ما السر وراء الإقبال على تأجير الأرحام في إيران؟
- ظاهرة تأجير الأرحام في إيران تحولت إلى تجارة تدّر المال على السيدات اللواتي يبحثن عن مصدر دخل إضافي.
- العملية تجري وسط غياب قانون واضح ينظّمها
- أمهات يعرضن تقديم هذه الخدمة غير آبهات بالمخاطر أو التعقيدات الناتجة عنها
- الأسعار قد تصل إلى 3 مليون دولار
“أرغب في تأجير رحمي، لدي 20 عاما، أقيم في شيراز وبصحة جيدة لدي طفلان وألد بشكل طبيعي وأتقاضي في الشهر 150 دولار، أخذ نصف المال في البداية والنصف الآخر بعد إتمام الحمل، أفعل هذا لأنني أحتاج للمال”
طفلان وبضعة سنوات هذا ما تملكه أرمان طوال حياتها، تلك الفتاة الإيرانية التي اختارت لنفسها اسما مستعارا لمراسلة إحدي المنصات الطبية، معلنة صراحة عن رغبتها في تأجير رحمها بسبب حاجتها للمال.
أرمان شرعت في تقديم مميزاتها علها تجذب المستفيدين، وما أن فعلت ذلك حتي انهالت التعلىقات لسيدات وفتيات أخريات يرغبن في الفعل نفسه نظير المال.
فهذه تكتب “لدي 35 سنة وعندي 3 أطفال معافين الحمد لله، أنا من قم وأتقاضي 200 دولار في الشهر”، وأخري تلحق بها وتقول “مرحبا، اسمي فرزانة وعمري 34 سنة لدي ابنة وأردت أن أعطي رحمي للإيجار، أنا من أصفهان”.. وثالثة تقول “أنا مستعدة لتأجير رحمي، ولدي طفلان وأحتاج للمال”
أرمان وفرزانة وسارة وغيرهن العشرات حتي المطلقات منهن، لا يتورعن في الإعلان صراحة عبر منصات ومواقع المراكز الطبية في إيران، عن رغبتهن في تأجير أرحامهن بسبب حالتهن الإقتصادية، غير مكترثين بحقوقهن والمخاطر التي يمكن أن يتعرضن لها، فيكفي فقط أن يقع علىهن الاختيار حتي يبدأن في الإجراءات.
في البداية ماذا يعني تأجير الرحم وكيف تتم تلك العملية؟
يعرف المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، في دراسته “أخلاقيات تأجير الأرحام: دراسة مقارنة بين علمانية الغرب وأخلاقيات علم الأحياء الإسلامية”، عملية تأجير الرحم بأنها نتيجة ثانوية لتقنيات التلقيح الصناعي والتخصيب والتي تتم بسبع صور طبية مختلفة تنتهي جميعها بأن امرأة بديلة تحمل حيث تحمل جنينًا في رحمها طوال فترة الحمل، وبعد ولادة المولود، يتم تسليمه إلى عائلة أخري غير قادرة على انجاب هذا الطفل بمفردها.
وتتم تلك العملية عبر تلقيح ماء النطفة بماء البويضة خارجيا وبعدها يتم زرع هذه البويضة الملقحة في رحم امرأة أخري تتطوع بحملها طوال 9 أشهر حتي ولادة الجنين، دون أن تقع علىها أية مسؤولية تجاه الطفل أو أسرته ويحدث هذا مقابل أجر متفق علىه مسبقا.ً
إذا.. لماذا تنهال تلك الإعلانات في المواقع والشوارع الإيرانية؟
قبل ما يزيد عن أربعين عاما، أجاز الإمام الخميني مسألة تأجير الأرحام بالنسبة للزوج والزوجة اللذين لا يستطيعان الإنجاب بصورة طبيعية، لأسباب طبية، ومن بعده أجاز أيضا عدد من المراجع الدينية الشيعية هذا الأمر شريطة تجنب اللمس والنظر باعتبارهما أمور محرمة لا تجوز إلا للضرورة واختلف بعضهم حول شروط الإيجاز فذهب بعضهم لاشتراط زواج صاحب الحيوانات المنوية من المرأة صاحبة الرحم زواجا مؤقتا أثناء فترة حضانتها للجنين.
وأمام هذا السيل من الفتاوي المؤيدة كان من الطبيعي أن تأتي إيران في مرتبة متقدمة عالميا باعتبارها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تبيح هذا النوع من العمليات أو على الأقل ليس فيها قانون يمنع ذلك، حتي تحولت لسوق رائج للباحثات عن أرحام للإيجار سواء الإيرانيات أو من أي جنسية أخري، وكذلك للأمهات البديلات الراغبات في جني الأموال.
وخارج إيران جاء رأي أهل السنة من أساتذة الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ومجمع البحوث الإسلامية بتحريم استئجار الأرحام لما فيه من خلط أنساب بالإضافة لصعوبة الجزم بالأم الحقيقية للطفل، هل هي صاحبة البويضة التي تخلق منها الطفل وتحمل كل خصائصها الوراثية؟ أم الأم الحاضنة صاحبة الرحم الذي تم فيه نموه وتطوره حتي صار جنينا مكتملا.
”رحم المراة جزء منها لا يمكن تأجيره أو وضع أي جنين فيه إلا بالعقد الرسمي” هكذا جاء رد الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر على سؤال أخبار الآن حول إشكالية إباحة تأجير الأرحام من الناحية الدينية، مضيفة أنه في حالة غياب عقد زواج رسمي يصبح وضع هذا الجنين حرام شرعا.
رحلة البحث عن رحم للإيجار داخل إيران
تتسابق المراكز الطبية الإيرانية في تقديم مميزات عمليات تأجير الأرحام لديها، للسيدات المستفيدات داخل إيران وخارجها.
“منصة للسياحة الطبية عبر الإنترنت في إيران تهدف لمساعدة الناس في جميع أنحاء العالم لتلقي خدمات عالية الجودة”.. بهذه الكلمات قدمت إحدي المنصات المتخصصة في السياحة العلاجية نفسها على الشبكة العنكبوتية، قمنا بمراسلتها لمعرفة تفاصيل عملية تأجير الرحم لسيدة تبلغ من العمر 33 عام مصرية الجنسية وكانت بنود العرض كالاتي:
- السفر لإيران مرتين الأولي لسحب البويضة والحيوانات المنوية من الزوج وتشكيل الأجنة والمرة الثانية لإستلام الجنين
- في ورقة الولادة لا يتم كتابة أسم الأم البديلة وإنما الأبوين البيولوجيين
- من خلال هذه الورقة يمكن استخراج شهادة ميلاد وجواز سفر بموطنه الأصلي
- تتم الإجراءات من البداية والنهاية من خلال الشركة
وطوال فترة الحمل تتمكن الأم من متابعة الحمل عبر إرسال مقاطع فيديو للسونار للتأكد من سلامة الأم البديلة وسلامة الطفل أيضا مع تحمل تكاليف الأم البديلة من أدوية وتحاليل وسونار وفحوصات كاملة وطعام وشراب طوال التسعة أشهر.
مركز أخر خضنا معه التجربة نفسها فبادر بتقديم ورقة العروض والتي تشمل مراجعة المستندات الطبية للأم البيولوجية وتقديم الاستشارات الطبية قبل الوصول، التقدم بطلب للحصول على الرمز المرجعي للتأشيرة واستلامه، تغطية تكاليف نمو الجنين وتشمل زيارة الطبيب، الفحوصات، فحوصات الموجات فوق الصوتية، عملية استرجاع البويضات، نمو الجنين، تغطية تكاليف استخدام الأم البديلة وتشمل أجر الأم البديلة، زيارات الطبيب، الفحوصات، فحوصات الموجات فوق الصوتية، عملية نقل الأجنة ، ترتيب خدمات النقل من وإلى المطار وكذلك إلى المركز الطبي، توفير المترجم وشريحة الهاتف والأنترنت، ترتيب الإقامة لمدة 20 ليلة في فندق 4 نجوم.
تبلغ التكلفة الإجمالية لهذه المراحل 16000 دولار، وإذا لم يحدث الحمل في المرة الأولي فإن النقل الثاني مجانا وعند الحاجة للبويضات المتبرعة يتم إضافة 1000 دولار على الحزمة.
والملفت في أمر هذا المركز هو أننا عندما أردنا التواصل مع الطبيب لمعرفة بعض الأمور الطبية المتعلقة بالعملية كان الجواب الرفض.
دراسة وصفية أجرتها مجموعة من الباحثين في جامعة تبريز للعلوم الطبية بإيران، على عينة مكونة من 238 امرأة مصابة بالعقم لتقييم وجهة نظرهن تجاه تأجير الأرحام أثناء الحمل، كشفت عن أن 89.9% من النسبة كانت لنساء وجهة نظرهن إيجابية فيما اعتبرت 36 سيدة تلك العملية ضد المعتقدات الدينية، فيما فضلت 160 أمرأة عدم إخبار الأطفال الذين ولدوا من تأجير الأرحام مستقبلا بهذا الأمر حتي لا يؤثر على سلامهم النفسي، واعتبرت 147 امرأة أن الأطفال الذين يولدون من خلال تأجير الأرحام سيواجهون مشاكل عقلية.
”تأجير الأرحام مقبول فقط في المحافظات الفارسية في إيران مثل طهران وشيراز وأصفهان بالتحديد، والسبب في ذلك هو الفقر الذي جعل المرأة تتنازل عن الكثير من عاداتها وتقاليدها ومبادئها الدينية من أجل المال وهذا جانب أساسي، خاصة لو كان الزوج مريض أيضا أو لا يعمل”.. بهذه الكلمات بدأ الباحث مصطفى حتة، حديثه لأخبار الآن، موضحا السبب وراء عمليات تأجير الأرحام في إيران.
ويضيف: كان سعر العملية 4800 دولار في الماضي وفي أقل من سنة زاد إلى 19200 دولار ثم 3 ملايين دولارفي بعض الحالات، وعلى الرغم من وجود مثل هذه العمليات، إلا أنه لا توجد إحصائية دقيقة حول عدد السيدات اللاتي قمن بتأجير أرحامهن.
ولم يعد قاصرا على نساء إيران ولكن باتت السيدات تأتي من كل دول العالم لإجراء عملية تأجير وكثير من العوائل والنساء لا يريدن الإفصاح عن هذا الأمر حتي وإن وافقوا على تأجير الرحم حتي لا يتم التشهير بهن أو اسقاطهن مجتمعيا.
وأشار حتة إلى إنه عندما صدرت الفتوي التي تجيز هذا الأمر كانت في الأساس لمساعدة الأمهات اللاتي يصعب علىهن الإنجاب لأسباب مرضية ويتم ذلك دون شبهة مادية ولكن الآن أصبح لأسباب مادية ونتيجة عدم وجود ضوابط منظمة للموضوع عدد من السيدات يتعرضن للنصب على يد الوسيطات لا يحصلن على أجورهن كاملة بعد تأجير الرحم.
السر وراء الإقبال على تأجير الأرحام
قديما صُنفت إيران كثالث أقوي اقتصاد على مستوي الشرق الأوسط، ولكن حاليا بات الشعب الإيراني يعاني من ضغوطات اقتصادية كبيرة بسبب تراجع سعر صرف العملة المحلية وارتفاع الأسعار وزيادة التضخم ونقص المنتجات الأساسية والسلع الإستهلاكية ، وجاءت الإحصائية التي قدمها الخبير الاقتصادي الإيراني فرشاد مؤمني، لتعلن عن أرقاما صادمة بشأن الواقع الاقتصادي الإيراني إذ كشف فرشاد عن زيادة مروعة في أعداد المواطنين الإيرانيين الذين أصبحوا تحت خط الفقر ووصل إلى 25 مليون و400 ألف شخص أي ما يقرب من 50 % من إجمالي عدد السكان ملقيا باللوم على الحكومات المتعاقبة على مدار ثلاثة عقود لم تهتم فيهم بالتعلىم والصحة والبنية التحتية والتغذية في إيران.
هذا بخلاف العقوبات الأمريكية الاقتصادية الموقعة على هذا البلد منذ 2018، والتي كان لها دورا أيضا في تدهور أوضاعه.
ويقول الباحث مصطفي حتة في هذا الشأن لأخبار الآن، أن إيران باتت من أصعب البلدان التي يمكن فيها ممارسة النشاط الاستثماري بسبب البيروقراطية المعيقة وكذلك الاضطراب الأمني الذي تشهده بعض الأقاليم مما يؤثر على الحالة الاقتصادية بشكل عام.
ويضيف: خلال السنوات القليلة الماضية تم الكشف عن العديد من قضايا الفساد الكبري والتي قُدرت بمليارات الدولارات مما تسبب في حدوث حالة إفلاس لكثير من البنوك، هذا بخلاف البطالة التي يعاني منها الشعب فوسط أسرة مكونة من 10 أفراد نجد شخص واحد فقط متحصل على وظيفة.
ومع هذا التدهور الإقتصادي تغيب أيضا القوانين والتشريعات الحاكمة والمنظمة لعملية تأجير الأرحام ويكتفي المتعاملون بالمادة 167 من الدستور الإيراني، والتي جاء فيها إنه يتعين على القاضي أن يسعي إلى فصل جميع الدعاوي استنادًا إلى القوانين المدونة.
وفي حال غياب مثل هذه القوانين، علىه أن يصدر الحكم اعتمادًا على مصادر إسلامية موثوقة وفتاوي معتمدة، ويجوز للقاضي الامتناع عن الفصل في الدعاوي وإصدار الحكم فيها بحجة غياب النص القانوني أو ضعفه في القضية .المعنية أو اختصاره أو طبيعته المتناقضة.
وهذا معناه إنه سيتم إتباع الأمور المنظمة لعملية تأجير الأرحام اعتمادا على الفتاوي الدينية وبالتالي تنتشر هذه الظاهرة في إيران بين السيدات اللائي يقبلن أن يصبحن أمهات بديلات بسبب المال وفقا للدراسة المذكورة سلفا من قبل باحثين جامعة تبريز للعلوم الطبية بإيران.
حقوق مهدرة وأضرار بالجمل
مضاعفات ومخاطر قد تواجهها الأم البديلة قبل وأثناء مرحلة الحمل في حالة عدم رعايتها طبيا، فالمعلومات الطبية المتوفرة تشير إلى احتمالية معاناة الأم البديلة من جميع المضاعفات المحتملة للحمل مثل سكري الحمل، ارتفاع ضغط الدم مثل الأم العادية تماما لذا لابد من متابعتها صحيا جيدا قبل وأثناء فترة الحمل لضمان سلامتها كأي أم طبيعية وفقا لما ذكره الدكتور حسام شنوفي، أستاذ النساء والتوليد بكلية طب القصر العيني.
ومن الناحية القانونية ونظرا لعدم وجود نص قانوني رسمي، فمن المفترض أن يتعامل الطرفان بموجب اتفاق قد يختلف من مكان لأخر ولكن أساسه واحد وهو أن يلتزم الأبوين البيولوجيين بكافة نفقات الأم البديلة أثناء فترة الحمل مقابل أن تلتزم الثانية بعدم إجهاض نفسها عمدا والابتعاد عن كل ما يضر بصحة الجنين.
الناشطة الأهوازية، هيفاء الأسدي تقول لأخبار الآن “لا أري أي سبب وراء قيام السيدات بتأجير ارحامهن سوي الفقر فلن نجد امرأة ميسورة الحال أبدًا على استعداد لتأجير رحمها”
وتضيف: في إيران، ولأسباب عديدة، ساء الوضع الاقتصادي لغالبية الناس، ولكن كالعادة، الفقراء هم من يدفعون الثمن الأعلى، والنساء هن الأكثر ضعفاً بين الفقراء، واضطررن تاريخياً لاستخدام أجسادهن من أجل البقاء على قيد الحياة. فبالنسبة لي، تأجير الرحم و الدعارة هما وجهان لعملة واحدة والسبب وراء الاثنان هو الحاجة المادية و حرمان المرأة من الامكانيات المهنية والفرص الوظيفية وبشكل عام، موقعها الأدني كامرأة في المجتمع الايراني وهو مجتمع بغاية الذكورية.
وأشارت الأسدي إلى الأضرار النفسية والجسدية التي تلحق بالأم البديلة جراء تلك العملية قائلة: بشكل عام، الحمل ليس فترة خالية من المخاطر وعادة ما يؤدي إلى تغيرات لا رجعة فيها في الجسم والمظهر، وغالبًا ما يؤدي أيضًا إلى أضرار جسدية وعاطفية للمرأة.
أضف إلى ذلك حقيقة الاضطرار النفسية التي تلحق بالأم البديلة نتيجة تخليها عن الطفل الذي نما في داخلها وربته بجسدها وروحها ومنحته أفكارها وحبها واهتمامها فلا أستطيع حتي أن أتخيل التأثير العاطفي والعقلي لهذا الانعزال على الأم البديلة.
وأكدت الأسدي على الاستغلال المادي أيضًا الذي تتعرض له كل سيدة وافقت على تأجير رحمها قائلة: “على الرغم من أن هذا العمل يعرض صحة المرأة للخطر ويسبب مشاكل جسدية وعقلية لها، إلا أنه ليس أمامها خيار سوي إعطاء قدر كبير مما تتلقاه للوسطاء لتعريفها بالمتقدم التالي.
وأضافت: “عادة الرعاية الصحية للأم البديلة يغطيها “اهل الطفل”، لكن عادة ما يتم قطع جميع الروابط مع الام بعد الولادة مباشرة، فماذا عن جميع التكاليف والمضاعفات المتعلقة بما بعد الحمل والتي تعاني منها كثير من النساء؟ باختصار، كلما وحيثما كان على النساء كسب المال على حساب أجسادهن، فهذا استغلالً لحالتهن المادية.
وفي ظل غياب أي ضمانات أو نصوص قانونية تحفظ حقوق الأطراف قد يحدث أن أي من الطرفين يخل بالالتزامات السابقة، وفي حالة الأم البديلة تصبح هي الطرف الأضعف فقد تتعرض لمضاعفات بدنية ونفسية طوال فترة رعاية الجنين ولا تحصل على المال في النهاية فتصبح حقوقها في مهب الريح.