في ظهيرة الإثنين 22 يناير/كانون الثاني 2023، أعلنت السلطات الأمنية في محافظة المهرة شرق اليمن إحباط محاولة تهريب شحنة من الأسلحة، كانت موزعة في شاحنات تحمل بضائع تجارية قادمة من سلطنة عمان عبر منفذ شَحن الحدودي، بحسب السلطات الأمنية فأن الشحنة كانت تحوي على محركات صغيرة إيرانية الصنع، يتم استخدامها في صناعة الطائرات المسيرة، كانت في طريقها إلي ميليشيا الحوثي شمال البلاد.
تلك لم تكن عملية التهريب الأولى التي يتم إحباطها من قبل القوات الحكومية في المنطقة الحدودية مع سلطنة عمان، ففي 13 من مارس / آذار 2022 استطاعت سلطات الجمارك اليمنية في المهرة من ضبط 52 صاروخا نوع كورنيت الروسية المضادة للدبابات والمدرعات، كانت خارجة من منفذ شحن العماني، وتم إخطار الجانب العماني إلا أنه لم يعلق على الحادثة بحسب أمن المحافظة.
بحسب سالم عقيل – مدير جمرك شحن، فأن عملية الضبط هذه كانت أهم عملية ضبط، كونها كانت معقدة التمويه وتم إخفاء الصواريخ بطريقة إحترافية بداخل أحدى مولدات الكهربائية بطريقة تجعل المولد يعمل عند تشغيله من قبل الجهات الرقابية، بالرغم من إحتوائه على معدات متفجرة، وهذه تحتاج لورشات متخصصة وخبراء، ما يدل على أن هناك جهات مُنظمة تعمل على تهريب الأسلحة للميليشيات، ولا يستبعد أن تكون مرت شحنات أسلحة سابقة بنفس الطريقة.
مسارات التهريب
علي يحيى (اسم مستعار) – ضابط في حرس الحدود اليمني بالمهرة يقول لـ أخبار الآن ” للأسف سلطنة عمان أصبحت بؤرة لتهريب الأسلحة لميليشيا الحوثي، بعد تأمين معظم المنافذ البرية والبحرية من الجيش اليمني والتحالف، ونادرًا ما تُستخدم المنافذ الرسمية لتهريب الأسلحة، فهناك أكثر من 300 كيلو متر حدود برية مشتركة مع السلطنة، ومعظم الأسلحة التي يتم تهريبها للحوثيين تمر بالطرق الصحراوية في شمال اليمن وصولاً إلى محافظة الجوف، وهذا الأمر الذي يُفسر إستماتة الحوثيين للسيطرة على الطريق الصحراوي شمال الجوف”.
بحسب يحيى، فأن عصابات تهريب الأسلحة تتخذ من سلطنة عمان ارض لعملياتها بتهريب الأسلحة إلى اليمن، ويتم ذلك من خلال منفذ صحراوي مهجور يقع في أقصى شمال غرب سلطنة عمان، حيث تستغل هذه العصابات بُعد المنطقة عن أعين رقابة السلطات العمانية واليمنية، وكذلك الطرقات التي تمتد على طول صحراء الربع الخالي.
إحداثيات المنفذ الصحراوي الذي يستخدم في التهريب شمال غرب عمان
ويشتبه أن الجماعات المسؤولة عن تهريب الأسلحة إلى الحوثي تركز الجزء الأكبر من جهودها في منطقة المزيونة العمانية، وذلك بحسب شهادات عدد من المهربين الذين تم القبض عليهم من قبل القوات الحكومية اليمنية، وقوات خفر السواحل، وكذلك الأسطول الأمريكي الخامس، حيث تطابقت شهاداتهم في ملفات التحقيقات، واتضح من خلال التحقيقات مع المهربين، أن المسؤول عن شبكة التهريب هو قيادي حوثي يُدعى (أحمد حلس محمد بشارة)، وهو ذات الشخص الذي ذكره تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن في اليمن، حيث ورد أسمه كقائد عصابات تهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين التي تقوم بعمليات التهريب بانتهاك أراضي عمان ومياهها الإقليمية.
بؤرة نشاط ومنطقة عبور
وتعتقد السلطات اليمنية أن العصابات ذاتها تستخدم منافذ في الشمال العماني لتهريب المخدرات إلى المملكة العربية السعودية، بنفس الأساليب التي تم من خلالها تهريب الأسلحة لليمن، حيث أعلنت السلطات السعودية والعمانية في 3 من نوفمبر 2022 القبض على 9 أشخاص عملوا على تهريب حوالي مليوني قرص من مادة الإمفيتامين المخدر إلى الرياض، حيث تم إخفاء المخدرات داخل شحنة مكائن حديدية، وفي نهاية العام ذاته أحبطت الجمارك السعودية عملية تهريب 2.92 مليون قرص من مخدر الكبتاجون، كانت قادمة من منفذ الربع الخالي الذي يربط المملكة بسلطنة عمان، وكانت المخدرات مخفية بداخل شحنة كابلات كهربائية بحسب المديرية العامة لمكافحة المخدرات السعودية.
يقول مايكل نايتس – الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران واليمن ودول الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى لـ أخبار الآن أن تهريب الأسلحة إلى ميليشيا الحوثي من عُمان يرجع لأسباب جيوسياسية واستراتيجية، حيث تُعتبر السلطنة منطقة عبور بين إيران واليمن، وذلك بسبب حدودها مع الدولتين.
الباحثة البارزة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أكسفورد إليزابيث كيندال، أعربت عن مخاوفها من تهريب الأسلحة عبر عمان إلى مليشيات الحوثي، مشيرة إلى إن هذه التصرفات ”تضر بمصالح الخليج، وكذلك فرص اليمن في تحقيق السلام، وتطيل معاناة اليمنيين جراء الصراع“، مضيفة أن مثل هذه التصرفات تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي، ودعت أيضًا إلى ضغوط دولية لزيادة الرقابة ومنع عمليات تهريب الأسلحة.
أحداث تدعمها الحقائق
في يوليو 2020، أصدرت منظمة أبحاث تسليح النزاعات (CAR)، وهي منظمة مستقلة تحقق في الاتجار غير المشروع بالأسلحة التقليدية ، تقريرًا عن مصدر الأسلحة التي تستخدمها ميليشيا الحوثي. وحدد التقرير أسلحة إيرانية الصنع تم تهريبها إلى اليمن عبر عمان، وشمل ذلك طائرات بدون طيار متقدمة وبنادق قنص وذخيرة أخرى، كما سلط التقرير الضوء على أنه من المحتمل أن تكون هذه الأسلحة قد تم توفيرها لميليشيا الحوثي بمعرفة ودعم السلطات العمانية، لتأتي عملية ضبط الجمارك اليمنية للمحركات التي تستخدم في صناعة الطائرات المسيرة في يناير الماضي لتُثبت ذلك.
وكان فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن قد أصدر في ديسمبر/ كانون الأول 2019، تقريراً يفصل نتائج تحقيقه في النقل غير المشروع للأسلحة إلى مليشيا الحوثي، وحدد التقرير عدة حالات لتهريب أسلحة تم نقلها وتهريبها من خلال الأراضي العمانية، وأوضحت أن مليشيا الحوثي تلقت أسلحة متطورة من بينها صواريخ موجهة مضادة للدبابات وأسلحة متطورة أخرى لم تكن بحوزتها من قبل، وذكر التقرير أيضًا أن هذه الأسلحة من المحتمل أن تكون مصدرها إيران ثم نُقلت إلى مليشيا الحوثي عبر عمان، من بين طرق أخرى.
رحلات التهريب
الأمر ذاته يقوله المهربين الذين تم القبض عليهم من قبل قوات خفر السواحل في المهرة، حيث أعترف أحد المهربين من الجنسية الباكستانية بأن هناك مواطنين عمانيين عملوا على التنسيق لهم ومساعدتهم للدخول إلى الموانئ العمانية والبقاء في أماكن آمنة قبل أن يكملوا رحلتهم وينقسمون إلى فريقين، أحدهم أكمل الإبحار نحو الصومال، وهم حاولوا تسليم شحنة الأسلحة والمخدرات لأشخاص يتبعون احد مشائخ المهرة، قبل أن يتم القبض عليهم من قبل قوات خفر السواحل والمخابرات العسكري.ة، بحسب أحد الضباط البارزين في المخابرات العسكرية بالمهرة
الجدير بالذكر أن السلطنة تمول وتدعم معظم مشائخ المحافظة، ضمن رعايتها للشعب العماني خصوصًا في المناطق الحدودية. ومن أبرز هؤلاء المشائخ، الشيخ علي الحريزي، الذي ورد اسمه في محاضر التحقيقات مع المهربين المقبوض عليهم.
وكشفت تقارير حكومية أن الشيخ علي الحريزي يقوم بعمليات إدارة لتهريب الأسلحة إلى مليشيات الحوثي، مستغلاً ارتباطاته بالمكونات العسكرية والسياسة في المهرة، الذين يسلكون نهجًا مغايرًا لما هو معروف عن المواطن العماني الحريص على وطنه، حيث يتركون بلادهم مستباحة للمهربين، ويقومون بتسهيل تهريب ومرور الأسلحة عبر قوارب صيد صغيرة خشبية لتجنب قصف طيران التحالف، لترسو في منطقة بين ميناء (نشطون) و (الغيظة) وبين (قشن) و (حصوين) بمحافظة المهرة، ثم يتم نقلها عبر شبكة من عصابات التهريب عبر الصحراء إلى محافظة حضرموت، ومنها إلى محافظة الجوف.
بحسب قوات خفر السواحل اليمنية فأنها أحبطت أكثر من 28 عملية تهريب لأسلحة ومخدرات وحشيش كانت قادمة من خليج عمان وإيران خلال الربع الأول فقط من العام الجاري، حيث الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت في وقت سابق القبض على اسلحة روسية وإيرانية متطورة في الخليج العربي قبالة السواحل العمانية قادمة من إيران إلى الحوثيين، وصرحت بأنها ستقوم بنقلها إلى أوكرانيا لدعم الجيش الأوكراني.
الخلاصة
يبدو أن هناك حاجة واضحة لعُمان لطلب المساعدة من الخليج والمجتمع الدولي لوقف انتهاك سيادتها من قبل المهربين الذين يمدون الحوثيين بالأسلحة المهربة. وتتضح هذه الحاجة إلى حد كبير من خلال الأدلة والتقارير الصادرة عن جهات موثوقة، بما في ذلك الأمم المتحدة، وبحوث التسليح في النزاعات والجمارك اليمنية، حيث أدى تهريب الأسلحة غير المشروع وتجارتها إلى تفاقم الصراع في اليمن وأدى إلى استمرار الأزمة الإنسانية في البلاد.
وبالنسبة لجميع أصدقاء عمان، فمن الضروري أيضًا دعم السلطنة في هدفها المعلن للالتزام بالقوانين والأنظمة الدولية، بما في ذلك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة ، للمساهمة في حل سلمي ومستدام للصراع في اليمن.
من غير الواضح الطبيعة الدقيقة ومدى المساعدة التي تحتاجها عمان لإنهاء انتهاك أراضيها بشكل نهائي عبر شبكات التهريب الموالية للحوثيين.
لا يمكن أن يتأتى التوضيح إلا من المسؤولين العمانيين الذين ستكون تعليقاتهم بشأن هذا الأمر، موضع تقدير من قبل السلطات اليمنية والجهات الأخرى التي تسعى إلى منطقة أكثر أمانًا واستقرارًا للجميع.
وفي إطار سعينا للحصول على وجهة نظر عمانية حول كيفية وصول السلاح إلى ميليشيات الحوثي في اليمن، واستخدام عصابات التهريب للأراضي العمانية لهذا الغرض أجرينا حواراً مع الكاتب والمحلل السياسي العماني علي بن مسعود المعشني وكانت إجاباته كالتالي:
السؤال الأول: ضبطت القوات اليمنية عمليات تهريب كثيرة في المنطقة الحدودية مع سلطنة عمان، هل هناك مجموعات منظمة تعمل على تهريب الأسلحة الإيرانية إلى مليشيات الحوثي عبر عمان؟
الجواب: أي دخول لأي شيء غير مشروع هو مسؤولية التحالف قبل كل شيء وليس مسؤولية أي دولة جوار أخرى فهم مسؤولين عن جغرافية اليمن براً وبحراً وجواً.
اليمن 530 ألف كم مربع وفيها عشرات الموانئ وتقريباً 1500 كم بحار وفيها صحاري مترامية مع السعودية وعمان.
لا يوجد ضبط للحدود مئة في المئة ولا أستطيع أن أنكر وجود عمليات تهريب، لكن سلطنة عمان لم يدخل عن طريقها على الإطلاق كما يدعي البعض صواريخ وغيرها، والأخوة اليمنيون من الطرفين يعلمون أن هذه الأشياء تأتي من المنافذ المعروفة باليمن مثل عدن والحديدة وميناء بلحاف، وليس من الصعوبة بمكان أن تصل هذه الأشياء.
واستشهد المعشني بكلام القيادي الحوثي صالح الصماد حول كيفية تهريب السلاح إلى اليمن عندما سئل عن كيفية تمويل الحرب وأجاب أن لديهم أساليبهم الخاصة بحسب المعشني فإن الصماد قال: “مجرد شاحنة محملة بمخدر القات نعطيها لتاجر أسلحة، يجلب لنا مقابلها عدة قاطرات أسلحة من أي صنف من دون السؤال لمن هذه الأسلحة ولماذا”.
السؤال الثاني: ضابط في حرس الحدود اليمني في المهرة قال لأخبار الآن إن سلطنة عمان أصبحت مركزا لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين. هل هذا صحيح؟
الجواب: هذا غير صحيح على الإطلاق وليس لديهم دليل واحد أو قرينة واحدة، مرة قالوا قالوا أن شاحنة التي تم ضبطها في المهرة أو المكلا تبين أنها دخلت عبر منفذ صرفيت، الشاحنات تدخل عبر منفذ شحن حدودي يديره التحالف بالكامل
السؤال الثالث: في 13 مارس 2022 و 22 يناير 2023 أعلنت الجهات الأمنية في اليمن أنها أحبطت محاولة تهريب شحنة أسلحة قادمة من عمان عبر معبر شحن الحدودي في طريقها إلى ميليشيا الحوثي في اليمن. شمال البلاد ما تعليقك عليها؟
الجواب: لماذا لم يتم إخطار الجهات الرسمية العمانية بالأمر، وهل من المعقول أن يستخدم مهربو الأسلحة المنافذ الرسمية!
لا يمكن اتهام سلطنة عمان على أنها مصدر وحيد للتهريب فكل الموانئ والمنافذ وكل الجغرافية اليمنية قابلة لأن تكون منافذ تهريب
السؤال الرابع: يشتبه في أن الجماعات المسؤولة عن تهريب الأسلحة إلى الحوثيين تركز الجزء الأكبر من جهودها في منطقة المزيونة العمانية. كيف تتعامل السلطنة مع التعدي على أراضي عمان ومياهها الإقليمية؟
الجواب: هذه حاويات وسفن، هذه قاطرات كبيرة جداً التي تنقل هذه المؤن، وقريباً ستطوي الحرب، وسنسمع أشياء أغرب من الخيال، ولا أريد أن أتحدث عن تفاصيل أو معلومات سمعتها، لأني لا أستطيع ان أنكرها أو أقرها كيف كانت تصل الأسلحة إلى الشمال أو الجنوب.
الأسلحة المتطورة التي نشاهدها اليوم تم توطين صناعتها نتيجة معاناة نقل القطع والصيانة وغيرها، فالأسلحة النوعية التي تستخدم في اليمن وفي لبنان مع حزب الله وفي غزة وطنت صناعتها منذ سنوات، فعمليات نقلها فيها مجازفة كبيرة، وبالتالي الأفضل أن يتم منح تلك الجهات أسرار التصنيع ليتم الإنتاج محلياً
السؤال الخامس: تعتقد السلطات اليمنية أن نفس العصابات تستخدم منافذ بيع في شمال عمان لتهريب المخدرات إلى السعودية ، هل هذا صحيح؟
الجواب: هؤلاء الناس أينما وجدوا منافذ وأسواق وأماكن سهلة الاختراق يمكن أن يستغلوها، هذا الأمر ممكن، لكن علينا أن نسأل هنا هل هذا الأمر بمباركة من السلطات العمانية، إن كان الجواب نعم فهذه كارثة، لكن ما يحدث هو تهريب عفوي لا يمكن ضبطه في كل أنحاء العالم
السؤال السادس: ما هي الجهود التي تحتاجها عمان لوضع حد نهائيًا لانتهاك أراضيها من خلال شبكات التهريب الموالية للحوثيين ، لجعل المنطقة أكثر أمنًا واستقرارًا للجميع؟
الجواب: مثل هذا الأمر يجب أن يكون جهداً دولياً، فليس من المنطقي أن يطلب من عمان حماية السلم في الإقليم بشكل مفرد، بل يجب ان يكون هناك جهود مشتركة، فالأمر يحتاج إلى أقمار صناعية وتقنيات عالية وكاميرات مراقبة حرارية وما شابه ذلك، وهذا لا يتوفر لأي دولة بمفردها، خصوصاً إذا ما سلمنا أن القضية قضية أمن وسلم إقليمي، حيث يجب أن يتواجد أكثر من عنصر كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.