هيئة تحرير الشام تطالب برفع اسمهما من قوائم الإرهاب
أعد الباحث عزام القصير دراسة بعنوان “هيئة تحرير الشام وارتدادات الزلزال” نشرها مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، تناول فيها استجابة الهيئة كسلطة أمر واقع للزلزال الذي شهدته مناطق جنوب غرب تركيا وشمال غرب سوريا، في السادس من فبراير 2022، والذي خلف حصيلة قتلى تجاوزت 50 ألف نسمة في تركيا وسوريا، وعشرات الآف من المصابين، وخسائر مالية ومادية كبيرة.
وركزت الدراسة على الشأن السياسي، سواء بعلاقة الهيئة عبر حكومة الإنقاذ التابعة لها مع المجتمع المحلي، والخصوم السياسيين من الجيش الوطني، والنظام السوري، والمجتمع الدولي، وبحثت قضية تسويق الهيئة لنفسها سياسياً أمام المجتمع الدولي عبر رئيسها أبو محمد الجولاني وقادتها الشرعيين وغيرهم من الحلقة المقربة من الجولاني.
كتب القصير: “لا شك في أن الجولاني ديكتاتور، أحاط نفسه بدائرة من المقربين، على رأسهم أبو ماريا القحطاني ومظهر الويس وعبدالرحيم عطون. وخطاب الهيئة المخصص للاستهلاك المحلي جامد وإقصائي. وفي الوقت نفسه، هناك آلة إعلامية دعائية قوية تسعى لتسويق نشاطات الهيئة، وإظهار تقسيم العمل وتوزيع الاختصاصات والصلاحيات بين الهيئات المدنية والعسكرية، بما يوحي للعالم الخارجي بأنها تقود مشروع دولة”.
وكتب أيضاً: “عملياً، للجناح الشرعي-العسكري، بقيادة الجولاني ورفاقه، سيطرة تامة تتجاوز الأمور الاستراتيجية وتشمل كل مفاصل الحياة وصناعة القرار في مناطق سيطرة الهيئة، مع غياب شفافية حقيقية وآليات محاسبة فعالة تقيّم أداء الهيئة ومؤسساتها الرديف”.
وقال الجولاني في حديث مع جريدة الغارديان بعد الزلزال بأنّه “لن يكون تاريخ هذه المنطقة بعد الزلزال كما كان قبله”.
وفي دلالة على تشبع عقول العديد من الرجال في مناطق المعارضة برؤى دينية مغلوطة تجاه المرأة، حمّلت منشورات على فيسبوك النساء المسؤولية عن الزلزال، باعتباره غضب إلهي من تبرجهن وزينتهن، ووضعهن العطور، في استمرار لرؤى مشابهة تتحدث عن غلاء الأسعار كعقاب إلهي لسلوك النساء. وهو أمر يشير إلى أنّ تغيير الأفكار المغلوطة المنسوبة للدين بحق النساء يحتاج إلى جهد كبير، وهو ما لن تقدم عليه الهيئة، المتهمة بتغذية تلك الأفكار بين الرجال، كأحد أدواتها لبسط سيطرتها على المجتمع.
لا يتناول هذا التقرير القضايا السياسية، ويركز على وضع المرأة في مناطق سيطرة الهيئة، وفق شهادات من نساء في تلك المناطق والأخرى التي يحكمها الجيش الوطني الموالي لتركيا، حصلت عليها “أخبار الآن” قبيل الزلزال.
وتعتبر تلك من أهم القضايا الإشكالية عموماً مع الجماعات التي تتبنى رؤى دينية متشددة، سواء تبنت نهج العمل المسلح أم لا، أكانت مصنفة على قوائم الإرهاب الدولية والأممية أم لا، وفي هذه الحالة فإن هيئة تحرير الشام من بين الجماعات المصنفة إرهابياً لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا، وغيرهم من الدول.
وجاءت المناسبة لتناول أوضاع المرأة في مناطق سيطرة الهيئة بالتوازي مع انطلاق الاحتجاجات في إيران قبل ما يزيد عن خمسة أشهر، في 14 سبتمبر، والتي كان عنوانها الأساسي نضال المرأة ضد القمع الملتحف بأسباب دينية، فرصةً للمقارنة بين أوضاع المرأة الإيرانية ونظيرتها السورية في مناطق حكم المعارضة.
في ظل نظامين سياسيين تجمعهما الأيديولوجيا المتطرفة باسم الدين، ويفرقهما العداء المذهبي والسياسي. بينما يجمع المرأة الإيرانية والسورية الكفاح في سبيل (الحرية، العدالة، المواطنة الكاملة)، وكلتاهما قدمتا التضحيات، وتقدمن الصفوف في الاحتجاجات التي شهدتها سوريا في العام 2011، وشهدتها إيران مراتٍ عدة كان آخرها مع مقتل الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022، تحت التعذيب في سجون شرطة الأخلاق.
وبحسب إحصاء نشره مركز “جسور” قُدر عدد السكان السوريين في مناطق سيطرة الجيش الوطني وحكومة الإنقاذ بنحو 23.6% من السوريين في الداخل، بعدد 3.925 مليون نسمة. وتشير تقديرات إلى أنّ محافظة إدلب تضم نحو 3.5 مليون نسمة، وهي خاضعة لحكم هيئة تحرير الشام.
ما بين هيئة تحرير الشام وداعش
تنقسم السيطرة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية إلى قسمين؛ الأول يخضع الجيش الوطني المعروف بولائه لتركيا، ويشمل مناطق تُعرف بريف حلب الشمالي والشرقي، وتضم مدن عفرين وإعزاز ومارع والباب وجرابلس، والثاني مناطق السيطرة المباشرة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بعد فكّ الارتباط بتنظيم القاعدة، وتشمل مناطق إدلب وريف حلب الغربي، التي شكلت حكومة الإنقاذ.
وهناك تنسيق بين الطرفين، وتشكلت حكومة الإنقاذ بدعم من هيئة تحرير الشام، واتبعت نهجاً غلبت عليه الأيديولوجيا الدينية، كما في محاولة استبدالها علم الثورة بعلم جديد في منتصفه جملة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” واعتمادها الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع.
تبعاً لتلك القسمة تختلف أوضاع المرأة؛ ففي مناطق هيئة تحرير الشام يُمكن وصفها بتعبير الناشطة الحقوقية والإعلامية (م . أ) “لو صح لجبهة النصرة منع الهواء عن النساء لفعلوا ذلك”. بينما تعيش المرأة وضعاً أقل شدةً في مناطق السيطرة المباشرة للجيش الوطني.
في سابقة هي الأولى من نوعها، طالب أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام في 2021 الولايات المتحدة بشطب اسم جماعته من قوائم الإرهاب، وبرر طلبه بانفصال الحركة عن تنظيم القاعدة في 2016، وعدم تورطها في أي هجمات ضدّ المصالح الأمريكية والغربية، وتركيزها على الجهاد المحلي.
بتاريخ 16 مايو 2013، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية الجولاني بشكل خاص كإرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، بصيغته المعدلة، ووضعت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تتعلق به، وكذلك صنفت جبهة النصرة واستمر التنصيف رغم تغير اسمها إلى هيئة تحرير الشام.
في السياق ذاته استجلب الرجل الثاني في الهيئة، عبد الرحيم عطون نموذج طالبان، في محاضرة بعنوان ” الجهاد والمقاومة في العالم الإسلامي: طالبان نموذجاً” في مدينة إدلب في سبتمبر 2021. وبالعودة إلى نموذج طالبان الذي حاول الكثيرون منحه فرصة أخرى عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021، وسيطرة الحركة على السلطة، يتبين أنّ لدى الجماعات الدينية المتشددة قدرة على الفصل بين السياسي والثقافي. أثبتت جماعة طالبان قدرتها على التفاوض مع الولايات المتحدة، والتعاون معها بشكلٍ غير مباشر في مواجهة عدو جهادي مشترك؛ تنظيم داعش في خراسان، بينما على مستوى المجتمع والمرأة بشكل خاص أثبتت الحركة أنّه دون تغيير فكري وبنيوي حقيقي فإنّ طالبان ومثيلاتها مثل هيئة تحرير الشام لن تختلف عن تنظيم داعش في رؤيته للمجتمع والمرأة في النهج، مع اختلاف أسلوب التطبيق.
في مقاله بعنوان “خطابات الجولاني عن حالة الدولة“، بتاريخ أغسطس 2022، كتب هارون ي. زيلين: “على الرغم من هذا التظاهر بالنقد والنقاش الصريحَين، يجب أن يأخذ المرء في الاعتبار عدد النشطاء ضد حُكم “هيئة تحرير الشام” الذين ماتوا أو سُجنوا بسبب صراحتهم فيما يتعلق بإخفاقات نظام الهيئة أو مكامن قصوره”.
كتب زيلين أيضاً: “نظراً للهوية السنية الطائفية لـ “هيئة تحرير الشام”، من المهم تخفيف التوقعات عندما يلتقي الجولاني بأعيان مسيحيين أو دروز. فقد أًرغم هؤلاء الأعيان منذ سنوات عديدة (عندما كانت هيئة تحرير الشام تُدعى جبهة النصرة) على التخلي عن عقيدتهم وإعلان اعتناقهم للإسلام السني، ولم تتغير هذه السياسة المتعلقة بالتحول القسري عن الديانة”.
تحدثت أربع ناشطات حقوقيات لـ”أخبار الآن”، طلبت اثنتان منهن عدم نشر أسمائهن حرصاً على سلامتهن الشخصية، وقررت “أخبار الآن” حجب اسمي الناشطتين اللتين لما تمانعا نشر اسميهما منعاً لتعرضهن للمضايقات والتحقيق من القوى الأمنية، التي لا تتورع عن تعذيب الرجال والنساء وفق شهادات ناشطات.
اتفقت الناشطات الأربع في شهاداتهن على أنّ الرؤية النمطية للمرأة والتي تختلف من مكان لآخر في سوريا، وبحسب قوى الأمر الواقع، هي استمرار للرؤية النمطية التي قللت من مكانة المرأة قبل الثورة في 2011، والتي رعتها أجهزة الدولة السورية خصوصاً الإعلام والدراما. وكذلك أوضحن لـ “أخبار الآن” التحولات التي شهدتها مكانة المرأة في الثورة السورية؛ حيث الانطلاقة القوية وذروة المشاركة في العمل الثوري والسياسي والمدني منذ عام 2011 حتى العام 2017، لتتراجع مشاركة المرأة بعد ذلك، وصولاً إلى أدوار تقليدية دُفعت النساء إليها للحفاظ على الحد الأدنى من وجود المرأة في الشأن العام.
أما عن عمل المرأة في الشأن السياسي فلم يعد موجوداً، ويتعرضن للاعتقال والتعذيب، ويقتصر دور أغلبهن في الإعلام على نشر القصص الإنسانية فقط، غير ذلك تتعرض النساء للاعتقال والتعذيب، ولا يُفرج عنهن إلا بعد فدية كبيرة لأمراء الجماعات الإسلامية المسلحة.
بشكل عام في غياب مشاركة فاعلة للمرأة في مناطق حكومة الإنقاذ (جبهة النصرة)، ستظل المرأة مضطهدة، من زاويتين؛ الأولى الاضطهاد العام الذي يطول جميع السوريين، والاضطهاد الخاص بالمرأة لكونها “أنثى”، على يد سلطة أمر واقع، إن نأت بنفسها سياسياً وتنظيمياً عن تنظيم داعش والقاعدة، فهي لم تقطع مع رؤيتهما للمجتمع.
“وصلني تهديد على الماسنجر منهم”
تتعرض المرأة لنفس المعاناة التي يتعرض لها الرجل في مناطق المعارضة السورية، فضلاً عما تعانيه من مضايقات وتقييدات لكوّنها “أنثى” فقط.
تذكر التقديرات أنّ نسبة النساء إلى الرجال في مناطق المعارضة السورية، وربما في سوريا بشكل عام، تبلغ 60% إناث إلى 40% ذكور، ويعود ذلك إلى طبيعة الحرب.
وبشكل عام يعاني الإعلاميون والإعلاميات من التضييق والاعتقال والخطف والتعذيب وحتى القتل. تحكي الناشطة والإعلامية (أ. ع) أنّه أثناء اقتحام هيئة تحرير الشام لمناطق شمال غرب ريف حلب منذ فترة قصيرة، وصلتها رسالة تهديد على تطبيق “الماسنجر” من الهيئة استباقاً. تقول “يعرفون أنّي ممكن أحكي وما أسكت عن فظائعهم، فسبقوا عليّ بالتهديد”.
وتعيش الناشطة في مناطق سيطرة الجيش الوطني، إلا أنّ ذلك لا يوفر لها الأمن، فبحسب حديثها لـ”أخبار الآن” تمتد يد الهيئة بالخطف لأي مكان تحت سيطرة الجيش الوطني.
وحول عملها كإعلامية، أوضحت أنّها لا تستطيع ممارسة عملها إلا بعد تصريح، يصدر بعد الاطلاع على كامل برنامجها، وغير مسموح لها دخول العديد من المناطق، فضلاً عن الطلب منها الحديث عن الإيجابيات فقط.
عاشت الإعلامية والناشطة (م . أ) في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام قبل أنّ تضطر لمغادرتها إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني فراراً من ملاحقات الهيئة. قالت لـ”أخبار الآن” أنّ الصحفيات يتعرضن للتحقيق في مقرات الأجهزة الأمنية في إدلب، ولا يُسمح بأي برنامج يخصّ المرأة للمنظمات المدنية إلا بعد الاطلاع الكامل عليه، وحذف كل نشاط لا يريده مسؤولو الهيئة. وأفادت بأنّ الهيئة تفرض على الناشطات تبرير إلغاء مضمون واسع من البرامج أمام المنظمات الدولية بأنّه “لا يتوافق مع الواقع السوري” وليس لأنّ الهيئة قامت بإلغائه. تقول الإعلامية والناشطة السورية بأنّ الهيئة توجه تهديداً مفاده “ديري بالك تحكي لأنّ نحن سنعرف إنك قلتي النصرة لغت هذه الأنشطة”.
وحكت الناشطة والإعلامية بأنّها أثناء تغطية هجوم للقوات الروسية والسورية أوقع مئات الضحايا، هاجمها فرد أمن تابع لهيئة تحرير الشام وكسر لها الكاميرا، وطالبها بتهديد بالعودة إلى مكانها في المنزل، لكنّها واجهته وأجبرته على التراجع.
الرعب من كلمة “نسوية”
إلى جانب الدور السلطوي القائم على رؤى دينية متشددة تجاه المرأة، عادت النظرة التقليدية للمرأة بقوةٍ. تقول الناشطة الحقوقية (حـ . ت)، بأنّه منذ هجوم النظام على مناطق المعارضة في 2016، وصعود حكومة الإنقاذ، قامت الأخيرة بتقييد العمل المدني، وقيدت عمل النساء “رجعت لنا الأدوار التقليدية نوعاً ما، لكننا ما زلنا نقاوم، ونتمسك بأي دور للنساء حتى لو أقل القليل”.
نشر موقع “شبكة أخبارنا” السوري، إحصاءات حول نسب التعليم الجامعي في جامعة “حلب الحرة”. جاء فيه أنّ عدد الطلاب والطالبات فقط في جامعة حلب الحرة، 11752طالباً وطالبة؛ 7767طالباً و 3984 طالبة. وذكر التقرير أنّ وجود الطالبات تركز في الكليات الأدبية بنسبة عالية، بينما في كليات الطب وصلت نسبة الطالبات الى 10%. مازالت أعداد الطلاب في كليات العلوم والكيمياء وغيرهم من فروع علمية نسبتهم أعلى من نسبة الطالبات، بينما في كليات العلوم السياسية والإعلام تعتبر نسبة الطالبات فيها قليلة جداً أو نادرة مقارنة بأعداد الطلاب. واعتبر التقرير أنذ ذلك “مؤشر جيد نسبياً لأنه ليس ثابتاً وفي تقدم”.
ولفتت الناشطة (ح . ت) لـ”أخبار الآن”، إلى انتشار الخطابات الدينية التي تعتبر ذكورية نوعاً ما. وإلى أنّ عمليات النزوح الداخلي التي تكررت لأكثر من مرة “زادت الطين بلة”؛ لأنّها جعلت الأولوية للحاجات الأساسية من مأكل ومأوى، ما أدى إلى زيادة حالات الزواج المبكر بدافع تخفيف العبء عن كاهل الأسر، وهو ما تسبب في التفكك الأسري والتسرب المدرسي.
وتابعت بأنّ هيئة تحرير الشام ورجال الدين لعبوا دوراً ضد كل ما يتعلق بالنشاط النسوي، “كلمة نسوية باتت تعمل حالة رعب بالداخل السوري”. وأضافت أدى ذلك إلى انقراض الفعاليات والتدريبات المخصصة لدمج وتمكين النساء في الشأن العام والاقتصاد، وتخشى النساء من حضور هكذا فعاليات، “يحصل استدعاء وتحقيق لأن امرأة فكرت بدور غير نمطي” والذريعة أنّها تنشر أجندة غربية.
من جانبها، تسرد الناشطة الحقوقية والإعلامية (ر . ج) تجربتها تحت حكم داعش، ثم هيئة تحرير الشام بعد حضور قصير للجيش الوطني، بقولها بأنّ وضع المرأة تحت حكم داعش “كان أشبه بالموت”. وأضافت بأنّ موقف هيئة تحرير الشام تجاه المرأة مثل داعش لكن بدرجة أقل، بحكم سياستها التي تريد إظهارها للمجتمع الدولي.
وكانت خطابات مفتي سوريا “أسامة الرفاعي” التي هاجم فيها عمل المرأة في المجال العام بمثابة نقطة تحول نحو مزيد من القيود على المرأة. تقول الناشطة والإعلامية (ر . ج) “شكل خطاب الرفاعي ورجال الدين هاجس خوف للمرأة، وأدى إلى تحجيم دورها في المجال العام ضمن منظمات المجتمع المدني”. وذكرت لـ”أخبار الآن” بأنّ لدى هيئة تحرير الشام مؤسسات مثل الحسبة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تساءل النساء حول أي خروج عن الخطّ التقليدي المرسوم للمرأة.
في ظل هكذا وضع، تقدر الناشطة (م . أ) نسبة عمل المرأة لإعالة الأسرة في مناطق المعارضة بنحو 45% من النساء، وذلك نتيجة فقدان معظم الأسر لعائلها الرجل.
حذاء المرأة يؤرق جبهة النصرة
كيف ستكون الحياة اليومية للنساء في ظل وجود هيئات تحصي عليهن الأنفس؟ تحكي الإعلامية والناشطة (م . أ) من واقع تجربتها تحت حكم هيئة تحرير الشام، وتقول “اُعتقلت عند جبهة النصرة، وحقق مع أميرٌ منهم، وحين سألته عن تهمتي قال “مرتدة”. تكفي هذه التهمة لقتل الرجل أو المرأة، رغم أنّ الناشطة والإعلامية المحجبة لم تفعل سوى ممارسة عملها والنشاط في الدفاع عن حقوق المرأة.
تابعت حديثها، بذكر تفاصيل عن حياة المرأة اليومية، وتقول بأنّ الهيئة تتدخل في كل ما يتعلق بالمرأة؛ اللباس والزي والتفتيش داخل البيوت وتحريض الرجال ضدّ النساء وتشجيع الزواج الثاني للرجال. وتقول “يفتشون عن حذاء المرأة، ويطلبون ارتداء أحذية مستوية بالأرض، ومن تخالف تتعرض للعقاب”.
وتسرد عن صديقة لها تعرضت للتفتيش داخل منزلها من منسوبات الهيئة في الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا وجدن تجمع للنساء يستمع لأغنية أو تدخن إحداهن سجائر أو أرجيلة، يتعرضن للعقاب، ويأخذن صاحبة المنزل إلى دورة شرعية لمدة 30 – 40 يوماً لإعادة تأهيلها، لأنّها بحسبهن “غير مؤتمنة على تربية الأبناء”.
وأضافت بأنّ التحريض ضدّ النساء وصل إلى منتهاه؛ يطالبون الرجال في المساجد بالفصل بين الأبناء والبنات على مائدة الطعام وأماكن النوم، ويفصلون بين الجنسين في المدارس الابتدائية، وهي ممارسات تجعل الطفلة تفكر وتحمل هاجس “الخوف والتساؤل” حول سبب ذلك، بدلاً من أنّ تنشأ بشكل سوي في تعاملها مع الطفل الذكر.
تقول “قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني يُظهر للعالم أنّه أعطى للنساء حريتهن، لأنّه يسمح لهن بالذهاب إلى الأسواق، لكن الخوف والرعب يسيطر على النساء، لا تستطيع المرأة الحديث بحرية؛ لأنّها سُتعاقب بالإخفاء والقتل”.
بدورها قالت الناشطة (ح . ت) أنّ هيئة تحرير الشام لم تفرض النقاب على النساء، لكنّ الطبيعة التي جاءوا فيها على المجتمع فرضت نوع اللباس، بجانب تحريض رجال الدين للرجال على فرض النقاب على نساء أسرهم، فصار النقاب منتشراً، حتى صار وجود إمرأة واحدة غير منتقبة في الأماكن العامة والجامعات حدثاً. ذكرت أنّ النساء يتجنبن قيادة السيارات، ولا توجد إلا قليلات ممن تدعمهن أسرهن ممن يقدن السيارات.
وبسؤال الإعلامية والناشطة الحقوقية (م. أ) عن وصول النساء للخدمات الصحية، في ظل وجود نسبة كبيرة من النساء المعيلات، ذكرت أنّ الصحة “موضوع كتير حساس”. وبينت بأنّ المرأة ممنوعة من التشخيص عند الأطباء الرجال، حتى لو أوصت الطبيبة بعرضها على طبيب رجل لأسباب التخصص والخبرة، “غير مسموح حتى لو ماتت المرأة”.
وفي الصيدليات ممنوع على النساء الدخول إليها ما لم توجد طبيبة أو امرأة فيها “حطوا صيدلانيات والمرأة ملزمة بالتعامل معهن فقط، يرون تعامل المرأة مع الصيدلي خلوة غير شرعية”.
زواج القاصرات ومجهولي النسب
ويواجه المجتمع السوري بشكل عام أزمة زواج القاصرات، بعدما دُفعت العديد من الأسر إلى ذلك الخيار المرير، غير أنّ خطر ذلك لا يتوقف على الطفلة فقط، بل يتعداها إلى خطر عارم على بناء المجتمع.
تروي الناشطة (ر . ج) التي عاشت تحت حكم داعش، بأنّ داعش (ثم لاحقاً النصرة) روجت وعززت زواج القاصرات، وتم تزويجهن من أعضاء التنظيم من مختلف الجنسيات. وتابعت بأنّ ذلك خلق مشكلة الأطفال مجهولي النسب، بجانب استغلال التنظيم للأطفال في التجنيد في مدارس خاصة حملت اسم “أشبال الخلافة”، ما زالوا يشكلون مشكلة كبيرة في مدينة الباب.
كانت الناشطة (م . أ) شاهدة على تلك الأزمة المستمرة، وتؤكد بأنّ زواج القاصرات منتشر بشكل كبير؛ إما محاولة من الأم لتخفيف عبء المسؤولية عنها، أو استباقاً لأنّ يُعجب أحد منتسبي هيئة تحرير الشام الأجانب بالبنت فيتزوجها رغماً عن الأهل. أما عن طريقة الزواج من منتسبي الهيئة الأجانب، فتوضح أنّه زواج لا يرقى لـ”الزواج العرفي حتى”، لا يكتب الرجال أسمائهم بل فقط الكُنى مثل (أبو القعقاع، أبو هاجة، أبو مصعب ..). ويُوصي هؤلاء الزوجة بأنّ تتخذ رفيقاً له يحدده زوجاً حال موته، فنشأ من ذلك جيل من الأطفال مجهولي النسب، تقول الناشطة “تمنع هيئة تحرير الشام أي محاولة للتعرف على نسب هؤلاء الأطفال، ومن يقترب لذلك الملف يتعرض للخطف والتعذيب”.
وقدرت الناشطة عدد الأطفال مجهولي النسب، الناتجين عن الوضع السابق، بنحو (1000) طفل على الأقل، وفي أحد المخيمات توجد 350 أسرة تزوجت بناتهن من منسوبي النصرة، ولديهن أطفال مجهولي النسب. وحول نسبة زواج القاصرات، قدرتها بنحو 4 زواج قاصرات من بين كل 10 نساء، وهي تقديرات للأمم المتحدة. من المتوقع أنّ تستمر أزمة زواج القاصرات طالما بقيت الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل ذلك خياراً وحيداً لتخفيف العبء عن الأسر، خصوصاً التي تعيلها امرأة. وفيما يتعلق بزواج الأجانب من منسوبي الهيئة من القاصرات، من المرجح أنّ يتراجع ذلك، ليس عن جهد من هيئة تحرير الشام لمواجهة ذلك، بل نتيجة تراجع وجود المكون الأجنبي في صفوف الهيئة، مع سعيها لتعزيز نموذجها المحلي للجهاد على غرار طالبان.
تحكي الناشطة والإعلامية السورية بحسرة، بأنّ فتيات لا يتجاوز أعمارهن 15 عاماً، يتطلقن ومعهن أطفال، لأنهن غير مؤهلات للزواج، ويضطررن للزواج مرة أخرى، والإنجاب دون القدرة على تحمل مسؤولية الأسرة وتربية الأبناء، ما أدى إلى حالة من التفكك الأسري والاجتماعي، تهدد المجتمع بأكمله. تقول “النساء تُحارب لأنهن يناقشن ويرفضن زواج القاصرات، المجتمع في انهيار”.
ويبقى الأمل معقوداً على عزيمة النساء اللاتي يواجهن تحديات الأزمة السورية بشكلٍ مضاعف. تقول الناشطة والإعلامية (ر . ج)، حين تؤكد منظمات المجتمع المدني الخاصة بدعم وتمكين المرأة على حقوق المرأة تتعرض لهجوم شرس. وأضافت “نعاني من تحديات ومخاطر وصعوبات، منها التحدي السياسي والاجتماعي والوضع الأمني وانعدام المساواة، لكن هناك عزيمة قوية من النساء”.