الحصاد المر لقاعدة اليمن في 2022
كان عام 2022 حافلا بالانشقاقات والتراجعات في مسيرة تنظيم القاعدة في اليمن؛ فلم تكن حالة التنظيم في بدايته كما هي في نهايته، إلا أن الشئ المشترك الذي لم يتغير هو استمراره في مسيرة السقوط والانحدار وخسارة الحاضنة الشعبية، وقد جاءت مسارعة التنظيم في الثالث من يناير بإصدار بيان ينفي فيه علاقته بانفجار قرية القليتة بمديرية مودية، بمحافظة أبين، ليكشف عن محاولته لتقليل التوترات مع القبائل المحلية التي خسر دعم قطاع منها خلال العام المنصرم وما ارتبط به من وقائع.
فخلال العام الماضي فقد التنظيم الكثير من مناطق سيطرته وما تبع ذلك من خسارة الأموال والرجال والحواضن القبلية، ضمن دائرة مفرغة يدور فيها التنظيم، تمثل كل نقطة فيها سبب ونتيجة للنقاط الأخرى؛ فمع خسارة المعارك يخسر المزيد من الأراضي ويفقد المزيد من القتلى، ومع تكرار الهزائم يتبادل قادته وعناصره التهم بالتقصير والفشل بل والخيانة أيضاً، فتكثر التصفيات الداخلية والانشقاقات، وهكذا دواليك، وإن كان التنظيم لا يزال يحاول البرهنة على وجوده واستمراره بشن هجمات على غرار الهجوم على موقع أمني في الجنوب في سبتمبر والذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 21 جنديا يمنيا.
ومع العام الجاري، قُتل سبعة جنود من القوات الحكومية وأصيب آخرون يوم الجمعة الموافق السادس من يناير 2023 في انفجار عبوتين ناسفتين في ضواحي مديرية مودية شرقي محافظة أبين جنوبي اليمن.
وقال مصدر عسكري، إن عبوتين ناسفتين زرعهما عناصر تنظيم القاعدة، انفجرتا بالتزامن في مركبة عسكرية وصهريج مياه في موقع لقوات اللواء الرابع مشاه بالقرب من وادي عوِمران ما أسفر عن مقتل سبعة أفراد.
وفي السابع من يناير 2023، نشر تنظيم القاعدة في اليمن ضمن سلسلة ” نافح الطيب” السيرة الذاتية لـ” منذر التعزي” عبدالرحمن ناصر الخليدي، والذي قُتل بانفجار عبوة ناسفة.
وجاء الإصدار الذي نشر عبر “الملاحم” الجناح الدعائي لتنظيم القاعدة في اليمن، لتسليط الضوء على سيرة منذر التعزي، والذي ينحدر من محافظة تعز، لكنه غادرها إلى محافظة إب، للانضمام إلى تنظيم داعش، ويصبح أحد انتحاري التنظيم الإرهابي.
وقبل أيام، اعترف تنظيم القاعدة في اليمن بمقتل نصر الحمقاني، وذلك في الهجوم على حاجز أمني تابع للحزام الأمني بمنطقة أحور في محافظة أبين، في شهر سبتمبر من العام الماضي.
وكان التنظيم الإرهابي قد اعترف أيضًا في شهر أكتوبر الماضي، بمقتل دجانة الصنعاني كذلك، في الهجوم على الحاجز الأمني التابع للحزام الأمني في منطقة أحور في محافظة أبين في سبتمبر.
تكبر كرة الثلج شيئاً فشيئاً وتستمر في التدحرج، وتطيح في طريقها، بكبار قادة التنظيم الذين تساقطوا صرعى أمام غارات الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، وقوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي، وأيضاً على أيدي زملائهم الذين شنوا حملات تطهير قاسية أسالت دماء إخوانهم القاعديين، وجعلت آخرين يتحسسون رقابهم هلعاً من أن تكون أسماءهم مدرجة على لوائح الإعدام المقبلة، التي تصدر فجأة وتُنفذ بشكل وحشي، مما جعل البعض يولي وجهه شطر ميليشيات الحوثي الشيعية التابعة لإيران فراراً بأرواحهم لا يلوون على شئ، بعدما أدركوا حجم الورطة وعمق الخديعة التي كادت تضيع أرواحهم سدى في ظل قيادة إبراهيم البنا للجهاز الأمني للتنظيم.
تركيز باطرفي على “الجهاد العالمي” وخدمة أجندة سيف العدل، المتواجد في إيران، لا يعود إلا بالضرر على وضع التنظيم نفسه في اليمن ويؤدى لانشقاقات وانقسامات، وحالة من السخط العام والتوجه للحوثي بما يخدم مصالح إيران بالمنطقة.
وتدرج الولايات المتحدة اسم البنا على لوائح الإرهاب منذ يونيو 2017، وترصد ما يصل إلى 5 ملايين دولار للحصول على معلومات حول مكان الرجل الذي يُعرف أيضًا باسم أبو أيمن المصري، ونجا من محاولات أمريكية متكررة لقتله بصواريخ أطلقتها طائرات بدون طيار، وهو آخر عضو مؤسس على قيد الحياة لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، وقبل ذلك كان قائدا لجماعة الجهاد الإسلامي المصرية في اليمن من عام 1996 إلى عام 1998 وكان مسؤولا عن عمليات التدريب والاستخبارات، ويحظى الرجل اليوم بنفوذ هائل داخل القاعدة باليمن، أتاح له الإطاحة بعدد من العناصر المؤثرة داخل التنظيم دون أن يجرؤ أحد على إيقافه مع حصوله على دعم وتأييد خالد باطرفي قائد الجماعة
كابوس 2022.. كيف حول باطرفي القاعدة لـ قاطع طريق
مثَّل عام 2022 كابوساً مفزعاً عاشه فرع تنظيم القاعدة في اليمن مع تخبط خطواته وكثرة عثراته في ظل قيادة خالد باطرفي، التي تُعد أضعف مراحل التنظيم، وربما تكون مرحلته الأخيرة، فمع ازدياد حرج وضعه، يلجأ التنظيم إلى مزيد من العنف والتهور لمقاومة مصيره الذي بات ماثلاً أمام عينيه، ويُقدم على تصرفات عصابات قطع الطريق والخطف لطلب الفديات لتعويض انهيار موارده المالية، مما يدفع به إلى حالة يصارع فيها من أجل البقاء بحد ذاته بأي ثمن وليس لتحقيق رؤيته الكونية التي يرفع شعارها.
ففي 11 فبراير الماضي أقدمت عناصر تابعة للقاعدة على اختطاف ستة من موظفي الأمم المتحدة أحدهم بلغاري الجنسية في محافظة أبين، وفي الخامس من مارس تم خطف أجنبيين يعملان في منظمة أطباء بلا حدود أحدهما ألماني والآخر مكسيكي، مما فجر أزمة جديدة داخل التنظيم الذي يعيش أسوأ فتراته، لأنه لطالما رفع شعار الشرع والدين وامتنع عن تنفيذ عمليات قطع الطريق واحتجاز موظفي المنظمات العالمية، بل كان زعيم التنظيم الأسبق، ناصر الوحيشي أبو بصير، دائما ما يحاسب ويحقق مع من يجرؤ على تنفيذ عمليات اختطاف لسيارات المنظمات الدولية.
أما في ظل تحكم مسؤول الجهاز الأمني، إبراهيم البنا، بضوء أخضر من باطرفي، تخلى التنظيم عن سياسة الجيل الأول وتبنى عمليات قطع الطريق والاختطاف ضد موظفي المنظمات العالمية بهدف الحصول على الأموال، وهي سابقة لم تحدث قبل ذلك.
إذ التقت وساطات قبلية بممثل للقيادة العامة للتنظيم، وانتظر الوسطاء أن يتم تسليمهم هؤلاء المختطفين مع استنكار عمليات قطع الطريق والاختطاف كما هي العادة، لكن ما حدث هو أن الرجل أبلغهم أن العملية مدعومة من القيادة، رغم أنها لم تنفذ بتوجيهاتها، وطالبهم بدفع 10 ملايين دولار كفدية مقابل الإفراج عنهم، وهو الأمر الذي لم يشكل صدمة للوسطاء فقط، بل حتى لقيادات الصف الأول والثاني بالتنظيم، الذين ارتفعت أصواتهم رفضاً لعملية الاختطاف، وما زال أبو الهيجاء الحديدي، أمير التنظيم في أبين وشبوة، يخوض عملية التفاوض على المخطوفين مع الوسطاء.٠
ولم يكن باطرفي صاحب القرار بل إبراهيم البنا هو من رفض الإفراج عن المخطوفين، وتبنى باطرفي موقفه هذا فقط، وفقاً لما كشفه أحد قيادات الصف الأول في التنظيم لـ”أخبار الآن” مشيراً إلى أن البنا لم يكتف برفض الوساطات فحسب، بل أعقب ذلك نصب كمين وقطع الطريق في محافظة أبين أمام مجموعة تتبع أحد ألوية الحماية الرئاسية التابعة للجيش اليمني، مما أوقع خمسة قتلى، ثلاثة في الكمين واثنين تم خطفهم وذبحهم في اليوم التالي.
وكان لهذا الهجوم تداعيات كبيرة؛ إذ فاقم غضب القادة الميدانيين مما أجبر القيادة العامة على إصدار بيان تنفي فيه علاقتها بالعملية بزعم أنها تمت دون الرجوع إليها، ومع هذا لم يتم الإعلان عن محاسبة المتورطين.
ويوضح الخبير في الشأن اليمني، عاصم الصبري، أن قيادة تنظيم القاعدة أظهرت ملامح خطاب سياسي جديد يقوم على أربعة محاور هي معاداة مجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي، ومحاولة التقارب مع حزب الإصلاح الإخواني، وتحييد القوى السلفية والقبلية قدر الإمكان عن المواجهة، وأخيرا الحفاظ شكليا على خطابها المعادي لجماعة الحوثي، مشيرًا إلى أن أبو علي الديسي، مسؤول الدعوة بالتنظيم، هو الذي تكفل بإعلان هذا التوجه، وهو أحد القادة المقربين من زعيم التنظيم خالد باطرفي، ويكنى بــ “أبو علي الحضرمي“، وهو من الفارين من سجن المكلا المركزي في جنوب شرق اليمن في يونيو 2011، ويشغل منصب مسؤول الدعوة اليوم بعد أن كان أحد القيادات الحاكمة في حضرموت والبيضاء.
ويكشف الصبري عن أن باطرفي يواجه أزمة ثقة داخل التنظيم بعد فقد جانب كبير من الأعضاء ثقتهم به، فأحاط نفسه بعدد من الأجانب وأقصى أبناء البلد عنه، فمثلا في ظل خصومته من العديد من القادة اليمنيين بالتنظيم، قرب منه القيادي السعودي، حمد بن حمود التميمي، الذي يعد أحد أبرز داعمي باطرفي، وظهر ذلك جليًا منذ البداية، إبان الخلافات على من يخلف الريمي عقب، فتولى التميمي بنفسه الإعلان، في بيان رسمي، عن اختيار باطرفي أميرًا للتنظيم أواخر فبراير 2020، ويترأس التميمي اللجنة الشرعية في التنظيم، مما خوله إصدار الأحكام ضد القيادات والأفراد اليمنيين، ولعبت تلك اللجنة دورًا في إعدام عدد من الكوادر التنظيمية ضمن حملة أطلق عليها اسم “هدم الجاسوسية”.
كما توسعت اللجنة الأمنية بقيادة المصري، إبراهيم أبو صالح، في القبض على القيادات اليمنية واغتيالهم بناءً على الشبهات والقرائن غير المؤكدة، ومن أبرز ضحاياها أثير النهدي، المسؤول الشرعي، وسعيد شقرة، رئيس اللجنة المالية، وفياض الحضرمي، أمير التنظيم في حضرموت، وأبو مريم الأزدي، أحد أهم القيادات الشرعية، كما قامت بتعذيب السجناء لانتزاع اعترافات منهم بتورطهم في التجسس.
ويرى الخبير في الشأن اليمني أن انحياز خالد باطرفي إلى مجموعة الجهاديين غير اليمنيين، مرتبط بصورة وثيقة بالخلافات الداخلية، وهو في جوهره انحياز إلى المجموعة التي أوصلته إلى إمارة التنظيم الذي يعتبر أحد أهم أفرع “القاعدة” النشطة في الفترة الراهنة، فضلًا عن كونه مغازلة لـ”القيادة العامة للقاعدة” أيضاً، حتى صار لافتا سيطرة القادة الأجانب على مجلس شورى التنظيم والمناصب العليا، يليهم اليمنيين الداعمين لحركة الجهاد العالمي والمنخرطين في شبكة القاعدة المركزية العابرة للحدود كسعد بن عاطف العولقي، في حين تتم تنحية القيادات المحلية وجعلهم في مرتبة أدنى غالبًا.
ويضيف الصبري أن القيادة العليا لفرع القاعدة اليمني، اتبعت مقاربة متعددة الأوجه- اتسمت غالبا بالطابع الأمني- في التعامل مع القيادات المحلية التي تحظى بعلاقات وثيقة مع القبائل لا سيما في مناطق جنوب البلاد؛ فاعتمدت أسلوب الاغتيال المعنوي عبر الزعم بأن القيادات اليمنية بالتنظيم ترفض مناصرة أبناء القبائل في مواجهة الحوثي، بالإضافة لاعتماد أسلوب التصفية الجسدية عن طريق السجن أو الاغتيال، وفق شهادة أمير التنظيم في المكلا سابقًا، أبو عمر النهدي، ورفاقه، التي نشروها سابقًا ضمن رسالتهم المعروفة بـ”بيان المتظلمين”.
نزيف القاعدة
شهد عام 2022 خسارة القاعدة لعدد من قادتها البارزين؛ ففي يناير تم اغتيال المسؤول العسكري لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، صالح بن سالم بن عبيد عبولان المعروف بأبي عمير الحضرمي في غارة أمريكية، وكان من المقربين من مؤسس التنظيم، أسامة بن لادن، ويُعد مقتله خسارة مدويّة بالنسبة لتنظيم القاعدة في اليمن، لاسيما وأنه يأتي بعد اغتيال لطفي اليزيدي (العم صالح الحضرمي) بغارة أمريكية أيضاً.
وفي مارس الماضي -أي بعد اغتيال الحضرمي بشهرين- نعى التنظيم المسؤول العسكري حينذاك، إبراهيم بن علي السنفي أو عمار الصنعاني، الذي خلف الحضرمي في منصبه وقُتل بنفس طريقته.
وأدى ذلك إلى إثارة الشكوك حول قدرة باطرفي على قيادة التنظيم بعدما تعرض لانتكاسات كبيرة وفقد قادته البارزين، مما أثر سلباً على قوته القتالية، وعزز النظرة لباطرفي كأمير غير كفء في أحسن الأحوال، وشكل حرجاً للتنظيم؛ الذي لا يزال مخترقاً في أعلى المستويات، لاسيما وأن اغتيال الحضرمي جاء بعد شهرين تقريباً على لقاء الملاحم الخاص مع باطرفي الذي قلّل من مسألة الجاسوسية باعتبارها أمراً عادياً في أي تنظيم وهوَّن من شأنها، وهو ما اتضح أنه ليس كذلك.
كما أشار الخبير في الشأن اليمني، عاصم الصبري، إلى أن هذا الأمر تسبب في اشتعال الجدل داخل التنظيم وإثارة تساؤلات حول ما إذا كان مقتل هؤلاء القادة، مرتبطا بتفاهمات بين قيادة القاعدة وجماعة الحوثي؛ فقد كان القائدان العسكريان السالف ذكرهما على علاقة بملف التنسيق مع الحوثي، وفقًا للمعلومات التي كُشفت لاحقا، كما وجه مقاتلون من التنظيم اتهامات لباطرفي والمجموعة المقربة منه بالتورط في مقتل قياداته عن طريق زرع شرائح تعقب لهم لتقوم الطائرات الأمريكية باستهدافهم.
ولفت الصبري إلى أن قيادييَن مقربَين من سعد عاطف العولقي أمير التنظيم في شبوة وجها اتهامات لقياديَين آخرين من أنصار باطرفي بالخيانة وأنهما ساعدا في الكشف عن مكان الحضرمي لإزاحته عن طريقهما، واستندت الاتهامات إلى أن هذين الاثنين كانا آخر من التقاهم الحضرمي في محلّ إقامته في المحفد بمحافظة أبين، قبيل مقتله.
كشف حساب باطرفي
لم تفلح استراتيجية باطرفي الرامية لتوظيف موارد التنظيم المحلي في خدمة مصالح القيادة المركزية للقاعدة في تحقيق أي نجاحات تُذكر، ومع ذلك واصل تهميش معارضيه الراغبين في التركيز على الشؤون المحلية، وعمد إلى اتباع الأسلوب الأمني في التعامل معهم وتشويههم في الأوساط التنظيمية لإسقاط رمزيتهم، وتوسع في اعتقال الأفراد والقيادات الوسطى بحجة عمالتهم لأجهزة الأمن والاستخبارات المعادية، وفقًا لما ورد في رسالة سابقة وجهها أبو عمر النهدي ورفاقه.
وحتى مع اعتراف باطرفي بأن تنظيمه أصبح ضعيفًا ومضطرًا لمهادنة أطراف عديدة، استمر في اتباع الأسلوب الأمني الاستئصالي في التعامل مع معارضيه، مما أدى إلى مفاقمة ضعفه وازدياد معدل الانشقاقات والانسحاب التنظيمي، وتوسيع الفجوة بينه وبين أبناء القبائل، وبالتالي خسر الحاضنة الشعبية التي كان يمارس التجنيد والاستقطاب في إطارها، وأصبح التنظيم يُعاني في إيجاد مقاتلين جدد بسبب العزوف عن الانتماء له.
وزادت أزمة الثقة والتشكيك في ولاء القيادات والعناصر، بسبب حملات التطهير من الجاسوسية بقيادة إبراهيم البنا وجهازه الأمني المرعب، الذي نفذ عمليات تعذيب وقتل للقيادات والجنود على السواء، بلا أدلة معروفة ولا محاكمات شرعية، وفي بعض قضايا التصفية اعترفت قيادات التنظيم بأنهم أخطأوا وأبدوا استعدادهم للاعتذار إلى أهالي الضحايا وتقديم الديات لهم، بهدف إعادة الثقة إلى القيادات الذين اعتزلوا الجماعة، دون جدوى لأنهم يعتبرون أن تنظيمهم انحاز عن تحكيم شرع الله وظلم أفراده دون الرجوع لمحاكم شرعية، وشجعت عمليات القتل والتعذيب دون محاكمات في فرار العديد من العناصر، فتضاعفت الخسائر البشرية ما بين قتلى ومنشقين ومعتزلين، في حين استمرت عملية اختراق التنظيم ولم توقفها حملات “هدم الجاسوسية” المرعبة التي طالت أفرادا لا ذنب لهم باعتراف الجماعة.
وتأتي هذه الخسائر وسط الحديث عن ارتباط باطرفي بعلاقات مع الحوثيين، وخدمته لأهدافهم الخاصة بممارسته المستمرة والتي أضعفت التنظيم وحولته إلى منظمة عصابات غير فاعلة، وأفقدته البوصلة تماماً.
فقد استفاد الحوثي من نهج القاعدة وممارساته في الترويج لروايتها الخاصة حول دورها في مكافحة الإرهاب، فاستغل الحوثيين ذريعة القاعدة لتبرير حملتهم العسكرية على مدينة مأرب الاستراتيجية، ونشرت منصات الدعاية الحوثية معلومات عن تواجد قادة القاعدة في المدينة، مما أظهر امتلاك مخابرات الحوثي معلومات تفصيلية عن هيكلية التنظيم وتحركات قادته وانكشاف التنظيم أمامها ونجاحها في اختراقه.
وساهمت القاعدة -سواء بقصد أو بدون- في تعزيز الموقف الميداني للحوثي؛ ففي خضم معارك شبوة ومأرب التي تلقى فيها الحوثي خسائر موجعة، بثت القاعدة إصدارًا مرئيًا للتحريض على قتال التحالف العربي لدعم الشرعية والقبائل الموالية له، في ما بدا وكأنه خدمة لمصالح الحوثي وتخفيفًا للضغط عليه.
وعلاوة على التحريض العلني، نفذت مفارز التنظيم هجمات دامية ضد القوات التي تُقاتل الحوثي، وأبدى التنظيم ميلًا للدخول في أي تحالف مضاد للقوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، والتي لعبت دورًا كبيرًا في طرده من معاقله.
واعترف التنظيم في إصدار مرئي بثه بعنوان “معركة مأرب”، منتصف فبراير الماضي، أن قتاله ضد التحالف العربي والمجموعات المحسوبة عليه، أدى إلى انخفاض العمليات التي تستهدف الحوثيين، وهو ما أتاح للأخيرة تنظيم صفوفها والسيطرة على مناطق جديدة في اليمن ، وفق تعبير التنظيم.
وكانت الحكومة اليمنية قدمت تقريرا إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ ٣٠ مارس ٢٠٢١، أعده الجهاز المركزي للأمن السياسي وجهاز الأمن القومي، يوثق التعاون والتخادم بين مليشيات الحوثي والقاعدة، ويتضمن تفاصيل عن إطلاق الحوثيين سراح عناصر من القاعدة من خلال عمليات هروب مدبرة، وتعاون عسكري مباشر.
موسم الهجرة إلى الحوثي
أسدت قيادة القاعدة باليمن خدمات جليلة للحوثيين، الذين استفادوا من إضعاف التنظيم، وسعوا إلى استغلال ما تبقى منه في استنزاف خصومهم، وهو ما اعترفت به القاعدة في إصدارها المرئي المعنون بـ”معركة مأرب”.
وبينما يستمر مسلسل استنزاف وتصفية القاعدة في اليمن، تحت إمرة باطرفي، يجد مقاتلو التنظيم أنفسهم أمام خيارات محدودة هي الاستمرار في العمل داخله حتى يُقتلوا كما قتل رفاقهم، أو يختاروا اعتزال التنظيم والرجوع إلى قبائلهم وأسرهم، على غرار أبو عمر النهدي، الذي آثر اعتزال التنظيم نهائيًا بعد خلافه مع تيار باطرفي.
وأمام تلك المستجدات أبدت ميليشيات الحوثي اهتماما كبيرا بالتواصل مع أغلب القيادات المعتزلة من القاعدة، بهدف محاولة تجنيدهم والاستفادة من خبراتهم العسكرية والأمنية وإفشال الحملات الأمنية ضد الإرهاب في المحافظات المحررة.
وقبل بدء التواصل مع هؤلاء المنشقين نفذ الحوثيون خطة استباقية تعتمد على حصر العناصر التي تنحدر أصولهم من العاصمة صنعاء، سيما مناطق مسيك وسعوان، حيث كان معظم النافرين من صنعاء إلى التنظيم من تلك المناطق، ومن خلال هذه الخطة استطعت مليشيات الحوثي الوصول إلى أهم أنصار القاعدة هناك ودعوتهم.
فحينما كانت تحدث أزمات داخل التنظيم، ويقرر البعض الانشقاق عن التنظيم، يتفاجأ بتواصل ميليشيات الحوثي معه فور انشقاقه، مما يكشف مدى اختراق الحوثي للقاعدة واستغلاله لأزماتها.
فأثناء فترة أزمة أبو عمر النهدي مع قيادة التنظيم، كانت هناك مجموعة معظمهم سعوديون اتهمهم الجهاز الأمني بالجاسوسية، فانشقوا بعد أن شعروا بالظلم، فتسابق الحوثي ودول خارجية للتواصل معهم وكل جهة تحاول بطريقة معينة لكسب هذه المجموعة التي أراد عناصرها الاتفاق مع سلطة للاستقرار في مناطق تسيطر عليها هذه السلطة، لكنهم اختلفوا حول الجهة التي يمكن أن يذهبوا إليها، لأنهم كانوا يرفضون وبشكل قاطع العودة إلى دولهم، ورفض البعض التجاوب مع عروض الحوثيين الذين استمروا بالتواصل معهم، حتى تمكنوا من إقناع بعضهم بالفعل.
وتعد قصة آل المنذري مثالا صارخاً إضافياً؛ فبعد أن كانت هذه القبائل واجهة تنظيم القاعدة في مديرية الصومعة، توسع خلافهم مع القيادة العامة للتنظيم، إثر تصرفات القيادة وقراراتها الخاطئة في الصومعة دون الرجوع لهم أو الاستماع لآرائهم أو حتى الجلوس معهم، رغم أنهم فتحوا منازلهم للتنظيم، وساهموا بشكل كبير في توسيع حاضنته الشعبية في المديرية.
لكن تصرفات القيادة العامة أجبرت آل المنذري أن يصدروا بيان أعلنوا فيه التخلي عن التنظيم وانعزالهم عنه، وتواصلت معهم ميليشيات الحوثي بشكل مباشر وأقنعتهم بعدم المشاركة في أي معركة ضدها، مقابل عدم التعرض لهم وإبقائهم في مناطقهم، وهو ما تم بالفعل حينما دخل الحوثيين الصومعة والآن هم مازالوا في الصومعة حسب اتفاقهم مع الحوثي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن خسائر القاعدة في أبين مؤخرا توفر فرصة ثمينة لمليشيات الحوثي لتوفر ملاذا آمنا للتنظيم في مناطق تحت سيطرتها، بينما رجح مصدر جهادي مطلع على صناعة القرار في القاعدة احتمالية إبرام تفاهمات ثنائية بين الطرفين عبر وسطاء قبليين، نظرا لوجود قادة قبليين متعاطفين مع القاعدة في مناطق سيطرة الحوثي قد يعرضون على قيادات القاعدة وعناصرهم إمكانية إيوائهم، بعد التنسيق مع صنعاء، ويستفيد الحوثي بشكل غير مباشر من توفير ملاذ آمن لعناصر القاعدة كي ينطلقوا منه لأداء عملياتهم في المناطق المحررة ضد خصومه، وبالتالي تخفيف الضغط الميداني عليه.
وفي نفس السياق، هاجم تنظيم القاعدة القوات الجنوبية اليمنية التي تخوض، في الفترة الأخيرة، قتالا مستمرًا ضد التنظيم، في جنوب البلاد، داعيًا القبائل اليمنية لمساندة التنظيم والوقوف معه لمواجهة هذه الحملات، أو حتى الوقوف ضد هذه الحملات بشكل منفرد دون الارتباط المباشر بالتنظيم.
عام الانشقاق الأكبر
أدى انحراف سياسة تنظيم القاعدة في اليمن وانحسار جغرافيته بعد الهزائم التي تلقاها في معاقله الأساسية في حضرموت وشبوة والبيضاء بالإضافة للأزمات الداخلية التي خلقتها القيادة العامة للتنظيم، إلى بحث أغلب كوادره عن بيئات آمنة للاستقرار فيها بعيداً عن الأحزمة والنخب الأمنية والتحالف العربي، وهو الأمر الذي كانت تنتظره مليشيات الحوثي بشدة.
وخلال السنوات الماضية اعتزل عشرات القادة ومئات العناصر من تنظيم القاعدة في اليمن، و الكثير منهم لم يتخذ هذا القرار إلا بعد أن وصل إلى قناعة تامة بأن سياسة التنظيم انحرفت وأن القيادة العامة للتنظيم، دائما ما كانت تثبت أنها تستخدم أفرادها كوقود حرب، وتتخلى عنهم عند أول اختبار حقيقي؛ فالكثير من القيادات التي وفرت حاضنة آمنة للتنظيم، تنكر لها التنظيم، وكان وفور خسارته لمناطقهم، يقوم بتهميشهم والتخلي عنهم، مما أثر على تماسك التنظيم، وأدى لانتكاسة كبيرة في صفوفه.
ومع كل أزمة جديدة، تسود حالة من السخط والغضب داخل التنظيم، ومما زاد الطين بلة قرار التنظيم بوقف كل الميزانيات التي كانت تصرف قبل ذلك، ولم يؤثر ذلك على احتياجات الأفراد فقط، بل حتى الأمور العسكرية والدعوية والإعلامية والأمنية، وبسبب نضوب الموارد المالية تم اللجوء إلى عمليات خطف بغرض الفديات المالية، مما زاد حالة التشظي والتذمر الداخلي.
وفي نهاية أغسطس الماضي أعلن نائب الرئيس اليمني، عيدروس الزبيدي، إطلاق عملية عسكرية في محافظة أبين، باسم “سهام الشرق”، شاركت فيها قوات الحزام الأمني وقوات أمن أبين.
كعادته لم يحاول تنظيم القاعدة خوض مواجهات مباشرة مع القوات المشتركة، وقرر في منتصف أغسطس سحب قياداته وأهم مقاتليه من المحافظة، مع الإبقاء على العشرات من عناصره في وادي عومران، لزرع العبوات الناسفة و تأخير تقدم الحملة العسكرية.
ونظرا لهذه الظروف يحاول التنظيم التكيف مع الوضع المستجد بعد هزائمه الثقيلة في أبين عبر التحول إلى إلى أسلوب حرب العصابات، وهو المفضل لدى قيادة التنظيم والأقل تكلفة ماليا وبشريا، ويشمل زراعة العبوات الناسفة والاغتيالات والكمائن واقتحام النقاط، والتركيز على توحيد قواته المتواجدة في محافظتي شبوة وأبين تحت قيادة أمير واحد وهو أبو الهيجاء الحديدي، الذي يعرف بأنه أحد أبرز القادة الميدانيين الذين يجيدون حرب العصابات.
وساهمت مغادرة مئات العناصر من محافظة أبين في مفاقمة أزمة التنظيم، لأن جزءًا كبيرًا منهم ينحدرون من المحافظة وكانوا يتكفلون بتوفير احتياجاتهم واحتياجات الكثير من العناصر النازحة إلى أبين بعد خسارة مديرية الصومعة، بعد أن خذلهم التنظيم ولم يوفر لهم أبسط الاحتياجات، وهو ما يؤثر على القيادة العامة للتنظيم فـدائرة الغضب الداخلي ضدهم تتوسع وتتصاعد خلافاتهم التي ستؤدي إلى انعزال الكثير من أصحاب تلك المناطق، كما وقع عند تراجع التنظيم من مناطق سابقة، فمع خسارة أي منطقة يندلع الغضب وتنشب الخلافات داخل التنظيم مع أصحاب تلك المناطق، الأمر الذي ينعكس سلبا على الحاضنة الشعبية للتنظيم، مع الإشارة إلى أن التقارير تفيد بأن هناك العشرات مازالوا ضمن القاعدة وينتظرون أي بادرة لتركه.
وكان القيادي في القاعدة، أبو عبيدة الحضرمي، هاجم في تسجيل صوتي له، الشباب إثر عزوفهم عن الالتحاق بتنظيمه.
ومن المتوقع أن يستمر مسلسل الانشقاقات نظرا لبقاء أسبابه كما هي فالظروف التي أدت لانشقاق أبو عمر النهدي سابقًا مازالت موجودة فالقيادة ترفض التحكيم الشرعي، وتقتل بالشبهة، وتعتمد على البطش في تسيير أمور تنظيم عقائدي تطوعي.
وترجح الباحثة المتخصصة في شؤون الحركات الجهادية، نهاد الجريري، أن تستمر الانشقاقات حتى تصل إلى حالة الاقتتال بين مكونات التنظيم، مبينة أن سوء إدارة باطرفي يهدد بانسلاخ الحاضنة السنية الجنوبية عن التنظيم. بل ربما اكتمل هذا الانسلاخ؛ فكل ما يفعله باطرفي اليوم هو أنه يقاتل السنة القادمين من الجنوب اليمني بحجة أنهم مدعومين من التحالف العربي، وفي نفس الوقت، كل ما يفعله باطرفي يصب في خدمة الحوثيين المدعومين من إيران الشيعية، ومهما حاول باطرفي تبرير استراتيجيته، فإن الثابت هو أنه يعادي السنة، وكل المعطيات على الأرض تشير إلى ذلك، ويدلل على ذلك سلوك التنظيم في مأرب التي كادت تسقط في أيدي الحوثيين مطلع ٢٠٢١؛ وسلوكه في قيفة والبيضاء التي انحاز منها لصالح الحوثيين في أغسطس ٢٠٢٠؛ وسلوكه في شبوة التي كادت أن تسقط في يد الحوثيين مطلع ٢٠٢٢ لولا تدخل العمالقة الجنوبيين، فكل ذلك يثبت أن باطرفي يتبنى استراتيجية تخدم الحوثيين وتسبب في خلافات قبلية وفي تآكل موارد التنظيم، وفي نهاية الأمر، التنظيم يعتمد على العلاقات القبلية، وقد حاول مؤخرا نفي علاقته بتفجيرات وادي عبيدة في مأرب التي استهدفت قيادات عسكرية محسوبة على الإصلاح، في محاولة منه لإيصال رسالة للسنة مفادها: نحن لسنا ضدكم في الجنوب والدليل أننا معكم في الشمال!
وكشفت الجريري عن أن الخلافات بين باطرفي وسعد عاطف العولقي بدأت تحتدم منذ مطلع العام الحالي، واتخذت أكثر من شكل؛ ففي البداية اتهمت جماعة سعد اتهامات إلى باطرفي بتشريح صالح عبولان، المعروف بالعم سعد أبي عمير الحضرمي، ولاحقاً علمنا أن الأمر تطور إلى مسألة الشرعية فجماعة سعد يرونه أحق بالزعامة من باطرفي خاصة بالنظر إلى فشل باطرفي في قيادة التنظيم.
وتؤكد الباحثة المتخصصة في شؤون الحركات الجهادية، أن التنظيم وصل إلى نقطة اللاعودة، فباطرفي أثبت أنه أساء قيادة التنظيم، وأن التنظيم سيظل في انحدار إذا استمر على هرمه، ولنا في التاريخ عبرة؛ فسوء إدارة باطرفي تسبب في “الاعتزال الكبير” الذي كان أهم المنشقين فيه أبو عمر النهدي وأبو منصور الحضرمي، وخسر التنظيم شخصيات وازنة قيادياً وقبلياً كانت وفية للتنظيم الأم وللفرع، والدليل أن المعتزلين لم ينضموا إلى جهات أخرى منافسة أو شكلوا تنظيماً موازياً، بل اعتزلوا وكفى، وخسر التنظيم الحاضنة السنية لأن سلوك باطرفي على الأرض يخدم الحوثيين المدعومين من إيران. ولم يعد التنظيم قادراً على الترقيع والتبرير لاستقطاب السنة.
وتشير إلى أنه بالنظر إلى حالة أبي عمر النهدي، فإن أهم ما فيها أن الرجل ظل متمسكاً بالتنظيم حتى اللحظة الأخيرة، وهذا يعطي مصداقية لقصته ويؤشر على اتساع الهوة بين باطرفي والآخرين سواء أكانوا قياديين أو أفراداً عاديين، فعندما طفت أخبار الانشقاق، أو الاعتزال، في فبراير ٢٠٢٠، لم يكن أحد ليصدق الخبر الذي سربته قنوات داعش في اليمن، لكن في مايو من ذلك العام، خرجت قيادة القاعدة في اليمن بكلمة صوتية مطولة تؤكد الخلاف وترفض مطالب “المعتزلين”، في كلمة بعنوان ”ولا تكن للخائنين خصيما“ وبعد شهرين تقريباً، رد المعتزلون بالانشقاق.
وأردفت الجريري أن اللافت هنا أمران: أولاً، أبو عمر النهدي الذي قاد هذا الاعتزال مع أبي منصور الحضرمي نشر خلال هذه الفترة رسالة مفتوحة إلى أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة يناشده التدخل، وكان جزء من الخلاف يتعلق برسالة تُرفع إلى الظواهري نيابة عن المُتظلمين، وكانت المهمة منوطة بباطرفي نفسه لأنه كان المخول بالتواصل مع القيادة المركزية، لكنه لم يرفع المذكرة وقال إنه كان ينتظر من المُتظلمين كتابتها، وثانياً، رغم رفض باطرفي التوصل إلى حل مع المُتظلمين، لم يُعلن أي من المعتزلين تشكيلهم تنظيم آخر موازٍ أو انضمامهم إلى جهة أخرى رغم قدرتهم على ذلك، كما أن ذلك الاعتزال جاء هذا في وقت كان التنظيم مقبلاً على مرحلة رآها البعض مُبشرة بتعديل المسار وتغيير الحال؛ إذ كان التنظيم يعاني تحت زعامة قاسم الريمي، فمشكلة أبو عمر النهدي مع قيادة التنظيم بدأت في نوفمبر ٢٠١٩ وكان الريمي على هرم التنظيم وكان يحاول حل المعضلة، وجزء من الحل كان موكل إلى خالد باطرفي، واختمر الخلاف في فبراير في نفس الوقت تقريباً الذي قُتل فيه الريمي وتولى باطرفي الزعامة، وأغلق الملف على خسارة.
مأزق باطرفي
ترتب على فشل التنظيم في إحراز أي نصر حقيقي، طوال أكثر من سنتين من إمارة خالد باطرفي، ازدياد حالة السخط تجاهه وتجاه تيار الجهاد العالمي في القاعدة، في ظل استمرار خسارة الجهاديين المخضرمين، وصعود جيل جديد من المقاتلين داخل التنظيم ممن لم ينخرطوا في تجارب جهادية خارجية، أو يرتبطوا بأي روابط حقيقية مع قيادة القاعدة المركزية، وتحديدًا مع سيف العدل، الذي يُنظر إليه كأرفع قيادة في التنظيم على مستوى العالم، الذي تبقى إقامته في إيران واحدة من النقاط السلبية بالنسبة لأتباع القاعدة المنخرطين في قتال وكلاء طهران وحلفائها كجماعة الحوثي.
وفي ظل بقاء سيف العدل في إيران تصبح دعوى فرع القاعدة في اليمن بمعاداة الميليشيات الحوثية التابعة لطهران فاقدة للمصداقية، أي أن أزمة باطرفي ترجع في جزء منها إلى القيادة المركزية للقاعدة.
وعوضاً عن ذلك يسعى باطرفي للتحريض ضد التحالف العربي، ويحاول استقطاب شباب جماعة الإخوان وأبناء القبائل لتعويض خسائره المستمرة، لا سيما بعد اضطراره للانسحاب من معاقله الرئيسية وفقدانه لفاعليته العملياتية وسط رواج اتهامات لقيادة التنظيم وفي مقدمتها أميره خالد باطرفي بالتعاون و التخادم مع الحوثي.
ومع تفاقم أزمته يلجأ باطرفي إلى الهروب إلى الأمام من خلال الإصرار على اللجوء إلى نفس الأساليب القمعية لتدارك سلطته المتداعية ونفوذه المتآكل، فلجأ في العاشر من نوفمبر الماضي إلى تهديد القبائل اليمنية وتخييرهم ما بين الانضمام إليه في معركته ضد التحالف العربي أو اعتباره لهم ضمن صفوف الأعداء، متجاهلا تماما الخطر الحوثي، ومقوضاً بذلك البقية الباقية من ورقة التوت التي كان يستتر بها سابقا حين كان ينصب نفسه حامي حمى أهل السنة في اليمن ضد المشروع الحوثي الشيعي، واكتفائه بالحفاظ شكليا على خطابها المعادي لجماعة الحوثي مع الإشارة الى تأجيله كتهديد حقيقي.
ويوماً تلو آخر تتعمق أزمة قيادة التنظيم التي أصبحت متمثلة بخالد باطرفي وخبيب السوداني و إبراهيم البنا، مما انعكس سلبا على قوة التنظيم مع تآكل الثقة به إثر الدموية التي تعامل بها الجهاز الأمني للتنظيم، ولم يؤد ذلك إلى التخلي عن اتباع استراتيجية “قتال العدو البعيد” التي يقصد بها الولايات المتحدة والغرب، بل يرفض الاستجابة إلى دعوات إرهابيين بارزين بقطع صلاته بتنظيم القاعدة المركزي (قاعدة خراسان) والتحول لجماعة محلية تُركز على القتال ضد جماعة الحوثي في أعقاب الانتكاسات والهزائم التي تعرض لها، واستمرار حملة مكافحة الإرهاب تقوم بها جهات عدة من بينها التحالف العربي، والولايات المتحدة الأمريكية.
واخيرا فقد بات واضحاً -من خلال المعطيات الراهنة- أن أزمة القيادة تدفع قاعدة اليمن إلى مثواها الأخير، فالتنظيم بات هشاً، وكل أفعاله تصب في مصلحة طرف واحد هو الحوثي، وفي المقابل، لا يزال جزء كبير من القاعدة ومنهم باطرفي نفسه يعيشون في مناطق تخضع لسيطرة الحوثيين، فيغضون الطرف عنهم، وهنا تكتمل الصورة، فإن كان مُحرّك القاعدة المركزية، سيف العدل، يعيش في طهران حرّاً طليقاً؛ فلا بأس إذاً إن سعى باطرفي في اليمن إلى خدمة الحوثي، فالطريق إلى سيف تبدأ من صنعاء.
لماذا ٢٠٢٢ سنة فارقة في مستقبل تنظيم القاعدة في اليمن.. التقارير التالية تحكي القصة:
- ما خلفيات أسرع بيان إنكار في تاريخ قاعدة اليمن بعد حادثة أبين؟ ولماذا يعتبر مؤشر مهم في تحليل حاضر ومستقبل التنظيم؟
- ما تفاصيل خلاف باطرفي مع سعد عاطف العولقي ولماذا حاول زعيم قاعدة اليمن إحراج العولقي أمام قيادات وعناصر من أبناء شبوة.
- التهميش وانفراد باطرفي وفريقه بقيادة التنظيم أهم أسباب اعتزال عناصر القاعدة في اليمن وتركهم للتنظيم.
- لماذا يستقطب الحوثي قادة تنظيم القاعدة؟ أسماء مع تفاصيل مراحل التفاوض بين قيادات التنظيم التي استقطبتهم مليشيات الحوثي.
- تفاصيل حصرية لأخبار الآن عن عمليات اختطاف القاعدة لموظفي الأمم المتحدة في اليمن.
- الكشف عن شخصية أبو علي الديسي المقرب من خالد باطرفي والذي يشغل منصب مسؤول الدعوة الشرعية.
- الكشف عن استراتيجية تنظيم القاعدة بعد خسارة محافظة أبين وكيف يحاول التكيف في المنطقة الاستراتيجية.
- قيادي في تنظيم القاعدة لأخبار الآن: انحاز التنظيم عن مبادئه الدينية لذلك فضلت الانشقاق.
- هل يضحي باطرفي بقادة القاعدة البارزين من أجل عيون الحوثي؟
- لماذا يخشى باطرفي اليمنيين ويحيط نفسه بالأجانب في قاعدة اليمن؟
- كيف أكد مقتل عمار الصنعاني الشكوك حول علاقة “باطرفي” بـ”الحوثيين”؟