آلاف من عائلات داعش في مخيم الهول
- التنظيم ينظر إلى المخيم على أنه أحد المعاقل غير الرسمية
- يضم مخيم الهول نحو 56 الف شخص، من 51 جنسية حول العالم
قبل أيام، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا ستهاجم المسلحين الأكراد برا في وقت قريب، وذلك بعد تصاعد العمليات الانتقامية بطول الحدود السورية مع تركيا.
وجاءت تصريحات أردوغان مع استمرار المدفعية التركية في قصف القواعد الكردية في مدينتي تل رفعت وكوباني السوريتين. هذا فيما قالت قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية إن خمسة عشر مدنيا ومسلحا قتلوا في ضربات تركية في الأيام الأخيرة.
إيلسا.. قصة أرملة من داعش
في أواخر سبتمبر 2014 تلقت “إيلسا”، اسم مستعار بناء على طلب الضيفة، اتصالا عبر الإنترنت من زوجها الذي كان مختفٍ منذ 8 أشهر بعد سفره إلى تركيا، يخبرها أنه في سوريا يقاتل في صفوف تنظيم داعش هناك.
تسترجع إيلسا لحظة من الماضي وتسرد حكايتها بدءًا من مغادرتها للعاصمة مدريد نحو المغرب “كنت مهووسة باللغة العربية والثقافة الإسلامية، لهذا قررت زيارة المغرب في صيف 2012، وعند عودتي إلى إسبانيا، التقيت بـ “ياسر”، وهو شاب مغربي تعرفت عليه في المطار، استمر اتصالنا ببعض أكثر من مرة في مدريد، وبعد أشهر قليلة تزوجنا بعد أن أقنعني بالإسلام”.
تقول إيلسا إن زوجها كان ذو نظرة علمانية، حتى إنه لم يلزمها بالحجاب في بادئ الأمر، ولكنه بعد 5 أشهر من زواجهما أخبرها بأنه وجد فرصة للعمل في تركيا حيث يعمل في المجال التقني والأمن السيبراني، وأخبرها أنه سيسافر بمفرده وسيرتب أمر انتقالها إلى تركيا فور وصوله إلى هناك، لكنه اختفى وانقطع الاتصال به لمدة 8 أشهر، حتى تلقت اتصالا منه يخبرها بأن تأتي إليه.
تقطن اليوم إيلسا مع طفليها عديمي الجنسية في مخيم “الهول” الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شمال سوريا، ويضم أكثر من 60 الف نازح، معظمهم من عائلات مقاتلي تنظيم داعش، يعيشون في ظروف إنسانية سيئة بحسب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومنظمات دولية.
تضيف إيلسا لـ”أخبار الآن”: “فور وصولي إلى تركيا أستقبلني شخص برفقته امرأة منقبة، والتي بدورها ألزمتني على لبس النقاب، وأخذت منى هاتفي وجواز السفر وكل متعلقاتي الشخصية، بعد يوم فقط أخذوني بالسيارة رفقة 4 نساء أخريات نحو الحدود السورية، وبعد وصولنا محافظة الرقة بسوريا تم احتجازنا لأيام في منزل قديم أشبه بمعتقل”، وتقول أنها لم ترَ زوجها إلا 3 مرات قبل أن يُقتل في قصف إحدى منازل قيادة التنظيم في الرقة.
وتروي إيلسا: “في مارس 2015 عرفت أنى حامل لكن لم أفرح كبقية النساء بهذا الخبر، فقد جاء خبر مقتل زوجي في الليلة ذاتها، وبعد مرور أسبوعين عشتها في حالة نفسية سيئة، تم نقلي ضمن مجموعة كبيرة من أرامل داعش إلى مكان آخر لا أعرفه، وتم إجباري على الزواج من شخص آخر لم يتسنَ لي معرفته جيدًا، لأنني لم أره إلا مرات قليلة قبل أن يقتل هو الآخر”.
أرغمت إيلسا على الزواج 3 مرات بنفس العام، قبل أن تضع طفلها الأول الذي كان رفيقها طوال 7 سنوات، قبل أن يأتي طفلها الآخر التي لا تعرف من هو والده، حيث تقول إنه تم إجبارها على الزواج 8 مرات خلال 3 سنوات فقط، “فالمهم لدى التنظيم هو إنجاب المزيد من الأطفال ليكونوا وقودًا للمعارك”، حد قولها.
بؤرة خطرة
يعد مخيم الهول أشهر وأخطر مخيمات النازحين في سوريا، لأنه يضم, إلى جانب النازحين السوريين، العديد من مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم من النساء والأطفال الذين تم أسرهم. يتميز مخيم الهول عن مخيمات النازحين الأخرى الواقعة في شمال شرق سوريا أن سكانه أكثر ارتباطًا بتنظيم “داعش” وأكثر تطرفًا من أولئك المحتجزين في المخيمات الأخرى.
منذ بداية عام 2019، تم تقسيم مخيم الهول إلى قسمين؛ القسم الأول خاص بالسوريين والعراقيين، ويمثل القسم الأكبر في المخيم، والقسم الثاني خاص بالأجانب. ويُسمح للمحتجزين في القسم الأول بمزيد من حرية الحركة داخل المخيم دون إمكانية مغادرته. كما يسمح لهم بالتواصل مع العالم الخارجي عبر استخدام الهاتف المحمول.
بحسب إحصائيات حصرية حصلت عليها “أخبار الآن” عن أعداد النازحين الأجانب الأوروبيين المتواجدين حاليًا في مخيم “الهول” شمال شرق سوريا، بحصيلة تزيد عن 920 نزيل من جنسيات أوروبية، إضافة إلى نزلاء من كلٍ من تركيا وروسيا وبريطانيا وكندا.
يقول على بكر – الباحث في شؤون الحركات المتطرفة “إننا بصدد أزمة كبيرة ستواجه المنطقة والعالم في المستقبل، بالنظر إلى لمستقبل المجهول الذي يواجه عديمي الجنسية، في ظل تخلي دولهم عنهم؛ لأن ذلك يعني وجود مجموعات من الشباب في المستقبل ناقمين على العالم أجمع، وهو ما قد يدفعهم إلى ممارسة أقصى أنواع العنف والإرهاب بلا هوادة”.
وطبقًا لتقرير المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، السيد عمران رضا، الصادر في يونيو 2022، يضم مخيم الهول نحو 56 الف شخص، من 51 جنسية حول العالم، يمثل العراقيون منهم الجزء الأكبر بواقع 28 الف شخص، كما أن 50% من نزلاء المخيم من الأطفال دون سن 12 عامًا، كما أشار تقرير سابق لمجلس الأمن صدر في 21 يناير 2021 إلى أن المخيم يضم ما يقرب من (11000) من مقاتلي داعش الذكور المحتجزين فيه، منهم (1700) مقاتل أجنبي، و(1600) عراقي، و(5000) سوري وحوالي (2500) مجهولي الجنسية.
إيثار السلامة على مخاطرة العودة
رغم أن العراق قامت بعمل حملات إعادة لمواطنين عراقيين من مخيمي الهول والروج، لا يزال معظم المواطنين العراقيين في المخيمات يرفضون العودة إلى بغداد، خوفًا من محاكمتهم أو اعتقالهم. “مراد” أحد هؤلاء؛ يخشى أن يتم اعتقاله في حال عودته إلى العراق، ويفضل البقاء في مخيم الهول، حيث أنه يشعر بشيء من الحرية حسب قوله.
الأمر ذاته يؤكده خالد إبراهيم، مسؤول العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، بالقول إن “معظم سكان المخيم من العراقيين والسوريين لا يريدون العودة إلى العراق وسوريا خوفا من محاكمتهم بتهمة الانضمام إلى داعش؛ نحن في الإدارة الذاتية لا نمارس أي ضغط على أي نازح من الموجودين في المخيمات، ولا نجبر أحدًا على العودة إلى بلدانهم، خصوصًا النساء والأطفال، كونهم ضحايا حرب لا دخل لهم، ونعتبر هذه مسالة أخلاقية وإنسانية بحتة”.
يضيف: “هناك بعض الدول تطلب رعاياها وتبعث لنا بأسماء محددة، وتأتي فرق طبية وتقنية من هذه الدول، للقيام بفحص هؤلاء الأشخاص، للتأكد من هوياتهم بعدة طرق، من بينها فحوصات DNA، وبصمات الأصابع، وذلك لأن معظم المتواجدين في المخيمات مجهولو الهوية، ونحن لا نستطيع الجزم بهوية الأشخاص وتحديد جنسياتهم، لأننا لا نمتلك الوثائق التي تثبت هوياتهم”.
شيخموس أحمد – رئيس مكتب شؤون المنظمات واللاجئين والنازحين بالإدارة الذاتية، يقول إن العدد المتزايد للنازحين في المخيمات، يشكل عبئا كبيرًا على الإدارة الذاتية، من الناحية الاقتصادية والأمنية، مشيرًا إلى أنه منذ مطلع الحالي حدثت أكثر من 40 عملية قتل داخل مخيم الهول، مُعللا ذلك بكون هؤلاء الأشخاص “هم بقايا تنظيم داعش ولا زالوا معبئين بالأفكار الراديكالية المتطرفة”، حد وصفه.
يفيد أحمد أيضًا، أنه خلال العامين الأخيرين تم إعادة أكثر من 2098 شخص من مخيم الهول إلى بلدانهم من بينهم 1000 طفل و500 امرأة، مشيرًا إلى عدة أسباب تحول دون إلزام الدول بإعادة مواطنيها، من أبرزها عدم وجود وثائق إثبات الهوية لدى معظم سكان المخيم، إلى جانب وجود نساء أرغمن من قبل التنظيم على الزواج بعدة أشخاص، ولديهن أطفال من أشخاص مختلفين، الأمر الذي يعقد تنيف الأطفال ومعرفة جنسياتهم.
محاولة الاستحواذ على المخيم
منذ سقوط آخر معاقل تنظيم داعش في الشمال السوري عام 2019، ونقل من تبقى من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم إلى مخيم الهول، والتنظيم ينظر إلى المخيم على أنه أحد المعاقل غير الرسمية، حيث يسعى للسيطرة عليه، وتحويله إلى مكان أمن يمكن لعناصر التنظيم اللجوء إليه في وقت الأزمات، لذلك عمل على زرع خلايا من الرجال والنساء في المخيمات، مهمتها التعاون والتنسيق مع فلول التنظيم من خارج المخيم، ومجموعات أخرى دورها القيام بتهريب اللاجئين من المخيم نحو الأراضي التركية، مقابل أموال يستخدمها التنظيم للإنفاق على أنشطته وعناصره داخل المخيم.
ويتهم خالد إبراهيم السلطات التركية بالتعاون مع عناصر من تنظيم داعش داخل مخيم الهول والروج، حيث يقول إن لهم “اتصال وثيق بالسلطات التركية التي تساعدهم وتمدهم بالأسلحة، وتساعدهم بخطف وتهريب نازحين من سكان المخيم إلى تركيا”.
وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت مبادرة عالمية معنية بمعالجة أوضاع الآلاف من مواطني الدول الثالثة المحتجزين في مخيمات بالعراق وسوريا، وإعادتهم إلى بلدانهم وتأهيلهم ودمجهم في مجتمعاتهم، على هامش الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ذكر الأمين العام أنطونيو غوتيريش في رسالة مصورة، أن آلاف النازحين في المخيمات العراقية والسورية أمضوا أكثر من خمس سنوات في ظروف قاسية تفتقر إلى الخدمات الأساسية، محذّرا من تبعات التساهل حيال هذه الأزمة، أو التراخي في احتوائها بشكل عاجل.
يشار إلى أن بعض الدول الأوروبية عملت على استعادة أفراد من مواطنيها، فيما الغالبية ترفض إعادة مواطنيها إلى بلدانهم، بل وصل الأمر إلى سحب جنسياتهم، حرمان أطفالهم الجنسية، وهو ما يعد مخالفًا للقانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
عبدالسلام.. قصة طفل في مخيم الهول
وفي السياق، تمكن مراسل “أخبار الآن” من اللقاء بأحد الأطفال في مخيم الهول، بعد محاولته الفرار، والذي كان على تواصل مع آخرين في منطقة إدلب.
قال الطفل تركستاني الأصل عبدالسلام: “سنتوجه إلى إدلب للحصول على التدريبات، وسأعود مجدداً”، ويعيش مع والدته في الداخل (قطاع المهاجرات). ولكنه الآن معتقل بسبب محاولته الهروب واعتقل في موقع ليس ببعيد عن سور المخيم.