النفط والغاز في اليمن.. ثروات ضررها أكبر من نفعها
استمرارًا لجهود المجتمع الدولي لتجنب كارثة خزان “صافر” في اليمن، أعلنت مصر، إعفاء سفينة الخدمات التي ستساهم في تنفيذ عملية الإنقاذ قبالة السواحل اليمنية، من رسوم عبور القناة خلال رحلة الذهاب للشواطئ اليمنية.
وذكرت الحكومة المصرية في بيان قبل يومين، أن قرار الإعفاء يأتي مساهمة من القاهرة في الجهود الدولية ذات الصلة، لحل أزمة خزان النفط.
وأعلنت مصر في أكثر من مناسبة، عن استعدادها لدعم الجهود الدولية للإسراع في تنفيذ عملية إنقاذ خزان صافر، وتفادي أية تداعيات بيئية أو ملاحية محتملة قد تنجم عن عدم التعامل مع هذا الوضع.
وكان قد أعلن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ديفيد غريسلي، الأحد، أن تجنب كارثة بيئية بسبب خزان النفط “صافر” بات أقرب من أي وقت مضى.
وعبر غريسلي عبر حسابه في تويتر عن شكر الأمم المتحدة للدول الأعضاء والقطاع الخاص على تقديم 97 مليون دولار لمنع تسرب النفط من الخزان في البحر الأحمر.
الكارثة ليست فقط في “صافر”
منذ اثنتي عشرة سنة خلت، يشهدُ اليمن حالةً من الاضطراب الأمني والسياسي، نالت الأرضُ والانسان بكثيرٍ من التبعات والأذى، ونَجم عنها اختلالات طالت كل شيءٍ في البلاد تقريبًا، بما فيها المحيط البيئي الذي نال حظًا وافرًا من الضرر، في غفلةٍ وعدم اكتراثٍ من أطراف الصراع، الذين يخوضون حربًا وقودها الناس والطبيعة على السواء.
في اليمن وخلال الفترة ما بين عام 2006 حتى اللحظة، يشكل وجود النفط وإنتاجه بؤرة صداعٍ جالبة للضرر بمقدار نفعها أو يزيد، خصوصًا في المناطق التي توجد فيها آبار النفط، أو تلك التي يمتد أنبوب نقل النفط من خلالها، حيث تحول نحو 320 كيلو متر من الأراضي التي يمر من خلالها الأنبوب إلى أرضٍ مسمومة وغير صالحة للعيش الآدمي أو للزراعة.
منذ مطلع العام 2008 بدأت الجماعات التخريبية باستهداف ممنهج لخطوط وأنابيب نقل النفط في محافظتي مأرب وشبوة وسط اليمن، كلفت تلك الاعمال التخريبية الخزينة العامة للدولة مليارات الدولارات، ولكن التكلفة الفعلية كانت تتمثل في تدمير البيئة، جراء التسرب النفطي الذي يعقب كل عميلة استهداف تخريبية.
لا يكمن جوهر المعضلة في عمليات الاستهداف ذاتها، إنما في التلوث الذي يسببه التسرب النفطي الذي تمتد آثاره السلبية على البيئة لعقود لاحقه.
جيران الأنبوب والداء العضال
تسافر جود (اسم مستعار) ذو الـ 12 عامًا رفقة والدها أكثر من 600 كلم، من مديرية حريب بمحافظة مأرب وسط البلاد إلى مدينة المكلا جنوب شرق اليمن، للعلاج الإشعاعي في مركز السرطان، بعد إصابتها بسرطان العضم منذ 3 سنوات، حيث لا توجد مراكز في محافظة مأرب أو شبوة لاستقبال مثل هذه الحالات، بحسب مركز الصحة في المحافظة، حيث انتشرت الأمراض السرطانية في مأرب وشبوة وحضرموت بشكل متزايد خلال العقد الأخير.
يقول والد جود إن في قريتهم بمديرية حريب مئات المصابين بالسرطان، مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي هو تلوث الهواء والمياه جراء التسرب النفطي بشكل خاص وعملية استخراج النفط بشكل عام “النفط دمر كل شيء وضرّنا أكثر مما نفعنا، والتسرب من الأنبوب دمر مزارعنا وصارت الآن بُوْر (غير صالحة للزراعة) وعندما تأتي الأمطار تصير الأرض كأنها رماد، النفط هذا سبب لنا جميع الأمراض -الفشل الكلوي والكبد والسرطانات دخلت لكل بيت في حريب-“.
في الثامن عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2021، رفعت الهيئة العامة لحماية البيئة في محافظة شبوة، نداء استغاثة للجهات المسؤلة من مؤسسات الدولة والمنظمات البيئية -وهو البيان الذي كررته مرارًا- للقيام بواجبهم تجاه أبناء محافظة شبوة، والذين تضرروا بسبب التسرب النفطي، إلا أنهم لم يتلقوا أي استجابة، بينما قامت شركة النفط بعمل حلول مؤقتة لدرء التسرب، بينما لم يتم معالجة آثار التسرب.
يقول الخبير الجيولوجي الدكتور عبدالغني جغمان “إن الأضرار التي تسبب بها أنبوب النفط أقل ما يُقال عنها كارثية، فإن أنبوب النفط الممتد من قطاع عياد (4) إلى ميناء النشيمة بمحافظة شبوة تم بناؤه في 1987، والعمل عليه حتى 1994 عندما تم الاستغناء عنه تمامًا عندما بدأ العمل بضخ النفط إلى خزان صافر العائم في البحر الأحمر”.
وأضاف: “تُرك الأنبوب منذ ذلك الحين دون أي معالجات حتى تهالكت أجزاء منه، وأصبح تلوث البيئة في تلك المناطق، ودمر كل المزارع بالإضافة إلى تلويث الآبار التي يستخدمها الناس للشرب، الزراعة”.
يضيف جغمان في حوار خاص مع “أخبار الآن”: “في 2016 عندما توقف ضخ النفط إلى خزان النفط العائم (صافر) بسبب الحرب وسيطرة جماعة الحوثي عليه، عادت الحكومة اليمنية، ووزارة النفط لضخ النفط من خلال الأنبوب المتهالك غير مهتمة بالآثار الكارثية التي أنتجها هذا القرار، فقد تلوثت جميع الأراضي التي يمتد فيها الأنبوب، حتى أصبحت آبار المياه تضخ نفط أكثر من المياه كما حدث في منطقة ميفعة بمحافظة شبوة، وهذا تسبب بكوارث صحية فضلاً عن الكوارث البيئية”.
اعتداءات عبثية ومتكررة
تعرضت أنابيب النفط في اليمن إلى عدة اعتداءات مسلحة من قبل تخريبيين على مدى السنوات السابقة، كان أبرزها التفجيرات التي كان يقوم بها بعض المتمردين في المناطق التي يمر من خلالها الأنبوب، خصوصًا الأنبوب الذي يمتد 320 كلم من حقول “صافر” شرق مأرب إلى ميناء “رأس عيسى” على البحر الأحمر، بالإضافة إلى مهربي النفط الذين كانوا يُحدثون ثقوبًا في الأنبوب بهدف سرقة النفط وتهريبه.
وبالعودة إلى أرشيف الأخبار نجد أن أنابيب النفط تعرضت لنحو 87 اعتداءً مسلحًا خلال الأعوام العشرة الماضية، تسببت تلك الاستهدافات بتسرب أكثر من مليون برميل نفط تقريبًا إلى الأراضي الزراعية بحسب تقديرات الخبراء في وزارة النفط اليمنية، دون عمل أي معالجات تُذكر.
تقول وحدة صيانة الآبار والأنابيب بشركة صافر إن عملية إصلاح الأنابيب بعد الاستهدافات تُكلف الدولة مئات الآلاف من الدولارات، “حيث تبلغ تكلفة إصلاح ثقب بعرض 5 سم أكثر من 30 ألف دولار، والتفجيرات التي تطال الأنابيب تبلغ تكلفة إعادة إصلاحها أكثر من 150 ألف دولار، فضلاً عن تعطل ضخ النفط لأيام أثناء الإصلاح، والتلوث البيئي جراء تسرب النفط للتربة”.
ولم تكن الأراضي الزراعية في مأرب وشبوة المتضرر الوحيد من الهجمات الإرهابية، ففي منتصف يونيو 2015 شهدت مدينة عدن جنوب اليمن هجوماً صاروخيًا من قبل جماعة الحوثي استهدف البريقة النفطي، الذي يعتبر من الشرايين الرئيسة للاقتصاد اليمني، مما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من النفط في البحر وبالتالي، تسبب الهجوم في تلوث مياه البحر وأضرار كبيرة للبيئة البحرية والمحيط البيئي بشكل عام.
تؤثر هذه الهجمات بشكل كبير على الصحة العامة للسكان المحيطين بالمناطق المتضررة من الهجمات، إذ إن التسربات النفطية قد تؤدي إلى تلوث المياه الجوفية والتربة، مما يؤثر على جودة المياه ويؤدي إلى تلوث المحاصيل الزراعية، مما يؤثر على سلامة الأغذية وصحة الإنسان، وبالإضافة إلى ذلك، فإن التسربات النفطية يمكن أن تسبب أضراراً للجهاز التنفسي، وأمراض الجهاز العصبي والسرطان للسكان المحليين في تلك المناطق.
تلوث طويل الأمد
بشكل عام، فإن هذه الهجمات على الأنابيب وتسرب المواد الخطرة؛ إلى البيئة تشكل تحديًا كبيرًا للحفاظ على البيئة الطبيعية والصحة. فعندما تحدث تسربات نفطية، يتسرب النفط إلى التربة والمياه الجوفية، ويؤدي إلى تلوث المصادر المائية والتربة التي يعتمد عليها المزارعون والسكان المحليون للحصول على المياه والغذاء.
وعندما يحدث تسرب نفطي، فإن المواد الكيميائية الموجودة في النفط قد تنتشر في البيئة وتؤثر على الكائنات الحية الموجودة فيها، بما في ذلك النباتات والحيوانات والبشر.
وتؤدي هذه المواد الكيميائية إلى انخفاض مستويات الأكسجين في المياه والأراضي الرطبة، وتسمم الحيوانات والنباتات وتؤثر على التنوع الحيوي. كما تزيد المواد الكيميائية في الهواء من مستويات التلوث وتؤثر على صحة الإنسان بشكل خطير.
في عام 2020 قامت شركة أولترا بعمل دراسة بعنوان “التلوث البيئي النفطي وآثاره المدمرة على البيئة في اليمن” والتي اعتمدت على فحص مخبري لعينات من المياه والتربة في محافظة شبوة، والتي وصفت التلوث بالشديد، حيث تبين من خلال العينات أنها مشبعة بالمواد الهيدروكربونية وأن التوصيلية الكهربائية عالية، وذلك يدل على وجود نسبة عالية من الأملاح نتيجة للتسرب النفطي في المناطق المحيطة بأنابيب النفط.
إلى جانب ذلك، تُبّين دراسة أخرى لمركز الخراز للدراسات البيئية والهندسية، اعتمدت على تحليل 5 عينات من التربة من مناطق مختلفة في محافظة مأرب، حيث تشير نتائج فحص العينات إلى وجود نسب كبيرة من المواد الكيميائية الثابتة والمتطايرة في التربة والمياه الجوفية، وهذه المواد تعود إلى المواد النفطية والنفايات.
وقد تم اكتشاف زيادة في بعض المركبات الكيميائية بمعدل يصل إلى 20 ضعفاً عن المعدل الطبيعي، وهو ما يمكن أن يتسبب في فقدان العناصر الأساسية للتربة المطلوبة للزراعة، ويجعل المياه الجوفية غير صالحة للاستخدام البشري والحيواني والزراعي. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الزيادة تسبب أضراراً بيئية وصحية غير مسبوقة.
رابضون قرب الكارثة
التلوث النفطي بسبب إهمال صيانة أنابيب النفط والذي أصاب العديد من المناطق في محافظة شبوة ومأرب له أبعاد سلبية للغاية لا تقتصر على البيئة فحسب، وإنما تنسحب على المستويات الاقتصادية والصحية والاجتماعية، حيث تعتبر مشكلة التلوث النفطي في المحافظة إحدى أعقد الكوارث البيئية التي يواجهها المجتمع والنظم الأيكولوجية المتميزة في هذه المحافظة النفطية في الوقت الحالي.
كما أنَّ الظروف الراهنة أفرزت غياباً شبه كامل لمسألة الاهتمام بالتلوث النفطي ومكوناته، وهو الأمر الذي يحدث بشكل متكرر وهذا التلوث له اثار لم تعالج وحتى وإن تم معالجتها فسوف تترك أثر لا ينمحي.
صور من الأقمار الصناعية لمنطقة لهية قبل وبعد التسرب النفطي
وبحسب الدكتور علي الأشول – استشاري علاج الأورام والكشف المبكر للسرطان، فإن التسربات النفطية تشكل خطرًا على الصحة العامة ويمكن أن يتسبب التلوث النفطي في العديد من المشاكل الصحية، بما في ذلك التسمم الحاد، كما يمكن أن يتسبب الاتصال المباشر مع النفط في تسمم حاد يؤدي إلى آلام الرأس والغثيان والدوار والتقيؤ والتهاب الجلد والعيون والصداع الشديد على المدي القصير، بينما يمكن أن يتسبب النفط المتسرب في إصدار مركبات كيميائية سامة إلى الهواء، مما يؤدي إلى تلوث الهواء والتأثير على جودته، وتحتوي هذه المركبات الكيميائية على مواد تسبب السرطان وتؤثر على الجهاز التنفسي والعصبي في المدى البعيد.