فانية وتتدهور (3): لعبة “الحجاجي العراقيين” للسيطرة على أنصار داعش
في الفترة الأخيرة وبعد أن كشف منشقون عن تنظيم داعش العديد من التفاصيل عن مجلس شورى التنظيم والمعروف بـ أهل الحل والعقد، وكيف اختير أبو الحسين الحسيني خليفةً للتنظيم بعد مقتل سلفه أبو الحسن الهاشمي في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وبالرجوع إلى الإصدار الإعلامي التي نشرته قناة فضح في وقتٍ سابق، والذي أوضح أن مجلس شورى داعش الذي لا يُعرف أعضاءه الحقيقيين إلى الآن، بل وغالبية أعضاءه القدامى أما قُتلوا أو أسروا.
وأشارت القناة إلى أن الأمراء العراقيين أو حجاجي داعش يؤمنون بأن الزعامة والرئاسة تنحصر فيهم دون غيرهم وأن أول شرط لمن يتم اختياره لإمارة التنظيم هو أن يكون عراقي، مبينةً أنه لا يوجد أدنى شك أن الخليفة الحالي للتنظيم والمدعو “أبو الحسين الحسيني القرشي” هو عراقي الجنسية.
وبحسب قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” عبر تليغرام، والتي يديرها منشقون عن تنظيم داعش، لم يتبق من قيادات التنظيم المعروفين سوى زياد جوهر عبد الله المكنى وأبو سارة العراقي أو عبد الرؤوف المهاجر الذي يشغل منصب أمير مكتب إدارة الولايات البعيدة، ليبقى عبد الرؤوف المهاجر هو القيادي الوحيد الذي يتربع على عرش مجلس شورى التنظيم (أهل الحل والعقد) ويشغل عضوية كل المقاعد، ليصبح هو الأمر الناهي وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة داخل التنظيم، وهو الزعيم والقائد الفعلي للتنظيم في الوقت الحالي، لأنه من غير المحتمل أن يسمح أن يكون خليفة التنظيم من خارج أهل العراق.
تراجع غير مسبوق.. سقوط حر لداعش
بصورة غير مسبوقة، تراجعت هجمات تنظيم داعش خلال الفترة الماضية، لتصل إلى أقل مستوى لها في 8 سنوات، إذ نفذت مفارز التنظيم 9 هجمات إرهابية فقط في 6 دول، وذلك وفقًا لإحصائيات وثقتها لجان الرصد والمتابعة التابعة للتنظيم، ونشرتها صحيفة النبأ الأسبوعية في عددها الأخير 374، والذي صدر الخميس 19 يناير 2023.
صحيفة النبأ قالت إن التنظيم نفذ 9 هجمات في دول موزمبيق (هجومين)، ونيجيريا (هجومين)، والعراق (هجومين)، والكونغو الديمقراطية، والصومال، وسوريا، بمعدل هجوم واحد لكل دولة من الدول الثلاث الأخيرة، وهو ما يعني أن هجمات التنظيم انخفضت بمعدل 44% مقارنة بالأسبوع الماضي الذي نفذ التنظيم فيه 16 هجومًا في 6 دول.
وفي إحصائياته التي نشرها عن نشاطه العملياتي، عام 2022، أقر تنظيم داعش بتراجع هجماته الإرهابية بنسبة 25% بالمقارنة بعام 2021، وبنسبة تزيد عن 30% عن عام 2020، موضحًا أن مفارز التنظيم في نصف الدول التي ينشط فيها (12 دولة من أصل 24 وفق إحصائيات داعش) نفذت عددًا محدودًا للغاية من الهجمات تراوح ما بين هجوم واحد و11 هجومًا على مدار عام كامل.
وكشفت تلك الإحصائية عن جزء من الخداع الذي تمارسه قيادة داعش العليا التي يتحكم فيها “الحجاجي العراقيين”- الذين كان أغلبهم من رجال نظام حزب البعث العراقي المنحل-، فرغم أن القيادة أجرت عملية إعادة هيكلة لما يُعرف بالولايات الداعشية، في مايو/ آيار 2022، وأنشأت أفرعا داعشية بعد تمدده في دول جديدة، على حد قول التنظيم، بينت إحصائياته أن تلك الأفرع ليست سوى ولايات وهمية ليس لها أي تأثير على الأرض الواقع وكأنها أضحت كـ”ديكور” يُزخرف بناء الخلافة الداعشية التي يقودها العراقيين.
كل الولايات الداعشية هي مجرد مسرحية، فهناك ولاية حقيقية واحدة فقط، هي ولاية البعث حزب البعث المنحل، فقد خدع أعضاء حزب البعث السلفيين الجهاديين، وحاصروهم لخدمة مصالحهم الشخصية. في حين أن كل ولاية تعلن البيعة لأمير مجهول، هي تخدم هذه المسرحية الهزلية.
ومع حالة الضعف والوهن الواضح على العديد من أفرع داعش الخارجية، سعت قيادته المركزية (حجاجي داعش) لتوظيفها لخدمة مصالحها وإضفاء الشرعية على الخليفة الجديد أبو الحسيني الحسيني القرشي، الذي دعا المتحدث الإعلامي باسم داعش أبو عمر المهاجر كل مقاتلي وأنصار التنظيم حول العالم لمبايعته في كلمة صوتية نشرتها مؤسسة الفرقان الإعلامية، التابعة لديوان الإعلام المركزي للتنظيم، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
ونشر ديوان الإعلام المركزي، في الفترة من أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2022، وحتى يناير/ كانون الثاني 2023، سلسلة إصدارات مرئية توثق بيعة أفرع داعش لـ”أبو الحسين الحسيني القرشي”، وسلطت تلك السلسلة الضوء على مجموعات من مقاتلي التنظيم في دول ومناطق مختلفة منها العراق، وسوريا، والساحل الإفريقي، والصومال، ووسط وغرب إفريقيا، وموزمبيق، والفلبين (جنوب شرق آسيا)، وهم يؤدون يمين الولاء للزعيم الداعشي الجديد.
وظهر أمراء وقادة أفرع التنظيم الخارجية- ولا سيما في الساحل الإفريقي وباكستان وغيرها- وهم يقرأون عبارات التأييد لـ”الحسيني” من أوراق مكتوبة ليبدو المشهد وكأن هناك من أَملى عليهم تلك العبارات، للترويج لزعيم داعش والذي تبقى هويته الحقيقية مجهولة حتى الآن.
ولم يكن المشهد السابق مفاجئًا، فظهور العديد من الأفرع الداعشية المعلنة أصبح يقتصر، في أحيان كثيرة، على الإصدارات المرئية التي ينعون فيها خليفة/ زعيم التنظيم ويعلنون بيعتهم للأمير الجديد، وهو ما حصل عندما تولى خليفة التنظيم السابق أبو الحسن الهاشمي قيادة التنظيم، في مارس/ آذار 2022، بعد مقتل سلفه أبو إبراهيم القرشي (الهاشمي) ، إذ بث التنظيم سلسلة مرئية بعنوان “ماضٍ جهاد المؤمنين”، في الفترة ما بين مارس/ آذار: أبريل/ نيسان 2022، وتكرر الأمر مؤخرًا بعد إعلان تنصيب أبو الحسين الحسيني خليفةً بعد مقتل “الهاشمي”.
صرح الخلافة المبني على الولايات الوهمية
وفي كل مرة يتلقى تنظيم داعش خسائر أو يفقد مجموعة من قادته البارزين، يُسارع التنظيم للإعلان عن قبول بيعات مجموعات جهادية محلية في دول خارج العراق وسوريا، كما يُعيد هيكلة ولاياته المعلنة سابقًا محاولًا أن يبدو وكأنه لم يتأثر بالهزائم وأنه ما زال “باقٍ ويتمدد”، في الوقت الذي تبدو فيه خلافته كأنها “فانية وتتدهور”.
وأعلن داعش عن هيكليته/ بنيته الهيراركية للمرة الأولى، في يوليو/ تموز 2016، عبر إصدار مرئي سماه بـ”صرح الخلافة“، قال فيه إن ولاياته يبلغ عددها 35 ولاية منها 19 في العراق وسوريا، و16 في خارجهما، مضيفًا أن الولايات الـ19 داخل الدولتين المذكورتين هي: (“العراق: بغداد، والأنبار، وصلاح الدين، والفلوجة، وديالى، وشمال بغداد، والجنوب، ونينوى، وكركوك، ودجلة، والجزيرة”، “سوريا: البركة، والخير، والرقة، ودمشق، وحلب، وحمص، وحماة، والفرات”)، والولايات أو الأفرع الخارجية هي: (نجد، والحجاز- المملكة العربية السعودية-، وسيناء- مصر-، وبرقة، وطرابلس، وفزان- ليبيا-، والجزائر، وغرب إفريقيا، واللواء الأخضر، وخراسان- أفغانستان-، والقوقاز- روسيا-، وحضرموت، وعدن أبين، وصنعاء، والبيضاء- اليمن-).
على أن تلك الولايات الكثيرة، كانت، في الغالب، ولايات وهمية بحيث لم تخضع فعليا لسيطرة التنظيم وإنما زعم أنه أسس ولايات جغرافية (مكانية) داخلها، فيما كان قد خسر الكثير من تلك المناطق، في توقيت الإعلان.
وتبين من هيراركية داعش أنه يعمل على رفع الروح المعنوية لجنود بإعلان تلك الولايات، بعد الانتكاسات والهزائم التي تعرض لها جراء حملة التحالف الدولي والهجمات التي شنتها قوات الجيش العراقي، والسوري، وسوريا الديمقراطية، كلًا على حدة، وغيرها على معاقله في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وحينها أكد جهاديون بارزون منهم هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات في لندن، أن خطوة الكشف عن الولايات الداعشية المزعومة جاءت لدغدغة مشاعر أتباع وأنصار التنظيم، مضيفًا أن الكثير من قادة التنظيم قُتلوا وأن مجلس شورى التنظيم الذي يُسيطر عليه من “مجاهيل حزب البعث العراقي” الذين لا يُوجد بينهم عالم أو إمام أو شيخ، وأنهم يدعون إنشاء ولايات في أماكن لا وجود فعلي لهم فيها، كما وصف الخلافة الداعشية ببيت شعر عربي شهير قائلًا إنها: “ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد”.
إعادة هيكلة لا تنتهي لـ”الولايات الداعشية”
وفشلت خطوة إعلان الولايات الوهمية في إكساب التنظيم زخمًا على أرض الواقع حيث تراجع بوتيرة سريعة إلى أن فقد كل معاقله بخسارته قرية الباغوز فوقاني السورية، في مارس/ آذار 2019، واستبق زعيمه الأسبق أبو بكر البغدادي، عام 2018، انهيار خلافته المكانية بإعادة هيكلة للولايات المزعومة إلى 6 ولايات فقط في العراق، والشام (سوريا)، وليبيا، وغرب إفريقيا، والصومال، وسيناء، واليمن، أما الأفرع الأخرى كمجموعات شرق آسيا والقوقاز وغيرها، فسُميت بـ”جنود الخلافة” أي إنها ظلت في مرتبة أدنى من كونها ولاية من المنظور التنظيمي.
وبُعيد سقوط الخلافة المكانية، عام 2019، خرج أبو بكر البغدادي، خليفة التنظيم وقتها، في إصدار مرئي بعنوان “في ضيافة أمير المؤمنين”، مدعيًا أن التنظيم تمدد إلى ساحات جديدة وأن له ولايات في 11 دولة هي: (العراق، وسوريا، وأفغانستان- خراسان-، وغرب إفريقيا، وسيناء، وليبيا، واليمن، والصومال، ووسط إفريقيا، والقوقاز، وتركيا، بجانب فرع يُسمى بجنود الخلافة (تونس).
وظل التنظيم، حينئذ، في حالة انهماك تشغيلي كي يُخفي أثر الهزائم الثقيلة التي حلت به، وأقدم خلالها على التضحية بمجموعات كاملة بايعته مثل جماعة “التوحيد الوطنية” في سيرلانكا بقيادة زهران هاشمي، والتي نفذت هجمات الفصح الدامي في الدولة الأخيرة، في أبريل/ نيسان 2019.
وفي الفترة من مقتل أبو بكر البغدادي، في أكتوبر/ كانون الأول 2019، إلى مقتل خلفه أبو إبراهيم القرشي (الهاشمي) في فبراير/ شباط 2022، اتسمت الولايات الداعشية المعلنة بحالة من الثبات أقرب للجمود، فبقيت الأفرع الداعشية الخارجية على حالها، دون أن يتم الإعلان عن أفرع جديدة أو يكون هناك نشاط لافت للأفرع التقليدية للتنظيم.
وعندما تولى خليفة داعش السابق أبو الحسن الهاشمي، في مارس/ آذار 2022، أجرى عملية إعادة هيكلة أخرى للولايات المزعومة شملت الإعلان عن تأسيس ولايات جديدة عن طريق فصل بعض الأفرع التي كانت مندمجة تحت اسم ولاية واحدة مثل ولايات: الساحل الإفريقي، وموزمبيق، ووسط إفريقيا والتي عملت قبل “الهاشمي” تحت مسمى واحد هو “ولاية وسط إفريقيا، بجانب تسمية أفرع أُخرى عُرفت بـ”جنود الخلافة” باسم ولايات مثلما حدث مع فرع داعش في جنوب شرق آسيا (الفلبين).
ونتيجة تلك العملية، أصبح للتنظيم 15 ولاية مُعلنة هي: (ولاية العراق، والشام، وسيناء، واليمن، ليبيا، وغرب إفريقيا، ووسط إفريقيا، والساحل، وموزمبيق، والصومال، وخراسان، وباكستان، والهند، والقوقاز، وشرق آسيا).
وبرهنت تلك العملية أن داعش يحاول تجميل وجهه عن طريق الادعاء بأنه أسس أفرعًا جديدًا وولايات مكانية غير موجودة على أرض الواقع، وهو ما وصفه قادة منشقون عنه بأنه أكبر دليل على أن التنظيم مجرد “خلافة وهمية”.
واعتبر أبو عيسى المصري، الشرعي السابق بداعش، في مقال نشرته مؤسسة التراث العلمي (منشقة عن التنظيم) عام 2019 بعنوان “الخلافة الوهمية”، أن داعش خلافة وهمية لا وجود لها على أرض الواقع وأنه يزعم تأسيس ولايات لا يستطيع إلزام أي شخص فيها بشيء كما أن مقاتليه يُفجرون أنفسهم خوفًا من القبض عليهم، وتتم مداهمة مخابئهم واعتقالهم وسجنهم حيث تنهار السجون على رؤسهم دون أن يكون معهم خليفة التنظيم.
فيما قال القيادي السابق بتنظيم “ابن جبير” في مقال له بعنوان “المفسدون في الأرض”، إن “حجاجي داعش” أوهموا أتباعهم بـ”خلافة على منهاج النبوة” مع أن تلك الخلافة المزعومة كانت خلافة على “منهاج البعث” وعلى طريقة “آل بغداد” من الحجاجي.
ومن جهته، كشف القيادي الأمني السابق بداعش أبو مسلم العراقي، في شهادته على تجربته مع التنظيم، أن “الحجاجي” اعتمدوا بشكل أساسي على “الكذب الإعلامي” على أتباعهم وإيهامهم بالعمليات والإصدارات الوهمية حتى يخدعوهم ويصوروا لهم أن كل الأمور تحت السيطرة وأن الخلافة “المزعومة” لا تُقهر كما كانت الأناشيد الخاصة بهم تُردد.
وذهب أحد الكوادر المنشقين عن التنظيم والذي يكتب تحت اسم حركي “أمجاد الأمة”، في مقال سابق نشرته مؤسسة الوفاء المنشقة عن التنظيم إلى أن البلايا توالت على رأس تنظيم داعش لما تولى عليهم “قادة جُهال”- في إشارة للحجاجي العراقيين-، مردفًا أن الخلافة المزعومة كانت “آفة” شردت المسلمين وزرعت الفرقة بينهم، على حد تعبيره.
الحجاجي العراقيين و”ديكور الخلافة” الزائفة
وتلفت الانتقادات المتواصلة التي وجهها القياديون المنشقون عن داعش إلى دور “الحجاجي العراقيين” الذين انتمى أغلبهم إلى نظام البعث السابق، في إدارة التنظيم، وكذلك دورهم في تأسيس وإعلان الولايات الخارجية، التي يبقى العديد منها، مجرد أسماء وهمية وزينة يُزين به “البعثيون السابقون” سيطرتهم على التنظيم.
وحسبما روى أبو مسلم العراقي، القيادي الأمني السابق بداعش، فإن “الطريقة البعثية القديمة” حكمت عملية تنصيب أمراء وحجاجي داعش، موضحًا أن اختيار القادة والأمراء لم يكن وفق معيار الكفاءة والخبرة العلمية والعملية بل وفق معايير شخصية ووساطة تحددها العلاقات والارتباطات القديمة بين البعثيين ورفاق السجون السابقين.
وبَين الداعشي المنشق “عروة المهاجر”، في مقال سابق نشرته مؤسسة الوفاء بعنوان “حفظ الكوادر بدعة الحجاج” أن الأمراء أو”الحجاجي” خالفوا ما دعوا إليه عناصر التنظيم واحتجبوا عنهم ثم فروا من المعارك بحجة “حفظ الكوادر” أو الحفاظ على حجاجي داعش من الاستهداف أو القتل، على حد وصفه.
ومن خلف الستار، حاول “الحجاجي” أن يسوقوا لأنصاره وأتباعه أنهم مازالوا يسيطرون على الأمور وأن التنظيم باقٍ بالإعلان بين فينة وأخرى عن تأسيس ولايات جديدة وإقامة أفرع في المناطق الهشة بإفريقيا وآسيا.
وبدوره، ألمح القيادي الجهادي المنشق “أدهم المهاجر”، الذي يُقيم في إحدى مناطق الشمال السوري، في تصريح خاص لـ”أخبار الآن” إلى أن داعش يبحث عن موطئ قدم في إفريقيا بعد انهياره في سوريا والعراق بسبب انتشار الجهل وارتفاع نسب الأمية في افريقيا ووجود مساحات شاسعة خارج سيطرة الحكومات في مناطق غرب ووسط إفريقيا، مضيفًا أن “الحجاجي العراقيين” هم المتحكمين في التنظيم.
ومن جهته، قال رائد الحامد، الباحث العراقي في شؤون الجماعات الإسلامية، إن داعش لم يعد له وجود في المراكز الحضرية في سوريا والعراق الذي هو مركز نشأته الأولى وحاضنته الأساسية، لأسباب تتعلق بالتضييق على مصادر التمويل وضعف التجنيد في العراق وسوريا، مضيفًا أنه نتيجةً لذلك أصبح وجود التنظيم يتركز في المناطق الصحراوية وبعض مناطق ريف دير الزور في سوريا، بجانب سعيه المتواصل لإقامة ولايات أو مناطق نفوذ في وسط إفريقيا وغربها لأنه يبحث عن معاقل لإقامة سلطته وتطبيق ايديولوجيته.
وأوضح “الحامد” في تصريحات لـ”أخبار الآن” إلى أن عدد الولايات الخارجية الفاعلة يبلغ نحو 8 أفرع فقط (من أصل 24) وتكاد تكون ولاية خراسان، أي فرع التنظيم في أفغانستان الأكثر نشاطا إلى جانب ولايتي غرب ووسط أفريقيا، مشيرًا إلى أن إحصائيات التنظيم تُبرز نشاطه في غرب إفريقيا وتحديدًا في نيجيريا التي احتلت صدارة المناطق التي شهدت هجمات داعشية متقدمةً على العراق وسوريا.
وأكدت آية بدر، الباحثة المصرية المتخصصة في النزاعات المسلحة والدراسات الأمنية، أن تنظيم داعش يعمل على استغلال السياقات الأمنية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية الأكثر هشاشة في آسيا وأفريقيا من أجل إيجاد “ملاذ آمن وبيئة خصبة” يمكن أن ينمو ويعزز نفوذه وانتشاره في داخلها، بعد الانتكاسات التي تعرض لها، لافتةً إلى أن وجوده في بعض الدول الإفريقية المتأثرة بالصراعات يظل وجودًا متباينًا ويختلف باختلاف الدولة لكنه يركز في القارة السمراء على مناطق حوض بحيرة تشاد (نيجيريا، والنيجر، والكاميرون، وتشاد)، ومناطق القرن الإفريقي (الصومال)، بجانب مناطق الساحل والصحراء الإفريقية الكبرى، أما في آسيا فيركز على مناطق جنوب شرق آسيا وخصوصًا الفلبين وماليزيا وإندونيسيا بجانب مناطق وسط وجنوب آسيا في أفغانستان والهند وباكستان.
وذكرت “بدر” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن أن المعلومات المتوافرة حاليا، تقول إن التنظيم المركزي لم يعد موجودًا بصورته التقليدية وإنما تحول إلى نمط لا مركزي، مبينةً أن التنظيم يعتمد على هذا النموذج في إدارة وتوجيه الأفرع الخارجية في إفريقيا وآسيا والتي يعتبرها التنظيم مصدرًا لتمويله بفعل وجود ثروات وموارد عديدة في تلك المناطق.
وتوقعت الباحثة المصرية المتخصصة في النزاعات المسلحة أن يواجه التنظيم العديد من التحديات بفعل حالة الضعف التي يعيشها، حاليا، وبفعل التحولات الجيوسياسية والأمنية التي تشهدها الأراضي السورية والعراقية بفعل الديناميكيات الجديدة وتغير قواعد اللعبة بهذا الإقليم بين الأطراف الدولية المنخرطة فيه، مضيفةً أنه سيسعى في هذه الفترة إلى إثبات أنه موجود عن طريق شن هجمات بين الفينة والأخرى، رغم أنه تعرض لهزيمة عسكرية وفقد العديد من القادة و3 من خلفائه خلال السنوات الأخيرة.
ومن جهته، رأى عبد الفتاح الحيداوي، الخبير المغربي في حركات الإسلام السياسي، أن لجوء داعش لإعلان “الولايات الوهمية” يرجع إلى تعرضه لضربات موجعة من شتى خصومه ورغبته في المحافظة على كينونته رغم هزيمته النكراء وخسارته مناطق سيطرته بحيث لم يعد له وجود سوى جيوب صغيرة في صحراء حمص السورية وبعض مناطق الباديتين السورية والعراقية.
وأضاف “الحيداوي” في تصريحات لـ”أخبار الآن” إلى أن تنظيم داعش تبنى فلسفة مغايرة لحليفه السابق وغريمه الحالي تنظيم القاعدة فبنى الأول رؤيته على السيطرة المكانية على مناطق معينة ثم إعلان الخلافة تحت شعار “باقية وتتمدد” أم القاعدة تتبنى فكرة استنزاف خصومه وعلى رأسهم الولايات المتحدة دون السيطرة على مكان أو بقعة جغرافية.
وأشار الخبير المغربي في حركات الإسلام السياسي إلى أن فشل خطة التنظيم جعلته يسعى لإيهام أتباعه أنه ما زال تنظيم قوي عبر إعلان الولايات الخارجية الوهمية، وتبنى عمليات إرهابية نفذتها مجموعات أخرى ليست تابعة للتنظيم، وهو نفس ما كان تنظيم دولة العراق الإسلامية (نسخة داعش الأسبق) يفعله في العراق إذ تبنى هجمات نفذتها جماعات مرتبطة بالقاعدة كجماعة أنصار الإسلام الكردية ضد الولايات المتحدة وتشكيلات الصحوة العشائرية، ونسبها لنفسه.
واستشهد عبد الفتاح الحيداوي بإحصائية حصل عليها عبر أحد المصادر المطلعة التي كانت على صلة بتنظيم داعش حول الولايات أو الأفرع الخارجية، قائلًا أن جميع الولايات المعلن عنها لا يتجاوز عدد أفرادها 40 فردًا لكن التنظيم لا يكشف عن هذا حتى يظهر أنه قادر على البقاء والتمدد.
قيادي جهادي منشق: “الحجاجي العراقيين” اتفقوا على الاحتفاظ بقيادة داعش العليا
إلى ذلك، قال القيادي الجهادي المنشق “أدهم المهاجر” إن الحجاجي العراقيين اتفقوا في مجلس حضره أبو بكر البغدادي والشرعي البارز تركي البنعلي أن لا يسمحوا للسوريين أو غيرهم من القادة الأجانب أن يتولوا قيادة التنظيم العليا، وذلك بعد حدوث خلافات وصراع بين تيارات داعش.
ووفقًا لشهادات العديد من المنشقين فإن “حجاجي داعش” اتفقوا على أن لا تكون القيادة لغير العراقيين، لدرجة أن أبو إبراهيم القرشي- خليفة التنظيم الأسبق والمعروف أيضًا بحجي عبد الله قرداش “أمير عبد المولى الصلبي”، قال أثناء الخلافات بين “تيارات داعش“ما نطاطيها ولا نعطيها لناس ما نعرف من وين راس أبوهم”، في إشارة منه إلى القادة والأمراء غير العراقيين- بما فيهم أمراء الولايات المُعلنة/ المزعومة-.
وأكدت تلك الشهادات أن الولايات المعلنة وأمرائها يبقون بعيدين عن مراكز صنع القرار في التنظيم وأنهم يُستبعدون من إمارته أو تولى الخلافة بسبب تخوف العراقيين منهم، كما تُثبت وجود نوع من العنصرية لدى القادة العراقيين تجاه نظرائهم وأتباعهم الأجانب، وهو ما يدفعهم لتجنب اختيار خليفة أو زعيم من غير العراقيين.
كما كشفت رسالة سرية أرسلها الخليفة الأسبق أبو بكر البغدادي، عام 2013، لقيادات تنظيم القاعدة إبان الخلاف مع أبو محمد الجولاني وجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليا)، جانبًا من جوانب رفض الحجاجي العراقيين لتولي الأمراء أو القادة من خارج العراق منصب خليفة التنظيم أو مناصب في اللجنة المفوضة لإدارة الولايات (أعلى هيئة تنفيذية بعد الخليفة) فضلًا عن مجلس الشورى والمعروف أعضاءه بـ”أهل الحل والعقد”.
ونصت الرسالة على أن مجلس الشورى في التنظيم اجتمع، إبان الخلافات، وقرر أن يعزل أبو محمد الجولاني وأن يُبقي الجبهة السورية أيضًا تحت سيطرة العراقيين حتى لا تتكرر محاولات الانشقاق أو انفصال جبهتي العراق وسوريا، وهو ما يعني أن “حجاجي داعش” يخشون أن يتولى قادة الأفرع/ الولايات الخارجية مناصب حساسة خشية أن يحدث انشقاق أو يستقلوا عن قيادة التنظيم المركزي بسبب تجربتهم السابقة مع “الجولاني”.
وفي هذا السياق، قال رائد الحامد، الباحث العراقي في شؤون الجماعات الإسلامية، إن القيادة العليا اعتمدت على تقريب المجموعة العراقية منذ وصول أبو بكر البغدادي، خليفة التنظيم الأسبق، إلى إمارة التنظيم عام 2010، مضيفًا أنه اعتمد على استراتيجية تتمحور حول تقريب القيادات العراقية وبخاصة المنحدرين من مناطق تلعفر في شمال العراق، من مراكز صنع القرار في التنظيم مع تقليل الاعتماد على غير العراقيين.
وأكد “الحامد” أن تجربة أبو بكر البغدادي مع أبو محمد الجولاني، عام 2013، عندما أسس له جبهة النصرة لأهل الشام وأمده بنصف أموال ومقاتلي وسلاح التنظيم كانت فارقة في مسار تقريب العراقيين من قيادة التنظيم العليا واستبعاد غير العراقيين لا سيما وأن “الجولاني” انقلب على داعش وأعطى “البغدادي” ورفاقه درسًا في عدم الثقة بغير العراقيين، ولذا جرى تركيز وجود العراقيين في اللجنة المفوضة لإدارة الولايات والتي تُمثل جهاز القيادة المركزية لداعش، كما أن هناك سبب آخر هو اعتقاد العراقيين أن التنظيم تشكلت نواته بالعراق والعراقيون يشكلون مركز الثقل العددي فيه وبالتالي فإنهم أولى بقيادته، وذلك إلى جانب ما عُرف عن العراقيين، تاريخيا، من نزعة في حب القيادة وأحيانا حب التسلط، وفق تعبيره.
الخلاصة:
وتبرهن كل المعطيات والشهادات السابقة، أن قيادة داعش العليا المتكونة من الحجاجي- البعثيين السابقين- تتبع نهجًا عنصريًا يقوم على التمييز بين القادة العراقيين وغيرهم من القادة الأجانب، بحيث تُقرب العراقيين وتوليهم المناصب الهامة في التنظيم، بينما تستبعد غيرهم.
كما يتضح من تلك الشهادات أن داعش يعتمد على ديكور زائف هو “الولايات” الخارجية التي يعلنها والتي هي في الواقع مجرد ديكور زائف للخلافة الداعشية المزعومة، وأن التنظيم يتمسك تساعد البها على أنها تدعم ادعاءاته بوجود خلافة داعشية في دول عدة تحت قيادة زعيم عراقي مجهول هو “أبو الحسين الحسيني القرشي”.
وحى الآن يبقى داعش متمسكًا بتعيين خليفة/ زعيم من المجموعة العراقية ويرفض أن يتولى أحد من خارج تلك المجموعة إمارته، مع أن حليفه السابق وغريمه الحالي تنظيم القاعدة سبق واعترف بالأفغاني الملا هبة الله آخوند زاده كـ”أمير للمؤمنين”، على حد وصفه، لكن داعش يتبنى نظرة شيفونية (متعصبة للقومية) ترفض اختيار زعيم من خارجها.
وأمام تلك التطورات، يبرز تهديد جديد أمام تنظيم داعش يتعلق بالعلاقة بين الأفرع الخارجية والتنظيم المركزي، إذ أن تلك الأفرع لها جزء من الإدراك الذات لكينونتها بعيدًا عن التنظيم المركزي، وهو ما قد يجعلها تنفصل عنه وتصبح أفرعًا مستقلة دون أن تتقيد بإطار الخلافة الداعشية والتي هي في الواقع “خلافة الحجاجي” فقط.
أهم المراجع والتقارير الحصرية التي يهمك متابعتها لفهم المشهد حول داعش في ٢٠٢٢
- فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى “البعثية“
- البحث عن إرث الخلافة المتبدد.. لماذا ينقل داعش معاركه إلى إفريقيا وآسيا؟
- في 2022.. داعش يعترف بتراجع هجماته الإرهابية بصورة غير مسبوقة
- “تنظيم الحجاجي“.. صراع العراقيين والأجانب على كعكة داعش
- “الموت للجنود“.. لماذا يُعاني المقاتلين بينما يتنعم قادتهم؟
- داعش يُلمح إلى حدوث انشقاقات في صفوفه بعد مقتل “الهاشمي“
- “داعش سيناء” يحاول التغطية على خسائره بـ”هجوم الإسماعيلية”.