رسائل في ذكرى “الباغوز”.. ما الذي يكشفه إصدار داعش عن الساحل الإفريقي؟
بث تنظيم داعش إصدارًا مرئيًا جديدًا لفرعه في الساحل الإفريقي المعروف بـ”ولاية الساحل”، تضمن لقطات لهجمات شنها الفرع المحلي لداعش ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وهجمات أخرى ضد جيشي النيجر وبوركينا فاسو.
كما تضمن الإصدار اعترافًا بمقتل عدد من كبار قادة داعش في الساحل الإفريقي وعلى رأسهم عدنان أبو الوليد الصحراوي، الوالي السابق لداعش في الساحل الإفريقي ونائب أمير مكتب الفرقان الذي يُمثل القيادة الإقليمية لداعش في منطقة غرب إفريقيا والساحل الإفريقي.
وحمل الإصدار، الذي بثه ديوان الإعلام المركزي لداعش قبل ساعات، عنوان “أبناء الكريهة”، وبلغت مدته 16 دقيقة ونصف، واستُهل بالحديث عن التهديد العالمي الذي يُشكله داعش وأفرعه الخارجية على الحكومات والدول المختلفة، وهو ما يتقاطع مع الدعاية التي يروجها داعش لنهج الجهاد المعولم الذي يتبناه.
محاولة بعث الخلافة المنهارة في إفريقيا
وركز الإصدار على ما قال إنه تطبيق فرع داعش في الساحل/ ولاية الساحل، لـ”الحدود” من وجهة نظره، مستعرضًا صورًا لعمليات رجم وقطع أيدي قام بها التنظيم في المنطقة، دون الإشارة للأسباب التي دفعت التنظيم للقيام بتطبيق هذه العقوبات على السكان المدنيين في بعض القرى والمناطق الريفية بالساحل الإفريقي.
ويُريد التنظيم من خلال نشر هذه اللقطات أن يروج أن فرعه في الساحل الإفريقي قريب من مرحلة تأسيس الولاية المكانية على غرار ما فعله التنظيم في سوريا والعراق وليبيا، ما بين أعوام 2014 و2019، محاولًا بذلك أن يُداعب خيال أتباعه وأنصاره بأن داعش قادر على التمدد في القارة السمراء في الوقت الذي يُعاني فيه من انتكاسات في سوريا والعراق.
ومن الجدير بالذكر أن توقيت نشر الإصدار يتزامن مع الذكرى الرابعة لسقوط قرية الباغوز، آخر معاقل داعش، في قبضة قوات سوريا الديمقراطية، والتي أعلنت القضاء على الخلافة المكانية في 22 مارس/ آذار 2019.
ويسعى التنظيم عبر هذا الربط بين ذكرى سقوط قرية الباغوز والإصدار الأخير لولاية الساحل إلى إرسال رسائل ضمنية لأتباعه وأنصاره مفادها أن خلافته المنهارة في سوريا والعراق، ستعود من القارة الإفريقية، وهي نفس الرسالة التي حاول داعش في أكثر من مناسبة التأكيد عليها.
وسلطت “أخبار الآن” الضوء على الولايات الوهمية (الأمنية) التي أعلن تنظيم داعش عن تأسيسها في أقاليم مختلفة من القارة الإفريقية، في الحلقة السادسة من سلسلة “فانية وتتدهور“، والتي تتناول الواقع الحالي لتنظيم داعش.
الشقاق الجهادي يصل القارة السمراء
ولفت الإصدار الذي نشره التنظيم لفرعه في ولاية الساحل إلى الشقاق الجهادي بين داعش وغريمه التقليدي، تنظيم القاعدة، معتبرًا أن التنظيم الأول لا يتقيد بما وصفها بـ”التوجيهات الخرقاء” لأمير القاعدة (السابق) أيمن الظواهري، والنظريات التي يُروجها المنظر الجهادي الشهير أبو محمد المقدسي.
ويقصد داعش بتوجيهات أيمن الظواهري، الوثيقة التي كتبها الأمير (السابق) لتنظيم القاعدة ونشرتها مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية للقاعدة، قبل أعوام، بعنوان “توجيهات عامة للعمل الجهادي” والتي يُوصي فيها بعدم الانخراط مباشرة في تطبيق الرؤية والقواعد الجهادية الصارمة (المتشددة) على المجتمعات المحلية التي ينشط فيها الجهاديون، حتى لا تكون سببًا في تنفير الناس منهم.
وكانت توجيهات أيمن الظواهري المذكورة وغيرها ركيزة أساسية في صياغة مشروع تنظيم القاعدة في الساحل الإفريقي والتي عبر عنه أبو مصعب عبد الودود، عبد المالك درودكال، أمير القاعدة (السابق) في المغرب الإسلامي وأرسلها لأتباع وأنصار القاعدة في مالي، عام 2012، وحملت عنوان: “وثيقة توجيهات عامة بخصوص المشروع الإسلامي الجهادي بأزواد– تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي”، وكانت بمثابة نصائح عملية بُنيت عليها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي أعلنت عن نفسها في فبراير/ شباط 2017.
ومن الواضح أن داعش يحرص على تمييز نفسه كخصم ونقيض منهجي لتنظيم القاعدة قبل أن يكون خصمًا عسكريًا على الأرض، مستدعيًا بذلك إرث الشقاق الجهادي الذي اندلع بين التنظيمين في أعقاب تمدد داعش إلى سوريا، رسميًا، أواخر عام 2013.
ويسوق داعش حجة الشقاق والخلاف الجهادي مع تنظيم القاعدة ليُبرر لأنصاره في الساحل الإفريقي وخارجه القتال والحرب التي أعلنها ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي بات يصفها، في إعلامه الرسمي، بـ”مليشيا القاعدة المرتدة”.
ويعتبر داعش أن تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به أضحت جماعات مرتدة (خارجة عن الدين) بسبب وقوفها ضده وقتاله أفرعه المحلية، وهو ما ألمحت له صحيفة النبأ، الناطقة بلسان داعش، في عددها الأخير (382) والصادر قبل أيام، والذي نصت افتتاحيته على أن القاعدة وحلفائها يسعون للتصدي لمشروع داعش في الساحل الإفريقي كما فعلوا في سوريا سابقًا، وفق تعبير الصحيفة.
إعادة هيكلة لأفرع داعش
على صعيد متصل، يؤكد إصدار “أبناء الكريهة” أن تنظيم داعش قام بعملية إعادة هيكلة لأفرعه في إفريقيا، إذ تضمن الإصدار لقطات من الهجمات التي شنها داعش في دولتي النيجر وبوركينا فاسو، فضلًا عن الهجمات التي وقعت في منطقة مينكا بشمال مالي، على الحدود مع النيجر، وهو ما يعني أن التنظيم نقل دولة النيجر والقطاع الغربي من الساحل الإفريقي من كونه تابعًا لما يُعرف بـ”ولاية غرب إفريقيا”، فرع داعش في نيجيريا ودول حوض بحيرة تشاد، إلى ولاية الساحل الداعشية.
وأجرى داعش عمليات إعادة هيكلة على أفرعه في إفريقيا، عقب مقتل خليفته الأسبق أبو إبراهيم القرشي في فبراير/ شباط 2022، ففصل فرعه في موزمبيق عن فرعيه في الكونغو الديمقراطية والساحل الإفريقي الذين كانوا جميعًا يعرفون باسم “ولاية وسط إفريقيا”، وصار الفرع الأول يُعرف بـ”ولاية موزمبيق”، والثاني يُعرف بـ”ولاية وسط إفريقيا”، وبات الفرع الأخير يُعرف بـ”ولاية الساحل”.
وأظهرت رسالة مسربة من أرشيف داعش أن أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر، الأمير (السابق) للإدارة العامة للولايات والتي تُعرف أيضًا بإدارة الولايات البعيدة، اختار أمير ولاية الساحل ليشغل منصب نائب أمير مكتب الفرقان، والذي يُمثل القيادة الإقليمية لداعش في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، بينما يبقى زعيم فرع غرب إفريقيا/ ولاية غرب إفريقيا أميرًا لمكتب الفرقان، على أن ينسق العمل مع نائبه المسؤول عن ولاية الساحل، حسبما تنص الرسالة.
وفي نفس السياق، تضمن الإصدار الجديد لداعش لقطات من اشتباكات وقعت، خلال الأشهر الأخيرة، بين مقاتلي ولاية الساحل وخصومهم المنتمين لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، كما تضمن لقطات أخرى لاشتباك مقاتلي داعش وقوات الدفاع الشعبي، التي تتكون من مقاتلين قبليين محليين.
شكوك حول تاريخ الإصدار
ومن المثير للاهتمام أن إصدار أبناء الكريهة والمنشور قبل ساعات فقط ألمح إلى اجتماع التحالف الدولي لحرب داعش في مدينة مراكش المغربية، والذي عُقد في مايو/ آيار 2022، ووصف الاجتماع بأنه تم مؤخرًا، دون أي ذكر لاجتماع التحالف الأخير والذي عُقد في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي في دولة فنلندا.
ويبدو أن الإصدار جرى إعداده في فترة تالية لاجتماع التحالف الدولي الذي عُقد بمدينة مراكش في المملكة المغربية، في مايو 2022، لكن تأخر نشره لأشهر نتيجة الأوضاع والضربات التي تلقاها تنظيم داعش خلال العام الماضي، قبل أن يتم إدخال تعديلات عليه ونشره، قبل ساعات.
وفي نفس السياق، لفت الإصدار إلى انسحاب القوات الفرنسية التي شاركت في عملية “برخان” من مالي، بعد سنوات من القتال ضد الجماعات الجهادية في الساحل الإفريقي، معتبرًا أن باريس فشلت في مهمتها في المنطقة، على حد تعبير الإصدار.
اعتراف بمقتل قادة داعش في الساحل
إلى ذلك، اعترف داعش، في الإصدار، بمقتل عدد من قادته البارزين في الساحل الإفريقي وعلى رأسهم عدنان أبو الوليد الصحراوي، أمير داعش سابقًا في الساحل الذي قُتل في أغسطس/ آب 2021، وعبد الحكيم الصحراوي، القيادي الشرعي البازر بالتنظيم الذي قُتل في مايو آيار 2021، وأبو عبد الرحمن الصحراوي، القاضي الشرعي لداعش في الساحل الإفريقي، وعيسى الصحراوي، مسؤول الدعم اللوجيسيتي للتنظيم والذي قتل مع “أبو عبد الرحمن” في يوليو 2021، فضلًا عن القيادي والجهادي الأجنبي حمزة المهاجر، وآخرين من الجهاديين الماليين منهم الفاروق الأنصاري، وأبو علي الأنصاري وأبو بكر الأنصاري، وآخرين.
وحرض داعش، في إصداره الجديد، على شن هجمات في الدول الغربية كما عاد إلى استخدام الدعاية الجهادية القديمة التي تتحدث عن “فتح روما” والسيطرة على القارة الأوروبية، وهي الدعاية التي روجها التنظيم بصورة مكثفة عندما أعلن خلافته المكانية عام 2014، مداعبًا خيال أتباعه بأنهم سيحكمون العالم انطلاقًا من سوريا والعراق، قبل أن تنهار خلافته ومعها أحلام السيطرة على العالم، بسقوط قرية الباغوز فوقاني السورية، أواخر مارس/ آذار 2019.