على طريقة “القرشي”.. ألاعيب داعش لخداع أنصاره بشأن مصير “أبو الحسن الهاشمي”
- أطلق الإعلام الرديف (المناصر) لداعش حملة لتجديد البيعة لـ”أبو الحسن الهاشمي”
- المسؤولون عن إعلام تنظيم داعش ضحوا بأتباعهم من أجل كسب الزخم
في الـ15 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قُتل أبو الحسن الهاشمي (نور كريم مطني عساف الراوي)، خليفة داعش السابق في اشتباك مع مقاتلين سوريين محليين في مدينة جاسم بجنوب غربي سوريا، بينما ظلت المنصات الإعلامية الرسمية للتنظيم تحتفي به وتنشر بيعات عناصر التنظيم له بصورة تُوحي أنه لا زال على قيد الحياة، قبل أن يضطر التنظيم للاعتراف، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، بأن زعيمه قُتل، معلنًا اختيار بديل له أطلق عليه اسم “أبو الحسن الحسيني”.
وخلال الفترة من منتصف أكتوبر وحتى أواخر نوفمبر الماضي، نشر ديوان الإعلام المركزي لتنظيم داعش عشرات الرسائل الإعلامية بما في ذلك 6 أعداد من صحيفته الأسبوعية “النبأ” (من العدد 361: 366) بالإضافة إلى مقاطع مرئية تضمنت بعضها بيعات من عناصر التنظيم إلى خليفته المقتول، وقتها، كان أبرزها بيعة أبو عائشة العمري، منفذ هجوم شيراز في إيران، في 29 أكتوبر الماضي.
وظهر “أبو عائشة العمري” في مقطع مصور نشرته وكالة أعماق الذراع الإخبارية لتنظيم داعش برفقة قيادي داعشي آخر، وهو يؤدي يمين الولاء والبيعة لـ”أبو الحسن الهاشمي” قبل فترة وجيزة من تنفيذ “العمري” هجومًا على مرقد ديني شيعي (مرقد شاه جراغ) في مدينة شيراز، جنوب إيران.
وردد “العمري” خلف القيادي الداعشي الملثم نص البيعة قائلًا إنه يبايع الخليفة “أبو الحسن الهاشمي حفظه الله”، وهي الصيغة التي يستخدمها التنظيم في الدعاء لقادته الأحياء الطلقاء، وهو ما يعني أن عناصر داعش كانوا يعتقدون أن زعيمهم ما زال على قيد الحياة، حتى أواخر أكتوبر 2022، بينما كان المسؤولين عن إعلام التنظيم يعلمون أنه قُتل وهو ما سنبينه في السطور التالية.
وعلاوة على الرسائل الإعلامية المتتالية، أطلق الإعلام الرديف (المناصر) لداعش حملة لتجديد البيعة لـ”أبو الحسن الهاشمي”، فدعا حساب “صوت الزرقاوي” وهو أحد أبرز الناشطين في مناصرة داعش على مواقع التواصل الاجتماعي لـ”تجديد البيعة” الخاصة بأبي الحسن الهاشمي، معللًا تلك الدعوات بأنها إغاظة لأعداء التنظيم.
ودعم ديوان الإعلام المركزي لداعش هذه الحملة التي استمرت، حتى الـ25 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وشارك فيها نحو 2000 من عناصر وأنصار التنظيم، بيد أن القائمين على إعلام داعش لم يعلنوا، في خلالها، أي تفاصيل عن مصير زعيمه التنظيم.
ووفقًا لقناة/ حساب “فضح عباد البغدادي والهاشمي” الذي يديرها منشقون عن تنظيم داعش فإن ديوان الإعلام المركزي أخفى عن أتباع التنظيم نبأ مقتل أبو الحسن الهاشمي، طوال تلك الفترة، حتى لا ينفضح خداعها وتضليلها لهم.
وذكرت قناة “فضح عباد البغدادي والهاشمي” أن العديد من البيعات التي أرسلها مناصري داعش للقائمين على “إعلام التنظيم” جرى تسجيلها دون مراعاة الضوابط الأمنية الخاصة بالحفاظ على أمن وسلامة المناصرين والعناصر الذين سجلوها، إذ أُرسلت الصور والفيديوهات التي تتضمن هذه البيعات لمسؤولي داعش الإعلاميين من أرقام وحسابات أصحابها الشخصية دون استخدام تطبيقات لتغيير الموقع الإلكتروني أو الرقم، وهو ما أدى لانكشاف شبكات داعشية مناصرة بواسطة أجهزة الأمن والاستخبارات في الدول المختلفة، بعد نشر إعلام داعش لصور تلك البيعات.
ومن الواضح أن المسؤولين عن إعلام تنظيم داعش ضحوا بأتباعهم من أجل كسب الزخم ومحاولة الترويج لخليفة داعش المقتول أبو الحسن الهاشمي، رغم أن علم القائمين على ديوان الإعلام المركزي لداعش بمقتل خليفته أو زعيمه السابق أبو الحسن الهاشمي.
وتعطي مراجعة التقارير والمقالات المنشورة عبر صحيفة النبأ دليلًا إضافيًا على أن القائمين على ديوان الإعلام المركزي الداعشي كان لديهم معرفة بحقيقة ما حصل لزعيم التنظيم السابق أبو الحسن الهاشمي، ففي افتتاحية العدد 361 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2022، أي بعد أيام فقط من مقتل أبو الحسن الهاشمي، هاجمت الصحيفة الفصائل السورية المسلحة ووصفتها بـ”الفصائل والمليشيات المرتدة”، مؤكدة على أن داعش سيواصل قتاله ضدها.
وحملت هذه الافتتاحية رسالة وعيد ضمنية للفصائل السورية المسلحة بعدما نجح مقاتلون سابقون بها من مدينة جاسم بمحافظة درعا في قتل زعيم داعش وثلة من أبرز قيادته منهم الشرعي العام للتنظيم أبو أيهم الشامي (محمد فيصل) المعروف أيضًا بـ”أبو عبدو الحلقي”.
وفي العدد التالي من أسبوعية النبأ (362)، والصادر بعد أسبوع من العدد السابق، جددت الصحيفة هجومها على الفصائل السورية وقالت إن أكثر هذه المجموعات وأفرادها ضلوا طريقهم، فيما يمضي داعش في طريقه متبعًا نهج الجهادية العالمية.
وبتاريخ 3 نوفمبر 2022، نشر ديوان الإعلام المركزي عدد 363 من أسبوعية النبأ والذي تتضمن مقالات افتتاحيا عن هجوم شيراز في إيران، توعد فيه التنظيم بمواصلة الهجمات ضد الشيعة وقال إنه شن هجمات سابقة في قلب طهران وسيستمر في نهجه لأنه يخوض معركة واحدة على جبهات متعددة مع نظام الملالي على حد تعبيره.
غير أن اللافت للنظر في هذه الافتتاحية التي أتت بعد نحو أسبوع من هجوم شيراز، أنها خلت من أي ذكر لـ”أبو الحسن الهاشمي”- وكذلك خلت جميع الرسائل الإعلامية التي بثها داعش منذ ذلك الحين من ذكره- الذي أدى منفذ الهجوم “أبو عائشة العمري” البيعة له قبل انطلاقه لشن هجومه، وهو ما يؤكد أن مسؤولي ديوان الإعلام المركزي الداعشي تأكدوا وقتها من مقتل خليفته (المزعوم)، لكن لم يعلنوا ذلك.
وفي العدد التالي من الصحيفة (364)، حاول داعش التمهيد للإعلان عن مقتل خليفته أبو الحسن الهاشمي عبر مقال افتتاحي بعنوان: “اسلك سبيلهم ولو كنت وحدك” قال فيها إن نفر من أبناء التنظيم ساروا، اليوم، على نفس الدرب الذي سار عليه السابقون لهم وخاضوا المعركة بكل فصولها حتى مقتلهم، مستشهدًا بمقتطفات من كلمة سابقة لـ”أبو عمر البغدادي”، أمير تنظيم دولة العراق الإسلامية، والذي قُتل مع نائبه أبو حمزة المهاجر المصري المعروف أيضًا بـ”أبو أيوب المصري” في اشتباك مع القوات العراقية والأمريكية في مايو/ آيار 2010.
ومن المفارقات أن الاستشهادات التي استعان به كاتب المقال الافتتاحي في العدد 364 من صحيفة النبأ تحمل في طياتها إسقاطًا ضمنيًا على ما حصل مع “أبو الحسن الهاشمي” في مدينة جاسم السورية، فكلًا من أبو عمر البغدادي وأبو الحسن الهاشمي قُتلا في اشتباك عارض أو غير مخطط أثناء إقامتهم في أحد البيوت الآمنة التابعة للتنظيم، وجرى الوشاية بمكانهما عن طريق أحد عناصر التنظيم (أحد حاملي رسائل التنظيم في حالة أبو عمر البغدادي، وقيادي بالتنظيم في حالة أبو الحسن الهاشمي وهو رامي محمد فالح الصلخدي والذي كان أيضًا صهر لـ”الهاشمي”) وكلاهما رفض الاستسلام واختار أن يُفجر نفسه بدلًا من القبض عليه.
وجاء هذا المقال في محاولة لتهيئة عناصر التنظيم للإعلان عن مقتل زعيمهم أبو الحسن الهاشمي، وذلك بالدعوة للصبر والثبات وعدم الانشقاق عن التنظيم، وهي الدعوات التي يرددها داعش في أوقات الأزمات الكبرى التي تضربه.
وعلى نفس المنوال، سعى داعش في العدد 365 إلى إشغال أنصاره بحديث عن تمدد جديد للتنظيم في إفريقيا بعد شن ما يُعرف بـ”ولاية موزمبيق”- التي كانت بالأساس جماعة جهادية محلية بايعت داعش، قبل نحو 3 أعوام وبقيت بيعتها معلقة لفترة طويلة قبل أن يضطر داعش لقبولها، ليثبت أنه قادر على البقاء والتمدد بعد هزيمته وتدمير خلافته المكانية المزعومة في مارس/ آذار 2019- فقال إن تمدد الفرع الموزمبيقي له جاء نتيجة “بركة الخلافة”، على حد تعبيره، مضيفًا أن ما يجري في موزمبيق ثمرة من ثمرات الاجتماع تحت منهج وراية واحدة.
ولم يلفت التنظيم في هذا السياق، من قريب أو بعيد، لزعيمه أبو الحسن الهاشمي رغم أنه اعتاد أن يفعل في ما مضى، مروجًا أن الأفرع الداعشية الخارجية على ولائها لخليفة التنظيم، على حد قوله.
ودعا داعش أنصاره في إفريقيا والدول غير الناطقة بالعربية للمسارعة باللحاق بالفرع الموزمبيقي وغيره من أفرع داعش، قائلًا إن هؤلاء المقاتلين الأعاجم سبقوا نظرائهم العرب الذين تقاعسوا عن نصرة التنظيم.
وفي العدد 365 من صحيفة النبأ الداعشية والذي صدر قبل أقل من أسبوع على إعلان المتحدث باسم التنظيم أبو عمر المهاجر مقتل زعيمه أبو الحسن الهاشمي، ركز التنظيم على مهاجمة غريمه التقليدي تنظيم القاعدة بسبب موقف الأخير من بطولة كأس العالم 2022 والمقامة، حاليًا، في قطر.
وقال داعش في افتتاحية العدد 365 إن العجب ليس من استضافة قطر للمونديال ولكن من صمت تنظيم القاعدة، طوال السنوات الماضية، عليها رغم انخراطها في الوساطة بين الجماعات المسلحة (كحركة طالبان الأفغانية) والحكومات المختلفة، ورغم حربها للمشروع الجهادي، على حد وصفه.
واعتبر تنظيم داعش أن القاعدة انحرف عن المنهج الجهادي القويم فيما بقي التنظيم الأول يُمثل هذا المنهج، معتبرًا أن هذا السبب جعل الهجوم الإعلامي ينصب على “داعش”، في الفترات الماضية لأنه يُمثل الجهادية العالمية، وفق اعتقاده.
وفي الحقيقة، لم يكن الهجوم على تنظيم القاعدة سوى محاولة أخرى من تنظيم داعش لتثبيت عناصره وثنيهم عن الانشقاقات بعد مقتل أبو الحسن الهاشمي لا سيما أن التنظيم أخفى مقتله لمدة تقترب من شهر ونصف، وهو عكس ما يتبناه الفقه الحركي الذي يسير داعش عليه والذي يُوجب الإعلان عن موت الأمير أو الخليفة فور وفاته واختيار بديل له.
ويبدو أن الهجوم الداعشي تزامن مع مراسلات تمت بين فرع التنظيم المركزي أو القيادة المركزية لداعش ، والأفرع الخارجية للتنظيم والتي طلبت فيها قيادته العليا من تلك الأفرع أن تؤدي يمين البيعة للزعيم الجديد أبو الحسين الحسيني القرشي الذي هو زعيم مجهول آخر للتنظيم.
ويدلل نشر صور بيعات عناصر داعش في العراق، وخراسان (أفغانستان)، وغرب إفريقيا لـ”أبو الحسين الحسيني” بعد ساعات معدودة من إعلان مقتل سلفه أبو الحسن الهاشمي، أن داعش خاطب تلك الأفرع قبل الإعلان عن مقتل خليفته السابق كي تبايع الزعيم الجديد بسبب خشيته من حدوث انشقاقات أو خلافات كبيرة في صفوفه.
الخلاصة:
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن المسؤولين عن ديوان الإعلام المركزي لتنظيم داعش أخفوا عن عمد عن أنصارهم نبأ مقتل زعيم التنظيم، رغم معرفتهم به، ونشروا مواد دعائية تدعو لبيعة زعيم التنظيم المقتول، كما أطلقوا حملة لتجديد البيعة له وتسببت تلك الحملة في القبض على عدد من أنصار التنظيم الذين كشفوا، عن طريق الخطأ، هويتهم لأجهزة الأمن في البلدان التي يقيمون بها بسبب عدم التزامهم بالاحتياطات الأمنية.
وتلمح تلك الوقائع إلى أن داعش خدع أنصاره مجددًا بشأن مصير خليفته السابق أبو الحسن الهاشمي، كما فعل عندما قُتل متحدثه الإعلامي السابق أبو حمزة القرشي (المهاجر) الذي قُتل على الأرجح في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وظل التنظيم يتكتم على مقتله حتى أعلن في فبراير/ شباط 2022 أنه قُتل قبل أيام محاولًا الإيحاء بأنه قُتل برفقة خليفة داعش الأسبق أبو إبراهيم الهاشمي، والذي قتل في فبراير الماضي، خلال عملية عسكرية أمريكية على مدينة أطمة الواقعة على الحدود السورية التركية.