الانكماش السكاني يضع اقتصاد الصين في مأزق
- انخفاض عدد السكان في عام 2022 بمقدار 850 ألفًا عن 2021
- إنهاء سياسة الطفل الواحد في 2018
- تتوقع الأمم المتحدة أن يبلغ عدد السكان ذروته في 2025 ثم يبدأ في الانخفاض
منذ أن انتهاء المجاعة الصينية الكبرى عام 1962، التي تسبب بها زعيم الحزب الشيوعي الصيني آنذاك “ماو تسي تونغ” من خلال تحويل العمالة والموارد بعيدًا عن الزراعة نحو المشاريع الصناعية، بدأ التعداد السكاني في الصين بالزيادة بشكل متسارع، فقد بلغ عدد سكان الصين عام 1979 نحو مليار نسمة، حيث واجهت الحكومة الصين في تلك الفترة العديد من التحديات من ضمنها نقص الغذاء وقلة الموارد، ما جعل البرلمان الصيني يصوت لصالح سياسة الطفل الواحد لتدخل حيز التنفيذ منذ ذلك الحين.
في منتصف يناير من العام الجاري، أعلن مكتب الإحصاء الوطني الصيني عن انخفاض عدد السكان في عام 2022 بمقدار 850 ألفًا عن العام السابق، وهي المرة الأولى التي تسجل فيها الدولة نمواً سلبياً في عدد السكان منذ القفزة العظيمة للأمام (المجاعة الصينية الكبرى)، بالرغم من إنهاء سياسة الطفل الواحد في 2018، وتبني الحكومة سياسة الثلاثة أطفال، إلا أنها لم تنجح كسابقتها، وتتوقع الأمم المتحدة أن يبلغ عدد سكان الصين ذروته في عام 2025 ثم يبدأ في الانخفاض، بسبب مجموعة من العوامل بما في ذلك شيخوخة السكان وانخفاض معدل الخصوبة.
ارتخاء اقتصادي
من المحتمل أن يكون لهذا التحول آثار وتداعيات كبيرة على اقتصاد الصين ومجتمعها، والذي بدوره قد ينعكس مكانتها كقوة اقتصادية عالمية كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بدورها كـ ‘مصنع عالمي‘، حيث سيؤدي الانكماش السكاني إلى انخفاض في القوى العاملة في الصين، وهو ما قد يقيد بدوره النمو الاقتصادي ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف العمالة، مما يجعل الصين أقل قدرة على المنافسة كمركز تصنيع.
تقول شيوجيان بينغ Dr Xiujian Peng – الباحثة في مركز السياسات بجامعة فيكتوريا، أن فشل سياسة الأطفال الثلاثة في الصين جاء لعدة أسباب منها عدم تقبل النساء على زيادة الإنجاب “تردد النساء الصينيات في إنجاب الأطفال بالرغم من حوافز الدولة ينطوي على التعود على الأسر الصغيرة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة سن الزواج الأمر الذي يؤخر المواليد ويثبط الرغبة في الإنجاب، بالإضافة إلى أن عدد النساء في سن الإنجاب أقل مما هو متوقع، وذلك بسبب سياسة الطفل الواحد، حيث كان يقتصر الأمر على إنجاب طفل واحد فقط، حيث اختار العديد من الأزواج الإنجاب، ورفع نسبة الجنس عند الولادة من 106 ذكور لكل 100 من الإناث (النسبة في معظم أنحاء العالم) إلى 120، وفي بعض المقاطعات إلى 130″.
وفقًا لدراسة نشرتها أكاديمية شنغهاي للعلوم التطبيقية أواخر العام المنصرم، فأن من المتوقع أن يتزايد عدد كبار السن خلال الـ 70 عام المقبلة ليصل عدد الأشخاص الغير قادرين على العمل في عام 2100 إلى 307 مليون، بينما سيكون عدد الأشخاص في مرحلة الشباب حوالي 250 مليون، وذلك من خلال تحليل بيانات التعداد السكاني للصين منذ عام 2010، وحتى العام 2022، وخلصت الدراسة إلى أن ذلك وسيؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف الرعاية الصحية ونظام الضمان الاجتماعي ودفع معاشات تقاعدية للعاملين في الاقتصاد الرسمي من ناحية، ونقص العمالة من ناحية أخرى.
من جهتها ترى بينغ أن على الحكومة الصينية أن تتخذ إجراءات لحل هذه المشكلة بشكل عاجل، ومن هذه الإجراءات تسهيل الهجرة من البلدان الأخرى والذي قد تعوض نقص العمالة و تبطئ وتيرة الشيخوخة بشكل مؤقت، وزيادة السن التقاعدي إلى 65 عام، واعتماد سياسات تشجع الخصوبة، “ويتعين على السكان في سن العمل أن يعملوا بجهد كبير للحفاظ على حياة كريمة“.
الإحلال الآلي
بالرغم من عمل الصين منذ سنوات على أتمتة عملية الإنتاج وإضفاء الطابع الآلي عليها، ولكن هذه الإجراءات لن تعوض تأثير الانكماش السكاني على القوى العاملة، خصوصًا على المدى القريب، وفقًا لـ يي فوكسيان Yi Fuxian – الباحث في جامعة ويسكونسن ماديسون، الذي ذكر في كتابه (بلد كبير مع عش فارغ) بأن الصين ستصبح أقل قدرة على المنافسة في الصناعة التحويلية العالمية في السنوات المقبلة، وبأن الآلات ستتمكن من إنجاز المهام التقنية وكما يمكن أن يؤدي إلى تحول في الاقتصاد نحو المزيد من الصناعات الموجهة نحو التكنولوجيا والخدمات.
ومن خلال التسلسل الزمني التالي يتبين أن الصين قد شهدت تغيرًا كبيرًا في تحولها الديموغرافي، كان لسياسة الطفل الواحد تأثير كبير على النمو السكاني وتحاول الحكومة الآن تشجيع النمو السكاني من خلال إنهاء هذه السياسة، ومع ذلك على الرغم من هذه الجهود، لا يزال من المتوقع أن ينخفض عدد السكان في المستقبل، بسبب انخفاض معدل الخصوبة وشيخوخة السكان.
تتنوع آراء الاقتصاديين وتعتمد على المنظور والبيانات التي يستخدمونها لتحليل المشكلة، ومع ذلك، يقر معظمهم بأن الانكماش السكاني في الصين سيكون له عواقب وخيمة ويتطلب إجراءات سياسية للتخفيف من آثاره على الاقتصاد، والمجتمع والاقتصاد العالمي، يرى مايكل بيتيس – الاقتصادي وأستاذ التمويل بجامعة بكين، أن شيخوخة السكان في الصين من المرجح أن تؤدي إلى انخفاض القوة العاملة في البلاد، وهو ما قد يقيد بدوره النمو الاقتصادي ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف العمالة، مما يجعل الصين أقل قدرة على المنافسة كمركز للتصنيع. كما يجادل بأن التحول الديموغرافي سيكون له تأثير كبير على اقتصاد الصين وأنه من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض كبير في القدرة التنافسية للصين كمركز تصنيع.
صحوة متأخرة
نفذت الحكومة الصينية عددًا من السياسات التي تهدف إلى معالجة هذه المشكلة، مثل تخفيف سياسة الطفل الواحد، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الإجراءات ستكون فعالة في عكس اتجاه التدهور السكاني. وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، ‘التوقعات السكانية في العالم: مراجعة 2019′، من المتوقع أن يصل عدد سكان الصين إلى الذروة في عام 2027 عند 1.44 مليار نسمة، قبل أن يبدأ في الانخفاض.
في الختام، يعتبر تقلص عدد سكان الصين قضية معقدة لها آثار بعيدة المدى على اقتصاد الدولة والمجتمع. بينما نفذت الحكومة سياسات تهدف إلى معالجة هذه المشكلة، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الإجراءات ستكون فعالة في عكس اتجاه التدهور السكاني. قد لا يكون الانكماش السكاني كبيرًا كما هو متوقع، ولكن سيكون له تأثير كبير على القوة العاملة في الصين، والاقتصاد، والقدرة التنافسية العالمية.
أقلية الأويغور وجريمة “التعقيم القسري”
وفي الوقت الذي يقوم فيه الحزب الشيوعي الصيني الترويج لأسر أكبر بين أغلبية الهان العرقية من أجل مكافحة الانكماش السكاني، تمارس السلطات الصينية من الناحية الأخرى الإبادة الجماعية ضد أقلية الأويغور المسلمة في شينجيانغ، حيث تقدر الأمم المتحدة أن ما يصل إلى مليوني من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى قد تم احتجازهم في معسكرات الاعتقال في شينجيانغ، حيث يتعرضون للتلقين السياسي والعمل القسري وأشكال أخرى من الانتهاكات، وبحسب الأمم المتحدة أن من بين الانتهاكات المبلغ عنها التعقيم القسري وتحديد النسل، بما في ذلك اللولب وحبوب منع الحمل.