تنظيم القاعدة يُخفق مجدداً في حسم مصير زعيمه أيمن الظواهري
يخفق تنظيم القاعدة مرة أخرى في حسم مصير زعيمه الدكتور أيمن الظواهري حياً كان أم ميتاً. صباح يوم الجمعة ٢٣ ديسمبر، أعلنت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية الخاصة بقيادة القاعدة المركزية، عن ”قريب“ سينُشر. بعد ١٢ ساعة تقريباً، نشرت السحاب تسجيلاً مرئياً بعنوان ”شهداء الهند تحت راية النبي.“ بالرغم من أن التسجيل يتضمن مقاطع صوتية قصيرة للظواهري، إلا أن أنصار التنظيم نسبوا إليه الإصدار خطأ فقالوا إنه “للشيخ” وما هو كذلك؛ وإنما يمنون النفس.
إصدار قديم بحلّة جديدة
يبدأ الظواهري كلامه بجملة ”أواصلُ معكم الحديث عن مآثرِ بعضِ شهداءِ وزيرستانَ.“ ويذكر هذا بسلسة ”احمل سلاح الشهيد“ التي بدأتها السحاب في مايو ٢٠١٦، وعرضت منها ستة أجزاء. كان آخرها في نوفمبر ٢٠١٧ وخُصص لعمر عبدالرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية في مصر الذي توفي في فبراير ٢٠١٧ في سجنه المؤبد في الولايات المتحدة الأمريكية.
الحلقة الخامسة من هذه السلسة كانت عن ”شهداء وزيرستان“ ونُشرت في أغسطس ٢٠١٧. بدأها الظواهري بجملة ”في هذه الحلقة أواصل معكم حديثي عن كوكبة من الشهداء وأعلام الدعوة والجهاد مضت لربها.“ فيها تحدث الظواهري عن أبي عمر خليل المدني، عضو مجلس شورى القاعدة، ومرافقاً لأسامة بن لادن. قُتل في غارة بطائرة مسيرة في يوليو ٢٠١٥.الثاني هو أبو دجانة الباشا، محمد محمود البحطيطي. وهو صهر الظواهري، قُتل في أغسطس ٢٠١٥.
قاري وصحبه
المعنيون بإصدار السحاب “الجديد” هم: قاري عبدالله المعروف بـ قاري عمران، كان عضو شورى القاعدة في شبه القارة الهندية ومسؤول منطقة خراسان. قُتل في شمال وزيرستان، شمال غرب باكستان، في ١٢ أبريل ٢٠١٥ في غارة بطائرة مسيرة. الثاني هو راجه محمد سلمان المعروف بالأستاذ أحمد فاروق وكان نائب أمير القاعدة في شبه القارة الهندية ومسؤول لجنة الدعوة والمالية في التنظيم. الثالث هو على الأرجح الدكتورسربولاند المعروف بالدكتور أبو خالد وكان طبيباً جراحاً عمل مع التنظيم.
السحاب نشرت الجزء الأول المخصص لقاري عمران. في ٣٦ دقيقة، عُرضت مقاطع صوتية قصيرة للظواهري لا تتجاوز في مجموعها خمس دقائق. تحدث الظواهري عن علاقته الشخصية بقاري عمران حيث تعرف إليه بعد هجمات سبتمبر ٢٠٠١، ورافقه أسبوعين. يتحدث الظواهري بإيجاز شديد عن نشأة قاري عمران في مُلتان في مقاطعة البنجاب الباكستانية حيث “تخرج من إحدى مدارسِها الإسلاميةِ، وشارك في الجهادِ في أفغانستانَ وطاجاكستانَ وكشميرَ ثم باكستانَ.“
في الدقائق الثلاثين الأخرى، وفي إنتاج عالي الجودة، عُرضت مقاطع من كواليس هجمات أشرف على تنفيذها قاري عمران مثل الهجوم الانتحاري على قاعدة عسكرية أمريكية في ٢٠١٢، والهجوم على قاعدة بي آر تي في ولاية غزني في أفغانستان في ٢٠١٣، والهجوم على “توشي سكاوتس“ القاعدة العسكرية الباكستانية في منطقة بنو.
تضمن الإصدار أيضاً رسائل مسجلة بالعربية وجهها قاري عمران إلى الظواهري يستذكر في بعضها ”الأيام الماضية التي أمضيناها مع بعض.“ وفي أخرى يسلّي الظواهري بأن لا يحزن بعد بروز ”الفتنة المزعجة باسم دولة العراق.“
بين مجهول الهوية ومجهول المصير
مرت خمسة أشهر تقريباً على إعلان أمريكا قتل الظواهري في كابول في اليوم الأخير من يوليو ٢٠٢٢. وفيما القاعدة المركزية لا تتحدث في المسألة وتواصل نشر إصدارات منسلخة عن الواقع، يحاول أنصار القاعدة التقليل من هذا التأخير في حسم مصير أميرهم. ولكنهم في هذا يقعوا في سقطتين. الأولى أنهم يأتون ما ينكرون عن أنصار داعش. والثانية أنهم لا يدركون الضرر الواقع من هذه الحالة.
في مجموعات أنصار القاعدة على التلغرام، لفت منشور يقول: ”هناك سؤال يتكرر في كل وقت عند الدواعش … لماذا لا تعلنوا عن زعيمكم الجديد؟ أنتم الآن تقاتلون بدون أمير؟ … ربما يوجد صراعات داخلية؟“ الدواعش يذكرون أيضاً سيف العدل بالنظر إلى إشكالية الرجل باعتبار علاقته الإيرانية وأنه المرشح الأبرز لخلافة الظواهري.
يرد كاتب المنشور: ”الجواب بكل بساطة … إن تنظيم القاعدة لم يعلن الخلافة والإمامة العظمى ويفتئت على الأمة علشان يكشف عن مصير الدكتور أيمن الظواهري.“
ويضيف: ”أنتم لا تسألون عن مصير الدكتور أيمن الظواهري حباً فيه أو في تنظيم القاعدة؛ بل تريدون أي خبر من أجل توريط طالبان فقط.“
صدق كاتب المنشور. مصير الظواهري يخص تنظيم القاعدة. لكن كما أن أنصار القاعدة ينتقدون داعش وخليفتهم مجهول الهوية، كذلك أنصار داعش ينتقدون القاعدة وأميرهم مجهول المصير.
وأخطأ كاتب المنشور، فالجواب ليس بسيطاً. بعيداً عن المسألة الفقهية المتعلقة بالإمامة العظمى، قد يسأل سائل: ”لكن أسامة بن لادن بايع الملا عمر زعيم طالبان بيعة إمامة عظمى. ومن بعده وأسوة به بايع الظواهري زعيمي طالبان: الملا أختر منصور وهيبة الله أخندزاده. هل البيعة لا تزال قائمة؟“ وقد يضيف هذا السائل: ”وثمة بيعة تعهد بها أمراء أفرع القاعدة إلى الظواهري ومنها إلى طالبان. وهؤلاء الأمراء تجمعهم بيعة مع مقاتليهم الذين يأتمرون بأمرهم في معاشهم ومماتهم!“
البيعة مسألة مهمة للجهاديين لأنها تعطيهم ”الشرعية“ في القتل والنهب. بغير ذلك، هم ليسوا أكثر من جماعة متمردة بلا هدف ولا غاية مثل قطاع الطرق.
العلاقة الطالبانية
وهذه المسألة تشكل حرجاً لحليف قديم جديد – طالبان. إعلان أمريكا قتل الظواهري في كابول يسبب حرجاً لطالبان. فإن كان الظواهري حياً، أليس حرياً بالتنظيم الإعلان عن ذلك لتخفيف الضغط على طالبان وقلب الطاولة على أمريكا وإحراجها؟ في المحصلة، تأخير الإعلان عن مصير الظواهري إن كان حياً هو خطأ استراتيجي؛ وإن كان ميتاً فهو مؤشر على نضوب القيادات وربما خلافات داخلية.