الاضطراب يضرب الاقتصاد الإيراني بسبب سوء إدارة النظام
بمرور الوقت أتضح للعالم أجمع أن النظام الإيراني هو المُصدر الأول للعنف والإرهاب والفوضى في الشرق الأوسط، الأمر الذي يظهر جليًا في ميليشياتها المسلحة التي تنشرها إيران في دولٍ عده من دول الشرق الأوسط، كحزب الله المسيطر على الجنوب اللبناني وميليشيا الحوثي الإرهابية التي تقود الاقتتال في اليمن، كل هذا كان سببًا رئيسيًا في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، الذي لم يأبه لأيًا من كل هذا بل واستمر في تطوير صواريخه الباليستية ونشرها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وإيران تمر بفترة اضطراب سياسي واقتصادي، مع ارتفاع مستويات التضخم والبطالة وأزمة العملة، حيث يتعرض النظام الإيراني لانتقادات بسبب تعامله مع هذه القضايا، ودعمه لميليشيات موالية له في دول أخرى، حيث يعمل النظام الإيراني على تغطية فشل ادارة الأزمة الاقتصادية في الداخل وصرف الانتباه إلى الخارج من خلال إشعال المنطقة بحروب من خلال المليشيات التابعة له في كلٍ من العراق ولبنان وسوريا واليمن.
ومع اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في إيران تدهورت الأوضاع الاقتصادية في إيران مؤخرًا واجهت البلاد مستويات عالية من التضخم والبطالة، كما جعلت أزمة العملة من الصعب على الإيرانيين تحمل الضروريات الأساسية، حيث يشير تقرير لوزارة العمل والرفاه الاجتماعي في إيران نشر في منتصف يناير/كانون الثاني 2023 أن أكثر من 43% من الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر وهذا يظهر انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن الإيراني، حيث يكافح الكثيرون من أجل توفير الضروريات الأساسية مثل الغذاء والسكن والرعاية الصحية، بينما في الوقت ذاته، يقدم النظام الإيراني الدعم لمختلف الميليشيات والجماعات السياسية في دول أخرى في المنطقة، مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن، هذه الجماعات موالية للنظام وتتلقى دعمًا ماليًا وعسكريًا كبيرًا من إيران، ووفقًا لتقديرات مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قدمت إيران مئات الملايين من الدولارات لدعم هذه الجماعات.
إخفاق حكومي
يقول دومان بهرامیراد – أستاذ الاقتصاد الإيراني: “بينما تقوم بعض الدول بتخفيف الضرائب على المواطنين وزيادة الدخل ومضاعفة ثروة الطبقات ذات الدخل المنخفض في المجتمع، يقوم النظام في إيران بفرض المزيد من الضرائب على الطبقات منخفضة الدخل وإعادة توزيع الثروة لصالح المؤسسات غير الخاضعة للمساءلة والجهات الموالية للنظام في الخارج، حتى أصبح الفقر هو المشكلة الرئيسية في إيران، وأصبح المواطنين يكافحون لتغطية نفقاتهم”.
ووفقًا للمركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية، فقد بلغت ثروات المسؤولين الإيرانيين حوالي 148 مليار دولار، وهي أكبر من احتياطي النقد الأجنبي للبلاد، ناهيك عن ثروات المرشد الأعلى، علي خامنئي، التي تقدر بأكثر من 200 مليار دولار، حيث يشير حسن راضي مدير المركز أن الاقتصاد الإيراني يتعرض للسرقة منذ أكثر من أربعة عقود، حيث تتحكم بمفاصله شركات كبرى تابعة للحرس الثوري الإيراني.
ويرى راضي أن دعم النظام الإيراني لهذه الميليشيات هو صرف الانتباه عن المشاكل الداخلية التي تواجه البلاد واستنزاف الموارد التي يمكن استخدامها لتحسين حياة الشعب الإيراني “بالإضافة إلى ذلك، بإعتقادي أن دعم هذه الجماعات هو وسيلة للنظام لتوسيع نفوذه في المنطقة والحفاظ على قبضته على السلطة”.
مجيد رافي ذو الستين عامًا والمقيم في اسطنبول يقول إن النظام الإيراني الجديد هو الأسوأ في تأريخ البلاد، ويردف قائلا “بأن العهد الملكي السابق كان أفضل بكثير مما يعيشه المواطنين حاليًا، حيث تصب الإدارة الإيرانية كل اهتمامها خارج البلد بدعمها للمتمردين في الدول الأخرى، بينما تعمل على إخضاع الشعب الإيراني بالتجويع والقمع في الداخل عند المطالبة بحقوقه، وهو ما جعل الشعب الإيراني لا يستطيع معارضة النظام، لأن من يعارض سياسة النظام الإيراني في هدر موارد البلد تكون نهايته على حبال المشنقة”.
ويشهد الريال الإيراني في السنوات الأخيرة انخفاضًا كبيرًا أمام الدولار الأمريكي، مما أدى إلى صعوبات اقتصادية داخل البلاد، حيث وصلت أسعار السلع المستوردة إلى 10 اضعاف اسعارها، فقد بدأت رحلة انهيار الريال الإيراني منذ عام 2011، حين بلغ سعر صرف الدولار الواحد 10000 ريال إيراني، ومنذ ذلك شهد انهيارا متسارع بسبب العقوبات، بينما وصل سعر الصرف في الوقت الحالي بالأسواق السوداء 450 ألف ريال للدولار الواحد.
عبء المليشيات الشيعية
وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، تقدم إيران لحزب الله دعمًا ماليًا يزيد عن مليار دولار سنويًا، بالإضافة إلى ذلك، أفادت خدمة أبحاث الكونغرس (CRS) أن إيران تقدم الدعم المالي والعسكري والسياسي لمختلف الميليشيات الشيعية في العراق بأكثر من نصف مليار دولار سنويًا بما في ذلك عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ومنظمة بدر، إلا أنها عملت مؤخرًا على تمكين هذه المليشيات من مصادر تمويل سيادية في العراق، لكي تتخلص من أعباء التمويل المباشر للمليشيات العراقية.
وبالرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة للدعم الذي قدمه النظام الإيراني للأسد، إلا أن تقارير دولية تُقدر حجم المساعدات للنظام السوري بملايين الدولارات، فضلاً عن الدعم العسكري المباشر، وذلك من خلال القواعد والمعسكرات الإيرانية في سوريا، وتشير التقديرات إلى أنه تم نشر آلاف من الجنود الإيرانيين في سوريا منذ بداية الصراع، وأن المئات قد قتلوا أو جرحوا في القتال.
ويُقدم النظام الإيراني أيضًا دعمًا ماديًا وعسكريًا لمليشيا الحوثي في اليمن، باعتبارها المليشيا النشطة والمؤثرة في المنطقة بالوقت الحالي، ويختلف نوعية الدعم وطريقة إيصاله إلى اليمن، فمنذ إنقلاب مليشيات الحوثي، كانت تصل إليهم أموال مباشر من خلال شبكات الصرافة التي يمتلكها (سعيد الجمل) المُقيم في إيران، حيث تُقدر حجم الأموال التي وصلت للجماعة خلال عامي 2018 -2019 حوالي 550 مليون دولار.
حتى قامت وزارة الخزانة الأمريكية بإدراج الجمل ضمن قائمة العقوبات، لتتبع إيران أسلوبًا آخر لإيصال الدعم إلى الجماعة، وذلك من خلال عائدات المشتقات النفطية التي تُرسلها إيران إلى ميناء الحديدة تحت أسماء شركات أجنبية، وهو ما يبرر استماتة الحوثيين بالمطالبة بفتح كامل لميناء الحديدة، فضلاً عن تهريب الأسلحة والطائرات المُسيرة عبر زوارق صيد بحرية.
يقول مايكل روبين – الباحث المختص بالشؤون الإيرانية في معهد American Enterprise لـ “أخبار الآن”: “من المعروف أن إيران، تدعم الميليشيات المختلفة في المنطقة كوسيلة لتعزيز مصالحها الجيوسياسية، ومع ذلك، فقد جاءت هذه السياسة بتكلفة باهظة على الإيرانيين، حيث استنزف النظام موارد ثمينة من الاقتصاد الإيراني كان من الممكن استخدامها لأغراض أكثر إنتاجية بدلاً من دعم المليشيات، حيث كان لهذا الإنفاق تأثير كبير على الاقتصاد ورفاهية الشعب الإيراني”.
علاوة على ذلك، فإن الدعم المقدم لهذه الميليشيات غالبًا ما يسير جنبًا إلى جنب مع العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على إيران، والتي أعاقت بشكل أكبر قدرة البلاد على جذب الاستثمار الأجنبي والتجارة. وقد ساهمت هذه العقوبات في ارتفاع مستويات التضخم، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات البطالة، وكل ذلك كان له تأثير سلبي على الاقتصاد الإيراني ورفاهية شعبه.
في الختام، تمر إيران حاليًا بفترة عصيبة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية، مع ارتفاع مستويات التضخم والبطالة وأزمة العملة. وتعرض النظام لانتقادات بسبب طريقة تعامله مع هذه القضايا، ودعمه لميليشيات موالية له في دول أخرى، مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن. بينما يكافح الشعب الإيراني لتغطية نفقاته، ينفق النظام ملايين الدولارات على دعم هذه الجماعات. وقد أثار ذلك مخاوف بشأن أولويات النظام وتجاهله لرفاهية الشعب الإيراني.