تعيين سيف العدل أميرًا للقاعدة يكتب نهاية التنظيم بحسب رموزه
- استنكر “القحطاني” إقدام أي من عناصر تنظيم القاعدة على بيعة سيف العدل
- سيف العدل اعترف صراحة في رسالته بأن الحليف (إيران) هو حليف مخادع
- يتكون مجلس الشورى القيادي للقاعدةمن 12 عضوًا من بينهم سمير حجازي “أبو همام السوري”
أثار الإعلان عن تولي سيف العدل، محمد صلاح الدين زيدان، منصب أمير القاعدة عاصفة من الجدل في أوساط التيار المتطرف، إذ دعا بعض رموزه البارزين إلى الانشقاق عن تنظيم القاعدة، قائلين إن التنظيم انتهى وأن الحرس الثوري الإيراني هو من يدير ما تبقى منه، حاليا، ويستخدمه لتحقيق مصالح طهران.
ونشر أبو مارية القحطاني، القيادي البارز بهيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا)، والذي كان قياديًا بتنظيم القاعدة في العراق ثم في سوريا، قبل فك الارتباط بين جبهة النصرة والقاعدة، تدوينة على حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، قال فيها إن قرار تعيين سيف العدل أميرًا للقاعدة، لو صح، فإنه يعني أن التنظيم صار أداةً بيد الحرس الثوري الإيراني، مضيفًا أنه تكلم في هذا الأمر قبل أعوام لكن بعض قيادات القاعدة انزعجوا من حديثه.
وأردف “القحطاني” أنه نصح الفرع اليمني للقاعدة، قبل عام، بالانفصال عن التنظيم المركزي (القيادة العامة للقاعدة/ قاعدة خراسان)، لسد الذرائع التي تُروج بأن التنظيم يخدم المصالح الإيرانية، والتلاحم مع أبناء الشعب اليمني في مواجهة المشروع الإيراني، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
واستنكر “القحطاني” إقدام أي من عناصر تنظيم القاعدة على بيعة سيف العدل أميرًا للتنظيم، قائلًا “كيف لعاقل أن يبايع أميرًا وأمره ليس بيده ويقيم بين ظهراني دولة احتلت عواصم سنية ودمرتها”، كما اعتبر أن تنظيم القاعدة انتهى وأصبح الحرس الثوري هو صاحب القرار المتحكم في تنظيم القاعدة لكون “سيف العدل” مقيمًا في إيران.
وبدوره، رد “أبو وائل الشامي” أحد المحسوبين على التيار الجهادي في شمال سوريا، على تغريدة أبو مارية القحطاني، قائلًا إن الإعلان عن اختيار سيف العدل أميرًا لتنظيم القاعدة ربما جاء للتشويش على أمر آخر قد يكون اختيار أمير آخر لتنظيم القاعدة، على حد تعبيره.
وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن سيف العدل اختير أميرًا لتنظيم القاعدة، موضحةً أن تقييم الوزارة يتفق مع تقييم الأمم المتحدة والذي يقول إن سيف العدل أصبح الأمير الفعلي للقاعدة، دون منازع، لكن التنظيم لم يعلن ذلك حتى لا يتسبب في حرج لحركة طالبان والتي آوت أيمن الظواهري في أحد المنازل المملوكة لشبكة حقاني.
وذكر تقرير صادر عن فريق الدعم التحليلي ومراقبة الجزاءات المعني بداعش والقاعدة في مجلس الأمن الدولي في 13 فبراير/ شباط الجاري، أن سيف العدل المقيم في إيران أصبح أميرًا لتنظيم القاعدة، بيد أنه لم يصرح بذلك علنًا لأسباب منها أن مكوثه في إيران يتسبب في مشاكل تشغيلية وأخرى شرعية لتنظيم القاعدة، كما أنه سيؤدي إلى الاعتراف ضمنيًا بأن أيمن الظواهري قُتل في العاصمة الأفغانية كابل وهو ما سيُضر بطالبان.
خلافات سيف العدل وجهاديي سوريا
وتُلمح التغريدات الأخيرة لأبي مارية القحطاني، القيادي البارز بهيئة تحرير الشام، إلى خلافات سابقة اندلعت بين قيادات القاعدة في إيران وبين قيادات الفرع السوري (السابق) للتنظيم والذين انضم لهم أبو الخير المصري، الذي كان يسبق سيف العدل في التراتبية التنظيمية في قيادة القاعدة وكان نائبًا أولًا لأيمن الظواهري والمرشح الرئيس لإمارة التنظيم بعده.
فقبيل فك الارتباط بين تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، جرى تبادل الرسائل بين قيادات القاعدة في إيران وتحديدًا سيف العدل وأبو محمد المصري، وبين قيادات الفرع السوري بما فيهم أبو محمد الجولاني وأبو الخير المصري، وكان الفرع السوري وقتها يسعى لإنشاء جبهة جهادية تضم التنظيمات القريبة من القاعدة، لكن هذا المشروع جرى إجهاضه بتوجيهات مباشرة من سيف العدل.
وبحسب المراسلات، والتي أشارت لها “أخبار الآن” في الجزء الثاني من “متلازمة طهران” فإن سيف العدل حجب الرسائل التي تُرسل من الأفرع الخارجية (ومنها الفرع السوري) عن أيمن الظواهري، أمير القاعدة وقتها، وقام بإيصال رسائله الخاصة لأمير القاعدة ليضمن أن الأخير سيتخذ القرار الذي يتوافق مع قناعات الأول الخاصة، بحسب ما أكده عبد الرحيم عطون، الشرعي العام لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا).
وأردف “عطوان” في رسالة له إبان الخلاف مع القاعدة أن سيف العدل نقض اتفاقات تمت بين قيادة الفرع السوري وبين أيمن الظواهري، لافتًا إلى أن نقض الاتفاقات وإعاقة المشروع الجهادي كان يتم بواسطة القياديين المتواجدين في إيران أبو محمد المصري، وسيف العدل.
وأكدت تلك المراسلات أن سيف العدل حرض أبو القسام الأردني، القيادي البارز بالقاعدة وتنظيم حراس الدين (فرع القاعدة السوري حاليا) والذي قُتل في 2020، على الانشقاق عن هيئة تحرير الشام وتأسيس تنظيم حراس الدين من المجموعات المؤيدة لتنظيم القاعدة، وهو ما تم بالفعل أواخر 2018، وجرى اختيار أبو همام السوري، سمير حجازي، ليكون أميرًا لتنظيم حراس الدين.
استغلال علاقات المصاهرة للسيطرة على شبكة القاعدة
وبين عبد الرحيم عطوان، الشرعي العام لهيئة تحرير الشام، أن سيف العدل كان أحد أسباب الانقسامات التي ضربت التنظيمات الجهادية في سوريا، إذ تواصل مع مجموعات عدة من أنصار القاعدة عبر الإنترنت وحرضهم على إفشال مشروع الهيئة والعمل على تأسيس كيان ومشروع موازي لها.
وأكد تقرير فريق الدعم التحليلي الأخير أن أبو همام السوري، سمير حجازي، أمير تنظيم حراس الدين هو صهر سيف العدل وهو ما يكشف أن الأمير الفعلي لتنظيم القاعدة استغل علاقته الشخصية بأمير تنظيم حراس الدين للسيطرة على الفرع السوري للقاعدة وكسب التأييد داخل مجلس الشورى القيادي لتنظيم القاعدة.
ويتكون مجلس الشورى القيادي للقاعدة، وهو الهيئة القيادية التي تتولى اختيار أمير التنظيم، من 12 عضوًا من بينهم سمير حجازي “أبو همام السوري”، وأحمد ديري، أمير جماعة الشباب الصومالية، وأبو عبد الكريم المصري وغيرهم من القيادات الذين رافق عدد منهم سيف العدل أثناء فترة مكوثهم في إيران، في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان.
رسالة سيف العدل المثيرة للجدل عن إيران
وينص الفقه الحركي الذي يتبناه تنظيم القاعدة على أن بيعة الأسير وبيعة المكره لا تنعقد، وبذلك فإن اختيار سيف العدل أميرًا لتنظيم القاعدة يعد باطلًا من وجهة نظر الأيديولوجيا الخاصة بالتنظيم، لكن يبدو أن أمير القاعدة الحالي التف على الأسس المنهجية للتنظيم كي يُمرر المسألة ويعتبرها من باب الضرورة.
ونشر سيف العدل، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، رسالة عبر موقع يديره صهره مصطفى حامد، أبو الوليد المصري، المعروف بقربه من إيران، ألمح فيها، ضمنيًا، إلى وجوده في إيران، واعتبر نفسه رمزًا للحركة الجهادية المعولمة التي يمثلها تنظيم القاعدة.
وسعى سيف العدل في رسالته التي نشرها باسمه الحركي الثاني “عابر سبيل” إلى إثبات أنه جدير بقيادة القاعدة وأنه اكتسب كفائته من مشاركته في المعارك إلى جانب أفراد التنظيم، معتبرًا أن هناك رموز أخرى للحركة الجهادية لكنهم “رموز من الدرجة الثانية” يحتاجون إلى مجهود و دعم لبناء رمزيتهم ويعتمدون على شيء يكمل شخصيتهم أو شيء يستعينون به لإبراز شخصيتهم مثل إرث السلطة أو المال أو تجميع الكوادر حولهم ومحاولة استغلال المواقف للإعلاء من شأن أنفسهم لأنهم في درجة أقل، على حد تعبيره.
وجاءت رسالة سيف العدل في خضم الحديث عن وجود خلاف قيادي في تنظيم القاعدة حول مسألة خلافة أيمن الظواهري، وراج، وقتها، أن بعض قيادات القاعدة يرغبون في أن يتولى محمد آباتي، أو عبد الرحمن المغربي صهر أيمن الظواهري والمشرف على مؤسسة السحاب الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة، إمارة التنظيم بدلًا من سيف العدل، وهو ما يعني تأكيدًا ضمنيًا على حدوث خلافات في قيادة القاعدة العليا حول إمارة “سيف العدل”.
الحليف الإيراني المخادع
بيد أن سيف العدل اعترف صراحة في رسالته بأن الحليف (إيران) هو حليف مخادع يتحالف معه ويتحالف عليه لأنه ليس صديقًا، بل مجرد حليف جمعتهما المصالح، مردفًا أن الدعم الذي يُقدمه هذا الحليف له أهداف خبيثة منها تقديم الدعم والتمويل للتنظيم بغرض كسره، وشق صفه لمنح الحليف أكبر سيطرة على صفوف حليفه، بالإضافة إلى محاولات اغتيال العناصر البارزة في صفوف التنظيم وخاصة المفكرين الاستراتيجيين أوالعسكريين البارزين.
واعترف أمير القاعدة الفعلي بمخاطر العلاقة مع إيران، مشيرًا إلى أن وجود قادة القاعدة في إيران يدفعهم إلى أن يتغيروا وبالتالي يصبحون “عبيدًا” لنظام طهران يستخدمهم لخدمة مصالحه أو بتعبير آخر إنهم يتغيرون وفق رغبات ومتطلبات الحلفاء والداعمين ويخسرون قيمهم ومبادئهم، لكنه حاول تبرير هذا التواجد بالقول إن الحليف يستخدم الأقارب و الأحبة كورقة ضغط، كما يدعي أنه لا يسمح له بمغادرة إيران أو القفز من السفينة بتعبيره إلا إلى القبر، مقرًا بأن إيران تبتز تنظيم القاعدة نتيجة وجود قادته في إيران ليظل التنظيم مصدر إلهاء للناس.
مستقبل القاعدة الضبابي
ويبدو من رسالة سيف العدل، بجانب التدوينات التي ينشرها الجهاديون في الأيام الأخيرة أن تنظيم القاعدة يُعاني من أزمة “شرعية القيادة” بصورة غير مسبوقة، لا سيما وأن هذه المرة الأولى التي يجد التنظيم نفسه مضطرًا لاختيار أمير يُقيم في إيران التي يدعى أنه عدو لها.
وفي السابق، كان قادة القاعدة بما فيهم أبو القسام الأردني، الذي كان مقربًا من سيف العدل، يُروجون أن سيف العدل وأبو محمد المصري، الذي قتُل في طهران في أغسطس/ آب 2020، يعيشان بحرية في إيران لكن لا يُسمح لهما بالسفر إلى خارجها فقط، وذلك لتقديم مسوغ لاضطلاع القياديين المذكورين بدور في قيادة القاعدة، وتطمين أفرع القاعدة الخارجية بأن التواصل معهما آمن وأنهما ليسا في قبضة الحرس الثوري أو الاستخبارات الإيراني.
غير أن الانتقادات الجهادية الأخيرة تؤكد أن مستقبل تنظيم القاعدة مشوب بالضباب، وأن بقاء التنظيم وشبكته العالمية متماسكة قد يكون أمر مشكوكًا فيه في ظل إمارة سيف العدل، خاصةً أن بعض الجهاديين البارزين أصبحوا ينظرون للتنظيم على أنه “وكيل إيراني”، وهو ما لم يحدث سابقًا في تاريخ تنظيم لقاعدة.
ومن غير المستبعد أن تؤدي السجالات الجهادية الحالية إلى انشقاقات هيكلية في تنظيم القاعدة وإلى إعلان بعض الأفرع الخارجية تخليها عن نهج الجهادية العالمية الذي يتبناه التنظيم، والتركيز على جهادية محلية تتماهى مع متطلبات وجودها في بيئات عملية متغيرة، وهذا الاتجاه أصبح يلقى رواجًا في داخل جزء من أفرع القاعدة بما فيها الفرع اليمني الذي يشهد بين الحين والآخر دعوات لفك الارتباط بشبكة القاعدة العالمية والتركيز على التصدي للمشروع الإيراني ووكيله في اليمن جماعة الحوثي، مثلما فعل أبو عمر النهدي، أمير القاعدة في المكلا سابقًا والذي اعتزل التنظيم مع مجموعة من كبار القادة منذ أواخر 2019، وهو نفس الأمر الذي يدعو له أبو مارية القحطاني الذي يروج، في الوقت الراهن، أن تنظيم القاعدة أصبح جزءًا من الماضي وأن الموجود حاليًا هو اسم وراية زائفة يوظفها الحرس الثوري في تحقيق مصالح إيران الذاتية، على حد وصفه في تدويناته الأخيرة.