أمير بارز.. من هو القيادي الداعشي الذي قتلته القوات الأمريكية في سوريا؟
أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أنها نفذت إنزالًا جويًا على مناطق شمال سوريا، في ساعة مبكرة من صباح الأثنين، أسفرت عن مقتل قيادي بارز بداعش تولى مسؤولية التخطيط لشن هجمات في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، فضلا عن مقتل 2 من المسلحين الآخرين.
وقالت القيادة المركزية الأمريكية، في وقت لاحق، إن القيادي القتيل هو عبد الهادي محمود الحاج، الذي كان مسؤولًا عن التخطيط لهجمات في الشرق الأوسط وأوروبا، مضيفةً أن الهجوم نُفذ بعد الحصول على معلومات استخبارية تشير إلى وجود نية ومخطط لدى داعش لاختطاف مسؤولين بالخارج واستخدامهم من قبل التنظيم في عملية ضغط، كما أن الهجوم قُتل فيه 2 آخرين من كوادر داعش.
وكانت وثيقة مسربة من أرشيف داعش ذكرت أن الإدارة العامة للولايات (إدارة الولايات البعيد سابقًا) كلفت جميع أفرع داعش بالعمل والتخطيط لاختطاف دبلوماسيين من أجل استخدامهم في التفاوض ومبادلتهم بقادة وعناصر داعش الذين أُلقي القبض عليهم في تركيا، منذ انهيار خلافة داعش المكانية في 2019.
ويبدو أن عبد الهادي محمود الحاج كان يسعى في مخطط شبيه لاختطاف مسؤولين، لم يحدد بيان القيادة المركزية الأمريكية جنسيتهم، واستخدامهم كورقة ضغط للإفراج عن قادة من تنظيم داعش.
وفي نفس السياق، أكدت مصادر ميدانية أن العملية الأمريكية الأخيرة استهدفت إلى جانب عبد الهادي محمود الحاج 2 آخرين من كوادر داعش وهما إبراهيم المعن، وهو أحد أمنيّ تنظيم داعش، والذي قُتل في الهجوم، وأبو طالب السفراني، عايد هلال، والذي ألقت القوات الأمريكية القبض عليه حيًا.
ووفقًا لمعلومات من مصادر سورية فإن قوة أمريكية تتشكل من 5 طائرات مروحية نفذت عملية إنزال جوي في قرية السويدة التابعة لناحية غندورة في ريف جرابلس التي تُسيطر عليها فصائل الجيش الوطني السوري، استهدفت عبد الهادي محمود الحاج، في قرية السويدة، وقتلت إبراهيم المعن المعروف بإبراهيم شيخ موسى، والملقب بـ”دلهم”، وألقت جثته في قرية الحجر الأسود القريبة من مكان الهجوم.
وسبق أن ألقت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” القبض على إبراهيم المعن وأودعته في سجونها، وتم الإفراج عنه منذ عدة أشهر وعاد للانخراط في صفوف التنظيم، قبل أن يتم استهدافه في ريف جرابلس.
ومن جهته، قال حساب مزمجر الثورة السورية، القريب من التيار الجهادي في شمال سوريا، إن القوات الأمريكية ألقت القبض، خلال العملية، على “عايد هلال أبو طالب” والمعروف أيضًا بـ”أبو طالب السفراني” المنحدر من قرية السفيرة والذي قطن في قرية السويدة قبل 6 أشهر، كما قتلت 2 من مسلحي الفيلق الثاني التابع للجيش الوطني السوري تواجدوا في المنطقة التي شهدت الإنزال الأمريكي.
حملة مكثفة ضد قيادة داعش العليا
وعلى ذات الصعيد، يؤكد الإنزال الأمريكي الأخير في قرية السويدة والذي قتل فيه عبد الهادي محمود الحاج وآخرين، استمرار حملة استهداف وتقويض قيادة داعش العليا، منذ مقتل أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر والذي اغتالته طائرات التحالف الدولي على طريق قاح- دير حسان، في 24 فبراير/ شباط الماضي.
فمنذ مقتل أبو سارة العراقي نفذت القيادة المركزية الأمريكية إلى جانب قوات مكافحة الإرهاب العراقية، وقوات سوريا الديمقراطية عدة هجمات استهدفت قادة بارزين مسؤولين عن العمليات الخارجية لداعش، وكان من بينهم أمراء الإدارة العامة للولايات التي عُرفت من قبل باسم إدارة الولايات البعيدة، والتي تولى إمارتها “العراقي” منذ منتصف عام 2020.
ففي الـ4 من أبريل/ نيسان الجاري، استهدفت طائرات أمريكية القيادي إياد الجبوري/ خالد الجبوري، خالد عبد الله الخليف، أحد مساعدي عبد الرؤوف المهاجر ومسؤول خلايا التنظيم في تركيا وأوروبا، أثناء توقفه لإجراء مكالمة هاتفية على طريق بلدة كفتين قرب بلدة كللي شمالي إدلب.
وفي 8 من نفس الشهر، أي بعد 4 أيام فقط، نجحت القوات الأمريكية في القبض على قيادي يُعرف بـ”حذيفة اليماني” أحد ميسري ومنسقي هجمات داعش برفقة 2 من مساعديه في شرقي سوريا، كما نفذت القوات الأمريكية عملية استهداف عبد الهادي محمود الحاج في 17 من نفس الشهر، مما يعني أن معدل استهداف قادة داعش تزايد بصورة مطردة.
وعلاوة على القادة المذكورين، نفذت القيادة المركزية الأمريكية في مارس/ آذار الماضي 37 عملية ضد داعش، منها 28 في العراق، و9 في سوريا وأسفرت العمليات عن مقتل 9 من قيادات داعش، والقبض على 9 آخرين، بحسب بيان صحفي عن القيادة الأمريكية.
ويبدو من استمرار الهجمات ضد قيادة داعش العليا والتركيز على الإطاحة بقادة العمل الخارجي وكوادر الإدارة العامة للولايات أن هناك نوع من تسرب المعلومات الحاصل نتيجة وجود اختراق استخباري ووشايات من قلب التنظيم، وهو ما أدى إلى نجاح القوات الأمريكية في التوصل إلى هؤلاء القادة، ومنهم عبد الهادي محمود الحاج، والإطاحة بهم بعد فترة وجيزة من مقتل أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر.
وبخلاف التأثير المباشر لحملة الاستهداف المركزة التي تستهدف قادة داعش، تُثير تلك الحملة الخلافات في صفوف التنظيم وتدفع نحو مزيد من التناحر بين قادته الذين باتوا يتشككون في رفاقهم ويخشون من أن تتم الوشاية بهم من قبل عناصر التنظيم أو من قبل رفاقهم في قيادة داعش.
وأقدم التنظيم، منذ مقتل أبو سارة العراقي، على اتخاذ سلسلة من الإجراءات الهادفة لتقليل تأثير حملة الاختراق عليه، ومن بينها حظر استخدام الهواتف المحمولة داخل التنظيم، ومنع التواصل مع أسرى وسجناء التنظيم وخصوصًا المتواجدين لدى القوات الكردية، بسبب اكتشاف أمنيّ التنظيم أن عدد من هؤلاء الأسرى أدلوا بمعلومات أدت للوصول إلى مخابئ قادة بارزين في التنظيم وقتلهم.
تقويض شبكة داعش الخارجية
ومن الواضح أن الحملة الأمريكية المستمرة ضد قيادة داعش العليا هدفها تقويض عمل الإدارة العامة للولايات والتي تُدير كل الفروع والولايات الخارجية لداعش وتُشرف أيضًا على خلاياه ومفارزه المنتشرة في دول أوروبا وآسيا ومناطق الشرق الأوسط.
وتبين وثائق مسربة من أرشيف داعش أن الإدارة العامة للولايات وأميرها السابق أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر تحكموا في مقاليد الأمور داخل التنظيم وأداروا عملية إنشاء المعسكرات في دول إفريقيا وآسيا، وتولى مع نوابه وتابعيه مسؤولية التواصل والتنسيق مع الولايات الداعشية خارج سوريا، فضلًا عن تحكمه في عملية انتقال الأموال بين الأفرع المختلفة، ومسؤوليته عن اختيار وعزل قادة وولاة التنظيم.
كما أن أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر وقف وراء اختيار خليفة داعش الحالي أبو الحسين الحسيني، وأدار الهيئات القيادية في التنظيم وهي مجلس الشورى، واللجنة المفوضة والتي تنوب عن خليفته، والإدارة العامة للولايات، وبتعبير آخر فإن “العراقي” كان الرجل الأوحد والأهم في قيادة التنظيم.
ونظرًا لدوره وقيادته الإدارة العامة للولايات أشرف أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر على مكتب الشام (الأرض المباركة)، وهو أحد المكاتب الثمانية التي تعمل كقيادات إقليمية لداعش، وكان هو حلقة الوصل مع بقية المكاتب الأخرى وهي: مكتب الصديق في أفغانستان، ومكتب الكرار في الصومال، ومكتب الفرقان في غرب إفريقيا، ومكتب الأنفال في ليبيا، ومكتب أم القرى في اليمن، ومكتب ذي النورين في شبه جزيرة سيناء المصرية، لكن المكاتب الثلاث الأخيرة أوقفت عملها نتيجة الضربات التي تلقتها الأفرع الداعشية هناك.
وفي المقابل، ظل مكتب العراق أو بلاد الرافدين يعمل بصورة مستقلة عن بقية المكاتب الداعشية مما يعني أن التنظيم الذي يُجاهد لإظهار نفسه جماعة أو منظمة واحدة هو في الواقع تنظيمان لكل منهما قيادة منفصلة، فالقيادة المركزية لكل الأفرع الداعشية ظلت تحت سيطرة أبو سارة العراقي، فيما بقي الفرع العراقي منفصلاً من الناحية العملياتية ويقوده، على الأرجح، عبد الله مكي الرفيعي والي داعش بالعراق.
غير أن سيطرة أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر بالإضافة لحالة الازدواج القيادي الحاصلة في داخل داعش لم تخدم أهدافه النهائية، بل أدت إلى تنافس غير محموم بين قادة داعش وأسفرت عن تراجع أداء التنظيم وتدهوره.
وألمح منشقون عن داعش إلى أن حالة الازدواج الإداري والقيادي في التنظيم أدت إلى نشوب حرب سرية بين المجموعة العراقية ونظيرتها السورية، وقامت كل مجموعة منها بتوظيف المفارز التابعة لها في القيام بعمليات تصفية واغتيال وحرق ضد أتباع المجموعة الأخرى وخصوصًا داخل مخيمات الاحتجاز.
وزاد الشقاق والخلاف بين الطرفين، عندما أعلن مكتب التنظيم في سوريا (مكتب الشام) اختيار خليفة داعش السابق، أبو الحسن الهاشمي، دون الرجوع لقيادة الفرع العراقي.
ويُحتمل أن يكون اغتيال أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر وغيره من القادة الذين قُتلوا أو أسروا خلال الفترة الأخيرة بما في ذلك إياد الجبوري، وإبراهيم المعن، وأبو طالب السفرني، أحد انعاكسات الحرب الداخلية الدائرة في قلب داعش، لا سيما وأن هناك حديث متزايد من قبل المطلعين على شؤون داعش والمنشقين عنه، عن وجود اختراق وجواسيس داخل التنظيم ساهموا في الإطاحة بهذا العدد من كبار قادة التنظيم.
وتُؤكد عدد من الشواهد أن كشف مخابئ قيادات داعش وكوادره تم بوشاية داخلية وبتنسيق إضافي مع جهاديين آخرين من بينهم هيئة تحرير الشام التي جرى التوصل إلى عدد من قادة داعش كأبي سارة العراقي، وإياد الجبوري ومن قبلهم خليفتي التنظيم السابقين أبو بكر البغدادي، وأبو إبراهيم القرشي في مناطق تُسيطر عليها الهيئة.
ولا يُعد لجوء قادة داعش وكوادر الإدارة العامة للولايات إلى مناطق تُسيطر عليها هيئة تحرير الشام أمرًا جديدًا، بل إن معاقل الهيئة أصبحت بمثابة ولاية لوجيسيتية لتنظيم داعش الذين نقل عدد كبير من شبكاته لها، لكن الكشف عن تلك الشبكات واستهداف القادة البارزين يؤكد استمرار الاحتراب الداخلي في صفوف التنظيم، ووجود وشاية إضافية من أمراء وعناصر بهيئة تحرير الشام ممن تحالفوا مع داعش وتحالفوا عليه أيضًا.
تراجع عملياتي للتنظيم
وأسفرت كل تلك الاختراقات والاغتيالات عن تراجع عملياتي واضح لداعش خلال الفترة الأخيرة، فحسبما أوردت صحيفة النبأ الأسبوعية في آخر أعدادها (386) فإن هجمات داعش انخفضت بنسبة 33.33% أي بمقدار الثلث خلال الأسبوع الماضي مقارنة بالأسبوع السابق له.
ويمر داعش بحالة تراجع عامة، خلال هذه الفترة، ويتركز تراجعه بالأساس في مناطق سوريا والعراق، بينما يحاول التنظيم أن يُغطي على انتكاساته بالتركيز على الهجمات في إفريقيا والتي يُنفذ عدد كبير منها ضد المدنيين.
وبدورها، عللت قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” تراجع هجمات داعش خلال الفترة الأخيرة بارتباك التنظيم ووجود حالة من الفراغ القيادي التي خلفها مقتل أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر، وعدد من كوادر الإدارة العامة للولايات.
وأضافت القناة أن وضع التنظيم بما فيه من ارتباك واضطراب، دليل واضح على استنزاف شبه كلي للقيادة العليا أو الجهة التنفيذية المسيطرة على داعش، بما في ذلك مجلس الشورى واللجنة المفوضة، والإدارة العامة للولايات، والتي خلف مقتل أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر ونوابه فراغًا وثغرات كبيرة في كل منها مما يعني أن قادة كل هذه الهيئات أو من يُعرفون بـ”مشايخ الدولة” كانوا في الحقيقة رجلًا واحدًا بعدة أقنعة، حسب تعبير “فضح عُباد البغدادي والهاشمي”.
وذكرت القناة أن المؤشرات الحالية تبين وجود فتور في نشاط أفرع داعش أو ولايته بعد مقتل القائد الفعلي للتنظيم أبو سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر، مضيفةً أن من مظاهر هذا الفتور عدم إعلان التنظيم عن أي حملات عسكرية خلال العشر الأواخر من شهر رمضان على خلاف ما فعل التنظيم في العام الماضي الذي نشر فيه عشرات الصور لتوثيق النشاطات اليومية لعناصره في رمضان، فضلًا عن إعلانه ما سُمي “غزوة الثأر للشيخين” أبو إبراهيم القرشي/ حجي عبد الله قرداش، خليفة داعش الأسبق، ونائبه والمتحدث الرسمي لداعش أبو حمزة القرشي (المهاجر).
باحث في الشؤون الأمنية: الوشايات وراء تساقط أمراء داعش
وتعليقًا على استهداف قادة داعش ومقتل عبد الهادي محمود الحاج، مؤخرًا، قال مصطفى كمال، الباحث المصري في الشؤون الأمنية والإرهاب، إن الولايات المتحدة الأمريكية تُركز خلال الفترة الراهنة، على استهداف تنظيم داعش، كجزء من حملتها المستمرة لمنع التنظيم الإرهابي من إعادة ترتيب صفوفه مرة أخرى، وذلك بعد ورود معلومات وتقارير عدة عن مساعي التنظيم لتجنيد وتنظيم صفوفه في سوريا وخارجها.
وأضاف “كمال” في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن الوشايات والمعلومات التي أدلى بها عناصر وقادة داعش ضد بعضهم البعض، كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء اكتشاف واستهداف قادة بارزين في التنظيم كأبي سارة العراقي/ عبد الرؤوف المهاجر وإياد الجبوري/ خالد الجبوري وأخيرًا عبد الهادي محمود الحاج، وإبراهيم المعن، وعايد هلال المكنى بأبي طالب السفراني.
وأشار الباحث في الشؤون الأمنية والإرهاب إلى أن الاستهداف الأخير الذي أعلنت عنه القيادة المركزية، اليوم، جاء بعدما ألقت الولايات المتحدة القبض على عناصر من التنظيم منهم القيادي “حذيفة اليماني” خلال عملية نوعية شرقي سوريا، قبل أسبوع، مردفًا أن المعلومات التي حصلت عليها القيادة المركزية الأمريكية والتحالف الدولي ساهمت في الإطاحة بكبار قادة داعش وتعطيل قدرات التنظيم الذي يعيش واحدة من أصعب فتراته حالياً.