تنظيمان لا واحد.. انقسامات داعش تتواصل وسط صراعات “الحجاجي العراقيين”
حذر الاتحاد الأوروبي من استمرار خطر تنظيم “داعش” على كل من سوريا والعراق.
وفي الوقت الذي أشاد فيه بدور الحكومة العراقية في مجال مكافحة الإرهاب، فإنه كشف عن قيام التنظيم الإرهابي باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تجنيد الشباب بين صفوفه.
وفي السياق، قال منشقون عن تنظيم داعش إن هناك انقسامات جديدة بين الفرع العراقي والفرع السوري للتنظيم، مضيفين أن التقسيم الإداري (التنظيمي) أدى إلى خلافات حول إدارة العمل، وتسبب في وقوع هجمات واعتداءات بين الأعضاء المنتمين لكلا المكتبين.
وقالت قناة “فضح عُباد البغدادي” إن المكتب المشرف على ولاية العراق (مكتب بلاد الرافدين) ونظيره المشرف على ولاية الشام- الذي تدعي القناة أن اسمه مكتب الأرض المباركة- يتقاسمان تسيير ملفات السجناء التي تديرها ما يُعرف بهيئة الأسرى والشهداء داخل التنظيم، والتي تشمل الإشراف على مخيمات الهول، وروج، وسجن غويران وغيره من السجون التي يُحتجز بها عناصر داعش، وذلك على حسب الأشخاص التابعين لكل مكتب في المخيمات أو السجون.
وأضافت قناة “فضح عُباد البغدادي” أن التقسيم الإداري السابق أدى إلى تباين في عمل هيئة الأسرى والشهداء وهو ما خلق مشكلات بين مكتبي العراق والشام في ما يتعلق بتسيير شؤون سجناء التنظيم وأسرهم المتواجدين بالمخيمات والسجون، وكذلك أدى إلى تنفيذ الخلايا الأمنية التابعة لكلا المكتبين (الولايتين المزعومتين) في تنفيذ عمليات قتل وذبح وحرق خيم العوائل التابعين للمكتب/ للولاية الأخرى، على حد تعبير القناة.
وأشارت القناة إلى أن مكتب العراق لم يشارك ولو بمقاتل واحد أثناء عملية اقتحام سجن غويران بمدينة الحسكة السورية، والتي تمت مطلع العام الماضي 2022، مع أن العملية هدفت إلى تحرير أكبر عدد من أسرى التنظيم دون النظر إلى انتماءاتهم الإدارية.
وعلى الناحية الأخرى، نشرت ولاية الشام مقتل عبد الله قرداش/ أبو إبراهيم القرشي، خليفة التنظيم الأسبق والذي قُتل في فبراير/ شباط 2022 بمدينة أطمة على الحدود السورية التركية، وتولي أبو الحسن الهاشمي منصب الخليفة بدلًا منه دون إبلاغ ولاية العراق أو ديوان الإعلام المركزي وهو ما تسبب في صدامات بين أتباع داعش في مخيم الهول وخارجه.
ولم تُشر قناة فضح عُباد البغدادي إلى المصادر التي اعتمدت عليها في الحديث عن الخلافات الداخلية بين مكتبي التنظيم المشرفين على العراق وسوريا (الشام)، لكن القناة تُعرف بأنها تابعة لمنشقين عن تنظيم داعش كانوا على إطلاع واسع على ما يدور بالتنظيم.
تنظيمان لا تنظيم موحد
إلى ذلك، تؤكد مراسلات سابقة مسربة بجانب تقارير صادرة عن فريق الرصد والدعم التحليلي المعني بملفي داعش والقاعدة في مجلس الأمن الدولي وجود نوع من الانقسام أو الازدواج الإداري داخل التنظيم، وخصوصًا في ما يتعلق بالعراق وسوريا.
وتبين المعلومات المتاحة أن داعش له تنظيم مستقل في العراق وآخر في سوريا، وهو ما يعني وجود تنظيمين يعملان تحت راية التنظيم وليس كيان موحد، كما يبدو.
وفي الحقيقة، لا يعد الانقسام الإداري الحالي أمرًا مستغربًا فمنذ إعلان الخلافة المكانية لتنظيم داعش، تميزت مناطق العراق والشام بالاستقلال الإداري عن بعضهما البعض، وأنشأ التنظيم هيكلين إداريين في سوريا والعراق تحت مسمى اللجنة المفوضة، فوجدت في سوريا اللجنة المفوضة لإدارة الولايات الشرقية، وفي العراق اللجنة المفوضة لإدارة الولايات الغربية، وكان لكل منهما بناء هيراركي منفصل عن الآخر، كما تمتعتا بالاستقلالية الذاتية في ما يتعلق بالإدارة وتيسر أمور التنظيم في المناطق الخاضعة لنطاق سلطتهما.
وبجانب وجود اللجنتين المفوضتين، أنشأ داعش، إبان مرحلة الخلافة المكانية، إدارة مستقلة تُعرف بإدارة الولايات البعيدة التي تولت مهمة إدارة وتنسيق شؤون الولايات/ الأفرع الخارجية للتنظيم خارج سوريا والعراق، وهذه الإدارة تولى عبد الرؤوف المهاجر/ أبو سارة العراقي إمارتها، وما زال شغل نفس المنصب حتى الآن.
شبكة المكاتب الداعشية
وفي وقت لاحق، أنشأ داعش ما بات يُعرف بـ”المكاتب“ والتي تمثل إدارات مناطقية مسؤولة عن الإشراف على الولايات والأفرع الداعشية في مناطق معينة، وهذه المكاتب مرتبطة بإدارة الولايات البعيدة التي تُعرف، حاليًا، بالإدارة العامة للولايات.
وأمكن تحديد هذه المكاتب من المراسلات والوثائق الداعشية المسربة فضلًا عن مراجعة المعلومات التي وردت في تقارير فريق الدعم التحليلي التابع لمجلس الأمن الدولي، على مدار عام 2022، والتي تعطي صورة شاملة عن الطريقة التي يتم بها إدارة التنظيم.
ويتمتع مكتب العراق باستقلال وانفصال عن بقية المكاتب الداعشية، إذ أن التنظيم في العراق يعمل دون ارتباط ببقية المكاتب الأخرى، أما مكتب الشام فيرتبط بإدارة الولايات الداعشية، وبالتالي مرتبط بالمكاتب الموجودة في (أفغانستان، والصومال، واليمن، ونيجيريا، وليبيا، وشبه جزيرة سيناء).
ويُعتبر مكتب الشام هو أهم المكاتب على الإطلاق، ويتولى كل مكتب من المكاتب الداعشية المذكورة الإشراف على ولاية أو مجموعة ولايات على حسب نطاق عمله، والذي تحدده إدارة الولايات وأميرها عبد الرؤوف المهاجر أو أبو سارة العراقي.
فعلى سبيل المثال، يدير مكتب الشام مناطق سوريا ولبنان والدول المجاورة لهما، أما مكتب أفغانستان والمعروف بمكتب الصديق مناطق أفغانستان وباكستان والهند وإيران وطاجيكستان وغيرها، أما مكتب الفرقان والموجود في نيجيريا فيدير مناطق الساحل والصحراء وحوض بحيرة تشاد بما فيها نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون.
ومن الجدير بالذكر أن داعش كان لديه مكتب خاص في تركيا يُعرف بمكتب الفاروق لكن هذا المكتب تتضارب المعلومات بشأن استمراره في العمل حتى الآن، إذ تلمح تقارير مجلس الأمن الدولي إلى أنه حُل وضم إلى مكتب الشام بعد الضربات الأمنية التي وجهتها السلطات التركية لشبكات التنظيم في البلاد، وكان من بينها القبض على قاسم غولر، الموصوف بأنه والي داعش في تركيا ومسؤول تمويل التنظيم.
الصراع على القيادة داخل داعش
وتعطي التقسيمة الإدارية السابقة لمحة عن الصراع القيادي داخل التنظيم، خصوصًا في ظل الحديث عن تعاظم دور عبد الرؤوف المهاجر/ أبو سارة العراقي الذي يوصف بأنه الرجل الأقوى داخل التنظيم، لدرجة أن يتحكم في التنظيم وخليفته الحالي أبو الحسين الحسيني.
وتوضح تلك التقسيمة استمرار الصراع بين الحجاجي العراقيين، ووجود تنافس غير محموم بين المجموعة المسيطرة على التنظيم في العراق، والمجموعة التي تسيطر على التنظيم في سوريا وعلى رأسها عبد الروؤف المهاجر.
وفي الوقت الحالي، ما تزال هوية المجموعة العراقية الموجودة داخل مجلس شورى التنظيم غامضة إلى حد كبير، فلم يتبق من قياداته المعروفين إلا زياد جوهر عبد الله المكنى بـ”أبو الحارث العراقي”، وهو عضو باللجنة المفوضة بالعراق، والذي اختفى عن الساحة منذ وقت طويل، فضلًا عن عبد الرؤوف المهاجر.
وكانت “أخبار الآن” كشفت في وقت سابق استغلال تنظيم داعش للولايات الخارجية التي تُشرف عليها المكاتب الداعشية في خداع أنصاره ومحاولة إخفاء هزائمه المتواصلة عن طريق الإيحاء بأنه ما زال قادر على البقاء والتمدد، كما بينت كواليس الصراعات بين القادة العراقيين وغيرهم للسيطرة على مقدرات التنظيم.