الصناعة التقليدية في تونس “تشتكي” من منافسة غير متكافئة
تشتكي سوق الصناعة التقليدية في تونس وخاصة سوق النحاس من منافسة غير متكافئة مع منتجات أجنبية، تحديداً “الصينية” منها، والتي تعتمد على التقليد وتُعرض بأسعار زهيدة جداً، وبالتالي يفضل بعض التونسيين من ذوي الدخل المحدود اقتنائها بدل المنتجات المحلية الأصلية.
وفي هذا السياق التقت “أخبار الآن”، سالم منصور أحد أيقونات الصناعات التقليدية في تونس، وخاصة الصناعات النحاسية ومثّل تونس في العديد من المعارض الدولية، لكنه رغم ذلك لم يستطع الصمود أمام اكتساح السلع الصينية المقلدة للسوق التقليدية.
يقول سالم لـ”أخبار الآن” إنه على رغم أنه من أقدم حرفيي النحاس في المنطقة، إلا أنه اضطر لغلق مصنعه الصغير لأنه لم يعد قادرا على تغطية مصاريفه، بسبب لجوء المواطنين إلى السلع الرخيصة الواردة من الصين.
أضاف سالم أنه “وجد نفسه مجبرًا على تسريح 15 عاملا لم يعد قادرا على تسديد أجورهم بسبب انخفاض المبيعات الناتج عن ارتفاع تكلفة الإنتاج وغلاء مادة النحاس والمواد الأولية الأخرى الذي أدى إلى تراجع الإقبال عليها، وفي المقابل تكدس قطع النحاس الصينية المقلدة التي باتت تستقطب الحرفاء بسبب انخفاض أسعارها”.
سالم الذي تفاقمت ديونه اضطر لفتح ورشة صغيرة، ويشتري قطع النحاس الصينية الجاهزة “المزيفة” ويكتفي فقط بالنقش عليها، فهي ورديئة الجودة لكن الإقبال عليها كبير بسبب أسعارها الرخيصة.
قال: “لم تُبد الدولة اهتمامًا بحماية الحرفيين المهددين بالإفلاس، كثيرون غادروا للبحث عن لقمة العيش في مكان آخر، ولا يتوقع عودتهم ثانية إلى النقش على النحاس لقد تعبوا”.
لكن سالم ومثل الكثير من الحرفيين في المدينة العتيقة لا يعفي السلطة والسياسيين من مسؤولية تدهور الأوضاع إلى هذا المستوى غير المسبوق ويعلق على هذا قائلا: “لقد فشلوا في حمايتنا من البطالة… ليس لدي خيار آخر… لن أترك المهنة لأن هذا عالمي”.
حرفيون في تونس يتوقفون عن عزف سمفونية النحاس
خف صوت طرق النحاس في الأسواق التقليدية التونسية مع انتشار القطع النحاسية المزيفة صينية الصنع في المحلات والبازارات، وازدادت مخاوف الحرفيين حيث أصبح أغلبهم عاطلا عن العمل”.
صالح عمامو رئيس جامعة الصناعات التقليدية صرح لـ”أخبار الآن” أن قطاع النحاس في تونس يعيش أسوأ أزماته بسبب الغزو الصيني، حيث تراجعت القوة الإنتاجية لقطاع النحاس بـ70% في السنوات الأخيرة.
وأضاف “عمامو” أن قطاع النحاس كان يشغل أكثر من 50 ألف من اليد العاملة، لكنه بات اليوم يشغل 12 ألف حرفي فقط، بعد أن اضطر الكثير من الحرفيين لإغلاق محلاتهم وهجرة السوق لأنهم باتوا ملاحقين قضائيا بسبب الديون.
وأضاف: “بالتالي باتت الصناعات التقليدية عمومًا فريسة للسلع الصينية التي أثثت المحلات، وتسبب في إغلاق أغلبها ما يهدد هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد التونسي، والذي يشغل ما يقارب 350 ألف حرفي وتاجر ويمثل 4,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام علمًا وأنه وحسب الإحصائيات الرسمية للدولة التونسية تتصدر الصين قائمة المساهمين في عجز الميزان التجاري عموما بأكثر من 30% من نسبة العجز العام”.
وفي سؤالنا عن من يتحمل مسؤولية دخول السلع الصينية للسوق التونسية وعن إمكانية التعويض للحرفيين الذين تكبدوا خسائر فادحة رفضت وزارة التجارة التونسية الرد مكتفية بتعليل “أن كل العالم يستورد السلع الصينية ليست تونس فقط”.
سلع صينية لا تحترم الملكية الفكرية
تصاعد حجم الواردات الصينية بوتيرة سريعة منذ بداية القرن الـ 21 وهو ما انعكس سلباً على الحرف التقليدية في تونس التي باتت سمعة صناعاتها التقليدية مهددة بزحف السلع الصينية المقلدة لها وسيئة الجودة، تقول المحللة الاقتصادية التونسية جناة بن عبد الله لـ”أخبار الآن” “أن سمعة الصناعات التقليدية التونسية اليوم على المحك” بسبب انتشار سلع رديئة في الأسواق، ويروج لها للسياح والأجانب على أنها سلع تقليدية تونسية أصلية”.
وتضيف أن السلع الصينية لا تحترم الملكية الفكرية ومعايير الجودة وأن 75% من البضائع الصينية المعروضة مضرة بالصحة و”أنها مرض عضال” ينخر في جسم الاقتصاد الوطني ويعمق من عجز الميزان التجاري.
وتابعت جناة: ”كلما ارتفعت قيمة الرسوم الجمركية ازداد حجم الأسواق الموازية التي تبيع وتروج للسلع الصينية لأنه كلما تفاقمت الحواجز ينحى التجار نحو الطريق الأسهل والأقل كلفة”.
وأوضحت: “أغلب المنتجات الموجودة في الأسواق الموازية هي منتجات مهربة وتساهم مباشرة في إضعاف قيمة الدينار التونسي”. وتحمل بن عبدالله المسؤولية للحكومات التي لم تضع سياسات حمائية لحماية المنتجات التونسية من الغزو الخارجي.
تقول جناة: “كيف تسمح تونس لنفسها أن يهمش موروثها وينتهك ويقلد من قبل الصين التي لم تكتفي بتقليد سلعنا التقليدية بطريقة رديئة بل وتقوم بتصديرها لنا وبيعها في أسواقنا ولا بد على الديوانة التونسية أن تمنع دخول هذه السلع”.
وطالبت الخبيرة الاقتصادية بضرورة التصدي لهذه المنتجات المقلدة التي تسعى إلى إلغاء المنتجات المحلية وتفاقم البطالة إضافة ارتفاع نسبة التضخم المالي.
سلع صينية مضرة ومسرطنة!
وعن تأثير هذه السلع الصينية على صحة المستهلك، قال رئيس المرصد الوطني لحماية المستهلك عبدالجليل الظاهري إن بعض السلع الصينية بها خطورة كبيرة على الصحة، لأن المستهلك يجهل المواد التي صنعت منها خاصة وأنها لا تحمل أي إشارة تثبت عدم خطورتها عند الاستعمال، وأغلب هذه السلع مصنوعة من الألمنيوم المُعاد تصنيعه الذي يمكن أن يطلق تصبغات كيميائية أثناء الاستهلاك”.
وطالب بضرورة توعية المواطن وإشعاره بمدى المخاطر المحدقة به في حالة استعمال منتجات صينية غير خاضعة للرقابة، ولا تتطابق مع مواصفات الجودة المعمول بها”.
وكشف أنه بعد إجراء تحاليل على هذه المنتجات والبضائع تأكد أن 75% من البضائع الصينية المعروضة بالأسواق التونسية مضرة بالصحة وتفتقر إلى مواصفات الجودة.