تتصاعد الرهانات على قدرة إيران صنع “عدة” قنابل ذرية
أكبر مسؤول نووي في الأمم المتحدة، رافاييل غروسي، يحذر بأن إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع “عدة أسلحة نووية” إذا اختارت.
والجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى الحد من برنامج إيران النووي مرة أخرى غير مرجحة الآن أكثر من أي وقت مضى.. لماذا؟ لأن طهران تسلح روسيا في حربها على أوكرانيا في وسط الاضطرابات التي تهز الجمهورية الإسلامية منذ مقتل الشابة الكردية مهسا أميني.
التحذير الذي وجهه غروسي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يظهر مدى خطورة البرنامج النووي الإيراني.
إيران لم تقم أبداً بتخصيب اليورانيوم بنفس المستوى العالي كما هو الحال الآن.. حتى في ذروة التوترات السابقة بين الغرب وطهران في عهد الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد قبل الاتفاق النووي لعام 2015.
ولعدة أشهر قال خبراء حظر الانتشار النووي أن إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60% لبناء سلاح نووي واحد على الأقل، هذا على الرغم من إصرار طهران لفترة طويلة أن برنامجها النووي لأغراض “سلمية”.
وبينما حذر غروسي من البرنامج الإيراني النووي وصرح “أننا بحاجة إلى توخي الحذر الشديد” أقر أكبر مسؤول نووي في الأمم المتحدة بصراحة بمدى نمو مخزون طهران من اليورانيوم عالي التخصيب.
وتابع: “هناك شيء واحد صحيح: إيران جمعت ما يكفي من المواد النووية لصنح عدة أسلحة نووية، وليس واحدة فقط في هذه المرحلة”.
إيران أدخلت تغييرات غير معلنة في أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم
قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة الأربعاء 1 فبراير إن إيران أدخلت تعديلا جوهريا على الربط بين مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60% في محطة فوردو دون إعلامها بذلك.
خلال عملية تفتيش غير معلنة في محطة فوردو في 21 يناير، اكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن “سلسلتي طرد مركزي من طراز آي آر-6… مترابطتان بطريقة تختلف اختلافًا جوهريًا عن طريقة التشغيل التي أعلنتها إيران للوكالة”، بحسب تقرير سري اطلعت عليه وكالة فرانس برس.
وأضاف التقرير الموجه إلى الدول الأعضاء أنه منذ أواخر العام الماضي، تم استخدام سلسلتي الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%.
وبعد أن أجرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التفتيش في فوردو، “أبلغت إيران الوكالة في وقت لاحق أنها أجرت هذا التغيير في 16 يناير”.
رافايل غروسي أعرب عن قلقه حينها من أن إيران “أدخلت تغييرًا جوهريًا في معلومات تصميم محطة تخصيب الوقود في ما يتعلق بإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب دون إبلاغ الوكالة مسبقًا”.
وأضاف غروسي “هذا يتعارض مع التزامات إيران بموجب اتفاق الضمانات الخاص بها ويقوض قدرة الوكالة على ضبط نهج الضمانات لمحطة تخصيب الوقود وتنفيذ إجراءات وقائية فعالة في هذه المنشأة”.
فماذا كان رد إيران على هذه التغييرات وتقرير الوكالة الذرية؟ أكدت إيران أن في كشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أنها أجرت تعديلات غير معلنة على أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو، يعود الى “خطأ” من أحد المفتشين الدوليين، وأن المسألة سبق ايضاحها وحلّها!
وكان غروسي حذّر الأسبوع الذي سبق اكتشاف الوكالة الدولية أمام البرلمان الأوروبي، من أن إيران “جمعت ما يكفي من المواد النووية لصنع العديد من الأسلحة النووية”، خصوصا اليورانيوم العالي التخصيب.
وتنفي طهران على الدوام سعيها لتطوير سلاح ذري، على الرغم من الاتهامات والدلائل التي تشير إلى عكس ذلك.
نددت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا الجمعة 3 فبراير بردود طهران “غير الملائمة”، بعد أن كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية نبهت إلى ما قالت إنه تعديل تقني غير معلن في البرنامج النووي الإيراني.
وقالت واشنطن وباريس ولندن وبرلين في بيان مشترك إن “تصريحات إيران التي مفادها أن هذه الأعمال كانت نتيجة خطأ، هي غير كافية”.
وأضافت “أفعال إيران يُحكَم عليها على أساس تقارير موضوعية ومحايدة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وليس على أساس نواياها المفترضة”.
“التغيير المفاجئ” في برنامج إيران النووي يتعارض مع التزامات طهران
أشار دبلوماسيون إيرانيون على مدى سنوات إلى خطاب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على أنه “فتوى” ملزمة بأن إيران لن تسعى للحصول على قنبلة ذرية.
مع ذلك، بدأ المسؤولون الإيرانيون في الأشهر الأخيرة بالحديث علناً عن إمكانية بناء أسلحة نووية.
وانتهت المحادثات بين إيران والغرب في أغسطس بـ “النص النهائي” لاستعادة اتفاق 2015 الذي لم تقبله إيران حتى اليوم.
وأصرت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، ردا على أسئلة حول تصريحات غروسي، في تعليقات لوكالة أسوشيتد برس يوم الخميس على أن طهران “مستعدة للالتزام بالتزاماتها في إطار (الصفقة) شريطة أن تفعل الأطراف الأخرى الشيء نفسه”.
وقالت البعثة على الرغم من تسريع إيران لتخصيب اليورانيوم بعد انهيار الاتفاق فإن “البرنامج النووي الإيراني لم يكن يتعلق قط بصنع أسلحة نووية، والتخصيب لا علاقة له بالانحراف عنه”.
الخطر من إيران واسلحتها النووية لا يزال قائماً، حيث ذكّر محللون بما حدث مع كوريا الشمالية التي توصلت إلى اتفاق عام 1994 مع الولايات المتحدة للتخلي عن برنامج أسلحتها النووية، بعد انهيار الاتفاق عام 2002، أعلنت بيونغ يانغ أنها صنعت أسلحة نووية في 2005 بسبب القلق من نوايا “الولايات المتحدة بعد غزو العراق”.
تمتلك كوريا الشمالية الآن صواريخ بالستية مصممة لحمل رؤوس حربية نووية قادرة على الوصول إلى أمريكا.
تصريحات إيرانية “مشكوك فيها”
مع انخفاض العملة الإيرانية إلى أدنى مستوياتها التاريخية مقابل الدولار وسط أزماتها، قدم مسؤولون إيرانيون، بمن فيهم وزير الخارجية حسين أميربد اللهيان، ادعاءات غير مدعومة بشأن موافقة المسؤولين الأمريكيين على مطالبهم أو الإفراج عن الأموال المجمدة في الخارج.
في وزارة الخارجية الأمريكية، أصبح إنكار مزاعم إيران هدفاً محدداً أكثر فأكثر.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: “لقد سمعنا عددًا من التصريحات من وزير الخارجية الإيراني المشكوك فيها إن لم تكن أكاذيب صريحة، لذلك سأضع هذا السياق الأوسع في الاعتبار عند الإشارة إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني”.
يقول برايس وآخرون في إدارة الرئيس جو بايدن إن أي محادثات مستقبلية مع إيران لا تزال غير مطروحة على الطاولة حيث تقوم طهران بقمع الاحتجاجات التي استمرت لأشهر بعد وفاة مهسا أميني، الشابة التي احتجزتها شرطة الأخلاق في البلاد في سبتمبر الماضي وقُتل ما لا يقل عن 527 شخصًا واعتقل أكثر من 19500 وسط الاضطرابا ، وفقًا لنشطاء حقوق الإنسان في إيران.
أزمة الحرب الروسية الأوكرانية
جزء آخر من الأزمة يأتي من تسليح إيران لروسيا بطائرات بدون طيار تحمل قنابل استهدفت بشكل متكرر محطات الطاقة والأهداف المدنية في جميع أنحاء أوكرانيا.
ولا يزال من غير الواضح ما الذي تتوقعه طهران، التي لها تاريخ متوتر مع موسكو، من تزويد روسيا بالأسلحة.
اقترح أحد المشرعين الإيرانيين أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تحصل على مقاتلات Sukhoi Su-35 لتحل محل طائراتها الحربية القديمة التي كانت تتكون أساساً من طائرات حربية أمريكية قبل عام 1979، على الرغم من عدم تأكيد مثل هذه الصفقة.
ستوفر مثل هذه الطائرات المقاتلة دفاعاً جوياً رئيسياً لإيران، خاصة وأن مواقعها النووية يمكن أن تكون موضع اهتمام متزايد. وحذرت إسرائيل، التي نفذت ضربات لوقف برامج إيران النووية في العراق وسوريا، من أنها لن تسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية.
كما أطلقت الولايات المتحدة وإسرائيل أكبر مناورة جوية وبرية وبحرية مشتركة على الإطلاق هذا الأسبوع مع أكثر من 140 طائرة حربية ومجموعة حاملات طائرات وما يقرب من 8000 جندي يطلق عليهم جونيبر أوك. ووصف البنتاغون التدريبات بأنها “لا تهدف إلى توجيهها حول أي خصم أو تهديد”.
ومع ذلك، يأتي ذلك وسط التوترات المتصاعدة مع إيران ويتضمن التزود بالوقود الجوي واستهداف وقمع الدفاعات الجوية للعدو – وهي قدرات ستكون حاسمة في تنفيذ الضربات الجوية.
في الوقت الحالي، قال غروسي إنه “لم يكن هناك أي نشاط دبلوماسي تقريباً” لمحاولة استعادة الاتفاق النووي الإيراني، وهو اتفاق يصفه الآن بأنه “قذيفة فارغة” لكنه لا يزال يحث على مزيد من الدبلوماسية لأن طهران لا تزال بحاجة إلى تصميم واختبار أي سلاح نووي محتمل.
كيف ستؤثر الأسلحة النووية في حوزة إيران على المنطقة؟
تحدث العديد من الباحثين والخبراء عن حجم التهديد الذي قد تشكله إيران النووية على الغرب وإسرائيل، ويتفق معظم الباحثين على أن السماح لنظام عدواني وتوسعي مثل إيران بامتلاك السلاح الأكثر رعباً سيكون “طائشاً” و”انتحارياً” ومع ذلك لم تكف الجهود لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
لكن كيف سيؤثر ذلك على منطقة الشرق الأوسط بأكملها؟ من المهم مراجعة التداعيات المحتملة لمثل هذا التغيير التكتوني.
إذا تجاوزت إيران العتبة النووية، فإن المملكة العربية السعودية ستفعل كل ما في وسعها لتعزز أمنها وستقوم بإنتاج أسلحة نووية نظراً للتهديد الذي تشكله إيران عبر ميليشياتها المتوغلة في البلدان العربية مثل اليمن والعراق وسوريا.
وقال وزير الخارجية السعودي، في دسيمبر 2022 إن جيران إيران الخليجيين سيتصرفون لتعزيز أمنهم إذا حصلت طهران على أسلحة نووية.
وقال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في مقابلة على خشبة المسرح في مؤتمر السياسة العالمية في أبوظبي عندما سئل عن مثل هذا السيناريو أنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي، فإن “كل الرهانات ستنتهي” في إشارة منه أنه من المستحيل القول كيف يمكن أن يتطور الوضع.
وتابع وزير الخارجية السعودي: “نحن في مكان خطير للغاية في المنطقة… يمكنك أن تتوقع أن تتطلع دول المنطقة بالتأكيد نحو كيفية ضمان أمنها.”
هذا سيشكل سلسلة من الأحداث على نهج تأثير الدومينو، فور حصول دول الخليج على أسلحة نووية لتعزيز أمنها هذا سيؤثر تدريجياً على باقي المنطقة لتطوير برامج مماثلة على أمل إرساء قوة ردع.
إمتلاك إيران لسلاح نووية لن يكون النهاية.. بالعكس هو سيكون بداية كابوس في المنطقة وستصبح غير مستقرة على الإطلاق.
انتشار الاسلحة النووية يمكن أن يغير شكل الحياة بشكل عنيف بين عشية وضحاها.
إن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. تبادل نووي غير مقصود أو عرضي بين إسرائيل وإيران هو احتمال خطير قد يعيد مأساة شرنوبل إلى خط الأمام.