هل يلتزم بشار الأسد بتنفيذ ما طُلب منه مقابل عودته للجامعة العربية؟
- أودى النزاع في سوريا منذ 2011 بحياة أكثر من نصف مليون شخص
- تعتبر عمّان تهريب المخدرات من سوريا تهديدًا لأمنها القومي
- وافقت دمشق على المساعدة في منع تهريب المخدرات
- التجارة في الكبتاغون تمثل قيمتها 10 مليارات دولار
جدل واسع على مدار أيام، منذ أن تم الإعلان عن عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وحضور الرئيس السوري بشار الأسد، القمة الـ32 في جدة، بالمملكة العربية السعودية.
الأسد أعرب أمام القادة العرب، خلال أول مشاركة له في قمّة عربية منذ 13 عامًا، عن أمله في أن يكون الاجتماع بحضور دمشق “بداية مرحلة جديدة” للعمل العربي المشترك.
ورحّب القادة العرب في الجلسة الافتتاحية بالأسد، بعد غياب استمرّ أكثر من عقد، منذ عُلّقت عضوية دمشق في الجامعة ردًا على قمعها الاحتجاجات الشعبية التي خرجت إلى الشارع في 2011 قبل أن تتحوّل إلى نزاع دام.
وجاء في القرارات الختامية أن القادة العرب اتفقوا على “تعزيز التعاون العربي المشترك لمعالجة الآثار والتداعيات المرتبطة باللجوء والإرهاب وتهريب المخدرات”، و”التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة” السورية.
وقطع قادة عرب علاقات بلادهم أو خفّضوها مع الحكومة السورية على خلفية قسوة النظام السوري في التعاطي مع معارضيه.
وأجرت “أخبار الآن” استطلاعًا للرأي، عن أهم فائدة لتطبيع العلاقات من النظام السوري، وتصدر “وقف تجارة المخدرات” بنسبة 79%، بينما جاء “الحد من أنشطة إيران” في المركز الثاني، بنسبة 14%، وفي آخر القائمة كان “التيسير في الشؤون القنصلية للسوريين في الخارج” بنسبة 7%.
وأودى النزاع المستمر في سوريا منذ العام 2011 بحياة أكثر من نصف مليون شخص، وشرّد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. وتحوّلت سوريا إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية.
وقال ولي العهد السعودي “يكفينا مع طي صفحة الماضي، تذكّر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة”.
واجتمع ولي العهد مع الأسد، وناقشا بحسب وكالة الأنباء السورية “التطورات على الساحة العربية”.
قبل بدء أعمال القمة، التقى الأسد نظيره التونسي وبحث معه في “العلاقات الثنائية”. وعقد لقاء آخر مع نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ منصور بن زايد آل نهيان الذي ترأّس وفد بلاده إلى القمة.
كذلك، صافح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية. وكانت قطر أعلنت أنها لن تطبّع العلاقات مع حكومة دمشق.
تجارة الكبتاغون
وفي ظل المرحلة الجديدة التي تعيشها سوريا الآن، تؤكد دول عربية على وقف إنتاج وتهريب مخدر الكبتاغون من سوريا لأجل توطيد أكبر للعلاقات مع دمشق.
ووافقت دمشق على المساعدة في منع تهريب المخدرات، والعمل خلال الفترة المقبلة على تحديد هويات منتجيها وناقليها، وفق بيان صدر عن اجتماع عقد في الأردن.
وتعتبر عمّان تهريب المخدرات من سوريا تهديدًا لأمنها القومي، حسب ما نقلته رويترز عن مسؤول أردني، وصفته بـ”الكبير”، قبل انعقاد القمة بأيام.
ويتهم الغرب ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري ورئيس الفرقة الرابعة في الجيش، بتيسير إنتاج الكبتاغون والاتجار به.
قال د. عبدالله العساف، أستاذ الإعلام السياسي في حوار خاص مع “أخبار الآن”، إن سوريا قدّمت في الأسبوعين الماضيين إحداثيات لأحد أبرز بارونات المخدرات وتم استهدافه من قبل الأردن، مشددًا على أن دمشق تقدّم ما يشفع لها بشكل كامل، ويضمن عودتها الكاملة للجامعة العربية، فالعراق والأرد والخليج هم الوجهة الأهم وكذلك الأكثر تضررا من تجارة المدرات ولا يكفي تقديم أحد بارونات المخدرات والتضحية به، إنما يجب القضاء على 126 خلية ترويج في سوريا.
وأضاف العساف: “على الحكومة السورية تقديم الإحداثيات والمعلومات عن مصانع ومزارع الكبتاغون والقضاء عليها بشكل تام، وهو ما سيتم متابعته عربيا وخليجيا”.
واستطرد: “يجب القضاء على المصدر والمروجين للمخدرات، وكذلك قطع سبل التهريب تماما، واتخاذ خطوات أمنية صارمة لتأمين حدودها مع دول المنطقة”.
من ناحيته قال العقيد عبدالله الأسعد، رئيس مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، إنه “يمكن في البداية الاتفاق مع العناصر التي تدير تجارة المخدرات في سوريا للحد من تهريب الكبتاغون، ثم بعد ذلك تعود عمليات التهريب مرة أخرى، خاصة وأن الأسد ليس متحكمًا بشكل كبير في إدارة الحكم بسبب تحكم الدولة العميقة في إدارة شؤون البلاد”.
وأكد الأسعد في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن”، أنه ينتشر في سوريا -خاصة في الجنوب- أكثر من 15 مصنعًا للكبتاغون، وهي ليست تجارة عشوائية، بل تجارة منظمة، وأصبحت جزءًا من الاقتصاد السوري، ولا يمكن لأحد أن يوقفها”.
وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لنظرائه العرب في اجتماع عقد في أول مايو/أيار إن التقدم في كبح تجارة الكبتاغون يعتمد على الضغط العربي على الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات، بحسب ما نقلته وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع.
وعن تصريح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، قال الأسعد: “فيصل المقداد لا يمكنه وقف هذه التجارة، هو ينقل ما قِيل له، لكن هذه تجارة الكبتاغون أصبحت تجارة منظمة في سوريا، منذ أن بدأت قبل سنوات على يد فصائل تابعة لحزب الله اللبناني، خاصة وأن حسن نصرالله يريد إغراق دول الخليج بالكبتاغون، كما فعل مع الشعب السوري في الداخل، وباتت هذه التجارة جزءًا من الاقتصاد السوري”.
من ناحيته قال عادل الهادي محامي وناشط سياسي إن القرار في سوريا ليس بيد النظام، إنما بيد إيران وروسيا، وإنتاج وتوزيع الكبتاغون هو قرار إيراني وهو عبارة عن سلاحها في تخريب المجتمعات العربية وبلدان المنطقة الموضوع يحتاج جدية أكثر من مجرّد حضور سوريا للقمة عربية ويسحتاج لضغط على صانعي القرار.
تشير الأرقام الرسمية إلى أنه تم ضبط أكثر من 400 مليون حبة كبتاغون في الشرق الأوسط وما وراءه سنة 2021، ومقابل كل شحنة مصادرة تمر تسع شحنات بحسب مسؤولي الجمارك.
ويعني ذلك أن التجارة في الكبتاغون تمثل قيمتها 10 مليارات دولار، إذا اعتبرنا أن لوحة أقراص للمخدر هي بخمسة دولارات، وهو متوسط السعر المنخفض، وأن عبور أربع شخنات يتم من أصل خمسة.
وتمثل سوريا مصدرا لإمدادات العالم من الكبتاغون بحسب أجهزة الأمن بنسبة 80%، وهي “تجارة” تعادل ثلاث مرات ميزانية سوريا.
ويشكل مخدر الكبتاغون في سوريا أحد العوامل الأساسية، إن لم تكن الرئيسية، التي تلعب دورًا في توطيد العلاقات مع دمشق، إذ تؤكد الدول العربية على وقف إنتاج هذه المادة وتهريبها لدول الجوار، بالتزامن، مع إعادة سوريا إلى الجامعة العربية عقب إبعاد دام سنوات عديدة.
وطوت الدول العربية صفحة سنوات من المواجهة مع الأسد، الجمعة، بعد حضور الأسد، لاقمة العربية، في خطوة محورية، نحو إعادة تأهيله إقليميًا على الرغم من أن الغرب ما زال ينبذه بعد اندلاع الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات.
وتنفي دمشق تورطها في أي دور في هذه التجارة التي واجه مسؤولون سوريون وأقارب للأسد عقوبات غربية بسببها، وتسعى لاستخدام هذه القضية كورقة ضغط.
وفي ما يبرز القلق العربي الشديد إزاء هذه القضية، قالت مصادر محلية ومخابراتية إن الأردن نفذ ضربات جوية في سوريا أسفرت عن مقتل مهرب مخدرات سوري، وأصابت مصنعا مرتبطا بجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.
ونفى حزب الله، الذي نشر مقاتلين في سوريا لدعم جهود الأسد الحربية، ضلوعه بأي دور في تجارة المخدرات. ودمرت الحرب الاقتصاد السوري والبنية التحتية والمدن والمصانع.
ولطالما كان الكبتاغون جزءا مربحًا من اقتصاد الحرب في سوريا، وتقدر قيمته بمليارات الدولارات سنويا. وقال مسؤول أردني كبير إن بلاده أبلغت سوريا بأنها تعد المخدرات تهديدا لأمنها القومي.
وقال المسؤول إن “الضغط على الحدود هائل وهذه ليست عصابات”، ويعتقد أنها جماعات تحظى بدعم من إيران، وتتحصن داخل الدولة.
أنشطة إيران في سوريا
بعدما استعادت سوريا عضويتها بالجامعة العربية، اكتفت الجامعة بالإشارة إلى أن القرار تضمن التزامًا بالحوار المستمر مع الحكومات العربية للتوصل تدريجياً إلى حل سياسي للصراع.
إلا أن خبراء لفتوا إلى نقاط هامة ناقشها القرار العربي الأخير، بينها الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا، ووحدة أراضيها، وتنفيذ الالتزامات التي تم التوصل إليها سابقاً.
وأمام هذه الالتزامات، بدأت الميليشيات التابعة لإيران بإنزال العلم الإيراني ورايات بعض الجماعات كفاطميون وزينبيون من مواقع كثيرة تابعة لها داخل الأراضي السورية، بطلب مباشر من السلطات في دمشق، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما تبين أنه جرى إنزال العلم الإيراني والرايات من مواقع في مدينة دير الزور ومدينتي الميادين والبوكمال بريف دير الزور الشرقي، بالإضافة لمدينة تدمر ومحيطها بريف حمص الشرقي، واستبدلت الرايات بالعلم السوري المعترف به دولياً.
ورأى المرصد أن هذه الخطوات أتت في ظل تنفيذ سوريا للوعود التي قدمها للدول العربية حول خروج الميليشيات التابعة لإيران من أراضيها مقابل عودتها إلى الجامعة العربية.
وهو الأمر الذي لا يتفق معه العقيد عبدالله الأسعد، الذي أكد أن الرئيس السوري بشار الأسد، لا يستطيع الحد من من أنشطة إيران ولا ميليشياتها في سوريا، ولا تهديدها لدول الجوار، خاصة وأن الوجود الإيراني بدأ منذ عقود، منذ أن أنشأ جميل الأسد -شقيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد- جمعية الإمام المرتضى، وهي أول جمعية شيعية في سوريا عام 1981، وكانت تعمل على نشر التشيُّع في سوريا”.
وأكد أن “العلاقة بين سوريا وإيران تاريخية، لدرجة أن حافظ الأسد ساند إيران في حربها مع العراق، والتي بدأت في عام 1980، وانتهت عام 1988”.
أزمة اللاجئين
وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من ديارهم منذ 2011. ولا يزال هناك نحو 6.8 مليون نازح سوري في الداخل حيث يعيش 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر.
وتعهدت دمشق خلال مشاورات عودتها لجامعة الدول العربية بتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين.
وأكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال المؤتمر الصحفي الختامي للقمة العربية أن السعودية “ستدعم مشروعات التعافي الاقتصادي في سوريا”، وشدد أن الرياض وبقية الدول العربية “مهتمة بعودة اللاجئين السوريين، وستعمل مع شركائها الغربيين ومع الأمم المتحدة لتحقيق ذلك”.
وأكد العقيد عبدالله الأسعد، رئيس مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، في حواره مع أخبار الآن، إن عودة اللاجئين أمر لا يمثل أهمية بالنسبة للنظام السوري، ربما يمثل أهمية بالنسبة للدول المستضيفة، مؤكدا أن ملايين السوريين يعانون في الخارج بسبب النظام الحالي.
وأضاف الأسعد: “القنصليات السورية في الخارج تحولت إلى فروع لأجهزة الأمن، وتمارس التعنت مع السوريين الراغبين في إنهاء مصالحهم، مثل تجديد جوازات السفر، وغيرها من الأوراق الثبوتية”.
وأكد أن بعض القنصليات تبيع جوازات سفر سورية إلى آخرين من جنسيات مختلفة راغبين للسفر إلى دول أوروبية، بينما تقدم جوازات سفر مزورة لعدد كبير من السوريين.
ووفق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الطوارئ، تستضيف دول الجوار السوري أكثر من 5.6 ملايين لاجئ يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
وبينما كان الأسد يلقي كلمة أمام القادة العرب كان عدد من اللاجئين السوريين في ألمانيا يحضرون ورشة عمل يتعلمون فيها سبل استخدام القانون الدولي لمحاكمة مجرمي الحرب، وهو ما يأملون تطبيقه على الأسد يوما ما.
وقالت السورية، هويدا محي الدين (49 عاما)، لوكالة رويترز، التي اعتقلتها السلطات السورية في السابق بسبب مواقفها السياسية لكنها تعيش الآن في فرنسا، “كل سوري عانى من هذا النظام يمكن أن يمثل دعوى قضائية وسنقوم برفع هذه الدعاوى. حتى لو وقف العالم كله معه فسوف نقدمه للعدالة”.
هويدا إلى جانب آخرين ممن حضروا ورشة العمل هم من بين ملايين السوريين الذين شردتهم الحرب المستمرة منذ 12 عاما.
وخلص المشاركون في ورشة العمل إلى أن عودة الأسد لجامعة الدول العربية بعد عزلة مستمرة منذ نحو 12 عاما شيء محبط، لكنه غير مثير للدهشة.
وقالت محي الدين إن التطبيع العربي مع الأسد سيجعل عودة اللاجئين السوريين أكثر صعوبة، وأضافت أن زوجها اختفى على يد الحكومة عام 2014.
ومضت قائلة: “هاقول كلمتين أخدناها نحن عهد على أنفسنا نحن نفنى ولا يحكمنا الأسد ولن نعود والأسد موجود”.
وجاء في القرارات الختامية للقمة العربية أن القادة العرب اتفقوا على “تعزيز التعاون العربي المشترك لمعالجة الآثار والتداعيات المرتبطة باللجوء والإرهاب وتهريب المخدرات”، و”التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة” السورية.