الصين تُنفذ سياستها الخارجية عن طريق “الاستعمار الناعم”
- تنتظر بكين عجز الدولة عن السداد لتستولي على الأصول الرئيسية لها
- طورت بكين مخططات لتجاوز القيود المحلية في العديد من الدول لمنع أي عوائق لتمدد نفوذها
- ما يسمى بمشاريع التنمية الصينية ليست إلا شكلًا مموهًا من أشكال الاستعمار
تتبنى بكين النسخة الأحدث من المد الاستعماري العالمي، عبر فرض سيطرتها على الدول المختلفة عن طريق إغراقها في الديون وتوريطها في اتفاقيات مجحفة تقضي على سيادتها وتجر على شعوبها كوارث اقتصادية مؤلمة.
وذلك دون اللجوء إلى أساليب الاستعمار الحربي القديم الذي كان يعتمد على قوة الجيوش والأساليب العسكرية.
الاحتلال الاقتصادي
منذ عام 2013 أطلقت بكين مبادرة الحزام والطريق الدولية، وهو مشروع يتضمن استثمار الشركات الصينية في البنية التحتية لعشرات الدول في أنحاء العالم.
وقد جاءت هذه المبادرة لتكون إيذانًا ببدء عصر التوسع الصيني الإستعماري باستخدام الأدوات الاقتصادية والإستيلاء على مقدرات الدول المستهدفة.
فالشركات التابعة للحكومة الصينية تفتئت على سيادة العديد من البلدان مثل العراق الذي أصبح واحداً من شركاء الصين في مبادرة الحزام والطريق منذ عام 2019.
وفقًا لاتفاق “النفط مقابل الإعمار“، الذي يتضمن إسناد العديد من المشروعات إلى الصين، وتصدير شحنات نفط يومية إليها دون أن يُسمح للعراقيين باستخدام المقابل المادي إلّا لتمويل مشاريع الشركات الصينية لديهم.
وتوسعت التجارة الثنائية بين البلدين، وانتشرت الشركات الصينية في قطاعات النفط والبناء والكهرباء في مختلف المدن.
وانتشرت تبعًا لذلك العمالة الصينية، وصارت بكين تنتظر خروج أي شركة أجنبية من السوق النفطية العراقية لتشتري حصتها.
فالصين أكبر مستورد للنفط في العالم، والعراق ثالث أكبر مصدر للنفط لها، وقد أعلن السفير الصيني في العراق تشنغ تو عام 2020، أن هناك جانبًا سريًا في اتفاق النفط مقابل الإعمار لم يُكشف عنه، مما أثار مخاوف من وقوع العراق في فخ الديون الصيني بسبب هذا الغموض المتعمد.
وقد قدمت الصين مبالغ قياسية من التمويل إلى البلدان النامية، ومع ذلك لم تزدهر اقتصادات تلك الدول بل تدهورت.
وأصبح العديد منها على شفا الإفلاس، لأن هذه القروض والمشروعات لم يكن هدفها إلا إيقاع هذه الدول في الحبائل الصينية وليس التنمية الاقتصادية.
وتقع معظم البلدان المثقلة بهذه الديون في إفريقيا، وتعد جيبوتي وأنغولا، من أكثر البلدان التي تعاني من أكبر أعباء ديون من حيث القيمة النسبية.
حيث تجاوز الدين المستحق للصين 40 في المائة من إجمالي الدخل القومي للدولتين، وهناك عشرات الدول المتضررة أيضًا في آسيا والمحيط الهادئ.
وبصفة عامة فالبلدان منخفضة الدخل في العالم مدينة بنسبة 37 في المائة من ديونها للصين في عام 2022، وبالطبع كانت مبادرة الحزام والطريق مصدرًا رئيسيًا لتلك الديون.
ومن بين 97 دولة تعاني من ديون الصين، تعد سريلانكا وباكستان وجزر المالديف من أشهر نماذج الدول المتضررة.
ففي نوفمبر 2022 وصل إجمالي ديون باكستان والتزاماتها المالية إلى 89.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
ووفقًا لصندوق النقد الدولي يبلغ إجمالي الدين الثنائي لباكستان 27 مليار دولار، منها 23 مليار للصين، فضلا عن ديونها لنادي باريس.
وفي نوفمبر أيضًا أقرضت الصين إسلام أباد 9 مليارات دولار أخرى بعد أن وصلت إلى حافة الانهيار الاقتصادي وما يحمله ذلك من مخاطر جمة بالنظر إلى أن باكستان دولة نووية.
وتعد الصين أكبر دائن لباكستان وأكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر بها، وعلى مدى السنوات الماضية كانت الصين الشريك التجاري الأول لها.
فبعد إطلاق مشروع الممر الاقتصادي الصيني بباكستان عام 2015 – وهو مشروع ضخم للبنية التحتية – تعاظم تأثير الصين في اقتصاد باكستان، وغرقت في الديون وصارت تطلب قروضاً إضافية من الصين من أجل تسديد القروض القديمة.
وتعد سريلانكا مثالا أكثر وضوحا؛ ففي العام الماضي كانت أول دولة منذ عقدين تتخلف عن سداد ديونها السيادية، وترجع حوالي خُمس هذه الديون إلى الصين وحدها.
وكانت معظم الاستثمارات الصينية بها غير مجدية، والمثال الأكثر وضوحا في هذا الصدد هو مطار راجاباكسا في هامبانتوتا الذي لا يستطيع مشغلوه دفع فواتير الكهرباء له فضلاً عن تشغيله وإدارته بكفاءة.
وكذلك مشروعات غير مربحة مثل مراكز المؤتمرات، وتطوير ميناء هامبانتوتا، والذي وضعت الصين يدها عليه بموجب عقد مدته 99 عاماً، وأخذت كذلك مساحة كبيرة من الأراضي المجاورة له.
وفي الوقت الحالي، تعمل سريلانكا على إعادة هيكلة ديونها الخارجية بعد الإعلان عن أول تخلف عن سداد الديون السيادية للبلاد في 12 أبريل 2022.
وحينها اشتعلت الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالحكومة بسبب الفشل الاقتصادي في مشهد اعتُبر الفصل الافتتاحي في العالم للدول التي أغرقتها بكين في الديون.
أما جزر المالديف، ففي عهد عبد الله يمين عبد القيوم، بين عامي 2013 و2018، توسعت العلاقات مع بكين ووصلت إلى ذروتها.
وصاحب ذلك بالطبع إغراق الدولة في قروض تجعل كل مالديفي يدين للصين بثمانية آلاف دولار إذا تم توزيعها بالتساوي على عدد السكان، بينما تجد الحكومة صعوبة بالغة في دفع رواتب موظفيها.
وفي زامبيا استحوذت بكين على المطار الدولي الرئيسي ومقر الإذاعة والتليفزيون بعد أن فشلت الحكومة الزامبية في سداد الديون الصينية.
وكذلك وجدت الحكومة الأوغندية مطارها الوحيد وأصولها السيادية عرضة للمصادرة بسبب تأخرها في السداد.
وفي بنغلاديش وضع التنين الأصفر يده على ميناء شيتاغونغ، في ظل تصاعد حجم الديون على الحكومة البنغالية.
ويعد بنك الصين للاستيراد والتصدير وبنك التنمية الصيني البنكين الرئيسيين اللذين يقرضان الأموال للدول.
وتستلم الشركات التابعة للحكومة الصينية هذه الأموال لتنفيذ المشاريع، بينما تَعلق الدول في المنتصف فلا هي أخذت الأموال ولا حتى استفادت بالمشروعات في كثير من الأحيان.
وقد وجدت إحدى الدراسات أن نصف إقراض الصين للبلدان النامية لا يتم الإبلاغ عنه في إحصاءات الديون الرسمية، وغالبًا ما يتم الاحتفاظ بها خارج الميزانيات العمومية للحكومات المقترضة.
وتنتظر الصين عجز الدولة عن السداد لتستولي على الأصول الرئيسية لها، لذا لا تنشر الصين سجلات قروضها الخارجية.
وتحتوي غالبية عقودها على بنود سرية تمنع المقترضين من الكشف عن محتوياتها، وتجادل بأن هذه السرية تعتبر ممارسة شائعة لعقود القروض الدولية، مع العلم أن معظم الدول الصناعية الكبرى تتشارك المعلومات حول أنشطة الإقراض الخاصة بها من خلال تجمع “نادي باريس” الذي ترفض الصين الانضمام له.
ولكن باستخدام بيانات البنك الدولي المتاحة ، يمكن ملاحظة النمو السريع في القروض الصينية المعلنة مقارنة بالآخرين بوضوح.
وأحيانًا يطلب الصينيون من المقترضين الاحتفاظ برصيد نقدي في حساب خارجي يمكن للصين الوصول إليه، وإذا فشل المقترض في سداد ديونه، فبإمكان الصينيين ببساطة خصم الأموال من الحساب دون الاضطرار إلى تحصيل الديون من خلال عملية قضائية.
وطورت الصين مخططات لتجاوز القيود المحلية في العديد من الدول لمنع أي عوائق لتمدد نفوذها.
فبصفة عامة نجحت بكين في التواصل مع الأقليات ذات الأصل الصيني خاصة في الدول الآسيوية ونصبت نفسها راعية لهم واعتبرتهم فرقًا متقدمة لها داخل هذه الدول، مع العلم أن أعدادهم بالملايين وأوضاعهم الاقتصادية عالية جدًا.
ففي ماليزيا مثلا كثف الصينيون جهودهم للسيطرة على “مدينة الغابة” القريبة من سنغافورة لتكون مدينة خاصة بهم، مما أثار غضبًا عارمًا لدى السياسيين هناك وعارضوا المشروع بقوة، والأمثلة عديدة في هذا الصدد.
ومن خلال استثماراتها في الدول المختلفة تستغل بكين المزايا التي من المفترض أنها مخصصة للشركات والمؤسسات المحلية فقط.
فمثلًا بدأت في إنشاء مدينة صناعية عند مدينة طنجة الساحلية شمال المغرب قرب مضيق جبل طارق، إذ تنظر بكين للمغرب كمدخل ليس للدول الأفريقية فقط بل لأسواق دول الاتحاد الأوروبي أيضًا التي عقد معها المغرب اتفاقات للإعفاء الجمركي، مما يمنح المنتجات الصينية المصنعة هناك نفس المزايا لتغزو الأسواق الأوروبية.
الشعوب هي الضحية
مع ما تحمله المشروعات الصينية من أضرار على السيادة والاقتصاد الوطني على المدى الطويل، فإن آثارها السلبية تظهر سريعًا على حياة المواطنين بشكل مباشر؛ فالشباب يفقدون فرص العمل، ورجال الأعمال يخسرون أمام منافسيهم الأقوياء القادمين من خارج الحدود.
ففي باكستان احتلت الشركات المملوكة للحكومة الصينية قطاع الاستثمار على حساب الشركات المحلية، فالصينيون يأتون بمواطنيهم للعمل بمشروعاتهم المعفاة من الضرائب والتي أيضًا قد تُقدر بأكثر من قيمتها الحقيقية، وتتحمل إسلام أباد فاتورة كل شئ.
وفي سبتمبر الماضي غمرت الفيضانات الكارثية ثلث البلاد، ولم تكن تلك الكارثة “الطبيعية” أيضا بمعزل عن أيادي الصينيين؛ فالفيضان وقع بسبب ارتفاع منسوب المياه في نهر إندوس لأنّ مشروع الممر الاقتصادي الصيني تعدى على مجرى النهر فازداد عنف تدفق المياه فيه فحصل ما حصل.
وهذا ليس كل شيء؛ فقد دمرت الفيضانات عددا من المشاريع الصينية، مما زاد من ورطة الحكومة الباكستانية المطالَبة بتسديد قروض هذه المشروعات، وقدّرت السلطات حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكارثة بـ30 مليار دولار.
كما شهدت باكستان قبل ذلك احتجاجات نظمها عشرات الآلاف من الصيادين المحليين للتنديد بالاستثمارات الصينية التي أضرت بهم وجعلتهم عاطلين عن العمل.
فقد أخذت بكين ميناء غوادر باتفاقية إيجار مدتها 40 عاماً، وسمح العقد المبرم عام 2013 للصين بجني أغلب إجمالي إيرادات الميناء والمناطق الحرة المحيطة به على حساب السكان المحليين الذين طردوا من أراضيهم، لذلك أصبح الصينيون هدفًا للهجمات الانتحارية بعد أن أصبح يُنظر إليهم كمحتلين لا كمستثمرين.
وبسبب هذه الهجمات زادت الكلفة المالية للاستثمارات الصينية بسبب تزايد نفقات الباكستانيين على الحراسة، بينما تكافح الحكومة لسداد القروض ذات الفوائد المرتفعة.
وفي الدول المختلفة تتنوع الآثار التدميرية التي يخلفها الصينيون وراءهم؛ فشعوب الدول الأفريقية تعاني من الصيد الجائر وعدوانية الأسطول الصيني وانتهاكاته، مما فاقم من مشاكل الأمن الغذائي في القارة السمراء.
ففي تونس على سبيل المثال التي تواجه أزمة اقتصادية كبيرة، تضرر البحارة والمستهلكون بشدة من الانتهاكات الصينيّة المتواصلة لبحارهم، التي أدّت إلى إفراغ المياه التونسيّة من بعض أنواع الأسماك وهددت أنواعاً أخرى بالانقراض.
وترك بعض الصيادين مهنتهم وأصبحوا عاطلين عن العمل، بالإضافة إلى غلاء أسعار السمك بحيث أصبح من الصعب على المستهلكين شراؤه.
فمثلا حصلت الصين على حصاد سمك التونا الكبيرة حتى اختفت من الأسواق التونسية ولم يعد السكان يستطيعون الوصول إليها.
السيادة مقابل القروض
وجدت العديد من الحكومات أنها على وشك أن تضحي بسيادتها مقابل القروض، لذلك كان تخفيف الديون الصينية أولوية لرئيس الوزراء الماليزي الأسبق، مهاتير محمد، الذي سعى جاهدا لتحقيق هذا الهدف.
وأعلن أن دفع الشروط الجزائية أقل ضررا بالاقتصاد الوطني من تحميله فاتورة باهظة لمشروعات لا تحتاجها بلاده، وعقب ذلك مضت بعض الدول في طريق التخلص من ربقة الديون.
فأنهت حكومة أوغندا عقدًا قديمًا لشركة صينية لبناء خط سكك حديدية من مالابا إلى كمبالا، وتم إسناد المشروع لشركة تركية، وفي سبتمبر الماضي ألغت إثيوبيا عقد التنقيب عن الغاز والنفط مع شركة صينية.
وهكذا أخذت بعض الدول تستفيق قبل فوات الأوان، مما دعا بكين لأخذ احتياطاتها ومحاولة تكبيل الدول بقيود تمنعها من مراجعة تلك الاتفاقات سواء عبر الشروط الجزائية، أو البنود السرية، أو حتى بربط مصالح مراكز قوى في هذه الدول ببكين، أو عبر ربط مصالح الدول ذاتها بها.
فالأمر اللافت هنا أن هذه المشاريع غالبًا ما تأتي بعقود يصعب على حكومات الدول المستهدفة في المستقبل إلغاؤها وتصحيح أخطاء هيئات الحكم السابقة، ولهذا ليس من المبالغة أبدًا اتهام بكين بالتعدي على سيادة الدول.
وهذا جانب مهم لفهم طبيعة المشروع الصيني التوسعي؛ وهو أن بكين غالبًا ما تقدم نفسها كمستثمر عادي يقدم تمويلا لبناء مشاريع تنموية تسهم في النهوض بتلك الدول.
لكن هذه الرؤية تتناقض مع الحرص الصيني الشديد على تحصين عقود الاستثمار من إمكانية مراجعتها أو إلغائها، فهذا يكشف حقيقة مفادها أن الحزب الشيوعي الصيني يعرف أن ما يفعله لا يمكن احتماله وقبوله وأن الحكومات والبرلمانات المستقبلية سوف تسعى إلى إلغاء مثل هذه المشاريع.
فحتى الهند العدوة اللدودة للصين لم تستطع في ذروة الأزمة معها عام 2020 الاستجابة لدعوات المقاطعة وإنهاء كل العقود مع الشركات الصينية بين عشية وضحاها رغم مقتل 20 جنديًا هنديًا في المواجهات العسكرية بين البلدين، لأن مثل هذه الصفقات لها مشاكل قانونية.
فلجأت إلى طرق أخرى مثل مطالبة المواطنين بحذف التطبيقات الصينية والتوقف عن شراء منتجات صنعت في الصين، ولما ألغت نيودلهي عقدا مع شركة تابعة للحكومة الصينية بقيمة تقارب الخمسة مليارات روبية خاص بتطوير السكك الحديدية، لجأت بكين للتحكيم الدولي لمعاقبة نيودلهي.
وكذلك حاول رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عمران خان، الاستغناء عن العقود الصينية التي أبرمها من سبقه لكنه عجز عن ذلك، على الرغم من إعلانه أن العقود الموقعة مع الصين مبهمة وتفتقر للشفافية وتتضمن شروطا في مصلحة بكين.
وقد وجدت دراسة صادرة عن معهد كيل الألماني للاقتصاد (IfW)، بدعم من مؤسسات بحثية أمريكية، أن أكثر من 90٪ من العقود الصينية التي تمت مراجعتها تتضمن بندًا يسمح لبكين بإنهاء العقد والمطالبة بالسداد في حالة حدوث تغيير هام في القانون أو السياسة في الدولة المقترضة.
كما أثبت الباحثون اشتمال العقود أيضًا على “بنود سرية بعيدة المدى بشكل غير عادي”، وأن بعض الاتفاقيات تمنح الصين حق إلغاء القروض أو تسريع السداد إذا اختلفت مع سياسات المقترضين.
ومما زاد من خطورة الأمر تورط الشركات الصينية في جمع المعلومات الاستخبارية، عملا بقانون الاستخبارات الوطنية الصيني ، والذي نص على أن جميع الشركات الوطنية يجب أن توفر الوصول إلى أجهزة المخابرات الحكومية.
وبهذا يتضح أن ما يسمى بمشاريع التنمية الصينية ليست إلا شكلًا مموهًا من أشكال الاستعمار، لا يختلف كثيرا في جوهره عن الاستعمار الأوروبي في القرون الماضية، حيث كانت شركة الهند الشرقية وغيرها مفتاحًا لتحكم الاستعمار الأوروبي في دول عديدة.
يجادل الصينيون دائمًا بأنهم ليس ماضي استعماري كالدول الغربية وأن بلادهم اكتوت بنار الاستعمار قديمًا ولن تقتدي به، وأن ثقافتهم وحضارتهم ترفض تبني هذا النموذج وتمقته.
وعلى الرغم من تهافت هذه الحجج لأن عدم وقوع ذلك في التاريخ القديم لا يمثل ضمانة لعدم وقوعه مستقبلاً، إلا أنه بالنظر إلى السلوك الصيني في الماضي والحاضر يتضح لنا أيضًا عدم صحة مقولات الدعاية الصينية.
فبكين تحتل اليوم دولتين بشكل كامل وهما جمهورية تركستان الشرقية منذ عام 1949 ودولة التبت منذ عام 1950، كما أنها احتلت بالفعل أراضي من طاجيكستان عام 2011، أخذتها منها مقابل الديون التي ورطتها فيها عمدًا، في ظل كون الصين أكبر مستثمر في الاقتصاد الطاجيكي، لا سيما في قطاعي الطاقة والبنية التحتية.
وهناك نزاع متجدد مع الهند على منطقتين حدوديتين، ولا تخفي بكين أطماعها كذلك في احتلال تايوان وتعلن ذلك باستمرار، وكذلك الاستيلاء على جزر سينكاكو اليابانية في بحر الصين الشرقي، وجميع جزر بحر الصين الجنوبي الواقعة ضمن خريطة خط النقاط التسع التي تكشف تصور الصين لحدودها الحقيقية، وهي تشمل مناطق واقعة داخل حدود ماليزيا وإندونيسيا وبروناي والفلبين وفيتنام، أي احتلال بحر الصين الجنوبي الذي تزيد مساحته على مساحة البحر المتوسط، وتمر به نسبة هائلة من التجارة العالمية.