أزمة القاعدة في اليمن.. هل تكون النهاية على يد العولقي؟
مع ازدياد حرج وضع تنظيم القاعدة في اليمن، ميدانياً ومالياً، وتخبط قيادة التنظيم ممثلة في خالد باطرفي والمقربين منه، وعجزها عن لملمة الأوضاع بعد أن انفرط عقد التنظيم في معاقله الرئيسية، اشتعلت الخلافات والانتقادات داخل التنظيم، ليس فقط من جانب الأتباع الناقمين على سوء القيادة، بل وصلت الخلافات إلى أعلى مستوى في التنظيم.
فقد خرج باطرفي يوم السبت الموافق 14 يناير في إصدار مرئي هو الأول له منذ أكثر من عام، وتضمن الإصدار هجومًا على خصوم التنظيم. ومحاولة استعطاف واستثارة القبائل اليمنية لنصرة تنظيم القاعدة، لكنه في نفس الوقت هاجم وجهاء تلك القبائل ووصفهم بأنه لا يُرتجى منهم نصرًا ولا دعم، لأنهم حتى لو وقفوا مع التنظيم فسيخذلونه في نهاية المطاف.
وعقب أيام من ظهور باطرفي، بث التنظيم عبر الذراع الدعائي ”الملاحم“ إصدارًا مرئيًا جديدًا ضمن سلسلة أرشيف المجاهدين، يظهر فيه أحد العناصر في المياه اليمنية متوعدًا الولايات المتحدة.
وبدأ الإصدار بظهور قصير للقيادي الشرعي نصر الأنسي، والذي قتل بغارة جوية أمريكية. كما ظهر في الإصدار أحد عناصر التنظيم وهو الزبير التعزي، وهو يوجه رسائل من على متن قارب في إحدى الشواطئ اليمنية.
وفي رسالته، توعد التعزي ما أسماهم أعداء الدين، بأن عناصر التنظيم خرجوا إلى السواحل، لضرب أعدائهم.
وفي مطلع يناير الجاري، سارع تنظيم القاعدة في اليمن بإصدار بيان ينفي فيه علاقته بالانفجار الذي حدث قرب منزل شيخ قبلي في قرية القليتة بمديرية مودية، محافظة أبين جنوب اليمن، وجاء بيان النفي بعد 7 ساعات فقط من الانفجار.
ومع الأزمات المتتالية، تبخر الكثير من رصيد الثقة الذي تعتمد عليه قيادة القاعدة بشكل أساسي؛ فتصرفاتها أصبحت تثير الريبة والشكوك خاصة مع شيوع حالة التخوين والإقصاء والإعدامات، في ظل غياب المسؤولين الشرعيين، ومهادنة الجماعة لميليشيات الحوثي المدعومة من إيران بشكل مثير للصدمة والتساؤل لدى الأتباع.
ومع نضوب العديد من الموارد المالية بدأ التنظيم يفقد قدراته وتأثيره، وبحسب مراقبين فقد أدت فترة الرخاء المالي القصيرة التي عاشها التنظيم قبل ذلك إلى تفشي الفساد بين أعضائه، وإضعاف روحهم القتالية، وبدأت بعض القيادات تطالب بالامتيازات المالية التي اعتادت عليها، ورفض البعض القيام بأي مهام ميدانية إذا لم يتقاض مبالغ مالية مقدما.
انشقاق النهدي
تسبب ضعف إدارة باطرفي في تراجع نفوذ التنظيم وخسارته ليس فقط أبرز معاقله، بل أبرز وأهم قياداته؛ فالانشقاق والاعتزال بات خيارا مطروحا في ظل قيادته بسبب سياسة الإقصاء التي همشت الكثير من أتباع وقادة الجماعة لصالح تغليب كفة القلة المتحكمة المقربة من باطرفي، وكانت أشهر حالة في هذا الصدد واقعة انشقاق الأمير السابق للتنظيم في المكلا، أبو عمر النهدي، وخسر التنظيم شخصيات وازنة قيادياً وقبلياً كانت وفية للتنظيم فيما أُطلق عليه “الاعتزال الكبير”.
وعلى مدى سنوات، قدمت “أخبار الآن” تقارير عن الانقسامات الداخلية للقاعدة في اليمن وكيف أدى ذلك إلى انشقاق أسماء بحجم أبو عمر النهدي، بعد أن اختلف مع خالد باطرفي، وانتقد نهجه بشدة، وحاول تحذير القاعدة لكن تم تجاهله.
فوفقا للباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب، أحمد سلطان، فإن أبو عمر النهدي كان مختلفا مع قاسم الريمي (أبو هريرة الصنعاني) ثم اختلف مع خالد باطرفي وسبب اختلافه بالأساس أنه كان هناك خلاف حول أولوية القتال على الجبهات وآلية دعم القبائل في مواجهة جماعة الحوثي، ووقتها بدأ تبادل الاتهامات بين الريمي وأبو عمر النهدي الذي اتهم قيادة تنظيم القاعدة بأنها تمنع التنظيم من مناصرة القبائل في مواجهة الحوثيين وتعمل باستراتيجية مثيرة للجدل وما إلى ذلك.
وأضاف سلطان أن الريمي وسَّط خالد باطرفي في موضوع أبو عمر النهدي ومجموعته، لكن هذه الوساطة فشلت ومن ثم لجأ النهدي إلى مراسلة أيمن الظواهري ولكن لا يبدو أن الرسائل وصلت له قبل مقتله، وعندما لم يرد الظواهري اضطر النهدي لإعلان تظلمه كما سماه في الإعلام ونشر بيانا طويلا يشرح فيه الخلاف بينه وبين الريمي وردت قيادة تنظيم القاعدة في اليمن ببيان آخر عنونته “ولا تكن للخائنين خصيما” اعتبرت أن مجموعة النهدي ومن معه خانت التنظيم وكل هذا في النهاية أدى إلى تعقد المشهد فانشق أبو عمر النهدي والمجموعة التي كانت معه في عهد باطرفي وخرج خارج التنظيم وقال إنه لن يعمل مع القاعدة في اليمن مرة أخرى وهو الآن وفق المعلومات المتاحة لا يشارك في أي أعمال قتالية في الوقت الحالي.
ومع استمرار الشبهات الأخلاقية والأيديولوجية والمالية تستمر حالة التذمر والغليان بما يهدد بتدمير ما تبقى من القاعدة في شبه الجزيرة العربية، نظرا لاستمرار نفس الظروف والمشاكل التي أدت لانشقاق السابقين وعدم معالجتها حتى الآن.
أزمة سعد بن عاطف العولقي
في ظل تفاقم مشاكل التنظيم، يبرز الخلاف الذي تتسع شقته شيئا فشيئا بين باطرفي وسعد عاطف العولقي، مما يثير انقساماً آخر في التنظيم على غرار انقسام جماعة النهدي فيما عُرف بالاعتزال الكبير في الفترة من فبراير إلى مايو ٢٠٢٠، فعلى ما يبدو، قام قياديان مقربان من سعد عاطف، أمير التنظيم في شبوة، باتهام قياديين آخرين من أنصار باطرفي بالوشاية بمسؤول التنظيم العسكري صالح عبولان، المعروف بالعم سعد أبي عمير الحضرمي، واستند جماعة سعد في اتهامهم إلى أن الاثنين كانا آخر من التقاهم عبولان في محلّ إقامته في المحفد بمحافظة أبين؛ وأنهما أرادا إزاحته من طريقهما حتى تخلو لهما الساحة.
ولجأ باطرفي إلى إبراهيم القوصي (الشهير بخبيب السوداني)، مساعد أمير التنظيم، ليؤدي دور الوساطة لاحتواء الخلاف، مما يكشف عن توتر في العلاقة بينه وبين القيادي الشاب وجماعته الذين يعتبرونه أولى بالزعامة من باطرفي، وكانوا يتوقعون أن يتولى الزعامة بعد الريمي لما له من علاقات مع قبائل الشمال والجنوب، بخلاف باطرفي الذي تتركز قاعدته في الجنوب لكنه تفوق على سعد بحضوره الإعلامي وشهرته في الخارج، مما زاد حظوظه بتولي الزعامة.
ومما زاد النقمة على قيادة تنظيم القاعدة في اليمن أنها اتخذت عدة إجراءات تقشفية خلال الأشهر الماضية أهمها وقف الميزانيات التي كانت تعطى لأمراء الولايات وتكون تحت تصرفهم، مما أدى إلى انفجار الصراع بين أنصار باطرفي ومؤيدي سعد بسبب وقف صرف العطاء الشهري للقيادات والأفراد في محافظة شبوة، وتركهم بدون أي مصادر دخل، الأمر الذي أجبر بعضهم على مغادرة التنظيم والبحث عن مصادر دخل أخرى لتأمين دخل لهم ولأسرهم، مما أجج أزمة حادة في الصف الأول من التنظيم؛ ففريق سعد العولقي كان يرى أن ثمة توجه عدائي ضد أبناء شبوة من الجهاديين.
ولم تقتصر المشكلة تجاه شبوة على الجانب المالي، حيث اشتكت قيادات عديدة بتنظيم القاعدة في اليمن من أن باطرفي همش الجهاديين في شبوة تماماً، وهذا اتضح بشكل جلي من خلال تراجع العمليات العسكرية وكذلك الضعف التنظيمي الذي بات يعانيه فرع القاعدة في شبوة نتيجة ضعف التواصل والتنسيق.
ويرى الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب، أحمد سلطان، أن سعد بن عاطف العولقي من أكبر وأبرز قيادات تنظيم القاعدة في اليمن وكان أحد المرشحين لخلافة قاسم الريمي ويبدو أنه كان المرشح الأبرز بعد خالد باطرفي، وقد تسبب باطرفي والنهج الذي اتبعه في إمارة التنظيم في العديد من المشكلات
ويوضح سلطان أن تنظيم القاعدة في اليمن بعد ما كان أبرز أفرع التنظيم صار متراجعا بشكل كبير للغاية وصار ضعيفًا جدا وغير قادر على مواصلة العمل بنفس الطريقة السابقة وبدأ الحديث يدور عن صراع بين قيادات التنظيم فيما يتعلق بنهج من يريدون اتباع نهج الجهادية العالمية ومن يريدون اتباع نهج الجهادية المحلية.
ويكمل سلطان حديثه بالاشارة إلى أن خالد باطرفي ومن يؤيده في قيادة تنظيم القاعدة في اليمن يرون اتباع نهج الجهادية العالمية وهذا النهج يقتضي أن يركز التنظيم على العمليات خارج اليمن أما مجموعة اليمنيين ويبدو أن من بينهم سعد بن عاطف العولقي يركزون على فكرة الجهادية المحلية والتصدي لجماعة الحوثي، وهذا الكلام يأتي في ظل حديث عن تخادم بين مجموعات من القاعدة والحوثي وهذا التخادم أسفر عن سقوط عدد من قيادات القاعدة البارزين منهم مسؤولين عسكريين مثل أبو عمار الصنعاني وغيره وهؤلاء القادة كان مقتلهم لغز لأن اكتشاف أماكنهم أو ما إلى ذلك تم بشكل لافت وتم بشكل متتالي سقط العديد من القيادات في وقت سريع جدا وطبعا كل هذا يطرح تساؤلات عن من وشى بهم.
وأضاف سلطان أنه حتى الآن رغم الحديث عن غضب القيادات اليمنية ومنها سعد بن عاطف العولقي لكن لا يبدو أنه يريد الانشقاق بشكل كامل كما فعل أبو عمر النهدي الذي انشق عن القاعدة ولزم بيته وترك التنظيم هو والمجموعة التي كانت معه، أما سعد بن عاطف العولقي فالمؤشرات تشير إلى أنه مازال يعمل داخل إطار التنظيم لكن في حال قرر ترك التنظيم فسيكون ذلك أحد أكبر الانشقاقات في تاريخ تنظيم القاعدة في اليمن وبالطبع سيكون له ارتدادات كبيرة على التنظيم لأنه سيتبعه انشقاقات هيكلية أكثر داخل تنظيم القاعدة وستخرج مجموعات بالكامل من التنظيم.
تجدر الإشارة إلى أن ملامح الأزمة في شبوة بدأت ملامحها بالظهور منذ 2021، حينما فضل باطرفي عدم الانخراط في أي معارك لمواجهة الحوثيين عندما اجتاحوا المحافظة وسيطروا على بعض مديرياتها، وهو ما أضر بمصداقية التنظيم أمام قواعده المحلية، ودفع كثيرا منهم إلى تركه.
ومن الملاحظ أن إصرار التنظيم على مهاجمة قوات الحكومة الشرعية مقابل تنامي التنسيق الأمني مع الحوثيين، قد زاد من وتيرة التعقيدات، إذ يرى بعض عناصر القاعدة أنهم يُدفع بهم إلى قتال جنود الجيش اليمني الذين تربطهم بهم علاقات قبلية، في مقابل ترك العدو الأيديولوجي الأول المتمثل بجماعة الحوثي الشيعية التابعة لإيران.
الطابور الخامس
يحاول سعد عاطف تصحيح مسار تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والتركيز على العدو القريب المتمثل في جماعة الحوثي التابعة لإيران، لكن هيهات أن يحدث ذلك وسيف العدل ممثل القيادة المركزية لتنظيم القاعدة يتخذ من العاصمة الإيرانية طهران مقرا له!
ويرى سعد مراوغة باطرفي في هذا الأمر فيُعلن الحرب على الحوثيين كلامياً ويخدم مصالحهم فعلياً عبر اتباع استراتيجية الجهاد العالمي التي تعني محاربة الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة الرياض بتهمة موالاتهم للأمريكيين، والتعامي عن خطر الحوثي.
فقد بات واضحًا اليوم ماذا تعني الأيديولوجية الجهادية الكاذبة التي روج لها سيف العدل، أبرز قادة تنظيم القاعدة المركزي، وصهره مصطفى حامد (أبو الوليد)، المعروف بمؤرخ القاعدة، والذي نصّب نفسه مُنظراً للتنظيم الذي يقف زوج ابنته على رأسه، واتخذ موقعه “مافا السياسي” الذي يُطلقه من إيران، منبراً للدعوة إلى التحالف بين فرع تنظيم القاعدة في اليمن والحوثيين، ومن الواضح أن سعد عاطف العولقي لا يستطيع السكوت حيال هذا الكلام في ظل السلوك المريب لباطرفي تجاه الحوثي.
وبينما يشن أبو الوليد هجماته البلاغية المستمرة على القاعدة، ويطالبها بالتبعية لطهران، يستثني من حديثه فرع القاعدة باليمن فيقول “مع الاحتفاظ باحترام خاص لمجاهدي اليمن” مما يثير الشكوك حول تحالف فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مع ميليشيات الحوثي.
فكتاباته تدور حول فكرة محورية وهي “إقامة دولة إسلامية مركزية”، وهذا يفسر رغبته هو وسيف العدل في التنازل عن مبادئ معينة لإيجاد أرضية مشتركة مع الحلفاء المحتملين، فهو يدعو لـ تحالف سني شيعي لـ “تحرير” شبه الجزيرة العربية والإطاحة بالحكومات العربية ومهاجمة الولايات المتحدة، ويتضح ذلك أكثر بتصفح موقعه، ففي مقاله “الحوار الجاد والفرص النادرة”، المنشور بتاريخ ٦ مايو ٢٠٢٢، يناقش مسألة تعاون ميليشيات الحوثي مع تنظيم القاعدة في اليمن وحركة الشباب الصومالية معتبراً أن انتصار الحوثي لو حدث فإنه يعني “فتح الطريق البرى أمام مجاهدي اليمن للوصول إلى حدود فلسطين مروراً بتحرير مكة و المدينة.. إنها فرصة لمجاهدي اليمن و الصومال و فلسطين و جزيرة العرب كى ينظروا إلى أنفسهم وبلادهم بطريقة جديدة تناسب وقتنا الراهن” على حد قوله.
وبكل وضوح يريد أبو الوليد، صهر سيف العدل ومعلمه، أن ينضم الجهاديون إلى المحور الإيراني، ويقدم حلاً لمعالجة مشكلة عدم ثقة الجهاديين بنوايا طهران، وهو أن يعمل الجهاديون خلف خطوط العدو المشترك كطابور خامس بدلا من التعاون المباشر المعلن مع الإيرانيين.
وقد نشر أبو الوليد في موقعه مقالا لسيف العدل بعنوان “33 استراتيجية للحرب -1(استراتيجية التضاد)” باسم مستعار وهو “عابر سبيل”، في فبراير/ شباط 2021، تحدث فيه سيف عن مفهوم الطابور الخامس وقال “مفهوم العدو استراتيجيا أوسع ممن يقاتلك .. فهناك المتربصون .. لفظ العدو يشمل كل من يعمل ضد مسيرة الإسلام.. هناك من يكنون لك نوايا سيئة ويتحركون بطرق خفية .. لاحظ الإشارات فليس كل ما هو ظاهر حقيقي .. والطابور الخامس بحاجة أن يُستفز ويُستدرج ليظهر الذين يحركونه وتتكشف وجوههم.”
ويطلب سيف من الجهاديين أن يكونوا على دراية بمفهوم الطابور الخامس، الذي يعني العمل مع العدو ظاهرياً “تعلم كيف تخرج أعداءك من مخابئهم .. أعلن الحرب عليهم سرًا .. لا تكن ساذجًا .. ليس كل ما هو ظاهر حقيقي”.
وهذا الاهتمام من جانب سيف العدل بمفهوم الطابور الخامس جدير بالملاحظة لأنه علامة مميزة لاستراتيجيته العسكرية، أي حشد الحلفاء المختبئين لضرب العدو من الخلف، وهذه هي بالضبط الطريقة التي وجه بها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ليصبح حليفًا للحوثيين، وطعن القبائل اليمنية في ظهورها بينما كان يختبئ وسط المجتمع السني كجزء منه.
وإذا كان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو الطابور الخامس بالنسبة لليمن، فإن سيف ورفاقه المقيمين في إيران هم الطابور الخامس بالنسبة للقاعدة، ويبدو أن سعد عاطف العولقي بدأ عملية التمرد على هذا المخطط الإيراني من خلال موقفه ضد إدارة باطرفي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
تفاصيل حصرية عن توجيه مصطفى حامد وسيف العدل القاعدة لخدمة أجندة إيران في الجزء الرابع من سلسلة متلازمة طهران
فالتنظيم بات هشاً، وكل أفعاله تصب في مصلحة طرف واحد هو الحوثي، فهناك جزء كبير من القاعدة ومنهم باطرفي نفسه يعيشون في مناطق تخضع لسيطرة الحوثيين، فيغضون الطرف عنهم، وهو ما يتناغم مع منهج قيادة القاعدة المركزية، التي تتخذ من إيران مقراً لها.
وبالرغم من محاولة الطرفين التكتم على هذه العلاقة التي يعد انكشافها كفيلا بتفتيت فرع تنظيم القاعدة باليمن إذا اكتشف أتباعه تعرضهم لهذه الخديعة الكبرى، فإن دلائل كثيرة أظهرت أداء التنظيم لدور الطابور الخامس لخدمة الحوثيين، الذين أصدروا بطاقات هوية مزورة لعناصره، وأطلقوا سراح الكثير منهم، واستضافوا البعض الآخر في مناطق سيطرتهم، وفي المقابل ساعدتهم القاعدة في الميدان وأخلت لهم عدة مناطق لتمكينهم من الالتفاف على الجيش الوطني اليمني، مما دعا الحكومة اليمنية لترفع تقريرا بهذا الأمر عبر بعثتها في الأمم المتحدة، موجهًا إلى المنظمة وإلى أعضاء مجلس الأمن في مارس من عام 2021، لإثبات العلاقة الوثيقة بين ميليشيات الحوثي وقاعدة اليمن، وأن عمليات الحوثي ضد القاعدة في اليمن مجرد عمليات صورية.
وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته أيضًا من متابعة خطاب القاعدة الذي يكيل التهديد والوعيد للقبائل السنية والقوات اليمنية في الجنوب على أساس أنها مدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، متعامياً عن الحوثيين المدعومين من إيران! مما يستفز القادة والقواعد في التنظيم على حد سواء الذين يرون العدو في صنعاء وليس على بُعد آلاف الأميال طبقاً لرؤية تيار الجهاد العالمي.
ويؤكد الباحث في الشأن اليمني، عاصم الصبري، أن سعد العولقي يحاول إصلاح مسار التنظيم الذي انحرف بالفعل خلال السنوات الماضية، لعدة أسباب، مضيفًا “السؤال الحقيقي هنا هل يستطيع سعد العولقي النجاح في إصلاح مسار التنظيم؟ أنا لا أعتقد ذلك، فالتنظيم بات يحكم من شخصين وهما خالد باطرفي وإبراهيم البنا وهما وراء العديد من الأزمات والمشاكل خلال العام المنصرم، منها اختطاف موظفي الأمم المتحدة في أبين، وتنفيذ كمين على قوات الجيش وذبح أسرى، بإلاضافة إلى توقف شبة كامل عن مواجهة مليشيات الحوثي”.
وأردف الصبري أن هناك العديد من المشاكل التي حاول سعد وقيادات أخرى حلها، لكنهم لم يستطيعوا ذلك، ناهيك أن غياب القيادات الشرعية عن التنظيم أثر بشكل كبير على التنظيم وتوجهاته العسكرية والدينية.
وتابع الصبري أن تنظيم القاعدة في اليمن يعيش أسوأ أيامه، مع تزايد الأزمات المتلاحقة التي تضربه، فقد أصبح التنظيم مفلساً مالياً ويحاول بكل الوسائل إنجاح صفقة الرهائن من أجل الحصول على الأموال، بإلاضافة إلى الانشقاقات والاعتزال من قبل بعض القيادات، أيضا خسارة الجغرافيا وتعرضه لخسائر في محافظتي أبين وشبوة أثر بشكل كبير على التنظيم، وفاقم من الأزمة بين القيادة العامة القيادات الميدانية.
باطرفي لا يُنصت
من الواضح أن باطرفي لا ينصت لشكاوي المتظلمين والناقمين إلا بقدر ما يساعده على محاولة احتوائهم، فهو يرى هذه الانتقادات تحدياً لسلطته ويتعامل معها على هذا الأساس، وهذا من شأنه أن يدفع الناقمين للحاق بسابقيهم والانشقاق عن التنظيم الذي لم يعد قادرا على إقناع أتباعه أو فهمهم، بعد تعذر محاولات الإصلاح تماماً.
وقد تكررت مؤخرا نماذج لجهاديين باتوا يرون صعوبة الاستمرار في هذا النموذج المنهار، مثل سند الوحيشي شقيق ناصر الوحيشي، الأمير الأول للقاعدة في اليمن، وكان من أهم القادة الإداريين والشرعيين داخل التنظيم، لكنه أصبح أبرز القادة المنعزلين عنه.
وبدأ خلافه مع مركزية قاسم الريمي وتصاعدت الخلافات حتى التزم بيته وصارت تأتيه وساطات من قادة من الذين يفضلون أن يبقوا بعيداً عن الصراعات داخل التنظيم.
ومن الذين حاولوا إنهاء الخلاف بين سند الوحيشي والقيادة، سعد عاطف العولقي وسعد الحضرمي، بيد أن كل محاولاتهم باءت بالفشل، وكان سند الوحيشي يردد دائما بأنه لا يحتاج إلى وساطة حتى يرجع لأن خلافه مع القيادة ليس شخصيا، بل بسبب انحراف سياسة التنظيم، وأكد لأحد الوسطاء أنه لم يلاحظ أي تصحيح للأخطاء طوال اعتزاله في بيته بل ظلت الأخطاء والانتقادات تتسع.
وبحسب مصادر مطلعة فقد اتخذ سند الوحيشي قرارا بعدم العودة نهائيًا بعد حادثة الإعدام المثيرة للجدل للدكتور مظهر اليوسفي في البيضاء، وأصدر بيانًا تحت عنوان “لماذا تركت القاعدة” تضمَّن بعض الانتهاكات التي يمارسها التنظيم لا سيما الشرعية، وعقب ذلك اعتزل عددٌ من المقربين منه بعد تراجع ثقتهم في التنظيم.
نصيحة أبي ماريا القحطاني
أدرك بعض رموز التيار الجهادي ما آلت إليه أوضاع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ورأوا أن حل هذا الوضع لا يكون إلا بحل التنظيم؛ ففي أغسطس الماضي، نشر القيادي البارز في هيئة تحرير الشام، أبو ماريا القحطاني، رسالة مثيرة للجدل على قناته على تليغرام، قال فيها إن الوقت قد حان لأن تغلق فروع القاعدة بعد مقتل زعيم التنظيم أيمن الظواهري في 31 يوليو 2022، وتعقيدات إيجاد خليفة له بسبب وجود سيف العدل، المرشح الرئيسي في إيران.
وحث القحطاني القاعديين على التفكير في نموذج بديل يتبنى التعاون مع دول المنطقة كجزء من استراتيجية لمواجهة المشروع الإيراني، وخص فرع القاعدة باليمن بنصيحته ودعاه لأن “يركز على مواجهة المشروع الإيراني ويعلن قطع علاقاتهم مع الكيانات الأجنبية”، ويراجع علاقاته الداخلية والخارجية ليخاطب العالم والشعب اليمني بطريقة جديدة من أجل إنقاذ “شعبنا السني في اليمن الذي أنهكته الحروب وأصيب بقوة نيران إيران”.
وكالعادة صم أبناء القاعدة آذانهم عن سماع هذه النصيحة، ولم تلق قبولاً في دوائر التنظيم حيث كتب منتقدوها ردودا مطولاً عليها، ووصفوا كاتبها بالجهل ورفضوا حججه، فتدخل أبو محمود نجل أبي قتادة الفلسطيني أبرز منظري التيار الجهادي، معربا في تدوينة له عن تأييده لنصيحة القحطاني، مشيرًا أبو ماريا القحطاني ، القيادي البارز في هيئة تحرير الشام ، رسالة مثيرة للجدل على قناته على تلغرام. وكتب أن الوقت قد حان لأن تغلق فروع القاعدة إلى أنه كان يدعو إلى نفس الشيء منذ أكثر من عامين، وقال : “القاعدة ليست إسلاماً، وبالتالي فإن الانفصال عن القاعدة، سواء تنظيمياً أو أيديولوجياً، ليس كفراً أو انحرافاً، في الواقع، من يفكر في الواقع ويسعى حقًا إلى دعم المسلمين سيجد أن الانفصال عن اسم القاعدة وقطع العلاقات معها واجب ملزم”.
ويوماً بعد يوم تتضح الصورة جلية بأن تنظيم القاعدة بات من الصعب استمراره، ويعد الوقت الحالي على وجه التحديد أنسب فترة لاتخاذ قرار حل القاعدة واستقلال فروعها؛ فالظواهري مات وماتت معه بيعته، ولم تعد في أعناق القاعديين بيعة بالطاعة له ولا لخليفته الذي لم يظهر بعد وبالتالي سواء قرر المنتسبون القاعدة الاستجابة للقحطاني أم لا فإنهم تحرروا بالفعل من الالتزامات المرتبطة بالبيعة.
ويرى الدكتور عمرو عبد المنعم، الباحث فى شئون الجماعات الجهادية، أن تنظيم القاعدة في طريقه للتفكك والتفتت إلى كيانات مجزأة ذات صبغة محلية على غرار نموذج هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) التي استقلت عن القاعدة، وتبنت مشروعها الخاص بعيدا عن استراتيجية القيادة المركزية للقاعدة.
ويضيف في تصريحات لـ “أخبار الآن” أن فروع تنظيم القاعدة تتحضر عمليا لمثل هذه الخطوة، وهي بالفعل تعيش اليوم حالة شبه مستقلة عن التنظيم المركزي رغم انتمائها له شكليا لكنها في الواقع تتصرف بدون الرجوع إليه في أي كبيرة أو صغيرة مع بقاء الولاء الشكلي فقط، وهي الحالة التي تعد مقدمة لاستقلال هذه الفروع جميعاً.
وأخيراً فإنه سواء أخذت قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بنصح الناصحين وراجعت مواقف وتظلمات عناصرها المعتزلين والمنشقين كالنهدي والوحيشي أم لم تفعل فلن يجديها تشبثها بأهداب القاعدة البالية، وتمسكها بأطلال وذكريات تنظيم مركزي عالمي لم يتبق منه سوى الاسم دون الحقيقة، بعدما أسلم زمام قيادته لأعدائه في طهران وباتت قيادته رهينة لديهم، وصار إعلان نهاية التنظيم المركزي مسألة وقت لا أكثر، وحينها قد يطال الانهيار فروع التنظيم التي لم تتدارك نفسها وتقفز من السفينة قبل الغرق.
أهم ما يمكنك الرجوع إليه من تحقيقات ومواد حصرية عن أزمة تنظيم القاعدة في اليمن في ٢٠٢٢:
- خلافات العولقي وباطرفي لها تأثير مدمر على تنظيم القاعدة في اليمن، وقد تتفاقم إذا قرر العولقي الانشقاق بشكل كامل.
- هل دفعت أزمة القاعدة المالية في اليمن باطرفي إلى بيع خدماته؟ أحكم بنفسك من خلال هذا التقرير.
- تفاصيل حصرية عن أزمة تهميش العناصر المحلية في تنظيم القاعدة في اليمن، يمكنك الرجوع لهذا الموضوع.
- تابع كيف أصبح اختطاف الرهائن أحد أهم مصادر تمويل تنظيم القاعدة في اليمن.
- أبو ماريا القحطاني، القيادي البارز في هيئة تحرير الشام، يدعو لغلق فروع القاعدة حول العالم، تابع ردود الأفعال على هذه الدعوة المثيرة للجدل.
- حاولت ميليشيات الحوثي إرباك عملية مكافحة تنظيم القاعدة في الجنوب اليمني، تعرف على تفاصيل هذه المحاولات.
- تعرف على أبي الهيجاء الحديدي أمير التنظيم في محافظتي أبين شبوة.
- من خلال اللقاء الأول والحصري مع قوة دفاع شبوة يمكنك التعرف على قصة طرد القاعدة والحوثي من شبوة.
- لمعرفة دوافع ميليشيات الحوثي في استقطاب قادة القاعدة المنشقين، إليك هذا التقرير.