جنون “الشُهرة” قد يصل إلى السجن
- مؤثرون يتباهون بتجربتهم خلف الأسوار لتحقيق الانتشار
- يظهرون في صورة الضحية لكسب التعاطف وزيادة عدد المتابعين
- الترويج لتحديات قاتلة تذهق أرواح المراهقين
- هذه روشتة للحفاظ على أمان الأطفال
بينما يحقق بعض المؤثرين آلاف الدولارات شهريًا على شبكات التواصل الاجتماعي، عبر تقديم محتوى ترفيهي وتعليمي هادف، وخاصة على منصة “تيك توك”، تسيطر ثنائية “الشهرة والمال” على البعض الآخر، ويبذلون من أجلها الغالي والنفيس، متجاوزين الخطوط الحمراء بداية من الكذب والتزييف مرورًا بالتعري والابتذال، وانتهاء بالترويج لتحديات غريبة وخطيرة قد تفضي بمن يجربونها إلى الموت.
ويحظى “تيك توك” المملوك للشركة الصينية “بايت دانس”، بشعبية واسعة بين الشباب، بفضل حس الفكاهة والإبداع الذي من السهل أن يظهره المستخدمون عبر مقاطع الفيديو القصيرة الخاصة بهم، ناهيك عن مميزاته الجذّابة مثل سهولة الاستخدام وإتاحة الفلاتر والموسيقى والمؤثرات الصوتية لتحسين جودة الصوت والصورة بمقاطع الفيديو.
لكن هذا التطبيق أصبح أكثر جذبًا، بعدما أتاح لصانعي المحتوى تحقيق أرباح مالية قد تصل لآلاف الدولارات شهريًا من خلال خدمات البث المباشر، أو الترويج لمنتجات أو خدمات بعينها، وهو ما دفع البعض لإساءة استخدام هذه الشبكة، وممارسة جميع الوسائل غير المشروعة من أجل الشهرة والمال.
وينطبق ذلك على شبكات أخرى سلكت النهج ذاته مثل إنستغرام وفيسبوك، وذلك لتحفيز المؤثرين على إنشاء المحتوى المرئي، لجني المال، وجذب عدد أكبر من المتابعين، بالإضافة إلى تسويق المنتجات أو الخدمات.
هوس “الشهرة” يصل إلى السجن
دائما ما يجذب المحتوى الهادف شريحة لا بأس بها من جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، لكن عندما يعجز صانع المحتوى عن تقديم شيء مفيد، يلجأ إلى الإثارة والكذب والتزييف، لتحقيق غرضه.
وفي هذا السياق، هناك ظاهرة غريبة تنامت في الصين مؤخرًا، وهي لجوء المشاهير وصُناع المحتوى على موقع “تيك توك” المعروف في الصين باسم “دوين” (Douyin) للتباهي بتجربتهم السابقة في السجن، وتمجيد الحياة خلف الأسوار، بل والظهور في صورة الضحية لكسب التعاطف، وبالتالي تحقيق مبتغاهم في جذب عدد أكبر من المتابعين، وتحقيق أرباح مالية كبيرة.
ويحظى “دوين” بشعبية واسعة في الصين، وهو الإصدار الوحيد من تطبيق “تيك توك” المتاح للمستخدمين الصينيين منذ عام 2016.
ووفق أحدث الإحصائيات، من المتوقع أن يرتفع عدد مستخدمي “دوين” في الصين إلى 639.4 مليون هذا العام، ويشير هذا إلى أن جزءًا كبيرًا من الجمهور الصيني يستخدم المنصة لمجموعة متنوعة من الأغراض، ما يجعلها فرصة كبيرة لنمو الأعمال التجارية.
وسائل إعلام صينية، سلّطت الضوء على حالة أحد المؤثرين، الذي سُجن سابقًا بتهمة الاغتصاب، واستغل بعد خروجه من السجن، خدمة “البث المباشر” على “دوين” للحديث عن تجربته المريرة في السجن، لكسب التعاطف، ومن ثم الترويج لبيع أحد المنتجات، واستطاع من خلال هذا البث، جذب أكثر من 120 ألف متابع قبل أن تغلق المنصة حسابه، بعد حملة غضب على وسائل إعلام اتهمته بتضليل الجمهور من أجل كسب المال.
وتنامت هذه الظاهرة، في البلد الذي يحوي مليار مستخدم لشبكة الإنترنت، لدرجة أن عددًا من المؤثرين ارتكبوا بالفعل بعض الجرائم البسيطة عن عمد للذهاب إلى السجن، وتسجيل تجربتهم، لزيادة متابعيهم.
مقاطع الفيديو التي تُمجّد العنف والجريمة والحياة في السجن، وجدت طريقها إلى أستراليا أيضًا قبل أشهر، لكن من داخل السجن.
فقد أصبح السجناء الأستراليون من المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما هرّبوا هواتفا ذكية داخل أسوار السجون الأسترالية، لمشاركة حياتهم داخل السجن مع الجمهور عبر تطبيق “تيك توك”، ما دفع السلطات في ولاية نيوساوث ويلز الأسترالية لفتح تحقيق، وفق صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
ولا يُسمح للسجناء بامتلاك أو استخدام الهواتف المحمولة في المراكز الإصلاحية في جميع أنحاء أسترالي، لكن السجاء يهربونها إلى الداخل، ليروجون إلى حياتهم خلف الأسوار، فيما يقوم بعضهم أيضًا بنشر مقاطع فيديو أخرى لموسيقى الراب والرقص.
وفي أحد المقاطع المنتشرة، لم يحاول السجين كايل ريتشاردسون إخفاء هويته أو مكان تواجده في مقاطع الفيديو الذي نشره عبر حسابه على “تيك توك”، بينما كان يغني الراب من داخل الزنزانة.
وجمع السجين حوالي 11000 متابع في غضون ساعات من عرض الفيديو، كما كان نشطًا على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى أثناء وجوده في السجن.
وقامت السلطات في نيو ساوث ويلز بحذف حسابه بعدما تأكدت أن مقاطع الفيديو له.
فيما استخدم استخدم السجين السابق ومغني الراب سنوي بادمان “Snoee Badman” هاتفًا محمولًا مهربًا لتصوير نفسه وهو يغني داخل زنزانته في السجن، وسجل مقطع الفيديو أكثر من 62000 مشاهدة على “تيك توك” خلال فترة وجيزة.
ويمكن أن يواجه السجناء تمديدات لعقوباتهم تصل إلى عامين إذا تم ضبطهم وهم يحاولون أخذ هواتف أو تهريبها إلى السجن في أستراليا.
التسويق عبر المؤثرين
بالنسبة لمشاهير موقع التواصل الاجتماعي، يُشكّل رقم المتابعين ركيزة أساسية للانتشار، فبجانب الشُهرة، وتحقيق نسب مشاهدات عالية، يتحقق المال أيضًا من خلال تسويق المنتجات أو الخدمات.
وعادة تستخدم الشركات “الإنفلونسر” أو “المؤثر” الذي يكون من أصحاب الحسابات الأعلى متابعة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتمرير رسالة الشركة إلى جمهور واسع من المتابعين المتأثرين بشخصية المؤثر والمنقادين لقراراته، وخاصة من فئات الشباب، بدلا من استخدام أدوات التسويق التقليدية.
ولتحقيق هذه الاستراتيجية يقوم المؤثر بصناعة محتوى جذّاب يتحدث فيه عن المنتج أو الخدمة، ويحكي تجربته الشخصية بعد استخدام العلامة التجارية، ويضع تقييمًا لها على منصات الإنترنت.
ويجني مشاهير مواقع التواصل الأموال في هذه الحالة عبر التسويق بالعمولة، حيث يقوم صانع المحتوى بوضع رابط معين للمنتج الذى يقوم بالترويج له ويطلب من بقية المتابعين استخدام هذا الرابط للحصول على خصم من الشركة المنتجة.
حجم التسوق عبر المؤثرين في تصاعد مُستمر، ومن المتوقع أن يصل إلى 24 مليار دولار بحلول عام 2025، وفق تقرير للمعهد الأسترالي للأعمال.
وأضاف التقرير أن المشاهير لديهم القدرة على التأثير في سلوكيات متابعيهم، وبدأت العلامات التجارية في الاستثمار بهذا المجال لمضاعفة عملائها من خلال المؤثرين. على سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات إلى أن 40٪ من المستهلكين قد اشتروا منتجات بعد رؤية أحد المؤثرين يستخدمها على إنستجرام ويوتيوب.
جانب مظلم.. تعري وإباحية وقتل
ورغم أن هناك جانب مضيء لتيك توك وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي، عبر بث محتويات هادفة تحمل رسالة وقيمة مُضافة، هناك جانب آخر مظلم، يمثله المؤثرون المزيفون، ونشطاء مواقع التواصل الذين يبثون محتوى غير لائق ينتهك خصوصية الأطفال والقُصر، في سبيل جني الأموال عبر خاصية “البث المباشر”.
وتعرض تيك توك مؤخرًا لنيران الانتقاد، بدعوى تسهيل التنمر الإلكتروني وخطاب الكراهية وإضفاء الطابع الجنسي على القاصرين، حيث وُجِهت انتقادات للنظام الأساسي لـ”تيك توك” لكونه من السهل جدًا على القاصرين الوصول إليه، نظرًا لعدم وجود نظام للتحقق من العمر، وفق تقرير المعهد الأسترالي للأعمال.
تحقيق أجرته مجلة “فوربس” كشف أن خاصية “البث المباشر” عبر “تيك توك” توفر فرصة لدى بعض المشاهدين لإرسال تعليقات تحث الفتيات القاصرات على ممارسات جنسية، مقابل هدايا يمكن تحويلها لأموال، ما حوله لما يشبه “ناد لتعري القاصرات”.
المجلة ذكرت أن المحتوى يقارب “المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال”، وتقوم الفتيات بتلبية رغبات من يشاهدهن عبر المنصة للحصول على هدايا رقمية من “تيك توك”، التي تأتي بشكل أزهار أو قلوب وغيرها من الرموز، ويمكن تصريفها إلى أموال. كما يمكن تحويل الأموال مباشرة للقاصرات خارج التطبيق من خلال خدمات “فينمو” و”باي بال” و”كاش آب”، وتنشر الفتيات حساباتهن في تلك التطبيقات عبر “تيك توك”.
ومن خاصية “البث المباشر” على “تيك توك”، يتم جني الأموال عبر “الدعم المباشر”، حيث يقدم أى مستخدم “تبرعا” لصاحب المقطع المصور للتعبير عن إعجابه بالمحتوى، هذا التبرع يكون في شكل نقاط يتم تحويلها فيما بعد إلى أموال، ويختصم تطبيق تيك توك جزءًا ضئيلاً من هذه الأموال قبل إرسال بقية التبرع لصاحب “البث المباشر”.
وقد أنفق مستخدمو “تيك توك” أكثر من ملياري دولار على التطبيق عام 2021، بزيادة قدرها مليار دولار عن العام السابق، وفقًا لشركة تحليلات البيانات “Sensor Tower”.
تقول ليا بلانكت، مساعدة عميد كلية هارفارد للقانون في مركز بيركمان كلاين للإنترنت والمجتمع، المتخصص في تتبع قضايا الشباب والإعلام “إنها المحاكاة الرقمية للتوجه إلى ناد للتعري مليء بفتيات يبلغن من العمر 15 عاما. تخيل أنك تدخل محلا مليئا بالقاصرين يقفون على منصة مسرح وأمامهم جمهور من البالغين يمنحونهم المال لأداء حركات جنسية وفقا لأهوائهم، مؤكدة أن “هذا استغلال جنسي. لكنه تماما ما يفعله تيك توك في هذه الحالة”.
وتشير المجلة إلى أن بعض الطلبات تعد جنسية بشكل مباشر، حيث يطلب مشاهدون من الفتيات أن يقبلن بعضهن أو يفتحن أرجلهن أو أن يظهرن أجسادهن أمام الكاميرا، لكن تستدرك بأن حالات أخرى يصعب التقاطها، حيث يمكن أن تفسر بعبارت مبهمة أو طلبات قد لا يكون مدلولها خاطئا، إلا أن النتيجة جنسية.
وعلى الرغم من أن التطبيق يحتوي على بعض إجراءات الإشراف لإزالة المحتوى غير اللائق، لكن ذلك لم يمنع مئات الآلاف من نشر مشاركات غير لائقة وصريحة جنسيًا.
علاوة على ذلك، هناك مشكلة أخرى في خاصية “البث المباشر” عبر “تيك توك” وهي التحديات الخطيرة والقاتلة، إذ غالبًا ما تروج خوارزمية “تيك توك” لمقاطع مصورة حول إيذاء الذات واضطرابات الأكل للمراهقين.
أبرز التحديات الخطيرة التي انتشرت مؤخرًا على “تيك توك” خاصة بين المراهقين والأطفال هي “أكل دواء الغسيل، وقلي الدجاج بدواء السعال، وإشعال الجسد، وكسر الجمجمة، والخنق وكتم الأنفاس، بالإضافة إلى سكب الماء المغلي، والصعق بالكهرباء، وتناول جرعات أدوية زائدة، وبرد وتحطيم الأسنان، وإتلاف الجلد.
الأخطر من ذلك، أن تلك التحديات ينفذها المراهقون والأطفال في غرف مغلقة بعيدًا عن أعين ذويهم، وفي المدرسة ووسط تجمعات المراهقين، ويتم اكتشافها عادة بعد فوات الأوان، حيث باتت تتسبب بالموت لمنفذيها في دول عدة حول العالم.
تحقيق أجرته شبكة “بلومبرغ” مؤخرًا كشف عن 15 حالة وفاة على الأقل لأطفال تقل أعمارهم عن 12 عامًا تتعلق بتحد خطير واحد على “تيك توك” يسمى “انقطاع التيار الكهربائي”، حيث يخنق الناس أنفسهم حتى يفقدوا وعيهم ويموتوا.
أما التحدي الذي حصد أكبر عدد من الأرواح حتى الآن، كان تحدي “كتم الأنفاس”، حيث سُجل لهذا التحدي وفيات عدة في الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمكسيك، وأستراليا، إيطاليا، ومصر وغيرها من دول العالم، وأثار موجة ذعر شديدة في صفوف الأهالي.
التحديات القاتلة ليست حكرًا على تيك توك، فقد انتشرت على منصات أخرى مثل يوتيوب وإنستجرام، وكان الأخطر من بينها تحدّي يدعى “الحوت الأزرق” أودى بحياة عدد من الأطفال والمراهقين حول العالم.
نصائح للحفاظ على أمان الأطفال
عادة يشعر بعض الآباء والأمهات بالخوف الشديد على أبنائهم الصغار، نظرًا لعدم درايتهم بالطرق المثلى للحفاظ على أمان أطفالهم عبر الإنترنت.
الخبيران مارك بيركمان، الرئيس التنفيذي في منظمة أمان وسائل التواصل الاجتماعي، وإميلي مولدر، مديرة البرنامج في معهد سلامة الأسرة عبر الإنترنت” في الولايات المتحدة، قدما مجموعة من النصائح للحفاظ على سلامة الأطفال والمراهقين، في ظل انتشار تطبيقات التواصل الاجتماعي.
وركزت النصائح على سؤال الطفل باستمرار عن هدفه من استخدام تطبيق بعينه، وضرورة تثقيف الآباء أنفسهم حول مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل التحرش الجنسي والتسلط عبر الإنترنت، والتحدث مع الأطفال عن وسائل التواصل الاجتماعي، وتعريفهم بأخطارها، بالإضافة إلى التوضيح للأطفال أن الكلام الذي يحض على الكراهية والتسلط عبر الإنترنت هو من الأمور الخاطئة التي تتعارض مع قيم الأسرة والمجتمع.
كما نصح الخبيران بضرورة وضع قواعد داخل العائلة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وضبط إعدادات الأمان على أجهزة الطفل، تجنبًا للخطر، وإذا كان الطفل ينتهك القواعد، فيمكن منع وصوله مؤقتًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي أو جهاز الهاتف.
وأخيرًا، يواجه الأطفال والشباب طوفانا من التحديات على شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتالي يقع على الأسرة العبء الأكبر في توعية أبنائهم منذ الصغر بضرورة استخدام شبكة الإنترنت بإيجابية وأمان.
وتبقى التوعية هي طوق النجاة، تتم بداية عبر فتح حوار مع الأبناء حول الأشخاص الذين يتواصلون معهم وكيفية هذا التواصل، وقضاء المزيد من الوقت معهم لتحديد التطبيقات والألعاب وغيرها من وسائل الترفيه الملائمة لأعمارهم، ونصيحتهم بالتحلي باللطف والاحترام مع أصدقائهم، وأن يراعوا ارتداء ملابس ملائمة أثناء اتصالاتهم، وأن يتجنبوا الانضمام إلى اتصالات عبر الفيديو من داخل غرف النوم، مع نصيحتهم بأن يحققوا توازنًا بين الترفيه عبر الإنترنت وبين الأنشطة الفعلية مثل ممارسة الرياضة خارج المنزل.