جئناكم بالكوميكس.. داعش يلجأ لـ”الميمز الجهادية” في حربه الدعائية
عبر ميمز يُشبه تنظيم القاعدة وزعيمه بـ”البقرة الهزيلة” التي يستنزفها الأمير الفعلي للتنظيم سيف العدل، هاجم تنظيم داعش غريمه ومنافسه على قيادة الجهادية المعولمة تنظيم القاعدة وكذلك فعل مع منظري الجهادية البارزين كـ”أبو محمد المقدسي”، مستخدمًا أسلوبًا غير تقليدي في الشقاق الجهادي الدائر منذ سنوات.
وأتى تكثيف استخدام الميمز أو الكوميكس في الدعاية الداعشية ليُسلط الضوء على عدد من الجوانب الهامة في إمبرطورية التنظيم الدعائية والتي تعرضت لانتكاسة وتراجع كبير، منذ انهيار خلافته المكانية في مارس/ آذار 2019، وفي مقدمتها حالة عدم الفاعلية والاضمحلال التي مني بها إعلام داعش سواء الرسمي أو المناصر على حد سواء.
وركزت الميمز التي يستخدمها مناصرون نشطون لتنظيم داعش على استقطاب وتجنيد جيل جديد من الجهاديين الأصغر سنًا في محاولة لتعويض الانتكاسات التي يمر بها ديوان الإعلام المركزي في الفترات الأخيرة، خاصةً مع غياب كوادره الفاعلين كأبي حمزة القرشي، المتحدث الرسمي (السابق) وأحد أهم المسؤولين عن الديوان والذي قُتل أواخر عام 2021.
على أن توظيف الميمز كأداة دعائية داعشية، يلفت إلى تحورات وتطورات طرأت على ملف العمل الإعلامي داخل التنظيمي إذ يعكس خروجًا عن الخط الصارم المألوف الذي يتمسك به ديوان الإعلام المركزي، بما يعني فشله في إحكام السيطرة على ملف الإعلام المناصر، كما تعبر الميمز عن وجود رغبة داخلية لدى قطاعات من المناصرين للتحول لاستخدام أدوات أكثر إبداعًا وعدم التقيد بتوجيهات الديوان المذكور، علاوة على أنها تبرهن على مواصلة المناصرين السعي لتجنيد جيل جديد أكثر حماسة وحيوية تجاه العمل التنظيمي والإعلامي، في الوقت الحالي، الذي تراجع فيه الإعلام المناصر حسبما يقول أتباع التنظيم.
فبحسب “صوت الزرقاوي”، أحد أهم وأنشط المناصرين لتنظيم داعش، فإن العديدين من المناصرين النشطين اعتزلوا العمل الإعلامي الداعم لداعش وأصبحت أكثر الجهود الموجودة حاليًا مُثبطة تُدور حول التراجع الذي أُصيب به داعش وفقده قادته وجنوده، رغم أن الحملة الإعلامية المضادة للتنظيم ما زالت على أشدها.
وتزامن حديث “صوت الزرقاوي” عن تراجع الإعلام المناصر مع دعوة أطلقتها صحيفة النبأ الأسبوعية، الناطقة بلسان داعش، في عددها 382، لأتباع التنظيم ومناصريه لتكثيف العمل الدعائي للرد على ما وصفه بـ”الإعلام المعادي” الذي يشن حملة مضادة على الإعلامي الرسمي للتنظيم، قائلًا إن على الإعلاميين الجهاديين أن يواصلوا جهودهم وأن يكونوا على قدر المسؤولية، وفق تعبير الصحيفة.
وأكدت تلك الافتتاحية وغيرها من المواد الدعائية التي ينشرها تنظيم داعش أهمية ما يسميه التنظيم بـ”الجبهة الإعلامية” التي يعتبرها التنظيم ذات أهمية كبرى ترتقى لأهمية الجبهة العسكرية التي يخوض عليها التنظيم قتاله ضد أعدائه، وهو ما دفع التنظيم لإيلاء اهتمام كبير بالجبهة الأولى انطلاقًا من رؤيته الإعلامية القائمة على حسم المعارك إعلاميًا قبل الانخراط فيها عسكريا.
فمنذ تمدد التنظيم إلى سوريا وشروعه في تأسيس ما عُرف بـ”الخلافة المكانية”، اعتمد داعش على الإعلام في بناء أسطورته ودولته المزعومة، والتي كانت عبارة عن كيان إعلامي أكثر منها دولة أو منظمة حقيقية على أرض الواقع، واعتمد التنظيم، في هذه الأثناء، على إستراتيجيات ووسائل إعلامية متعددة جمعت بين التركيز على إثارة الرعب في نفوس خصومه، ومحاولة الحفاظ على ولاء أتباعه وكسب أنصار جدد.
وانطلاقًا من هذه الإستراتيجيات الإعلامية، عمد إعلام داعش المناصر (شبه الرسمي) إلى توظيف واستخدام الكوميكس أو الميمز الجهادية في دعايته لجذب مؤيدين جدد أو لمهاجمة خصومه وأعدائه التقليديين، ومع أن توظيف “الميمز الجهادية” بدا للوهلة الأولى بأنه جهد إعلامي يقوم به أنصار التنظيم دون الرجوع لديوان الإعلام المركزي (الرسمي)، إلا أن مراجعة الرسائل الإعلامية التي تتضمنها هذه الميمز أو الكوميكس يكشف وجود نوع من التنسيق بين ناشريها وديوان الإعلام المركزي.
الصراع مع تنظيم القاعدة
ويتضح من مراجعة العشرات من الميمز التي نشرها داعش وأنصاره، على مدار السنوات الماضية، أن النسبة الأكبر من هذه الميمز تُخصص لمهاجمة خصوم داعش وأعدائه، ولا سيما تنظيم القاعدة، الغريم التقليدي لداعش، والفصائل المسلحة الأخرى التي تعادي التنظيم سواء كانت جهادية كجماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة في المغرب الإسلامي، أم غير ذلك كفصائل الحشد الشعبي العراقي.
ومنذ الإعلان عن مقتل أمير تنظيم القاعدة السابق أيمن الظواهري، في أغسطس/ آب 2022، كثفت آلة الدعاية الداعشية نشر الميمز التي تستهدف تنظيم القاعدة وقيادته، وزادت وتيرة نشر الميمز بعد إعلان تقرير فريق الدعم التحليلي المعني بداعش والقاعدة في مجلس الأمن الدولي، في فبراير/ شباط الماضي، أن سيف العدل، محمد صلاح زيدان، صار الأمير الفعلي للقاعدة، وأنه يُقيم في إيران.
وتصف الميمز سيف العدل بأنه “سيف البغل”، وذلك للتحقير من شأن أمير القاعدة الفعلي، وتتطرق أيضًا إلى إقامة قادة القاعدة في إيران، وتُهاجم مؤيدي التنظيم الأخير ومؤسساته الإعلامية مثل مؤسسة السحاب، الذراع الدعائية لتنظيم القاعدة، وتصفهم بأنه لا يستخدمون عقولهم ويناقشون أمورًا عفا عليها الزمن، وأنه يدعمون حركة طالبان الأفغانية رغم الأخطاء والتناقضات التي وقعت فيها، وفق تعبير الميمز الداعشية.
وفي نفس الوقت تنتقد الميمز الداعشية المنظر الجهادي الشهير أبو محمد المقدسي وتعتبره منحرفًا عن النهج القويم، وذلك في تناغم مع الهجوم الذي يشنه الإعلام الرسمي للتنظيم على المقدسي، والذي كان آخره في إصدار ولاية الساحل، فرع داعش المحلي في الساحل الإفريقي، المنشور في 20 مارس 2023، والذي وصف “المقدسي” بأنه صاحب النظريات الفاشلة.
ومن تنظيم القاعدة إلى الفصائل الجهادية والفصائل المسلحة الأخرى، تروج الميمز للرواية الداعشية التي تقول إن الفصائل بدأت بقتال داعش ولذا فإن التنظيم الأخير يُقاتلها، كما يلفت أحد الميمزات إلى الاقتتال بين الفصائل السورية وبعضها البعض، في إطار الصراعات التي تندلع بينها وبين بعضها البعض من آن لآخر.
ديوان الإعلام المركزي ومشروع “الميمز الجهادية”
وفي الواقع، فرض ديوان الإعلام المركزي، المسؤول الأول عن الدعاية التي ينشرها تنظيم داعش، نوعًا من السيطرة على المؤسسات الإعلامية المناصرة عبر ما اسماه بـ”مشروع إنتاج الأنصار” والذي يشرف عليه أبو بكر الغريب، محمد خضر رمضان، القيادي البارز بديوان الإعلام المركزي، ونائبه أبو زيد البابلي، مدير مؤسسة أشهاد المناصرة.
ويقوم المشروع على التنسيق المركزي بين ديوان الإعلام والمؤسسات الإعلامية المناصرة بحيث لا تخرج الأخيرة عن الخط الذي رسمه أمراء الديوان، الذين لا تُعرف هويتهم الحقيقية في الوقت الحالي، وتُصبح تلك المؤسسات جزءًا رئيسيا من الهيكل الدعائي الذي أنشأه التنظيم.
وركز داعش، منذ سنوات طويلة، على الإعلام باعتباره رأس حربة في معاركه ضد أعدائه وخصومه، وصار ديوان الإعلام المركزي وأميره (السابق) أبو محمد الفرقان، وائل حسن الفياض الطائي العراقي، يُديران دفة الأمور داخل التنظيم، خصوصًا بعد أن صعد الأخير إلى منصب أمير اللجنة المفوضة ونائب الخليفة (الأسبق)، ووزع رجاله على المناصب الهامة والقيادية داخل داعش.
وكان “الفرقان” ونوابه البارزين مثل أبو ميسرة الشامي، أحمد أبو سمرة، وأبو بكر الغريب، وأبو الحسن المهاجر، وأبو حمزة القرشي، المتحدثين الرسميين الأسبق والسابق باسم داعش، على التوالي، في قلب دائرة القيادة العليا التي أدارت شؤون داعش منذ السنوات الأخيرة لخلافته المكانية، وحتى الفترة التي تلت انهيارها.
ونجح رجال “أبو محمد الفرقان” في إحكام السيطرة على ديوان الإعلام المركزي وتطويع أدواته لخدمة الإستراتيجيات الدعائية التي رسموها، واستبعاد مخالفيهم من المؤسسات الإعلامية الرسمية والمناصرة، وهو ما تناولته “أخبار الآن” في الحلقتين الرابعة والخامسة من سلسلة “فانية وتتدهور” التي ركزت على رصد وتبيان الواقع الحالي لداعش.
وبعد إطلاق ما عُرف بمشروع إنتاج الأنصار بإشراف أبو بكر الغريب وأبو زيد البابلي، توقفت العديد من المؤسسات الإعلامية المناصرة، وتحول ما تبقى من هذه المؤسسات التي أصبحت “شبه رسمية” إلى أدوات في قبضة القائمين على ديوان الإعلام المركزي، وصارت المؤسسات المناصرة مجرد مؤسسات رديفة تردد ما يردده الإعلام الرسمي.
الميمز كوسيلة دعاية جهادية
على أن المؤسسات المناصرة بقيت تحتفظ بهامش أوسع للعمل اكتسبته نتيجة كونها لا تُقدم نفسها كمؤسسات إعلامية رسمية لداعش، وبفعل هذا الهامش استطاعت المؤسسات المناصرة أن تُوظف أدوات ووسائل دعاية جهادية مختلفة عما يُقدمه ديوان الإعلام المركزي مثل الميمز أو الكوميكس الجهادية.
ولا يعد استخدام الميمز أو الكوميكس في الدعاية الجهادية أمرًا مبتكرًا تمامًا أو قاصرًا على المؤسسات شبه الرسمية التي ترتبط بديوان الإعلام المركزي التابع لداعش، بل إن الميمز والكوميكس بأشكالها المختلفة وجدت طريقها إلى وسائل التواصل الاجتماعي، منذ بروز داعش على الساحة عقب تمدده إلى سوريا، رسميًا، في أواخر عام 2013.
وتولى المناصرون إنشاء صفحات وحسابات خاصة للميمز لعل من أشهرها “دولجي ساركازم سوسيتي”، و”ثعالب ميمز” وغيرها من الصفحات والقنوات الدعائية التي تخصصت في إنتاج ونشر الميمز الجهادي، للترويج لداعش ومشروع “الخلافة” التي أعلنها التنظيم، صيف العام 2014.
وشهدت الفترة من 2014، وحتى انهيار الخلافة المكانية في مارس/ آذار 2019، نشاطًا كبيرًا للقائمين على إنتاج ونشر الميمز/ الكوميكس الجهادية، وكان أوج هذا النشاط بين عامي 2016، و2017 واللذين شهدا إطلاق معارك استرداد مدينة الموصل في العراق، والرقة في سوريا من قبضة داعش.
ونتيجة حملة الحظر التي شنتها شركات ومنصات التواصل الاجتماعي الكبرى ضد المحتوى الذي يبثه أنصار داعش على الإنترنت، استجابة لمبادرات مثل “منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب“، و”التكنولوجيا ضد الإرهاب”، حُذفت غالبية صفحات وقنوات الميمز من على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها لم تختفِ تمامًا بل عمد القائمون عليها إلى التواجد على مواقع وتطبيقات لا تفرض حظرًا كاملًا على نشاطهم مثل تطبيق “تيليجرام” للتواصل الاجتماعي والذي تنشط عليه واحدة من أشهر المجموعات الداعشية المختصة في الميمز وهي “ثعالب ميمز”.
محاولات تجنيد المراهقين
وبنظرة تحليلية لمضمون الرسائل الإعلامية التي تبعثها الميمز الداعشية، يُلاحظ أنها لا تختلف عن الأهداف الرئيسية للدعاية التي يبثها التنظيم، إذ تهدف هذه الميمز إلى تجنيد عناصر جديدة ولا سيما في دوائر الشباب والمراهقين الذين يتعرضون أكثر من غيرهم لهذه الميمز، وإلى محاولة تثبيت أسرى وسجناء داعش وأسرهم، وكذلك إلى محاولة إسقاط خصوم وأعداء التنظيم سواء من الجماعات والفصائل الجهادية الأخرى أو من الدول والجيوش التي تُحارب ضد داعش.
ويُمكن القول إن الميمز الداعشية تهدف إلى إحداث نوع من “الإرهاب المعنوي” المعتمد على نشر أفكار ودعاية التنظيم بصورة أكثر مواكبةً لمتطلبات الوقت الراهن، والتي تحظى فيه الميمز/ الكوميكس بانتشار واسع النطاق في دوائر مختلفة منها دائرة المراهقين والشباب.
ومن اللافت أن داعش يستخدم عدد من القوالب، أو “التمبات” كما تُعرف بلغة الميمز، المستمدة من بعض برامج الكارتون الشهيرة، وهذا مؤشر إضافي على استهدافه تجنيد المراهقين، وربما الأطفال الذين على أعتاب المراهقة والذين يعتبر داعش أنهم قد يمثلون لبنة لبناء جيل داعشي جديد يُعيد الخلافة المكانية المنهارة إلى أرض الواقع من جديد، كما يستخدم التنظيم قوالب/ تمبات من أفلام عربية وأجنبية جرى اقتصاصها من مشاهد معروفة، وهي أيضًا نفس القوالب التي يستخدمها صانعو الميمز العاديين الذين ليست لهم أدنى علاقة بداعش.
وتشير الخبرة السابقة المستمدة من تجارب داعش في العراق وسوريا وإفريقيا وغيرها إلى أن داعش يعمل على تجنيد الأطفال الذين يسميهم “أشبال الخلافة“، وكذلك المراهقين الذين يُمثلون بيئة خصبة للتجنيد والاستقطاب في سنواتهم الأولى التي تتشكل فيها رؤاهم للعالم واتجاهاتهم المعرفية ويكونون أكثر حماسةً للمخاطرة والانخراط في التجارب الكبرى التي تداعب خيال أحلامهم وتصوراتهم عن الواقع من حولهم.
الميمز في خدمة أهداف داعش
ومن الملاحظ أيضًا أن الميمز التي يستخدمها تنظيم داعش ومناصروه تركز على عدد من الموضوعات/ القضايا الرئيسية في صلب الإستراتيجية الدعائية للتنظيم، بحيث تكون الميمز/ الكوميكس مكملة لبقية الجهد الدعائي للتنظيم، فعلى سبيل المثال روجت “ثعالب ميمز” إلى أن الإعلام الرسمي والمناصر لداعش يخدمان هدفًا واحدًا هو صنع جهاز دعاية قوي للتنظيم، وذلك عندما انتشرت معلومات وتقارير حول الصراعات التي دارت بين أمراء ديوان الإعلام المركزي ومسؤولي المؤسسات المناصرة.
غير أن هذا التكامل الذي تتحدث عنه “ثعالب ميمز” يلفت إلى أن الإعلام الرسمي لا يُشكل قوةً بمفرده وأنه يحتاج إلى الإعلام المناصر ليكون ذا فاعلية، وهذا يجسد مشكلة مركبة تعتري إدارة الملف الإعلامي للتنظيم، فديوان الإعلام المركزي ليس بالقوة التي يُحاول ترويجها لأنصار داعش وهذا يعني أنه لا يستطيع إحكام السيطرة على المؤسسات المناصر/ الرديفة ويحولها تابعة له كما كان يطمح عندما أطلق “مشروع إنتاج الأنصار”.
وعلى نفس المنوال، أنتجت “ثعالب ميمز” ميمزا آخرًا عن توزيع المساعدات الإنسانية في تركيا وسوريا بعد الزلزال الذي ضرب مناطق من جنوب تركيا وشمال سوريا، في فبراير الماضي، غير أن التدقيق في فكرة الميمز الداعشي يُثبت أنه مستمد من افتتاحية صحيفة النبأ (العدد 381)، والصادر بتاريخ 9 مارس 2023، بعنوان: “أهل الشام وخذلان العالم” والتي تحدثت عن تأخر وصول المساعدات الإنسانية بعد الزلزال إلى المتضررين في شمال سوريا مقابل وصولها إلى تركيا ومناطق سيطرة النظام السوري، وفق تعبير الصحيفة.
وتؤكد الميمز الداعشية التي تنشرها القنوات والحسابات المرتبطة بالتنظيم أن القائمين على إنتاج هذه الميمز ينفذون التعليمات التي أصدرها ديوان الإعلام المركزي لأفرعه، والتي كشفتها رسالة مسربة من أرشيف التنظيم أُرسلت لولاية خراسان، فرع داعش المحلي في أفغانستان، والتي تنص على أن دور الإعلام المناصر أن يقوم بإعادة ترويج ونشر مقتطفات مما ينشره الإعلام الرسمي دون الخروج عن الخط الذي رسمه الديوان.
الدعم المعنوي لأنصار داعش
وعلى عكس ما يفعله القائمون على إنتاج ونشر الميمز الداعشية مع خصوم التنظيم، يحاول منتجو هذه الميمز تقديم دعم معنوي ودعائي لأنصار التنظيم عن طريق تعزيز السردية التي يسوقها داعش ومحاولة التأكيد عليها، فتارة تسعى لتبرير ذبح المدنيين بحجة أنهم جواسيس يتعاملون مع أعداء داعش، وتارة أخرى تحاول الدفاع عن نهج داعش القائم على أساس القتال المستمر ضد جميع أعدائه ومخالفيه.
وبالإضافة لما سبق، تهتم الميمز الداعشية بأسرى وسجناء داعش، ساعيةً لتصدير صورة عنهم بأنهم سجنوا نتيجة ولائهم ودعمهم لتنظيم داعش فقط، كما تركز أيضًا على دعم مناصري التنظيم والسخرية من الحملات التي تشنها إدارات مواقع التواصل الاجتماعي لحذف حساباتهم التي يستخدمونها في الدعاية أو النصرة الإعلامية كما يسمونها.
الخلاصة
وتُعطي التفاصيل السابقة، صورة أشمل وأكثر تفصيلًا عن توظيف تنظيم داعش ومناصريه لـ”الميمز”، باعتبارها أداة دعائية يستخدمونها في “المطاولة والمشاغلة”، بتعبير التنظيم، والتي تعني محاولة إطالة أمد الحرب بين التنظيم وأعدائه وإشغاله على الجبهات العسكرية بالهجمات والضربات المتفرقة، وعلى الجبهات الإعلامية بنشر مكثف للدعاية المتشددة مع تنويع أدواتها ووسائلها لتشمل الإصدارات الصوتية والمرئية والمطبوعة، وحتى الميمز التي تستهدف استقطاب المراهقين والشباب وغيرهم للتنظيم الإرهابي.
ورغم أن الأفراد والمؤسسات الدعائية المرتبطة بتنظيم داعش ما تزال تُوظف الميمز في أنشطتها المختلفة، إلا أن قدرة وكفاءة هذه المؤسسات على نشرها بنفس الوتيرة والطرق السابقة تراجعت شيئًا فشيئًا، كما تراجع ديوان الإعلام المركزي ومن خلفه تنظيم داعش وخلافته المزعومة التي أضحت “فانية وتتدهور”، خلال السنوات الماضية.
وفي ضوء هذا التراجع، جاء توظيف الميمز كأدوات دعائية غير تقليدية من قبل تنظيم داعش، لكن حتى الآن لا يُعرف على وجه الدقة الشخص أو الجهة التي اتخذت القرار بالاستثمار في هذه الميمز لأن ديوان الإعلام المركزي يُدار من قبل أمراء مجهولين في الوقت الحالي بعد مقتل قادته البارزين مثل أبو محمد الفرقان، وخليفته أبو عبد الله الأسترالي، وكذلك أبو حمزة القرشي المتحدث السابق باسم التنظيم.
ورغم أن هناك شواهد عدة تُشير إلى أن أي جهد إعلامي مناصر يتم العمل على السيطرة عليه من قبل مشروع إنتاج الأنصار التابع لديوان الإعلام المركزي إلا أن هناك مؤشرات أخرى على أن جزء ليس باليسير من هذا العمل الإعلامي يتم دون الرجوع للديوان وهذا يعني عدم وجود سيطرة كاملة من قبل الجهة التي يُفترض أنها تُدير الإعلام الداعشي على المؤسسات والإعلاميين المناصرين/ الرديفين للتنظيم.
ومع أن الميمز/ الكوميكس تُخاطب شريحة من الشباب المراهقين المتأثرين بأيديولوجيا داعش إلا أن اللجوء لاستخدام هذه الأدوات أو الأسلحة الدعائية يُعطي لمحة على التدهور في الأداء الإعلامي للتنظيم الذي أظهر تحفظًا كبيرًا في التعاطي مع العمل الإعلامي ووضع له ضوابط صارمة من الناحية التنظيمية والشرعية باعتباره يُمثل أهمية توازي أو تزيد، في بعض الأحيان، عن العمل العسكري.
وعلى نفس الصعيد، يمنح استخدام الميمز خصوم التنظيم ومنتقديه- كتنظيم القاعدة وغيره- ذخيرة مؤثرة يمكن استغلالها في الهجوم على التنظيم، إذ أن استخدام القوالب/ التمبات الشهيرة في الميمز يعني أن أنصار داعش يلجئون للاقتباس من ثقافات بعيدة كل البعد عن الثقافة الجهادية التقليدية عن طريق الاقتباس من الأفلام أو المسلسلات وحتى برامج الكارتون العربية والأجنبية، وهو ما يعني تدهور وتراجع النمط الإعلامي الجهادي التقليدي وتحوله إلى نمط أكثر شعبوية يدل على الانحدار والتراجع الذي أصاب داعش، خلال السنوات الماضية.