“عقدان على تواجد جماعة الشباب الصومالية الارهابية، كفى ثمّ كفى”… ذلك لسان حال الصوماليين الذين ضاقوا ذرعاً بواقعهم الأليم. اليوم بات الأمر مُلحّاً للقضاء على تلك الجماعة التي عاثت في الصومال فساداً وإرهاباً وقتلاً وبالتالي تدميراً للحجر والبشر هناك. تلك هي عبارات المواطنين الصوماليين الذين حاورتهم “أخبار الآن” واستمعت إلى معاناتهم ومواقفهم من جماعة الشباب، التي يتخذ العزم للقضاء عليها بعداً، حياتياً مهمّاً بالدرجة الأولى.
نحو عقدين من الزمن لجماعة جنَّدت وقتلت وخطفت وفرضت الخوّة وأرهبت الملايين، فأين أصبحت اليوم؟ بالطبع حالُ ذلك التنظيم كحال كلّ التنظيمات الإرهابية التي يكون مصيرُها الاضمحلال رويداً رويداً مع الوقت، لكن ماذا عن أولى ضحايا جماعة الشباب؟ أي المقاتلين أنفسهم؟ ما هي خطة الدولة الصومالية لإعادة دمجهم في المجتمع بعد انشقاقهم عن الجماعة؟ هل فعلاً يحقّق برنامج العفوِ وإعادة تأهيل عناصر الشباب هدفه؟ أي صعوباتٍ تواجه ذلك البرنامج المطلوبُ منه تخطّي ما يتعدى حمل السلاح إلى محاربةِ الفكر الارهابي؟
“10 سنوات مع جماعة الشباب”
إبراهيم نظارة، يعمل حالياً كمستشار التوعية المجتمعية حول الأفكار المنحرفة في مكتب رئيس الوزراء في الصومال، لكن قبل ذلك، كان انخرط بجماعة الشباب الصومالية وعمل في صفوفها لمدّة عشر سنوات، من العام 2006 وحتى العام 2016، اختبر خلالها عن قرب زيف شعارات تلك الجماعة المتطرفة. في لقاء خاص مع “أخبار الآن“، قال إبراهيم إنّ “جماعة الشباب هي جماعة منحرفة سلوكياً في كلّ المجالات. أنا كنت في الجماعة وقد اخترت الإنشقاق العام 2016 بسبب سفك الدماء، واستهداف الأماكن العامة وتنفيذ التفجيرات فيها، واستباحة دماء الناس ومالهم وأملاكهم، وشاهدت بعني كيف تخرج تلك الجماعة عن مفاهيم الإسلام.
“بعد إنشقاقي قررت المساهمة في بناء الدولة”
وتابع: “لقد تمّ اغتيال أعضاء بارزين في الجماعة، وتمّ اعتقال المئات، وعندما رأيت كل تلك المخالفات التي تقوم بها الجماعة، قررت تركها والإنضمام إلى المجتمع الصومالي، وسعيت لتحذير مَنْ هم في محيطي من مخاطر إدخال الأفكار المنحرفة إلى عقولهم، لأنّنا كنّا نخالف الشريعة الإسلامية والمفاهيم الصحيحة، وبالتالي رأيت أنّ من واجبي أنّ أساهم في عملية التوعية والتحذير من تداعيات الدخول في مثل تلك التنظيمات، إذ أنّ تلك الخطوة لا تعود بالفائدة على حياة الناس إطلاقاً، بل تدمرها بشكل كامل”.
يقوم إبراهيم اليوم بعمل توعوي إلى جانب الحكومة الصومالية، التي تعمل على مساعدة المنشقّين على التخلّص من كلّ الأفكار السيئة التي تعمل جماعة الشباب على زرعها في عقولهم. ما يقوم به ذلك الشاب الصومالي اليوم، يعتبر جزءاً مهمّاً من الخطوات التي تساعد في إعادة تأهيل الأفرد للإندماج في المجتمع من جديد. فهو يعمل في المراكز التابعة لوزارة الداخلية ووزارة الامن في البلاد…
“ليس لديّ علم كم هو عدد الأفراد الحالي في مراكز التأهيل”، يقول إبراهيم لـ”أخبار الآن“، مشيراً إلى أنّه “حالياً هناك ثلاثة مراكز تضمّ شباناً منشقّين، يعملون هناك بالحرف اليدوية بينما يخضعون لعملية غسل الدماغ لتنظيفها من الأفكار المنحرفة، تمهيداً لعودتهم إلى المجتمع من جديد وممارسة حياة طبيعية، ليتخطّوا بذلك مرحلة سابقة قاسية جدّاً، وويلات عاشوها إبّان وجودهم مع الجماعة”. وأوضح أن المنشقين عن تلك الجماعة هم من فئة الشباب، تتراوح أعمارهم بين 15
وقال إبراهيم إنّ “الجماعة تشوّه صورة الإسلام وتضرّ بالمسلمين”. ولدى سؤاله عمّا خسره جرّاء انخراطه بجماعة الشباب الصومالية وعمله في صفوفها لمدّة 10 سنوات، ردّ بالقول: “لقد ضاع من عمري الكثير الكثير، لكنّني اليوم أحاول أن أعوض كلّ ذلك، وأن أكون شخصاً صالحاً مفيداً لمجتمعي، وأعيش حياة طبيعية كأيّ مواطن صومالي آخر”. وأضاف: “بعد خروجي من الجماعة، أعمل على المساهمة في إعادة بناء الدولة في الصومال، ومن هنا وانطلاقاً من تجربتي وخبرتي في ذلك الإطار، أنصح كلّ شاب بعدم السير في طريق تلك الجماعات الضارة، والتي توصل إلى الخراب، لا بل أدعوهم إلى الإنشقاق عن تلك الجماعة المنحرفة والشروع في مشروع بناء الدولة التي تحمي الجميع”.
مراكز إعادة تأهيل المقاتلين
إعادة تأهيل عناصر جماعة الشباب الإرهابية الذين يختارون الإنشقاق، مشروع ليس بجديد بالنسبة للحكومة الصومالية التي أنشأت برنامج العفو وإعادة التأهيل في 5 مدن صومالية، ضمنها العاصمة مقديشو، وذلك العام 2009.
برنامج العفو وإعادة التأهيل يهدف لدمج مقاتلي جماعة الشباب الذين يفرّون من قيادييها أو يغادرونها لأيّ سبب من الأسباب. ولكنَّ دمج المقاتلين السابقين، بحسب القائمين على البرنامج، لا يتم إلّا بعد عملية طويلة تتضمن حصصاً تعليميةً وتدريبات مهنية، إضافةً إلى جلسات دينية لكسر الفكر الراديكالي المتطرف الذي تزرعه جماعة الشباب في عقول الشباب.
الآلاف يخضعون لإعادة التأهيل
وتقول الحكومة الصومالية أنّ آلاف المقاتلين مرّوا في مراكزها، وتؤكّد الارقام أنَّ 800 مقاتل سابق في جماعة الشباب، خضعوا لإعادة التأهيل في مركز العاصمة مقديشو بين عامي 2009 و2017.
السلطات تقول إنَّ المقاتلين السابقين نجحوا في العودة الى الاندماج المجتمعي بعيداً من جماعة الشباب، والكثير منهم إمّا يكملون التعليم أو يعملون في مهن مختلفة، بحسبها. علماً أنَّه سُجّل في السياق بعض الأحداث الدامية، على سبيل المثال، حادثة عبد الرحمن محمد عبدولي الشهيرة في الصومال، فهو انضم العام 2013 إلى مركزٍ لإعادة التاهيل في مدينة كيسمايو، ليُنفذ عملية اغتيال بحقِ مسؤول رسمي ويعود لجماعة الشباب. وبعد 3 سنوات، العام 2016، عاد اسمه الى الواجهة حيث نفذ عملية انتحارية في فندق وسط العاصمة مقديشو، راح ضحيته 28 شخصاً.
اليوم، تعود مراكز إعادة تأهيل مقاتلي الشباب الى الواجهة من جديد، مع احراز القوات الرسمية تقدّماً في استعادة مناطق كانت بعهدة الجماعة لسنوات عديدة. ولكن يبقى السؤال حول تلك المراكز وفاعليتها وقدرتها على وقف ما يتخطى المشهد المسلح لعناصر الشباب، إلى معالجة الفكر الارهابي وانتزاعه من عقول المدنيين.
عزمٌ للقضاء على الشباب: مواجهات دامية
بالتوازي مع ذلك البرنامج الذي تنشئه الحكومة، يواصل الجيش الصومالي استهداف جماعة الشباب، ويتمكن من تحريرِ أراضٍ واقعة تحت سيطرتها. وفي عملياتٍ نوعية منفصلة وسَط الصومال وجنوبَه، قتلت القوات الصومالية بالتعاون مع السكان، في 11 نوفمبر 2022، نحو 100 عنصر من جماعة الشباب، التي تقوم بهجمات مضادة للتغطية على تراجعها ووضعها الداخلي المهترىء، فتنفّذ عمليات متقطعة لتخويف الصوماليين وجعلهم يتراجعون عن دعم الجيش والحكومة. وفي ذلك الاطار، وفي اليوم نفسه، استهدفت الجماعة قاعدة عسكرية حكومية في ولاية جوبا جنوباً. كما شنت هجمات على قواعد عسكرية في 4 ولايات أخرى جنوب الصومال، أسفرت عن قتلى وجرحى العشرات، وكذلك قتلت 31 جندياً من القوات الصومالية، في هجوم على منطقة بردار وسط الصومال.
في سياق التطورات الميدانية، يمكن القول إنّ كلّ تلك الهجمات الدموية التي تنفذها جماعة الشباب، خير دليل على إفلاسها ومعاناتها الكبيرة لاسيّما في ظل وجود إرادة مجتمعية كبيرة لدعم القوات الرسمية والقضاء على الجماعة بكلّ الأطر اللازمة، إنْ عبر المواجهات الميدانية، أو عبر محاربتها فكرياً من خلال ما بات يعرف بمراكز عفو وتأهيل المنشقين التي تهدف لتحرير عناصر الشباب السابقين من الفكر المتطرف.