومة بقوات القبائل الصومالية بسرعة كبيرة في مناطق سيطرة الجماعة، فضلًا عن أن كثير من المؤسسات التي كانت تتعرض لابتزاز من قبل الجماعة توقفت عن دفع الإتاوات لها، وهذا يهدد مصادر دخل الجماعة إلى حد كبير، كما أن استمرار قوات مكافحة الإرهاب في استهداف أمراء الجماعة البارزين من شأنه أن يؤدي إلى إصابات مباشرة في صفوف القيادة وسيترتب على ذلك حدوث انشقاقات واسعة في صفوف الجماعة لأن ضرب القيادة والإطاحة بها سيؤدي إلى ذوبانها مباشرة، خاصةً أن الجماعة يُنظر إليها في الصومال كجسم غريب ويتحد ضدها القوات الحكومية، ورجال القبائل الذين بدأوا يخوضون ضد الجماعة حربًا نفسية تمامًا كالحرب العسكرية وهو ما ظهر في محافظة هيران (وسط الصومال)، مؤخرًا، حينما استعرض رجال القبائل جثثًا لعناصر الشباب المقتولين في المواجهات، بطريقة تُشبه استعراض جثث الجنود الأمريكيين في مقديشو بعد إسقاط طائرة البلاك، عام 1993.
ويتفق الباحث السياسي الصومالي عبد العزيز محمد مع الرأي السابق، قائلًا إنه من المرجح أن تحدث المزيد من الانشقاقات والانقسامات في صفوف جماعة الشباب- خاصةً في حال تماهيها بشكل كامل مع الموقف الإيراني-، موضحًا أن الجماعة تواجه ظروفًا صعبة، خلال الأشهر الأخيرة، بدأت منذ وصول الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود إلى سدة الحكم في البلاد وإعلانه حربًا ضروسًا ضد الجماعة الإرهابية، وأسفرت الحملة الجديدة التي يقودها الرئيس الصومالي عن طرد الجماعة من مناطق عديدة منها مناطق كانت تسيطر عليها طوال العشر سنوات الماضية.
ويشير الباحث السياسي الصومالي إلى أن الهزائم التي تلقتها الجماعة، سابقًا إبإن فترة زعيمها السابق أحمد عبدي غودني، الذي قُتل عام 2014، أدت إلى حدوث خلافات عميقة بين أحمد عبدي وبين نائبه مختار روبو (أبو منصور)، والذي انشق في نهاية المطاف وانضم إلى الحكومة الصومالية وصار وزيرًا للأوقاف والشؤون الدينية، متوقعا أن تؤدي التطورات الحالية في الصومال إلى نتائج وانشقاقات مشابهة في داخل جماعة الشباب الصومالية.