حمد التميمي القائد الأبرز في تنظيم القاعدة باليمن
في فبراير الماضي تمكن الطيران المسير الأمريكي من استهداف أحد القيادات الجهادية البارزة في شرق اليمن، وقد فجرت هذه العملية موجة اضطراب في صفوف النخبة القيادية للقاعدة وأعلن على إثرها حالة الطوارئ على نحو غير اعتيادي في صفوف التنظيم، ما دفع بعض المختصين إلى الترجيح باحتمالية أن يكون المستهدف هو خالد باطرفي نفسه.
وبعد مضي يوم كامل أفادت مصادرنا الخاصة بأن ما حدث من جلبة عالية في صفوف التنظيم إنما هو ناتج عن استهداف القيادي حمد حمود التميمي. وبعدها بأيام نشر التنظيم بيان نعي رسمي مؤكدًا مقتل التميمي، و مبديًا الكثير من الحسرة على خسارته.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يخسر فيها التنظيم أحد قياداته البارزه، إذ سبق للطيران الأمريكي أن استهدف على مدار العامين الماضيين نخبة من القيادات الجهادية التي تحتل مواقع حيوية في القاعدة، إلا أن قيادة التنظيم لم تظهر الاضطراب والحزن الذي أبدته لمقتل التميمي.
وبحسب أحد القيادات الجهادية “فإن مقتل التميمي يمثل نقطة تحول في مسار القاعدة في اليمن”.
هذه الهالة الإعلامية و الجلبة التنظيمية التي ترافقت مع مقتل التميمي حفزت العديد من التساؤلات عن طبيعة الدور القيادي الذي لعبه في التنظيم، وعن دلالات مقتله في هذا التوقيت والتداعيات الناجمة عن رحيله.
وسيحاول هذا التقرير الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال تجميع ملامح السيرة الذاتية للتميمي وتوضيح دوره الجهادي؛ وذلك بالاستناد إلى ما نشر حوله من معلومات رسمية في الأوساط الجهادية، إضافة إلى ما تحصلنا عليه من معلومات خاصة.
مسار البداية.. من مساجد السعودية إلى أرياف اليمن
ولد حمد بن حمود التميمي في بداية الثمانينيات في المملكة العربية السعودية، وقد اتجه في تحصيله الأكاديمي إلى دراسة المحاسبة، وخلال الفترة الجامعية بدأ التميمي بإظهار ميوله نحو العلوم الإسلامية.
وبعد أن تخرج من الجامعة اتجه التميمي إلى تحصيل الدروس الشرعية على يد عدد من المشايخ المعروفين في السعودية، اهمهم عبدالكريم الخضير و صالح الفوزان، ورغم تخصص هؤلاء المشائخ بالعلوم الفقهية والحديث وانتمائهم للمدرسة المذهبية، إلا أن التميمي كانت له مطالعاته الخاصة وقد أعجب بأدبيات السلفية الجهادية وحاول أن ينتهج مسلكا عمليا نحو تطبيق ميوله الفكرية.
لم يستطع التميمي ممارسة نشاط تنظيمي من داخل المملكة وذلك لأن الأمن السعودي كان قد تمكن من تفكيك العديد من خلايا القاعدة منذ العام ٢٠٠٣، لذا اتجه إلى تقديم الدعم المالي والدعائي للحركات الجهادية في العراق.
ومع تزايد نشاط التميمي ازداد اهتمام الأمن السعودي به، وقد أودع في السجن لأربع سنوات بتهمة دعم الأنشطة المتطرفة في العراق.
وبينما كان التميمي في سجنه، أعلن ناصر الوحيشي الذي أعاد تأسيس تنظيم القاعدة في اليمن عنه عن دمج الفرعين السعودي واليمني في كيان واحد عام 2009، وقد كان ذلك فرصة ذهبية للتميمي كي يبدأ بتدشين مساره الجهادي الخاص.
ظل التميمي يبيت النية للنفير إلى اليمن، وبمجرد خروجه من السجن قرر التوجه إلى هناك في العام 2013 والانضمام رسميا إلى صفوف تنظيم قاعدة في جزيرة العرب.
وفي اليمن تلقفته قيادة التنظيم وبدأت بإعداده وتدريبه، وقد كان يتقدم بسرعة في موقعه التنظيمي حتى تسنى له الالتقاء بالوحيشي والريمي، وحينها قال التميمي لهم بأن له طلب وحيد: تنفيذ عملية انتحارية، لكن قياديي القاعدة رأوا فيه ما يستحق ادخاره عن الموت وتجهيزه للعب دور أكبر في قيادة التنظيم.
مواهب متعددة
مع بلوغ النفوذ الجهادي ذروته في اليمن بين عامي “2014-2015″، كانت زعامة القاعدة تجهز لإعداد الجيل الثالث من الجهاديين، فالرعيل الأول مثله بن لادن ورفاقه من الأفغان العرب المقاتلين ضد السوفيت، والجيل الثاني تزعمه الوحيشي الذي صقلته تجربة الجهاد ضد الغرب انطلاقا من منتصف التسعينيات، أما الجيل الثالث فقد كانت ولادته الحقيقية مع موجة الربيع العربي وما تلاها من أحداث: وعليه برز في الساحة اليمنية أربعة أسماء من الجيل الثالث: جلال بلعيدي وسعد العولقي من اليمن وخالد باطرفي وحمد التميمي من السعودية.
احتل حمد التميمي موقعا متقدما في الصفوة نظرا لمواهبه المتعددة، وقد اتسم بأربعة سمات جعلته يشق طريقه بسرعه إلى القمة:
اولا: خلفيته الدينية القوية والتي مكنته من لعب دور نشط في الجهاز الشرعي والدعائي للتنظيم وقد قام بتأليف العديد من الكتب والأبحاث خلال فترة اقامته باليمن وقدم الكثير من المحاضرات الايدلوجية لمجندي التنظيم.
ثانيا: نزوعه الجهادي العالي وقدراته العالية في تخطيط العمليات العسكرية.
ثالثا: امتلاكه للكاريزما القيادية وقدرته على نيل اعجاب عناصر التنظيم وانتزاع ثقة قياداته.
رابعا واخيرا: جنسيته السعودية التي جعلته محط اهتمام خاص وساعدت في تصعيده كجزء من سياسة التنظيم الهادفة إلى تأكيد وحدته اليمنية السعودية.
دور نوعي في العمل الخارجي للقاعدة
وخلال تزعم الريمي لتنظيم القاعدة بدأ حمد التميمي يتسلم مهام قيادية اكبر على مستوى الجناح العسكري والعمليات الخارجية، إلى جانب أدواره الشرعية، وقد جاء صعوده كضرورة لتغطية النزيف القيادي الكبير الذي مني به التنظيم خلال الفترة ما بين 2015-2017.
ولم يثر حمد التميمي انتباه الريمي و حسب، سيف العدل هو الآخر بدأ بمراقبة سلوك الشاب السعودي عن كثب، وقد زكاه كي يكون المشرف عن تأمين تحركات ابنه بعد أن قام بإرساله إلى اليمن، كما رشحه لتولي مهام العمليات الخارجية التي تستهدف المصالح الغربية.
ومع الوقت أصبح التميمي زعيم الخلية القيادية الأخطر في تنظيم القاعدة والتي ضمت “عمار الصنعاني، و حسان الحضرمي، وسالم النجدي” وكانت المسؤولة على ترتيب وتخطيط العمليات النوعية التي تستهدف خصوم القاعدة لاسيما في المحافظات اليمنية المحررة و المناطق الساحلية.
وقد كان التميمي مهندس اهم عمليتين قام بهما التنظيم في العام 2020 حينما تم استهداف سفينة بريطانية في مايو من نفس العام أمام سواحل حضرموت بقارب مفخخ، كما تم التخطيط لعملية ميدانية واسعة في أكتوبر من نفس العام لاستهداف قوات التحالف العربي في محافظة المهرة، ولكن جرى احباطها استباقيا من قبل قوات الأمن.
و عرف القيادي التميمي، بدعمه الكبير لخبراء صناعة المتفجرات والعبوات الناسفة، وعمل على توسيع ورش التصنيع ودعمها بالمواد في كثير من المناطق اليمنية.
وقد أسديت إلى التيمي مهام الإشراف على اللجان الفرعية لتنظيم القاعدة والتي قام قاسم الريمي بإعادة هيكلتها واستمرت هذه العملية حتى مع فترة خالد باطرفي.
الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة
مع صعود باطرفي زعيما للقاعدة، أصبح دور التميمي أكثر محورية لسببين: أولا علاقة الثقة التي كانت تربط ما بين التميمي وباطرفي من جهة وما بين التميمي وسيف العدل في إيران من جهة أخرى لاسيما وأن الآخر أصبح المهيمن الأساسي على فرع القاعدة في اليمن مع تآكل نفوذ القيادة العامة في أفغانستان.
أما السبب الثاني فكان ضعف الكاريزما القيادية لباطرفي وعدم قدرته على التحكم الكامل بالتنظيم، في مقابل شعبية التميمي ونشاطه المتنوع ونفوذه المتغلغل في مختلف أجنحه التنظيم ومناطق تحركه، وقد شبه أحد قيادات القاعدة علاقة الرجلين بنفس العلاقة التي جمعت في الأعوام الأخيرة ما بين أيمن الظواهري صاحب الزعامة الاسمية، وسيف العدل صاحب النفوذ التنظيمي الفعلي، الفرق أن التميمي وباطرفي كانا متفقين على تقاسم الأدوار.
هل يمكن القول أن التميمي قد أصبح الرجل الثاني بعد باطرفي؟ يجيب مصدر جهادي رفيع عن هذا السؤال قائلا: “من الصعب وصفه بالثاني، يمكن القول أنه كان الأول مكرر، وفي أحيان كثيرة كان هو القائد الحقيقي الذي حافظ على تماسك التنظيم مع موجة الانقسامات الحادة التي عصفت بالقاعدة منذ صعود باطرفي”.
وإلى جانب مهامه الشرعية والعسكرية، اسديت إلى حمد التميمي مهمتان اضافيتان: الأولى تتعلق بإعادة بناء الذراع الإعلامي للتنظيم وصياغة خطابه الدعائي بما يتوافق مع السياسات الجديدة التي انتهجها باطرفي بتوجيه من سيف العدل، أما المهمة الأخرى فكانت التدخل في حل الخلافات الداخلية للتنظيم والتوسط للتقريب بين القيادات المتخاصمة بحكم ما يمكله من قبول واسع من كل الأطراف، وقد جاهد التميمي بقوة مع خبيب السوداني للتقريب بين باطرفي وسعد العولقي، لكن جهوده قوبلت بالفشل إلا أنها في الوقت نفسه نجحت في إبقاء الخلاف الثنائي بين الرجلين عند مستواه الحالي دون أن ينحدر إلى انقسام حاد يشق صفوف الجماعة.
توقيت مقتله
لقد ركزت الغارات الأمريكية في اليمن خلال العامين الأخيرين على اصطياد الرؤوس الجهادية التي لها صلة بالعمليات الخارجية، أو العمليات التي تستهدف المصالح الدولية في اليمن، وفعلا نجت واشنطن في تصفية كافة أعضاء الخلية المسؤولة عن العمليات النوعية “التميمي ، الحضرمي، الصنعاني، النجدي”.
وتحاول القيادة الأمريكية أن تستنسخ تجربتها السابقة في سوريا حينما تم استهداف النخبة القيادية المسؤولة عن العمل الخارجي والتي عرفت بمجموعة خرسان، وهو نمط أمني استخباراتي في جهود مكافحة الإرهاب اسماه الباحث حسن أبو هنية “سياسة قطع الرؤوس”.
وبحسب مصادر جهادية ميدانية في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فإن عملية استهداف حمد التميمي جاءت بعد أسابيع من بدء التحضيرات لعملية كبيرة تستهدف المصالح الغربية في اليمن تشبه إلى حد كبير تلك العملية التي قام بها التنظيم في حضرموت والمهرة عام 2020.
تداعيات غياب التميمي
بعد استعراض مسيرة حمد التميمي في القاعدة يصبح مفهوما ما أحدثه خبر مقتله من صدمة تنظيمية، ويصبح واضحا حجم الخسارة الكبيرة التي مني بها التنظيم بعد أن قتل قائده الفعلي في الظل.
ومن المتوقع أن يكون لمقتله تداعيات كبيرة ومباشرة على التنظيم، في مقدمتها اضعاف الجناح العسكري المسؤول عن العمليات الخارجية.
كما أن التميمي كان يمثل نقطه الالتقاء التنظيمية التي تصب إليها كل الأنشطة العسكرية والإعلامية والايدلوجية، وكان هو المدير التنفيذي الذي يحاول أن ينسق هذه الأنشطة في استراتجية واحده متناسقة، لذا فإن غيابه سيضفي مزيدا من التخبط على سلوك القاعدة.
أما تنظيميا فإن غياب حمد التميمي كقائد توافقي وكوسيط مقبول من شأنه أن يعزز الانقسامات الداخلية في التنظيم و أن يسرع في انفجار موجات انشقاق جديدة.
أخيرا بمقتل التميمي يكون آخر القادة السعوديين الأقوياء قد رحل عن القاعدة، وأصبح التنظيم واقعا أكثر تحت نفوذ الزمرة المصرية بقيادة إبراهيم البنا وابن سيف العدل.