سيف العدل ومتلازمة طهران.. من هو أمير تنظيم القاعد الجديد؟
- الأمم المتحدة أصدرت تقريرا ورد فيه أنّ الرأي السائد للدول الأعضاء هو أنّ العدل أصبح زعيم التنظيم
- تنظيم القاعدة حسّاس تجاه مسألة قيادة سيف العدل بسبب إقامته في إيران
- سيف العدل لم يغادر إيران منذ أن استقر فيها
- لماذا تأخر تنظيم القاعدة بالإعلان عن إمارة سيف العدل.. وما علاقة داعش؟
أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ المواطن المصري المقيم في إيران سيف العدل صار زعيم تنظيم القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري في تموز/يوليو 2022.
وقال متحدث باسم الوزارة إنّ “تقييمنا يتوافق مع تقييم الأمم المتحدة – أنّ الزعيم الفعلي الجديد للقاعدة سيف العدل موجود في إيران”.
وكانت الأمم المتحدة أصدرت تقريرا ورد فيه أنّ الرأي السائد للدول الأعضاء هو أنّ العدل أصبح زعيم التنظيم.
لكنّ التنظيم لم يعلنه رسمياً بعد “أميراً” له بسبب الحساسية إزاء مخاوف سلطات طالبان في أفغانستان التي لم ترغب في الاعتراف بأنّ الظواهري قُتل بصاروخ أمريكي بمنزل في كابول العام الماضي، وفق تقرير الأمم المتحدة.
وذكر التقرير الأممي أنّ تنظيم القاعدة حسّاس تجاه مسألة قيادة سيف العدل بسبب إقامته في إيران ذات الغالبية الشيعيّة.
ولفت تقرير الأمم المتحدة إلى أنّ “مكان تواجده يثير تساؤلات لها تأثير على طموحات القاعدة لتأكيد قيادتها حركة عالمية في مواجهة تحديات تنظيم داعش” المنافس لها.
وسيف العدل (62 عاماً) هو ضابط سابق في القوات الخاصة المصرية وشخصية بارزة في الحرس القديم للقاعدة.
من هو سيف العدل؟
هو محمد صلاح الدين زيدان المكنى بسيف العدل، الضابط المصري السابق، ابن مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية في مصر.
من واقع تجربة قصيرة للباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة عمرو عبد المنعم بالقرب من هذه الجماعات يقول: “عام 1979 كان عامًا فاصًلا بالنسبة لجماعات الإسلام السياسي بشكل عام، في نفس العام اٌقتحم الحرم المكي من جماعة جهيمان العتيبي، وغزت القوات السوفيتية أفغانستان، كما نجحت ما سمي بالثورة الإسلامية في إيران، واجتاحت إسرائيل الأراضي اللبنانية”.
ويتابع: “كلها كانت دوائر سريعة ومتلاحقة ساعدت في صعود ونمو التطرف الديني ونمو فكرة الاستقطاب التي حدثت فيما بعد”.
عن فترة تواجد سيف العدل في مصر قبل الرحيل إلى أفغانستان يقول عمرو بتحفظ: “كان ينتمي لإحدى المؤسسات الهامة في مصر، ورصدت أجهزة الأمن تزايد نشاطه مع إحدى المجموعة الإسلامية، فقررت فصله من الخدمة واعتقاله عام 1987 في قضية عرفت بـ قضية إعادة تشكيل تنظيم الجهاد رقمها 401 لسنة 1987″.
مكث في السجن قرابة عامين ونصف، حتى أُفرج عنه أوائل التسعينات، والقضية لم تحول إلى القضاء المدني لعدم كفاية الادلة، كما أنها تضمنت ملابسات كثيرة وكان فيها أكثر من شخصية مهمة وكان فيها شخصيات قريبة من إيران مثل محمد الصاوي، وفيها صحفيين وإعلاميين والقضية ضمت قرابة 600 شخص معظمهم من الشرقية والمنصورة.
بعد الإفراج عنه، رحل محمد صلاح زيدان إلى المملكة العربية السعودية، ومن هناك بدأ يجهز للسفر من أجل الالتحاق بمجموعات الجهاد في أفغانستان، عن طريق بعض الشخصيات القريبة من القاعدة”.
من السعودية رحل سيف العدل إلى أفغانستان، يقول عمرو: “لم يكن حينها تنظيم القاعدة قد تشكل، لكن كان هناك شخصيات بدأت تظهر، ومنها أيمن الظواهري الذي رحل إلى أفغانستان بعد الإفراج عنه سنة 1983، كما رحل شخص يدعى أبو حفص محمد صلاح أبو ستة، وأبو عبيدة واسمه الحقيقي علي البنشيري وهو من عين شمس، وهؤلاء الثلاثة سيشكلون فيما بعد النواة الأساسية لما عرف فيما بعد بتنظيم القاعدة”.
كان هناك فتوى يدعمها أبو الوليد المصري “مصطفى حامد” ومفادها أن التعامل مع دولة إسلامية مبتدعة على مذهب الشيعة، أفضل من التعامل مع دولة مرتدة أصلها سنة لكنها تحولت إلى العلمانية مثل مصر أو السعودية أو المغرب أو السودان.
ومن هذا السياق أقنع أبو الوليد قيادات القاعدة بالتحالف الجزئي مع إيران، بالتواصل مع الحرس الثوري الإيراني بدأوا بعملية إقناع بعض الشخصيات القريبة من القاعدة بأن يكون لهم علاقات مع إيران.
وفي عام 1993 عندما تولت بناظير بوتو رئاسة الوزراء في باكستان، ومع بوادر انتهاء الحرب الأفغانية مع الروس، أعلنت بوتو منحها المجاهدين العرب في أفغانستان مهلة 48 ساعة لتوثيق وضعهم أو مغادرة باكستان.
استطاع البعض الزواج مع باكستانيات وبقى هناك، والبعض الآخر لم يستطع، وكان تنظيم القاعدة يسحب جوازات السفر من عناصرها العرب، حتى لا يتمكنوا من التحرك بحرية.
غادرت وقتها مجموعات باكستان إلى السودان أو اليمن، والبعض منهم غادر إلى باقي الدول العربية، فيما كان هناك قسم غادر إلى الدنمارك والسويد، وهذا ما فعله أيمن الظواهري الذي وصل إلى السويد قادماً من الدنمارك حيث ألقي القبض عليه لفترة قصيرة قبل أن يفرج بعد الاحتيال على السلطات هناك، بتغيير اسمه وهويته وغادر من هناك إلى السودان.
وعلى اعتبار أن أبي الوليد كان له علاقات سابقًا بإيران منذ نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات، بدأت إيران تستقطب مجموعته، وذهب أيضًا إلى إيران أبو تراب وأبو الخير المصري وأبو محمد المصري وأولاد بن لادن وبعض زوجات أيمن الظواهري إضافة إلى أبو الوليد حيث عاشوا حياتهم بشكل طبيعي هناك.
إيران فتحت أبوابها لسيف العدل وأبو الوليد وغيره من قيادات القاعدة لأنها تعتبرهم مخلب قط، فهي كانت تستخدم القاعدة لضرب العالم العربي، وتهديد العالم العربي وخصوصاً مصر والسعودية، وكانت تستخدم هذا المخلب للإيحاء أن بمقدورها السيطرة على بعض العمليات الإرهابية في أوروبا وأمريكا، وهذه كانت نظرة بعيدة المدى للإيرانيين.
متلازمة طهران وسيف العدل
منذ أن استقر سيف العدل (محمد صلاح زيدان)، في داخل إيران عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان، عام 2001، لم يُغادرها المرشح الأبرز لإمارة القاعدة إلى أي وجهة أخرى، لكن التنظيم ظل يدعي أنه سجين داخل إيران، حتى وقت قريب، حينما اعترف سيف العدل في رسالة كتبها باسمه الحركي الثاني “عابر سبيل” أن وجوده في إيران جاء بناءً على “تحالف مصالح” وأن الخروج منها بمثابة القفز من السفينة إلى القبر.
كان خروج سيف العدل عن الصمت الذي التزم به لسنوات طويلة أمرًا مثيرًا للاهتمام، ليس فقط لأنه جاء بعد حوالي 3 أشهر على مقتل أمير القاعدة السابق أيمن الظواهري، واضطرار التنظيم للتكتم على موته وعدم الإعلان عن خليفته طوال تلك الفترة للمرة الأولى في تاريخ التنظيم، بل لأن سيف العدل، نائب الظواهري السابق والمرشح الحالي لخلافته، اتخذ موقفًا دفاعيًا عن نفسه وخياراته الإستراتيجية والتكتيكية التي تتعلق بالتواجد داخل إيران والتحالف معها، وهو ما يدلل على أنه يتماهى مع حالة “متلازمة طهران”، التي لطالما جاهد التنظيم في نفيها وإنكارها.
وبقي موقف القاعدة الرسمي، طوال السنوات الماضية، هو العداء الظاهري تجاه إيران ووصفها بأنها حليفة لأعداء القاعدة من الدول الغربية، وأكد أيمن الظواهري وعدد آخر من قادة القاعدة على هذه السردية في كلمات وإصدارات متفرقة إذ وصف أمير القاعدة السابق طهران بأنها متواطئة مع الولايات المتحدة الأمريكية في غزو العراق وأفغانستان، وكذلك اتهم روح الله الخميني المرشد الأعلى السابق للثورة الإيرانية بأنه عميل لفرنسا، على حد تعبيره.
وفي نفس الوقت الذي هاجم فيه أيمن الظواهري وآخرون من قادة القاعدة إيران، في العلن، كان التنظيم في السر يتعاون معها ويعتمد عليها بشكل رئيس في إيواء قادته ونقل أمواله، وهو ما تؤكده رسالة كتبها أحد مسؤولي القيادة العامة لتنظيم القاعدة وأرسلها لأنصار التنظيم في العراق، عام 2007، بعد تهديدهم باستهداف إيران بعمليات إرهابية.
عادت العلاقة بين تنظيم القاعدة وطهران إلى واجهة الأحداث، عقب مقتل أيمن الظواهري في أغسطس/ آب الماضي، لأن اغتياله أطاح بآخر أمراء القاعدة وقادتها البارزين المتواجدين خارج إيران، وفرض على التنظيم اختيار زعيم جديد في الوقت الذي يقيم من تبقى من قادة التنظيم الذي يُفترض أن يتم اختيار واحدًا منهم لإمارة القاعدة، داخل إيران، وكان الأبرز هو سيف العدل.
يقول خبراء إن حلفاء سيف العدل في إيران نجحوا في إيذائه بصورة بالغة، فتحالفوا معه وتحالفوا عليه، وصار مسكونًا بـ”متلازمة طهران” التي تجعله يُفضل الملاذ الإيراني عن غيره، وحتى إن غادر إيران فسيبقى دائرًا في فلكها وسيواصل تبرير ذلك بالمصلحة.
لماذا تأخر تنظيم القاعدة بالإعلان عن إمارة سيف العدل.. وما علاقة داعش؟
العلاقات مع إيران والإقامة داخلها تقف حائلًا وحجر عثرة بحسب خبراء تحول بين سيف العدل وإمارة القاعدة، إذ أن أعضاء التنظيم وأنصاره يرفضون أن يتولى زعامة التنظيم قياديًا يقيم في دولة عدو له، فضلًا عن وجود مخاوف من تجسس طهران على شبكة اتصالات ومراسلات القاعدة حال حدث أي تواصل بين نشطاء التنظيم وسيف العدل، والخشية من اختراق إيران لأفرع التنظيم الخارجية أيضًا.
على هذا الصعيد، قال “عيدو ليفي”، الباحث المتخصص في العمليات العسكرية ومكافحة الإرهاب وزميل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن إيران عدو من الناحية الأيديولوجية لتنظيم القاعدة، رغم أن التنظيم يتعاون بشكل جوهري ووثيق معها.
وأشار “ليفي” في تصريحات لـ”أخبار الآن” إلى أن هناك مخاوف لدى القاعدة من الإعلان عن الأمير الجديد منها مخاوف أمنية عملياتية، ومنها أيضًا ديناميكيات تنظيمية تتعلق بالصراع والتنافس مع تنظيم داعش لأن العامل الأخير عامل حاسم في ما يتعلق باختيار سيف العدل أو غيره لإمارة التنظيم، وذلك لأنه كلما اتخذ تنظيم القاعدة مزيد من الخطوات التي تتعارض مع الأيديولوجيا السلفية الجهادية التقليدية، كلما أضر بمصداقيته لدى عموم الجهاديين وزاد من مصداقية خصمه وغريمه التقليدي تنظيم داعش.