خبير اقتصادي: مستوى الدين العمومي تجاوز %100 وتونس تفقد ثقة البنوك داخليًا وخارجيًا
- نسبة التضخم في تونس بلغت حوالي 13 بالمائة
- عجز ميزانية تونس يفوق 10 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي
- مخزون العملة الصعبة في تونس لا يصل إلى 7 مليار دولار أمريكي
وسط وضع سياسي غير مستقر، تمر تونس أيضًا بأوضاع اقتصادية ومالية خانقة وتواجه وفق بعض المحللين الاقتصادين شبح الإفلاس، وحول هذا الموضوع أجرت “أخبار الآن” حوارا حصريا مع الكاتب العام للفرع الجامعي للبنوك والمؤسسات المالية والتأمين والعضو في الاتحاد العام التونسي للشغل ياسين الطريقي الذي وصف الوضع في تونس بأنه حرج جدا إذ بلغت نسبة التضخم في تونس لما يقارب 13 بالمائة وبلغ العجز في ميزانية الدولة بلغ ما يقارب 14 ألف مليار دينار.
وقال ياسين لـ”أخبار الآن”:”تونس على خطوة واحدة من إعلان الإفلاس، نحن نبهنا منذ فترة طويلة من الوضعية الكارثية التي تعيشها البنوك والمؤسسات في تونس.”
كما أشار إلى أن تونس حاليا تنتظر منحا من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهم من الأطراف التي عادة تمنح تونس الهبات أو تسهل القروض لكن حاليا كل هذه الأطراف رافضة الموافقة على صرف المنح في انتظار توافق تونس مع صندوق النقد الدولي هذا إلى جانب تغيير صورة تونس السياسية في الخارج وعودة الديمقراطية وتحرير المعتقلين السياسيين، لأن هذه الصورة هي ما تجعل الأوضاع الاقتصادية أصعب داخل البلاد.
وأكد النقابي ياسين الطريقي أن السلطة يجب أن يكون لها الجرأة في مراجعة خطواتها وقال:”ليس عيبا أن نعود خطوة للوراء لتصحيح الأخطاء وتصحيح بعض القرارات التي أثبتت فشلها وتسببت في رفض داخلي وخارجي.”
كما تحاورت “أخبار الآن” مع الخبير المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان الذي أكد أن تونس بلغت وضعا لم تشهده في تاريخها وأن الوضع السياسي غير المستقر منذ سنوات تسبب في ما تعيشه تونس اقتصاديًا اليوم.
وذكر في بداية حديثه رقمًا صادمًا وصفه بأنه قادر على إعطاء لمحة على مدى خطورة الوضع الاقتصادي التونسي الحالي:” مستوى الدين العمومي تجاوز الآن %100 من الناتج الداخلي الإجمالي والدين العمومي أصبح يوصف بالدين غير المستدام وغير المستدام يعني أنه هناك صعوبة في تسديده بصفة طبيعية وفي نفس الوقت نسبة التضخم مرتفعة جدا وهناك ما يسمى بتلازم الركود الاقتصادي مع نسب نمو ضئيلة جدا، التضخم المالي وتزامن الحالتين يخلق وضعا صعبا جدا للتعامل معه.”
أشار أيضا سعيدان إلى تزامن عجز ميزانية الدولة بشكل كبير يفوق 10 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي مع عجز تجاري في ميزان الدفوعات الجاري.
تخفيض التصنيف السيادي لتونس وتحذير السوق المالية
كما كشف سعيدان لـ”أخبار الآن” أن وكالة “موديز” للتصنيف الإئتماني أعلنت مؤخرا، تخفيض التصنيف السيادي لتونس من “caa1” إلى “caa2” مع آفاق سلبية. كما خفضت موديز تصنيفها للبنك التونسي المركزي المسؤول قانونيًا عن المدفوعات المتعلقة بكل سندات الخزينة، إلى “caa2” مع آفاق سلبية.
هذا الترقيم يقوم بتقييم قدرة البلاد في مواصلة تسديد ديونها الخارجية وهذه المؤسسات تخاطب المؤسسات المالية التي ربما تقرض تونس والمستثمرين الذين ربما يعتبرون تونس منطقة استثمار محتملة.
وتحذرهم من أن تونس أصبحت ذات مخاطر عالية وغير قادرة على الدخول إلى السوق المالية الدولية ويؤكد الخبير المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان أن تونس حاليا هي فعليا غير قادرة على الدخول لهذه السوق رغم أنها في وضع محادثات مع صندوق النقد الدولي لتجاوز هذه المحنة.
تضاؤل مخزون تونس من العملة الأجنبية
قال الخبير المالي والاقتصادي في هذا الإطار:” وفي دليل على صعوبات تعبئة الموارد في السنة الفارطة في نفس التاريخ تقريبا كان مستوى مخزون البلاد من العملة الأجنبية يساوي تقريبا 136 يوما من التوريد ونزل اليوم إلى مستوى 95 يوما من التوريد”.
بالنظر إلى ميزانية الدولة لسنة 2023 نجد حجم الميزانية ارتفع بشكل كبير في غياب أي نمو تم تسجيله مقابل ارتفاع النفقات العامة وهي مكلفة جدا مما يتسبب في نسبة التداين العمومي والأجنبي.
أشار الخبير الاقتصادي إلى رقمين اعتبرهما مهمين جدا في صلب هذه الميزانية فإن تونس تحتاج إلى حوالي 25 مليار دينار من القروض الجديدة بالنسبة إلى سنة 2023 منها 15 مليار دينار من الخارج ومن العملات الأجنبية كما أن تونس أيضا عليها تسديد مستحقات الدين من أصل وفوائد في السنة الحالية في حدود 21 مليار دينار أو ما يساوي 30 بالمئة من حجم الميزانية.
ومن الصعب جدا تعبئة هذه الموارد حسب عز الدين والأصعب تسديد مستحقات الدائنين في غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي وهذا الاتفاق أصبح صعب المنال رغم نداءات الاتحاد الأوروبي تونس حاليا غير قادرة على تعبئة الموارد الضرورية لتعبئة ميزانية 2023 ولتمويل برنامج الاصلاحات الذي على أساسه توصلت تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر من سنة 2022
لأول مرة في تاريخها تونس قد تمر أمام نادي باريس
الأوضاع محرجة جدا ونتيجة كل هذا هناك مخاطر كبيرة في التعثر في تسديد الدين الخارجي ومادمت تعثرت فهي بالضرورة ستمر عبر جدولة الدين الخارجي وبالمرور أمام نادي باريس ليحصل هذا الأمر لأول مرة في تاريخ تونس لأن تونس لم تتأخر ولو لساعة واحدة في تسديد ديونها منذ الاستقلال.
نادي باريس هو مجموعة غير رسمية مكونة من دائنين عموميين وهي تقدم خدمات مالية وتسعى لإيجاد حلول لمشاكل سداد الديون عند بعض البلدان التي يتعاظم دينها وتعجز عن الالتزام بتسديده في مواعيده
يُدعى البلد المثقل بالديون إلى اجتماع تفاوضي مع دائنيه في نادي باريس عندما يكون قد أبرم برنامجًا مع صندوق النقد الدولي يوضح أن هذا البلد ليس في وضع يمكنه من الوفاء بالتزامات ديونه الخارجية، وبالتالي فهو في حاجة إلى اتفاقية جديدة بشأن المدفوعات لدائنيه الخارجيين.
تونس قد تلجئ لطبع الأوراق النقدية لدفع الرواتب وإغراق البلاد في المزيد من التضخم
أما في ما يتعلق بسداد الرواتب والنفقات الداخلية فيعتبر المحلل الاقتصادي عز الدين أن سداد الرواتب لا يشكل أي إشكال في تونس لأنه في حالة الصعوبات الكبرى التمويل سيأتي من البنك المركزي.
وفي هذا السياق يصرح الصحفي الاقتصادي صلاح الدين الكريمي لـ “أخبار الآن” ويعتبر أزمة تونس اقتصادية وليست مالية بالأساس، حيث أن دفع الرواتب في البلاد يكون بالدينار التونسي وليس بالعملة الصعبة، وهو ما يعني صعوبة مواصلة دفع الرواتب وإسداء الخدمات دون وجود سيولة مالية بالعملة المحلية أولا وبالنقد الأجنبي ثانيا حيث أن مخزون العملة الصعبة حاليا لا يصل إلى 7 مليار دولار أمريكي وهو ما يعني قرابة 95 يوم توريد.
وأضاف صلاح الدين :”تواصل تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وعدم حصول تونس على المبلغ المطلوب 2.9 مليار دولار، من شأنه أن يقف حاجزا أمام القروض والتمويلات من المؤسسات الدولية المانحة الأخرى.”
أما الخبير المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان فيؤكد أن المشكلة الحقيقية تتمثل في العثور على الموارد التي ستدفع بها الأجور وواصل:” الموارد ستكون إما من مصادر طبيعية أم من ما يسمى بطبع الأوراق النقدية وتمويل البنك المركزي وهذا سيء جدا وسيغرق البلاد في المزيد من التضخم.”
كما أشار إلى تدهور قيمة الدينار التونسي التي تدفع به الأجور للمواطن التونسي الذي خسر تقريبا من 40 إلى 50 بالمئة كمعدل قدرته الشرائية منذ 2011 إلى الآن.
أشار أيضا عز الدين إلى تعثرات كبيرة في تسديد الدين الداخلي بالنسبة إلى سنة 2022 إذ أن تونس أعادت جدولة الدين الداخلي إلى تواريخ أخرى منها تواريخ تصل إلى 2033.
واعتبر أن المؤسسات العمومية لا تحصل على استحققاتها من ميزانية الدولة لذلك شهدت تونس فقدان كبير للمواد الأساسية من السوق مثل الزيت النباتي والسكر والقهوة والطحين والمحروقات وهذا سببه هو الصعوبات المالية العمومية التي تم تصدريها من قبل الحكومة لهذه المؤسسات.
وأكد :”المؤسسات العمومية فقدت ثقة المزودين الأجانب وثقة البنوك في الداخل والخارج وأصبحت عاجزة عن القيام بدورها إلا في حالة قيامها بالدفع مسبقا أو بالحاضر لأن كل دفع مؤجل أصبح غير مقبول بالنسبة للمؤسسات العمومية.”
عجز الميزان التجاري غير مسبوق في تاريخ تونس
وصف سعيدان عجز الميزان التجاري في تونس بأنه عجز قياسي وغير مسبوق في تاريخ البلاد إذ في نهاية 2022 بلغ 25,2 مليار دينار وهو من أهم أسباب تراكم الدين الخارجي.
وأضاف:”عجز ميزانية الدولة التونسية بلغ 12 مليار دينار أو ما يفوق 10 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي ومخزون البلاد التونسية من العملة أصبح في حدود 95 يوم توريد فقط في حين أن المعروف أن الخط الأحمر الذي يشير إلى مخاطر كبيرة يبلغ 90 يوم.”
وأشار إلى أن كل دولة مثل تونس تستحق إلى 90 يوما من التوريد تقريبا لتغطية مستحقاتها من الدواء والمواد الأساسية والاقتراب من مستوى 95 يوم من التوريد عبارة عن رسالة ترسل إلى الدائنين الأجانب إلى إمكانية الدولة في التعثر في تسديد الدين الخارجي.
وسط هذه المؤشرات الخطرة وتعكر الوضع السياسي وتردي الوضع الاقتصادي يطالب الاتحاد الحكومة بتوضيح الوضع ومصارحة الشعب بحقيقة الوضعية الاقتصادية والمالية بالبلاد, وإجراء حوار جدي مسؤول يجمع كل الأطراف وفي هذا الإطار كشف نقابي بالاتحاد العام التونسي للشغل وكاتب عام الفرع الجامعي للبنوك لـ”أخبار الآن”:” الاتحاد قدم أكثر من مبادرة للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية لكن الدولة لم تستجب والاتحاد مستعد للتواصل مع النقابات الصديقة للضغط على حكومات بلدانها لإقراض تونس ومساعدتها للخروج من عنق الزجاجة، المبادرات موجودة لكن الدولة التونسية تتمسك بالرفض.”
يعتبر الخبير الاقتصادي أن الأسباب الرئيسية في الوضع الاقتصادي الحرج الذي تمر به الدولة التونسية هي سنوات متعاقبة من عدم الاستقرار السياسي إلى جانب جائحة كورونا وما نتج عنها من أزمات اقتصادية في مختلف دول العالم وأخيرا الحرب الروسية التي زادت الطين بلة وتسبب في مشاكل أكبر تمثلت أساسا في غلاء المنتوجات المستوردة وارتفاع أسعار النفط والمواد الأولوية المستوردة وكلفت الدولة نفقات أكبر وديون إضافية.
ختم الخبير السياسي حواره مع أخبار الآن بالإشارة إلى أن تونس قبل كل شيء تحتاج إلى تهدئة عاجلة للوضع السياسي وبلوغ الاستقرار السياسي حتى تتمكن البلاد من التوجه للاصلاحات الاقتصادية الكبيرة والصعبة والمكلفة ولكن الضرورية.