بصمات سيف العدل تطغى على مجلة القاعدة.. ما علاقته بـ أبو خالد الصنعاني والصراع في التنظيم؟

“أمة واحدة”.. ما دلالات أخر إصدارات مجلة القاعدة

نشرت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة، إصدارًا جديدًا من مجلة أمة واحدة التي يُصدرها التنظيم بصورة شبه دورية، وذلك بعد نحو شهرين فقط على نشر آخر إصدرات المجلة في فبراير/ شباط الماضي، وتضمن الإصدار الجديد مقالًا مطولًا عن الخلافات داخل تنظيم القاعدة يحمل بصمات سيف العدل، محمد صلاح زيدان، الأمير الفعلي للقاعدة، وصهره مصطفى حامد، أبو الوليد المصري.

ولم يُشر العدد الجديد/ التاسع من مجلة تنظيم القاعدة إلى مصير أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة (السابق) والذي أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مقتله في أغسطس/ آب 2022، كما تجنب ذكر أي تفاصيل عن سيف العدل وغيره من قادة التنظيم المركزي أو ما يُعرف بالقيادة العامة للقاعدة.

وحتى الآن، لم يُعلن تنظيم القاعدة، رسميًا، مقتل أيمن الظواهري، رغم إعلان حركة طالبان باكستان “تحريك طالبان”، القريبة من التنظيم، مقتله عبر مجلتها باللغة الأردية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بينما اكتفت مؤسسة السحاب التي نشرت عددًا من الإصدارات المرئية والصوتية (القديمة) لأمير القاعدة السابق، بحذف صيغة دعاء “حفظه الله” التي تستخدمها مع أسماء القادة الأحياء.

فيما تضمن العدد التاسع من مجلة “أمة واحدة”، مقالات لعدد من قادة القيادة العامة لتنظيم القاعدة الحاليين والسابقين (المقتولين) كأبي يحيى الليبي، حسن قائد، المسؤول الشرعي للقاعدة والذي قُتل في 2012، وحسام عبد الرؤوف، المسؤول عن مؤسسة السحاب الإعلامية والجناح الدعائي للتنظيم قبل مقتله أواخر عام 2020، بجانب مقالات لقادة تنظيم حراس الدين، الفرع السوري للقاعدة، وعلى رأسهم سامي العريدي الشرعي العام للتنظيم الأخير.

أمة واحدة في خدمة مصالح سيف العدل

وجاء المقال الأكثر أهمية في العدد الجديد من مجلة أمة واحدة ضمن تبويب مباحث إستراتيجية والذي يكتبه قيادي يُعرف بـ”أبو خالد الصنعاني”، والذي يبدو متوافقا وقريبا للغاية من فكر وأيديولوجيا سيف العدل، محمد صلاح الدين زيدان، بصورة واضحة، وهو ما يثير الريبة والشكوك حول كون كاتب المقال قيادي قريب من سيف العدل وربما سيف العدل نفسه .

ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتم نشر مقالات تحمل بصمات وايدلوجية سيف العدل في مجلة أمة واحدة، حتى وأن اختلفت الأسماء، إذ أنه بدأ مشاركته في العدد الخامس من المجلة، والصادر في أبريل/ نيسان 2021.

ويلفت استخدام اسم أبو خالد الصنعاني، إلى نجل سيف العدل “خالد” المتواجد في اليمن، منذ 2015، والذي يُعرف باسم “ابن المدني” والذي يتخطى دوره  عملية التواصل بين القيادة العامة للقاعدة “التنظيم المركزي”، والفرع اليمني له “القاعدة في شبه الجزيرة العربية، إلى ما يمكن اعتباره “جاسوس سيف” في قاعدة اليمن والذي يحتمل أن والده، سيف العدل، يعده ليكون الأمير الفعلي للتنظيم بدلا عن باطرفي الأمير الحالي.

ومن الجدير بالذكر أن خالد نجل سيف العدل سبق والده في المشاركة بمقالات في أعداد “أمة واحدة”، إذ كتب تحت اسم “خالد المصري” مقالًا في العدد الثالث من المجلة، والصادر في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعنوان “فكرة هجمات الحادي عشر من سبتمبر الميلاد والنشأة والتطوير، والذي كان عبارة عن مقتطفات من كتاب “هجمات 11 سبتمبر بين الحقيقة والتشكيك“، لأبي محمد المصري، رفيق والده سيف العدل ونائب أمير تنظيم القاعدة الذي قُتل في إيران في أغسطس/ آب 2020، ونشرت مؤسسة السحاب هذا الكتاب في سبتمبر/ أيلول 2022.

لكن “خالد المصري” لم ينشر أي مقالات أخرى في مجلة أمة واحدة، منذ ذلك التاريخ، فيما واصل والده سيف العدل أو أبو خالد الصنعاني، بحسب ما يكتب في المجلة، نشر مقالاته ضمن باب “مباحث إستراتيجية”.

وعن هذا الأمر، يقول مصدر على علم وثيق بشؤون تنظيم القاعدة إن التنظيم لجأ، مؤخرًا، إلى حيلة تغيير الكنى والأسماء الحركية لقادته وعناصره، وعمد إلى عدم الربط بين بلدهم الأصلي وبين اسمهم الحركي، وبناءً على هذا التكتيك أصبح ينسب قادة مصريين إلى بلاد أخرى غير بلدانهم مثل ما حدث مع خالد نجل سيف العدل الذي يُعرف بـ”الحضرمي” مع أه لا ينحدر من حضرموت اليمنية.

ولا يقتصر دور ابن المدني على تنسيق عملية التواصل بين قيادة الفرع اليمني، وقيادة القاعدة المركزية، بل يظهر أن والده، سيف العدل، دفع به لاختراق القاعدة في اليمن كي يجهزه لدور قيادي مستقبلي، ربما يكون إمارة أحد أفرع التنظيم كالفرع اليمني بديلا لأميره الحالي خالد باطرفي.

ويؤكد تحليل مضمون المقالات الواردة في تبويب “مباحث إستراتيجية” والذي يحرر “أبو خالد الصنعاني” المقالات الواردة فيه، أن “الصنعاني” وثيق الصلة بسيف العدل ويُحتمل أن يكونا شخصا واحدا، إذ أن المقالات التي نُشرت ضمن هذا الباب وعددها 5 مقالات، هي: (الزمن، والحليف، واستراتيجية الخروج- مكون من جزئين-، وإعلان الجهاد: إستراتيجية إخراج الثعلب من مخبئه “الاستفزاز”)، جرى استقاؤها بالأساس من كتاب “قراءة حرة في كتاب 33 استراتيجية للحرب” لسيف العدل، والذي نُشرت مقتطفات منه عبر موقع “مافا الإيراني” الذي يُديره مصطفى حامد، أبو الوليد المصري، صهر سيف العدل، كما أن أسلوب كتابة أبو خالد الصنعاني هو نفسه أسلوب كتابة سيف العدل.

سيف العدل يروج لنفسه مجددًا

إلى ذلك، احتوى العدد الجديد/ التاسع من مجلة “أمة واحدة” على إشارة إلى المقال الذي نشرته مؤسسة السحاب، في مارس/ آذار الماضي، لسيف العدل تحت اسم مستعار ثالث هو “حازم المدني” بعنوان: “الرمز بين الدين والإنسان“، والذي نُشر للمرة الأولى، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، على موقع “مافا الإيراني”.

فيما أعاد أبو خالد الصنعاني، في مقاله الأحدث (إعلان الجهاد: إستراتيجية إخراج الثعلب من مخبئه “الاستفزاز”)، التأكيد على ما نشره سيف العدل في مقال الرمز بين الدين والإنسان مستخدمًا نفس عبارات سيف العدل الشهيرة “الحليف هو أفضل من يعرف كيف يؤذيك: “يتحالف معك وعليك”، ملمحًا إلى وجود صراع داخل معسكر تنظيم القاعدة في مرحلة ما بعد أيمن الظواهري.

واعتبر أبو خالد الصنعاني أن أسوأ الشركاء والرفاق هم الذين ينقلبون على شريكهم خلال مسيرة التغيير، التي يعني بها مرحلة التحول القيادي بعد موت الظواهري، ويحولون الشراكة إلى عداوة ويشوهون شركاء الأمس “كذبًا وافتراءً” خاصةً عندما يزين لهم بعض من يُشار لهم بالبنان سوء فعالهم، وذلك في إشارة مباشرة منه إلى الصراع والتنافس على القيادة التي حدثت في التنظيم، ووجود قطاعات به ترفض أن يتولى سيف العدل إمارته في ظل وجوده في إيران.

وكان أبو محمد المقدسي، المنظر الجهادي البارز، انتقد في تدوينة سابقة نشرها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في فبراير/ شباط الماضي، الأحاديث المتداولة عن اختيار أمير للقاعدة داخل إيران، مردفًا أنه يستحيل أن يتم اختيار أمير يقيم في إيران وأن من شروط اختيار الأمير أن يكون موجودًا في  خراسان (أفغانستان ومناطق الحدود القبلية مع باكستان)، أو في اليمن أو غيرهما، وذلك على خليفة إطلاق عدد من الجهاديين دعوات للانشقاق عن تنظيم القاعدة بعد أن أصبح سيف العدل الأمير الفعلي.

وعلى ذات الصعيد، ينص تعهد البيعة الذي تعهد به قادة وعناصر القاعدة على أن مبايعة الأمير التالي لأيمن الظواهري مقرونة بوجوده في خراسان أو أي من أفرع التنظيم، مما يعني أن وجود سيف العدل في إيران يطعن في شرعية وصحة توليه القيادة، بموجب الفقه الحركي والأعراف التنظيمية التي يتبناها القاعدة.

دعوة من سيف العدل للتخلص من قادة القاعدة

وبدوره، تسائل أبو خالد الصنعاني عن كون التنظيم أساء اختيار بعض كوادره أم هناك خيانة داخلية في صفوفه، داعيا للانتباه إلى تلك الشريحة وعدم تبرير فعالها والمبادرة إلى فض الشراكة معها والتخلص منها لأن “بعض حسن الظن غفلة”، على حد قوله.

واعتبر الصنعاني أن صراع الحركة الجهادية المعولمة مع خصومها يجب أن يستمر ليستدرج ويكشف الكوادر الذين يوجههم أعداء التنظيم، مضيفًا أن على عناصر وكوادر التنظيم الذين يضعون أنفسهم في آتون الشك والريبة أن يتحملوا نتيجة أفعالهم ويلقوا مصيرهم.

ودعا أبو خالد الصنعاني إلى إجراء اختبارات ذكية، منها اختبار يُسميه ادعاء الغفلة، لتكشف ما يكنه الحساد والمنافقين والانتهازيين والجواسيس الموجودين في داخل تنظيم القاعدة، وتمنح المحقق الماهر الدليل الذي يبحث عنه لإدانتهم، متابعًا أن تلك الحيلة تنجح في إثارة وتهييج المشكوك في أمرهم وبالتالي يتم اتخاذ الإجراء المناسب معهم أو التخلص منهم.

كما استشهد بقصة “لين بياو”، أحد أقرب أصدقاء ومستشاري الزعيم الصيني “ماو تسي تونج” الذي كان مدحه الزائد لـ”تونج” سببًا في كشف تآمره عليه وسعيه للانقلاب عليه.

ويبدو أن استشهاد أبو خالد الصنعاني بقصة “لين بياو” تحمل في طياتها إسقاطًا على الصراع القيادي الحاصل حاليا في قيادة تنظيم القاعدة بين سيف العدل ومنافسيه الذين يسعون للإطاحة به من إمارة القاعدة ويرفضون أن يغتصب هذا المنصب وهو موجود في إيران.

واستطرد الصنعاني أنه لابد من الالتفات إلى العلامات والإشارات وإخضاعها للتمييز والملاحظة ومن ثم تتم إعادة تصنيف أتباع التنظيم بين “صديق” و”أحمق” و”عدو”، مع العمل على تحييد الأعداء أو حتى قلبهم ليكونوا جزءًا من التنظيم فعليًا، حسب تعبيره.

الصراع مع الحكومات والأنظمة

وليس ببعيد عن السياق السابق، أبو خالد الصنعاني إلى مواصلة الحرب ضد الحكومات والأنظمة العربية لأن الصراع من منظوره لا يقبل التسويات، قائلًا إن هذا الصراع يجب أن يسير في مسارين هما المسار السياسي والمسار العسكري.

وأعاد سيف  أبو خالد الصنعاني استخدام مقتطفات من سلسلة كتب سابقة أصدرها سيف العدل بعنوان: “الصراع ورياح التغيير”، وتحدث فيها عن الثورات التي حصلت في المنطقة العربية، ملمحًا إلى وصول جماعة الإخوان إلى الحكم في مصر وتونس والإطاحة بهما، لاحقًا، من السلطة، وهذا دليل إضافي على أن “الصنعاني” هو التوأم الروحي لسيف العدل إن لم يكن هو نفسه سيف العدل.

وذهب الصنعاني إلى أن البحث عن الحلول الودية مع الحكومات سيؤدي إلى هزيمة التنظيم وحلفائه من قوى الإسلام السياسي، لأن خصومهم لن يوفوا بتعهداتهم وسيفتعلون الأزمات للإطاحة بهم من الحكم، حسب تعبيره.

الجهادية العالمية والصراع مع داعش

على  صعيد متصل، حرضت مجلة أمة واحدة على استئصال تنظيم داعش ضمن مقال كتبه “محسن الرومي”، وهو أحد المساهمين الرئيسيين في المجلة، قائلةً إن داعش تنظيم خوارج تعود جذوره إلى فرقة الأزارقة، وهي إحدى فرق الخوارج الشهيرة تاريخيًا.

وأضافت المجلة أن تلاميذ القيادي بالقاعدة سالم الطرابلسي، أحد مستشاري أيمن الظواهري وعضو اللجنة الشرعية لتنظيم القاعدة، شاركوا مع حركة طالبان في القضاء على خلايا داعش في معارك جلال آباد، وكنر، وهلمند، ولم يتبق من التنظيم سوى مجموعات متفرقة تحالفت مع بقايا الجيش الأفغاني السابق، كما دعت المجلة إلى مواصلة القتال ضد داعش للقضاء عليه.

 

ولفتت الصحيفة إلى “فك الارتباط” الذي قامت به جبهة النصرة، هيئة تحرير الشام حاليا، مع تنظيم القاعدة والذي تم في يوليو/ تموز 2016، ووصفته بأنه غدر وخيانة للأمانة من قبل قادة الجبهة- وفي مقدمتهم أبو محمد الجولاني-، بحسب وصف الصحيفة.

وشددت المجلة على التزام تنظيم القاعدة بنهج الجهادية العالمية/ المعولمة، وحاولت التدليل على نهجها عبر استغلال أشعار الشاعر الباكستاني الشهير محمد إقبال، والتي قالت إنها ترسم خطوطًا عريضة لهذا النهج الجهادي، على حد زعم “أمة واحدة”.