الحزام والطريق.. “فخ الديون” الصيني مقابل سيادة الدول النامية
- بكين تستخدم “الحزام والطريق” لتوسيع نطاق نفوذها العسكري
- المبادرة فخ للبلدان المضيفة يمكن أن يؤدي إلى ديون لا يمكن تحملها
منذ إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ عن مبادرة الحزام والطريق عام 2013، وبدء العمل على الفكرة في الأرض بالاستثمار في البلدان التي تقع ضمن الطريق، عمدت الصين إلى استخدام استراتيجية “فخ الديون” في البلدان النامية، وهي أقراض هذه البلدان مبالغ كبيرة إلى الحالة التي يصبح فيها بلد ما مديونًا للصين نتيجة لقبول المساعدة الاستثمارية والإنمائية، ويضطر بعد ذلك إلى التنازل عن السيطرة على الأصول أو الموارد المهمة من أجل سداد الديون، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان السيادة بالنسبة للبلدان النامية المعنية في نهاية المطاف.
حيث بدأت الصين مؤخرًا بالسعي لاحتكار الشرق الأوسط من خلال استثماراتها في الدول النامية، والتي يُنظر إلى هذه الاستثمارات بعين الريبة، خصوصًا أنها بدأت باستغلال الدول التي تعاني من الفقر والصراعات، أو تلك التي خرجت للتو من الحروب مستغلة ملف إعادة الإعمار والإنشاءات، ولكن المثير في الأمر أنها ألزمت هذه البلدان بالتوقيع على عقود تستمر عشرات السنوات، حيث صُممت هذه العقود خصيصًا لكيلا يتم إبطالها مستقبلاً.
وتخول هذه العقود لبكين الاستثمار في الموانئ والمطارات، وقد يُرى بأن هذه الاستثمارات طبيعية، ولكنها ليست كذلك، بسبب إلزام هذه البلدان بالتوقيع على اتفاقيات إضافية للسماح بإنشاء قواعد عسكرية في البلدان التي تستثمر فيها الصين، وهو الأمر الذي يراه الخبراء الاستراتيجيين بأن ذلك هدفه ليس الاستثمار، وقد تؤدي إلى فقدان السيادة لتلك البلدان من قبل الصين وخططها للتوسع، وأنه لا يختلف عن أشكال الاستعمار، تمامًا مثل الاستعمار الأوروبي في القرون الماضية.
“حصان طروادة”
يوجه الخبراء اصابع الاتهام إلى بكين باستخدام مبادرة الحزام والطريق لتعزيز أهدافها الجيوسياسية، مثل توسيع نطاق نفوذها العسكري في المنطقة، حيث تقوم الصين ببناء قواعد عسكرية في الموانئ حول العالم، والتي يمكن استخدامها من قبل أسطولها البحري الآخذ في التوسع بسرعة.
ففي 6 يونيو 2022، بدأت بكين بتطوير قاعدة “ريام” البحرية في الجنوب الشرقي لكمبوديا، وذلك بعد أن وقعت بكين اتفاقية مع الحكومة الكمبودية، تسمح بأن يستخدم الجزء الشمالي من القاعدة المطلة على خليج تايلند حصريا من قبل الجيش الصيني، والتي تعتبر ثاني قاعدة عسكرية بحرية للصين على المستوى الدولي، بعد قاعدتها العسكرية التي افتتحتها رسميًا في 2017 في جيبوتي، حيث تسعى بكين إلى إنشاء قواعد عسكرية في عدد من الدول لدعم الانتشار العسكري للقوات الصينية خارج حدودها، حيث تسعى بكين أن يكون لها وجود في هذه البلدان لتأمين مصالحها المتنامية في الشرق الأوسط.
وتقوم الصين بذلك من خلال استخدام تكتيكات “دبلوماسية فخ الديون”، واتهم البعض الصين باستخدام اتفاقيات الاستثمار لممارسة نفوذ لا داعي له على البلدان النامية، والتي تؤدي إلى أن تصبح تلك البلدان مدينة للصين، يجادل النقاد بأن هذا يمكن أن يسمح للصين بممارسة نفوذ كبير على تلك البلدان، مما قد يعرض سيادتها للخطر.
والسبب الذي يدفع قادة بعض الدول النامية لقبول الاستثمارات الصينية، هي أن الصين تسرع من عملية إتمام العقود بما يفيد القادة في أوقات الأزمات ويعزز مواقفهم أمام شعوبهم، حيث قال الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد “إن العقد الذي يستغرق خمس سنوات للمناقشة والتفاوض والتوقيع مع البنك الدولي يستغرق ثلاثة أشهر عندما نتعامل مع السلطات الصينية”.
تقول ديبورا بروتيغام – أستاذة العلوم السياسية والتنمية الدولية بجامعة جونز هوبكنز، في كتابها (هل تُطعم أفريقيا الصين) “بالرغم من التحسن الملحوظ الذي يعقب استثمار الصين في دول أفريقيا التي تشهد عدم استقرار من الناحية السياسية والعسكرية، إلا أن هذه التحسن لن يدوم كثيرًا، ومن الممكن أن ينقلب سلبًا على هذه الدول في المدى البعيد، بسبب ضعف مؤسساتها”.
الهيمنة مقابل السداد
يرى مختصون بأن مبادرة الحزام والطريق هي فخ للبلدان المضيفة يمكن أن يؤدي إلى ديون لا يمكن تحملها وتأثير جيوسياسي لصالح الصين، تمامًا كما حدث في سريلانكا، التي اضطرت إلى تسليم السيطرة على ميناء هامبانتوتا إلى الصين في عام 2017، وذلك بسبب عدم قدرتها على سداد القروض التي تم الحصول عليها لبناء الميناء.
وتدور حول عقود الاستثمار الصينية شبهات قانونية، حيث دعا بعض الخبراء القانونيين إلى مزيد من الشفافية والمساءلة في هذه العقود، حيث كان الافتقار إلى الشفافية في عقود الاستثمار الصينية مصدر قلق مستمر، من جهته يرى عدنان بينو – أستاذ القانون الاقتصادي الدولي المختص بالشرق الأوسط في، أهمية أن تكون هناك شفافية ومساءلة في عقود الاستثمار الصينية، ويقول “يجب على البلدان المضيفة أن تعمل لضمان هيكلة هذه العقود بطريقة تعزز التنمية المستدامة، وأن تخضع للتدقيق العام لأن هناك احتمال أن يؤدي أي تساهل في العقود إلى فقدان السيادة في الدول المضيفة”.
بحسب البنك الدولي فإن 50٪ من الإقراض الصيني للدول النامية كان “مخفيًا” عن البنك الدولي وصندوق النقد، وذلك لأن القروض الصينية المُقدمة لهذه الدول، يرجع لمؤسسات شبه حكومية، وهو فخ آخر حيث يصعب على الدول حل أزمات الديون كما لو كانت هذه القروض لحكومات.
الجدير بالذكر أن عقود الاستثمار الصينية غالبًا ما تكون غامضة، ولا يتم الإفصاح عنها للإعلام، الأمر الذي يثير التساؤلات عن طبيعة هذه العقود، وما إذا كانت تتضمن شروط قد تكون غير مواتية للبلد المضيف، أو أحكامًا تمنح الصين السيطرة على البنية التحتية الرئيسية، مثل الموانئ أو الطرق السريعة، أو التي تتطلب من الدولة المضيفة توفير موارد طبيعية معينة أو امتيازات أخرى للصين، كما حدث في العراق، حيث بدأت الصين في السيطرة الشبه كاملة على قطاع النفط والإنشاءات.
يقول عبد القادر علي – الباحث السياسي في شؤون القرن الإفريقي لـ أخبار الآن أن “القروض الصينية للدول النامية وأعمال تطوير البنية التحتية جزء من السياسة الخارجية الصينية لتوسيع نفوذها الجيوسياسي في إفريقيا على سبيل المثال، ورغم أن هذه الاتفاقات مشمولة ببنود عدم الإفشاء لكن ليس هناك بيانات رغم اتساع النشاط الصيني في إفريقيا تؤشر إلى وجود للقوات العسكرية الصيني دائم داخل تلك المواني لكن هذه المنشآت توفر ميزات أمنية متعلقة بجمع المعلومات ومنح الصينيين خبرة لوجستية للعمل في ميادين مختلفة وبعيدة عن الوطن
أثار قانونية معقدة
يعتقد جوليان كو – الأستاذ في كلية هوفسترا للحقوق، بأن الآثار القانونية لعقود الاستثمار الصينية يمكن أن تكون معقدة، ويشير إلى أن هذه العقود غالبًا ما تنطوي على مجموعة من القضايا القانونية، بما في ذلك مسائل السيادة وحقوق الملكية وتسوية المنازعات، كما يرى إلى أن هناك مخاوف بشأن احتمال وجود فساد في التفاوض على هذه العقود.
وقد أشار تقرير صادر عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أن الاستثمار الصيني في البلدان النامية يمكن أن يكون له آثار إيجابية وسلبية، وخلص التقرير إلى أن مثل هذا الاستثمار يمكن أن يساعد في سد فجوات التمويل وتعزيز النمو الاقتصادي، لكنه أشار أيضًا إلى المخاطر المحتملة المرتبطة بهذا الاستثمار، بما في ذلك القدرة على تحمل الديون ومخاوف الاستقرار المالي.
في النهاية، فإن مسألة ما إذا كانت عقود الاستثمار الصينية في إفريقيا ودول الشرق الأوسط تشكل ‘فخ ديون’ هي مسألة معقدة ودقيقة، ويختلف الخبراء القانونيون حول هذه المسألة. من المهم النظر بعناية في شروط أي عقد استثماري والتأكد من أنه يخدم المصالح الفضلى للبلد المضيف، والعمل على إيجاد حلول مفيدة للطرفين تعزز التنمية الاقتصادية والاستدامة.