سراج الدين حقاني.. تاريخ من العنف والدم
يعد سراج الدين حقاني من أكثر قادة حركة طالبان نفوذاً وقوةً وإثارةً للجدل، فهو يقود الجناح الذي اشتُهر بكونه الأكثر تشدداً ودمويةً داخل الحركة المسلحة المتهمة أصلا بالتشدد، كما أنه أحد ثلاثة نواب للمرشد الأعلى للحركة، هبة الله آخوند زاده، مما يؤهله ليكون مرشحاً لخلافته مستقبلاً، وهو اليوم يُنظر إليه باعتباره القائد الفعلي للتنظيم والمتحكم في مفاصله، والقابض على مكامن القوة في هيكل السلطة الأفغانية، ورأس دولتها العميقة.
تحفل مسيرة سراج الدين بالتناقضات والمغامرات الخطرة فقد ارتبط اسمه بأحداث مروعة تفوح منها رائحة الدماء وأُدرج على لوائح الإرهاب والجزاءات الدولية، ولاحقته الطائرات الأمريكية المُسيرة في مناطق القبائل دون أن تظفر به، وحالياً يقبع في قمرة قيادة الحركة الحاكمة في أفغانستان، ويعد المسؤول الأول عن الجهاز الأمني في البلاد.
وقد أصبحت أفغانستان ذات أهمية كبيرة في مستقبل القاعدة بعد مقتل زعيمها، أيمن الظواهري، مما أدى إلى فراغ في القيادة بسبب العجز عن اختيار قائد جديد بعد ما يقرب من 5 أشهر من مقتل زعيم التنظيم في كابول، وفي ظل هذه الأزمة أصبحت الأراضي الأفغانية مرشحة لتكون مقراً لسيف العدل، الخليفة المحتمل للظواهري، الذي يقيم في طهران.
وفي حالة سعي سيف العدل، المصاب بـ متلازمة طهران، لحل معضلة وجوده في إيران بالانتقال إلى الأراضي الأفغانية، لا تبدو طالبان على استعداد للمخاطرة باستضافته، وهنا تكمن خطورة دور حقاني الذي تجمعه وأسرته صلات قديمة بقادة القاعدة، وما لهذا الأمر من تداعيات على مستقبل أفغانستان.
في هذا التقرير نروي لكم قصة سراج الدين حقاني الرجل على يرأس الأجهزة الأمنية في الدولة الأفغانية، بينما لا يزال اسمه مدرجاً كأحد أخطر الإرهابيين المطلوبين في العالم.
المسيرة الدامية
وُلد سراج الدين لأحد قادة الفصائل الأفغانية المحاربة خلال فترة الغزو السوفيتي لأفغانستان، وهو جلال الدين حقاني، ومع انسحاب السوفيت وسقوط العاصمة كابول في أيدي أحزاب المجاهدين في 1992، دخلت البلاد في حرب أهلية خرجت من رحمها حركة طالبان عام 1994 وحاولت توحيد البلاد بالقوة، وانضم إليها جلال الدين بقواته عام 1995، وفي العام التالي استولت الحركة على العاصمة وسيطرت على معظم أراضي الدولة حتى الغزو الأمريكي عام 2001.
بعد سقوط حكم طالبان فر جلال الدين برجاله إلى معقله بمنطقة ميرانشاه في مناطق القبائل الباكستانية ومن هناك استطاع إعادة ترتيب أوضاعه ولملمة قواته وشن حرب عصابات غاية في القسوة والعنف ليس ضد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة فحسب، بل اعتبر الجهات الحكومية المحلية المتعاونة معها أهدافاً مشروعة أمام هجماته المميتة، ونشرت شبكة حقاني الرعب والفزع في الأماكن التي وصلت إليها هجماتها موقعة أعداداً متزايدة من القتلى والجرحى.
وبسبب الأمراض التي ألمت بجلال الدين تولى نجله سراج الدين قيادة الشبكة بدلاً منه واستكمل مسيرة القتال انطلاقاً من داخل معاقل الشبكة في مناطق القبائل النائية في شمال غرب باكستان، وكذلك جبال الشرق الأفغاني الوعرة، وعُرفت المجموعة بالهجمات الانتحارية والعربات المفخخة على غرار تنظيم القاعدة، واشتُهرت بأنها أكثر الجماعات المسلحة وحشية وإثارة للرعب داخل أفغانستان، وحملت العديد من العمليات الهجومية المعقدة بصماتها المتمثلة في دقة اختيار الأهداف والتوقيتات والأماكن غير المتوقعة، ومحاولات الاغتيال لكبار المسؤولين، واختطاف الرعايا الأجانب، وأُدرج سراج الدين حقاني في 13 أيلول/سبتمبر 2007 على قوائم عقوبات مجلس الأمن الدولي.
وكررت الشبكة أكثر من مرّة نموذج الهجمات المنسقة المتزامنة كما حدث خلال الهجوم على مبان حكومية مهمة في كابل في يناير/ كانون الثاني 2010، أو الهجمات التي استمرت 19 ساعة متواصلة سبتمبر/ أيلول 2011 على السفارة الأمريكية والقوة الدولية في أفغانستان، وكذلك هجمات 15 أبريل/ نيسان 2012 في أربع مدن منها كابول، التي استمرت لمدة 18 ساعة.
1) The Taliban has circulated a video showing top Haqqani leaders, including Sirajuddin & Badruddin Haqqani, Qari Zakir, Mullah Sangeen Zadran, and Ghani Muhammad sending off the suicide assault team that attacked Forward Operating Base Fenty at Jalalabad Airport in 2010. pic.twitter.com/N2Z5IpJATa
— Bill Roggio (@billroggio) August 22, 2022
فيديو يُظهر سراج الدين حقاني وكبار قادة الشبكة، قبل إرسال فريق الهجوم الانتحاري الذي هاجم قاعدة عسكرية في مطار جلال أباد عام 2010
وقد اعترف سراج الدين نفسه خلال مقابلة مع إحدى الهيئات الإخبارية الأمريكية، بضلوعه في بعض العمليات كالتخطيط للهجوم على فندق سيرينا في كابول في الرابع عشر من يناير/كانون الثاني 2008، واعترف كذلك بالتخطيط لمحاولة اغتيال الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، في أبريل/نيسان من نفس العام.
ونفذت الشبكة في شهر يونيو/حزيران من عام 2012، هجمة انتحارية ضد قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة خوست، موقعة جنديين أمريكيين قتلى فضلاً عن إصابة أكثر من مائة، وبسبب هذه العمليات صنَّفت وزارة الخارجية الأمريكية شبكة حقاني كياناً إرهابياً عالمياً، في شهر سبتمبر/أيلول 2012، وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، أُدرج اسم الشبكة في قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بتهمة الانخراط في أنشطة إرهابية والانتماء إلى حركة طالبان وتهديد الأمن والاستقرار في أفغانستان.
وعلى مدار سنوات نجا سراج الدين من جميع الغارات الأمريكية بالطائرات المُسيرة التي حاولت استهدافه في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وشنت القوات الأفغانية الحكومية المدعومة من التحالف الدولي حملات لملاحقة عناصر الشبكة ومحاصرة نشاطها أسفرت عن بعض النجاحات مثلما حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2013 حين تم اعتراض شاحنة تابعة للشبكة في شرق أفغانستان تحمل ما يقارب 28 طناً من المواد المتفجرة، وفقاً للمركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب.
وذاع صيت شبكة حقاني في خطف مسؤولين ورعايا أجانب لإجراء صفقات تبادل سجناء، مثل صفقة إطلاق سراح الجندي الأمريكي، بو روبرت برغدال، في 2014 مقابل تحرير خمسة معتقلين أفغان من سجن غوانتانامو، وفي أغسطس/ آب من نفس العام عرضت الإدارة الأمريكية جائزة مالية قيمتها 30 مليون دولار مقابل الإدلاء عن معلومات تخص الشبكة.
كما رصد الأمريكيون أيضاً مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات تقود إلى اعتقال زعيم الشبكة، سراج الدين حقاني، وهو ما لم يحدث أبداً بل تم تعيينه نائباً لزعيم طالبان في يوليو/تموز 2015، ولم تؤد وفاة والده جلال الدين عام 2018 إلى أي تغيير جوهري لأنه ترك له إدارة أمور الشبكة قبل موته بوقت طويل.
ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن حقاني حرص على التبرؤ أحياناً من نسبة بعض الهجمات إليه؛ فعندما وُجهت أصابع الاتهام إليه بالمسؤولية عن تفجير بشاحنة مفخخة هز العاصمة وخلّف 150 قتيلا في مايو/أيار 2017 وأثار انتقادات واسعة، أصدر تسجيلا صوتياً نادراً نفى فيه تورطه في الهجوم.
ومع انخراط الحركة في مفاوضات سلام مع واشنطن لجأ حقاني إلى تبرير أفعاله أمام العالم؛ ففي مقال له بصحيفة نيويورك تايمز عام 2020 بعنوان “ماذا نريد، نحن طالبان” قبيل إبرام اتفاق السلام، قال “تُزهق أرواح ثمينة من الأفغان كل يوم، لقد فقد الجميع شخصًا يحبه، الكل سئم الحرب، أنا مقتنع بأن القتل والتشويه يجب أن يتوقف، لم نختر حربنا مع التحالف الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة، اضطررنا للدفاع عن أنفسنا.. وإنَّ تمسكنا بهذه المحادثات المضطربة مع العدو الذي حاربناه بمرارة على مدى عقدين من الزمن، حتى مع هطول أمطار الموت من السماء، يشهد على التزامنا بإنهاء الأعمال العدائية وإحلال السلام في بلدنا”.
وفي مقابلة مع قناة “سي أن أن” الأمريكية، أجرتها معه المذيعة الشهيرة كريستيان أمانبور قالت له إن المسؤولين الغربيين يرونه إرهابياً يديه ملطخة بالدماء، ومع ذلك يؤيدون العمل معه، فرد مبرراً العنف المفرط الذي اشتهر به قائلاً: لقد قاتلونا بمنتهى الشدة وكذلك كان يجب أن يكون رد فعلنا.
كما حاول أنس شقيق سراج الدين التبرؤ مؤخراً من مسؤولية كثير من الهجمات المميتة عبر القول إن خريجي المدرسة الدينية الحقانية في باكستان يستخدمون هذا اللقب بصفتهم الدراسية لا العائلية، دون علم آل حقاني، وبالتالي تُنسب هجماتهم إلى هذه العائلة دون علمها بها.
وبغض النظر عن وقوع هذا من عدمه فإنه لا يصلح لنفي مسؤولية الشبكة عن هجمات مفرطة في العنف اعترف قادة الشبكة أنفسهم بارتكابها، كما أن نفوذهم الطاغي وتورطهم في عمليات اختطاف الرهائن لا يمكن إنكارها بدليل عملية الإفراج عن أنس نفسه، حين اعتُقل عام 2014، في العشرين من عمره، وحوكم في كابول وحكم عليه بالإعدام، لكن شقيقه سراج الدين استطاع تخليصه بصفقة تبادل أسرى مع الحكومة، مقابل الإفراج عن محاضرَين اثنين في الجامعة الأمريكية في كابول عام 2019، هما الأمريكي كيفن كينغ والأسترالي تيموثي ويكس.
في السلطة
بعد سيطرة حركة طالبان على كابول في منتصف أغسطس/ آب 2021، تم تعيين حقاني قائماً بأعمال وزير الداخلية، فبعد تأجيل لأكثر من مرة، أعلنت حركة طالبان 7 سبتمبر/ أيلول 2021 ما وصفته بحكومتها المؤقتة، متجاهلة وجود اسم حقاني وغيره على لوائح الإرهاب، في خطوة فُسرت بأنها محاولة لوضع الولايات المتحدة والعالم من ورائها أمام الأمر الواقع، والضغط عليها لشطب قادة الحركة من هذه اللوائح، نظراً لاضطرارهم للتعامل مع هؤلاء القادة الممثلين للبلاد.
لكن واشنطن قابلت العناد بعناد؛ ففي اليوم التالي لتشكيل الحكومة الأفغانية أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، رفع المكافأة المخصصة لكل من يقدم معلومات تساعد في القبض على سراج الدين حقاني، إلى 10 ملايين دولار، وضغطت على دول العالم لعدم الاعتراف بهذه الحكومة ممثلاً شرعياً لأفغانستان.
وظل حقاني يعيش في الظل وهو في الوزارة، فلا يُجري لقاءات معلنة ولا يظهر أمام الناس، ولا تُعرف له صورة إلا الصورة القديمة المتداولة المأخوذة من موقع تابع للخارجية الأمريكية يعرض مكافأة على رأسه، حتى أنه لما أجرى لقاء مع قناة الجزيرة القطرية تم تشويش وجهه كي لا تظهر ملامحه على الشاشة!
إلى أن قرر الظهور على الملأ لأول مرة في مارس/ آذار 2022، في حفل تخرج ضباط الشرطة في كابول، الذي حضره سفراء أجانب ووفد من الأمم المتحدة، ثم توالت اللقاءات والمقابلات المغطاة إعلامياً، وأجرى عدة لقاءات تليفزيونية كان أبرزها لقاؤه مع القناة الإخبارية الهندية “نيوز 18” بدا فيه منفتحاً على التعاون مع نيودلهي مشيرا إلى حاجة طالبان إلى الهند اقتصادياً وتقنياً، ووجودها في المنطقة، وحتى ترحيبه بالتعاون الرياضي بين البلدين في لعبة الكريكت المنتشرة في تلك الدول، وذلك في إشارة تحذير إلى باكستان، العدو اللدود للهند، مفاده أن الطالبان قادرون على اتخاذ قرارات براجماتية ولن يكونوا رهن إشارة إسلام أباد.
واللافت أن هذه المقابلة تمت في نفس يوم مقتل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، في كابول، حيث تظاهر قادة طالبان بعدم وقوع الاغتيال من الأساس تفادياً للحرج الذي يسببه هذا الاعتراف، خاصةً لحقاني الذي يعد أقرب زعماء الحركة إلى تنظيم القاعدة.
وعقب الاغتيال جرت اتصالات بين شبكة حقاني والولايات المتحدة أسفرت عن التوصل إلى صفقة تبادل محتجزين، تم بموجبها إطلاق سراح الضابط السابق في البحرية الأمريكية، مارك فريريتش، في 19 سبتمبر/أيلول، بعد أن ظل لدى الشبكة منذ يناير/كانون الثاني 2020، مقابل تحرير زعيم قبلي أفغاني ومموّل لحركة طالبان منذ التسعينات، اسمه الحاج بشار نورزاي كان يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة لدى الولايات المتحدة منذ عام 2005، وكان يُتهم بأنه من أكبر تجار المخدرات في العالم، والمسؤول عن معظم صادرات المخدرات الأفغانية.
صديق القاعدة
يُعرف عن سراج الدين حقاني قربه من تنظيم القاعدة، استكمالاً لمسيرة والده الذي جمعته، في عهد الجهاد ضد السوفيت، اتصالات بقادة التنظيم قبل تأسيسه وقبل نشوء طالبان أيضاً، مما أدى لإدراج اسمه على لائحة عقوبات مجلس الأمن الدولي في 31 يناير/كانون الثاني 2001.
وإلى اليوم ما تزال أسماء عدد من رموز شبكة حقاني على لوائح الإرهاب بسبب العلاقة بالقاعدة مثل عبد العزيز حقاني، الشقيق الأصغر لسراج الدين، وكذلك صهره ومساعده، يحيى حقاني، وكلاهما ترصد الحكومة الأمريكية 5 ملايين دولار أمريكي مقابل الإدلاء بمعلومات عنه.
وقد كانت تلك العلاقة الخطرة على وجه الخصوص سبباً في الغزو الأمريكي لأفغانستان؛ فالملا عبد السلام ضعيف، سفير أفغانستان في باكستان خلال فترة الغزو، يذكر في مذكراته أن الولايات المتحدة الأمريكية كان لها مطلب وحيد من طالبان قبيل الغزو، وهو تسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، لضلوعه في هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001، لكن الحركة رفضت تسليمه وأصرت على إيوائه مهما كانت العواقب، مما كلفها سقوط حكمها وبقاء القوات الأجنبية في أفغانستان عشرين عاماً ظل القتال محتدماً فيها حتى آخر يوم.
ومما لا شك فيه أن الأفغان اليوم لا يحبذون إعادة نفس التجربة من جديد، خاصةً وأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان مشروطاً بالتزام طالبان بالتخلي عن دعم الإرهاب، لكن مقتل زعيم القاعدة، أيمن الظواهري في العاصمة الأفغانية أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، بغارة أمريكية بطائرة مسيّرة، شكك في هذا الالتزام الطالباني.
وأعادت الحادثة تسليط الأضواء على علاقة حقاني بالقاعدة لأن الظواهري اغتيل في منزل يُنسب لأحد المقربين من وزير الداخلية الأفغاني، يقع في الحي الدبلوماسي بكابول، واتهمت الولايات المتحدة شبكة حقاني بانتهاك اتفاقية السلام، مما أضاف بنداً إضافياً في سجل الاتهامات الأمريكي ضد حقاني وشبكته؛ فحينما سُئل جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض في شؤون الأمن القومي، عما إذا كانت طالبان تعلم بوجود الظواهري في كابول، رد قائلاً “أعضاء كبار في شبكة حقاني كانوا على علم”.
وعقب اغتيال الظواهري تحدثت تقارير عن اختفاء سراج الدين، الذي لم يغادر اسمه لوائح الإرهاب الأمريكية، في مطلع أغسطس/ آب، ووصوله مع مساعديه إلى مكان سري آمن جنوب غرب أفغانستان بعيداً عن كابول، بعد تزايد احتمالات وضعه على قائمة الاستهداف الأمريكية بسبب علاقته بالقاعدة، وفقاً لما أكده المدير السابق لوكالة المخابرات الأفغانية، رحمة الله نبيل.
وقد صرح المتحدث باسم البيت الأبيض في شؤون الأمن القومي، قائلاً “إذا كان لدينا دليل موثوق به على أن إرهابياً يعمل في أفغانستان أو أي مكان آخر ، فإن الرئيس سيتخذ إجراءات للدفاع عن هذا البلد والشعب الأمريكي”، لكن عندما سُئل عما إذا كان قادة شبكة حقاني قد يعتبرون أهدافًا لضربات مكافحة الإرهاب الأمريكية، رفض متحدث البيت الأبيض، الإجابة على هذا السؤال.
دولة حقاني
تعد شبكة حقاني من أقوى الأجنحة داخل طالبان، فسراج الدين يتولى منصبيّ وزير الداخلية، ونائب زعيم الحركة، كما تضمنت التشكيلة الوزارية لحكومة طالبان 3 حقائب أخرى لشبكة حقاني، فعبد الباقي حقاني، هو وزير التعليم العالي، ونجيب الله حقاني، وزير الاتصالات والتكنولوجيا، وخليل الرحمن حقاني، عم سراج الدين، وزير المهاجرين، وهو مدرج على لوائح الإرهاب منذ عام 2008، لاتهامه بدعم تنظيم القاعدة بالمقاتلين والأسلحة والموارد المالية، لذلك أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، عقب إعلان هذه الحكومة، أن بعض انتماءات وسجلات هؤلاء المسؤولين “مقلقة”.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عينت الحكومة الأفغانية محمد نبي عمري، الزعيم البارز في شبكة حقاني، والمعتقل السابق في غوانتانامو، نائباً أول لوزير الداخلية، كما يشغل قادة بارزون في الشبكة مناصب حساسة ومهمة، كالملا تاج مير جواد، النائب الأول للاستخبارات، وحاج مالي خان، والي إقليم لوغار.
كما أن شقيق سراج الدين الأصغر، أنس حقاني، وهو غير مطلوب دولياً، عضو بلجنة العفو العام التي شكلتها الحركة لكن نفوذه أكبر بكثير من مشاركته بهذه اللجنة رغم أهميتها.
ومع استيلاء حركة طالبان على السلطة، صعد نجم شبكة حقاني بعد أن خفت ذكرها بعض الشيء حينما كان أعضاء المكتب السياسي للحركة في قطر يتصدرون المشهد أمام كاميرات وسائل الإعلام العالمية، ويفاوضون الأمريكيين.
وقد انتشرت أنباء عن وقوع نزاعات في سبتمبر/ أيلول 2021، بين شبكة حقاني والملا عبد الغني برادر، نائب رئيس الوزراء في حكومة طالبان، بسبب الصراع على المناصب، لكن سراج الدين نفى ذلك تماماً وصرح قائلا “كل القادة يعيشون هنا مثل الإخوة”، واصفًا العلاقات بين قادة الحركة بأنها “مترابطة كالصمغ وأقوى من الحديد”، ونشر الملا برادار، مقطعًا صوتيًا يكذب فيه هذه المزاعم التي وصلت للقول بأنه أصيب أو قُتل في صدام داخل القصر الرئاسي.
وتجدر الإشارة إلى أنه برغم نفي طالبان والحقانيون وجود كيان داخل الحركة يسمى بـ”شبكة حقاني”، وأنه لا يوجد تكتل داخل الحركة بهذا الشكل، إلا أنه من المعروف أن مقاتلي حقاني معروفون باستقلاليتهم منذ البداية؛ فرغم انضمام جلال الدين إلى حركة طالبان منذ عام 1995، إلا أنه ظل محتفظاً بالفصيل التابع له، وحافظ على معاقله في المناطق الحدودية الوعرة بين أفغانستان وباكستان، وظل الأمر كذلك في عهد نجله، إذ استمر في قيادة نفس الفصيل الذي يدين له بالولاء مع بقائه ضمن إطار طالبان.
واشتهر الحقانيون بمهاراتهم القتالية العالية وقدرتهم على المناورة، ولا تستطيع طالبان الاستغناء عن خدمات الشبكة خلال المرحلة الحالية ولا تريد ذلك أصلا فهي جزء لا يتجزأ منها رغم خصوصيتها، ويشكل عجز طالبان عن التملص من نفوذ الشبكة عائقاً أمام نزوع الحركة إلى توجه أقل تشدداً.
فحقاني يملك مفاتيح الاستقرار ليس في أفغانستان فحسب بل في باكستان أيضاً؛ فهو يمتلك روابط وثيقة مع حركة “طالبان باكستان”، وأشرف على المفاوضات بينها وبين الحكومة الباكستانية، لتمتعه بالثقة من الطرفين.
واليوم يلتقي الرجل بانتظام بالسفراء الأجانب والدبلوماسيين الأمميين ويتحدث علناً، رغم استمرار اعتباره أكثر المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في أفغانستان، وما زالت واشنطن تعرض مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يكشف عن مكان وجوده!
ولعل أكبر التحديات بالنسبة لسراج الدين حقاني اليوم، وكذلك لحركة طالبان ولأفغانستان كلها، هي العلاقة مع القاعدة التي باتت أكثر وضوحاً بعد اغتيال الظواهري في كابول، وبالتالي يبدو حقاني أمام استحقاق مصيري عليه أن يختار فيه إما الاستمرار على نفس الخط وتحمل نتيجته أيا تكن العواقب، وإما تعديل المسار على ضوء وجوده في السلطة وتحمله مسؤولية أرواح ملايين الأفغان.
وفي ظل خضوع تنظيم القاعدة لإيران التي تستضيف سيف العدل وصهره مصطفى حامد عراب الترويج لمتلازمة طهران بين الحركات والتنظيمات الجهادية، فإن استمرار العلاقة مع هذا التنظيم المخترق يسهم في منح إيران نفوذاً وقدرة على تفجير الأوضاع متى شاءت لدى جارتها الشرقية، وتوريط شبكة حقاني في كارثة لا قِبل لها بها، مما يعني أن الاستمرار في هذا العلاقة الخطرة قد يعني القضاء على الدولة الطالبانية الثانية وتعريض أفغانستان مرة أخرى لزلزال قد لا يقل خطورة عن زلزال 2001 أو أشد قسوة.