إنتقاماً من السلطات الصومالية التي أعلنت عزمها القضاء على جماعة الشباب الإرهابية وتطويقها من خلال تجفيف منابع الدعم المقدّم إليها واقتحام المناطق التي تحتلها تلك الجماعة، تنتهج جماعة الشباب سياسة يصفها الصوماليون بالانتقامية تستهدف مختلف العشائر والقبائل الصومالية عبر هجمات إرهابية خاطفة وسرقات متعدّدة الأوجه، هدفها الأساس سرقة أرزاق الصوماليين وترهيبهم بغية القول إنَّ الجماعة لاتزال بخير أوّلاً، وبهدف تأمين مصادر مالية ومقوّمات العيش ثانياً، وسط نيّة الحكومة وعزمها على محاربة تلك الجماعة المدعومة من تنظيم القاعدة مالياً أيضاً.
ارتفاع وتيرة الاقتتال بين القوات الصومالية والشباب
ومؤخّراً، ارتفعت وتيرة الاقتتال بين القوات الصومالية الرسمية وجماعة الشباب، وقد دارت معركة استمرت لأكثر من 20 ساعة في 28 من شهر نوفمبر الماضي في فندق قريب من العاصمة مقديشو، تحصَّنت فيه مجموعة من عناصر الشباب وأرادت تنفيذ عمليات إرهابية في ذلك الفندق القريب من قصر الرئاسة الصومالية.
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (Hassan Sheikh Mahmoud)، كان قد أكَّد في جولات ميدانية عديدة له إلى مناطق محرّرة من قبضة الشباب الإرهابية، أنَّ بلاده جادة في تصفية الإرهابيين من كامل تراب البلاد، وذلك عبر التعاون مع السكّان المحليين، مضيفاً: “الحكومة ستدعم كلّ بلدة قرّر سكانها تحرير أنفسهم من قبضة الإرهابيين.
The President of the Federal Republic of Somalia, Hassan Sheikh Mohamud, has inspected the defense forces of the country's armed forces in the battle against the Shabab terrorists in the Middle Shabelle region. pic.twitter.com/fB3UGN8KQq
— Elmi Farah Boodhari (@BoodhariFarah) November 26, 2022
القوات الصومالية تُلحق الخسارة بجماعة الشباب
في ذلك الإطار، حررت القوّات الصومالية في الفترة الماضية عدداً من المناطق التي كانت تحت سيطرة الجماعة، أبرزها منطقة محاص (Mahas) الموجودة وسط إقليم هيران (Hiran)، بالإضافة إلى منطقة بصرة (Basra) الموجودة أيضاً في هيران والتي شكَّلت استعادتها من قبل الحكومة، ضربة قاسية جدّاً لجماعة الشباب لأنَّها كانت تحتضن مقارها الأساسية ومحاكمها.
ولا تزال هناك 3 مناطق رئيسية وسط البلاد وجنوبها تحت سيطرة جماعة الشباب تماماً. تلك المناطق هي عيل بور (Bur Eil) التي حاولت القوات الرسمية تحريرها في سبتمبر الماضي لكنّها فشلت، حررطيري (Harardhere)، وآدم يبال (Adan Yabal) الموجودة في محافظة شبيلي الوسطى (Middle Shabelle) التي يسجل فيها أعلى حضور لجماعة الشباب الصومالية.
وبالفعل، فقد اقتربت القوات المشتركة المؤلّفة من القوّات العسكرية الصومالية وسكّان محليين من منطقة آدم بالي، من تحقيق تقدّم السبت 3 ديسمبر 2022، عبر هجوم مشترك بين المدنيين والقوات الرسمية نُفذ من 3 جهات. وقد أسفر الهجوم عن خروج جماعة الشباب من المنطقة ومغادرة المدنيين. وقد أفاد مسؤولون محليون بأنَّ لدى الحكومة خطة لإعادة دخول المنطقة لكنَّهم يجرون عمليات بحث عن الألغام وتمشيط المنطقة.
وفي آخر تطور ميداني، دخلت القوّات الحكومية الصومالية بدعم من مقاتلين محليين، الاثنين 5 ديسمبر 2022، بلدة عدن يابال (Adan Yabaal) البلدة الرئيسية في منطقة شبيلي الوسطى التي تسيطر عليها جماعة الشباب منذ العام 2016، والتي تعدّ أحد معاقلها، وهي تقع على بعد 245 كيلومتر شمال العاصمة مقديشو.
التحوّل المدني والإنتقام من “الشباب”
ذلك التحوّل في المسار الدفاعي للسلطة الصومالية يدخل في صلبه تحرّك المدنيين الصوماليين الذين توصّلوا إلى نتيجة مهمّة ساهمت في تزخيم الحرب على جماعة الشباب، وهي عدم جدوى اللحاق بتلك الجماعات وضرورة الإنتقال إلى الجهة القتالية في وجه الإرهاب الذي أهلكهم.
علي محمد حسين، هو مواطن صومالي يتحدّر من بلدة جوبولكا في منطقة جلجدود (Galguddud)، التي تحظى فيها جماعة الشباب بنفوذ ملحوظ. الرجل تحوّل في خطواته وقرّر حمل السلاح بوجه الإرهابيين بعدما تعرّ ض لخسارة كبيرة في مصدر رزقه ولقمة عيشه، وقد أجرت “أخبار الآن” لقاءً معه في بلدته المذكورة أعلاه، وقد شرح الأسباب التي دفعته لحمل السلاح والإنضمام إلى صفوف القتال إلى جانب القوّات المسلّحة الرسمية.
وقال حسين: “خطر جماعة الشباب طال الجميع، ونحن عندما أدركنا أنّ نفوسنا وأموالنا في خطر، قمنا للدفاع عن ديننا ووطننا”. وأضاف ردّاً على سؤال عن سبل محاربة الشباب، قال: “كما حاربونا نحاربهم، حملوا السلاح فحملنا السلاح، نحن لا نقبل أن يذلونا. كنت أملك 30 جملاً وبقي الآن لديّ 5 جمال فقط، لقد أخذوا باقي الجمال مني بطريقة غير شرعية وبالقوة، من أجل ذلك أحاربهم”.
“طالما أنّ أنفسنا وأموالنا بخطر، لن نقف مكتوفي الأيدي”
إذاً، السبب الأوّل الذي دفع حسين إلى حمل السلاح والانضمام إلى القوّات المشتركة المؤلّفة من مدنيين وعناصر رسمية، هو اعتداء جماعة الشباب على مصدر رزقه وأمواله، فيما يعتاش هو وعائلته من تلك الجمال، مصدر رزقه الوحيد.
وأردف حسين في حديثه لـ”أخبار الآن“: “لقد استفاد الإرهابيون من ظروف الناس الفقيرة في تلك المناطق حيث يعيش الرعاة، وبدأوا يختبئون بين المدنيين، لذا أدركنا حيلتهم ومدى خطرهم علينا، فقررنا محاربتهم والتصدّي لهم بكل قوتنا من أجل القضاء عليهم، فلم نعد مستعدين لخسارة أرزاقنا وأموالنا ومصدر عيشنا، فيما الفقر يقضّ مضجعنا”.
وشرح حسين لـ”أخبار الآن” مرحلة التحضير لمواجهة جماعة الشباب خصوصاً في منطقة جلجدود التي ينتمي إليها، حيث تتحصَّن الجماعة بين بيوت المدنيين. وقد هاجمت الجماعة في 7 نوفمبر الماضي، قاعدة عسكرية مشتركة بين القوات الرسمية والقبائل كرد فعل على إخراجها من عدد من مناطق الإقليم. وقال حسين: “نحارب الشباب عبر التخطيط والتحضير الجيّد للمواجهة، فطالما نفوسنا وأموالنا في خطر، لا يمكن أن نجلس ونتفرّج، فنحن لدينا الحق بالدفاع عن أنفسنا ومالنا، وهدفنا أيضاً هو الدفاع عن شريعتنا وكلّ من تسول له نفسه في تشويه صورتها، فنحن لا نقبل ذلك، كما لا نقبل الممارسات الخاطئة”.
ويؤكّد حسين أنَّ الصوماليين سينتصرون على جماعة الشباب وسوف ينجحون بالقضاء عليها، مع الإشارة إلى تلك الجماعة كانت بدأت العام 2007 كحركة شبابية لتتحول تدريجياً إلى جماعة ارهابية موالية لتنظيم القاعدة. ويختم حديثه لـ “أخبار الآن” بالقول: “هدفنا إزالة جماعة الشباب، والعيش في مناطقنا وبلدنا بأمن وأمان واستقرار عبر تطبيق القوانين الصحيحة، فالجماعة قد اختبأت بعبائة الإسلام وطبقت الشريعة بشكل خاطئ. ومن هنا، فقد أخذ العديد منَّا خيار الاستعداد للدفاع عن الوطن والشعب”.
وإلى تهديد جماعة الشباب.. فقر وجفاف
إلى ذلك، ووسط إرهاب الشباب يعيش الصوماليون مرحلة جفاف هي الأصعب في تاريخ البلاد، وقد دعا عبد الرحمن عبد الشكور، المبعوث الخاص لرئيس جمهورية الصومال الفيدرالية للشؤون الإنسانية والجفاف، في كلمة ألقاها في اجتماع كبار المسؤولين برعاية مشتركة من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة في القاهرة، الدول العربية ومنظمات وهيئات الأمم المتحدة المعنية بالعمل الإغاثي والإنساني لسرعة التحرك والتدخل العاجل لإغاثة الشعب الصومالي، جرّاء الوضع الكارثي المتفاقم في الصومال نتيجة أزمتي الجفاف ونقص الغذاء، وهو الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية كبيرة.