سقط القناع.. كيف كشفت تغريدات ومقالات مصطفى حامد عن رؤساءه الحقيقين
بات موقف مؤرخ القاعدة، مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) صعبًا أمام حركة طالبان بعد المواجهات العسكرية بين أفغانستان وإيران التي تؤويه هو وزوج ابنته، سيف العدل، زعيم تنظيم القاعدة، فكما كان متوقعًا لم يستطع الرجل أن يوائم طويلا بين إظهار الولاء لطالبان وإيران معًا في نفس الوقت؛ فهو يكتب في مجلة الصمود التي تصدرها الحركة الأفغانية، وينشر فيها سلسلة مقالات عن سيرة جلال الدين حقاني أحد أبرز رموز الحركة الراحلين.
كما يُظهر من خلال حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” وموقعه الشخصي “مافا الإيراني” أنه موالي لطالبان ومنحاز لصفهم، ويدافع عن مواقف “الإمارة” وسياساتها بمنتهى القوة والبلاغة، لكن لما حانت لحظة الحقيقة ظهر انتماؤه الأساسي، وسقط القناع الذي طالما ارتداه طويلا لكنه عجز عن الوقوف محايدًا حين اشتعلت المواجهة وانطلقت المدافع من الجانبين وسالت الدماء فكان لابد له هنا من الانحياز إلى أحدهما، مما يجعل مستقبله مع طالبان على المحك.
ومثلت لحظة المفاصلة هذه خبرًا سيئًا أيضًا لصهره، زعيم تنظيم القاعدة، على اعتبار أنه من غير المقبول أن تستمر العلاقات بينه وبين حكام أفغانستان وهز يقيم بين ظهراني أعدائهم؛ فقد هدد ناصر بدري، القيادي البارز في طالبان، في مقطع فيديو نشره على “تويتر”، قائلا إن جنود حركته سيقاتلون إيران بحماس أكبر من قتالهم للأمريكان، الأمر الذي من شأنه أن يقلب حسابات تنظيم القاعدة رأسًا إن لم يتم تدارك الأمور بين الدولتين اللتان كانت تجمعهما مصلحة مشتركة للتعاون ضد الأمريكيين فلما رحلوا عن أفغانستان زالت تلك المصلحة وأصبحت إقامة هؤلاء في إيران ورطة كبيرة، فماذا سيكون رد فعل طالبان وكيف ستتصرف مع هؤلاء خاصة بعدما انكشف لها انحياز مؤرخ القاعدة لطهران؟
اشتباكات على الحدود
مع توتر العلاقات بين إيران وأفغانستان بسبب الخلاف على تقاسم مياه نهر هلمند، تطور الموقف العسكري على الحدود وحاولت طهران إرهاب جيرانها الشرقيين لكنها فوجئت بردهم القاسي قبل أن يتم الاتفاق على هدنة مؤقتة.
وتتهم طهران الأفغان بحجز المياه عنها عمدًا، لكنهم ينفون هذه التهمة ويفسرون نقص الإمدادات بوجود جفاف في منبع النهر قلل كمية المياه الذاهبة إلى إيران.
وأعلنت طهران أن منظمة الفضاء التابعة لها حصلت على صور من القمر الصناعي “خيام” تكشف تغيير كابول لمسار نهر هلمند (بالفارسية هيرمند)، وأن السدود الأفغانية تمنع وصول المياه لإيران.
وقبل أيام من اشتعال الاشتباكات قال وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، إن الحصة المائية لإيران هي حق تاريخي لبلاده وأن طالبان تعترف به ولكن تتحجج بعدم وجود مياه حاليا رغم وجود المياه خلف سد كمال خان، ودعا طالبان للسماح للمسؤولين الإيرانيين بتفقد السد المذكور.
كما هدد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حكام أفغانستان قائلا: “لو أكد خبراؤنا نقص المياه، فليس لدينا ما نقوله.. لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجد حتى لا تأتوا للعتاب لاحقا”.
وأعلنت طالبان رفضها تحذيرات الإيرانيين وطالبتهم بعدم تكرارها وتصحيح معلوماتهم حول موضوع المياه،ورفضت زيارة الإيرانيين لسد كجكي في ولاية هلمند أو سد كمال خان في ولاية نيمروز، مبررة ذلك بأن السدود تعد مراكز حساسة، وأن طالبان لن تسمح لـ”عملاء أجانب” بزيارتها.
“مياه للحرب”
بالعودة إلى مصطفى حامد فإنه نشر مقالا، في ٢٨ مايو من العام الحالي ٢٠٢٣، عن الأزمة بعنوان “مياه للحرب (1)” تبنى فيه وجهة نظر الحرس الثوري الإيراني بشكل مستتر، فنظرًا لمكانته لدى طالبان فإنه حاول إلباس عباراته ثوب النصح والإرشاد وجلس مجلس الحكيم الحريص على منع طائفتين من المسلمين أن يقتتلا، لكن بالتدقيق في حديثه يتضح أنه تبنى وجهة النظر الرسمية الإيرانية على استحياء وحاول جعل كلامه مقبولا بتضمينه بعض البدهيات والحديث عن مواقف ومصالح تجمع طهران وكابول والتركيز على “إسلامية” كلا الدولتين، مع بعض التذكير الديني بضرورة نبذ الخلافات.
فبينما ترى طالبان أن نقص الماء سببه الجفاف ونقص التدفقات من المنبع، تقول طهران إن سببه سد كمال خان، ويتبنى حامد وجهة النظر الإيرانية فيشير إلى أن المياه محتجزة بسد كمال خان الذي “اكتمل قبل أشهر من الانسحاب الأمريكي”، ويعمد إلى وصف النزاع بأنه مدفوع من الخارج بالقول إنه من عمل الأمريكيين والإسرائيليين، أي أن بناء السد الأفغاني هو المشكلة وليس الجفاف.
ويؤكد مصطفى حامد في مقاله على نقطة محددة وهي أن الأمر يتعلق بالالتزام بالعقود، في إشارة إلى اتفاقية تقاسم المياه، وهذه هي بالضبط وجهة نظر إيران التي تطالب جارتها الشرقية بتوفير كمية المياه المعتادة لها بغض النظر عن وجود جفاف من عدمه!
ويقول “تدفع أمريكا وإسرائيل بقوة من أجل إشعال حرب مياه في المنطقة بين الجارين رغم أن العلاقات بينهما شهدت طفرة نوعية غير مسبوقة بعد انسحاب الاحتلال الأمريكي من أفغانستان”.
ويعتبر في مقاله هذا أن سد كمال خان مؤامرة ليس على إيران فقط بل على الشعب الأفغاني لأنه يمنع المياه عن بعض المناطق الأفغانية، ويعده مؤامرة كذلك على أهل السنة! لأنه يقطع المياه عن “إخوانهم البلوش السُنَّة علي الجانب الآخر من الحدود” جنوب شرق إيران، ويخلص إلى أنه إذا فشلت طالبان في الاستجابة لمطالب طهران، فإن ذلك “سقوط أخلاقي، وهو أهم سبب لسقوط شرعية أي نظام، خاصة إن كان إسلامياً”.
وفي نفس المقال يعدد الأفضال الإيرانية المفترضة على كابول ويقول “أكبر قدر من الإسناد الاقتصادي الذي تلقته الإمارة بعد طرد قوات الاحتلال الأمريكي كان من الجارة إيران. وبتأثير من الموقف الإيراني فتحت عدة دول هامة أبوابا للتعاون الجَدِّي”.
ويدافع كذلك عن رفض نظام الملالي الاعتراف بالحكومة الطالبانية فيقول بالحرف الواحد “لم تعترف إيران رسميا بالحكومة الجديدة للإمارة الإسلامية، والتي لم تعلن عن نفسها بقوة حتي الآن، فما زالت تصف نفسها بالحكومة المؤقتة. (بمعنى أن حكومة الإمارة لا تكاد تعترف بنفسها)”.
ومن البديهي أن يتبنى مؤرخ القاعدة موقف طهران إلى هذا الحد لأنه ببساطة يقيم هناك في حماية قوات الحرس الثوري، وسبق أن تناولت “أخبار الآن” قصته كاملة وعلاقته بالحرس الثوري وأيديولوجيته الموالية للمشروع الإيراني ودوره في التواصل مع الحركات الجهادية السنية ومحاولة تطويعها لمضيفيه الفرس.
ويعد أبرز مثال على ذلك نجاحه مع صهره سيف العدل، الذي يقيم معه في إيران، في اختطاف تنظيم القاعدة بشكل كبير وتوجيهه لخدمة المشروع الإيراني، خاصة بعد تفرد سيف العدل بزعامة التنظيم عقب مقتل زعيم التنظيم السابق، أيمن الظواهري، في كابول الصيف الماضي.
ويحاول مؤرخ القاعدة اليوم القيام بدور مشابه مع حركة طالبان -مع الفارق الكبير بالطبع بين الحالتين-، فبينما يوالي طالبان في الظاهر ويعلن مؤازرته لها، وهو الذي أعلن مبايعته لها منذ عهد مؤسسها الملا عمر، لكنه يمرر وجهات النظر الإيرانية ويحاول إيجاد قبول لها لدى الخصوم الأيديولوجيين للدولة الشيعية بلغة يفهمها هؤلاء الذين لا يستمعون لإيران ولا يثقون بها.
وبعد نشر المقال الأول بيومين نشر مصطفى حامد مقاله الثاني بعنوان “مياه للحرب (٢)” أسهب فيه في شرح الموقف الإيراني من سد كمال خان تحديدًا، متهمًا طالبان ضمنيًا بالتورط في “الفتنة المائية، بعبقرية تعاقدية من تصميم الاستعمار الأمريكي”.
ويدعو حامد الأفغان بكل صراحة ووضوح إلى عدم استخدام السد وترك مياههم تتدفق إلى الجانب الإيراني بلا ضبط لتجنب المشاكل مع إيران، مستحضرًا فكرة خيالية مفادها أن المياه تتوزع “بشكل طبيعي بدون تدخل الإنسان. فمن تلك النقطة تندفع المياه داخل إيران مع الانحدار الطبيعي للأرض”، وهكذا يعم السلام من وجهة نظره عندما يتدفق الماء كله بلا حساب للأراضي الإيرانية، وبالمناسبة فإن طهران نفسها لا تطالب بذلك صراحةً كما يفعل حامد الذي يبدو ملكيًا أكثر من الملك، بل يطالب الإيرانيون بحصتهم المتفق عليها بغض النظر عن وجود جفاف من عدمه، أي أنهم لا يطالبون أصلا بمياه النهر كلها في أوقات الفيضان كما يحاول حامد أن يقنع طالبان بذلك.
وفي تجاهل متعمد للواقع شرح حامد أن الماء يصب “في بحيرة هامون التي إذا امتلأت تمددت داخل حدود أفغانستان، ليصبح ماؤها مشتركاً مرة أخرى بين البلدين . أي تجددت عملية تقاسم نفس الماء مرة أخرى بعد دخوله الأراضي الإيرانية”، وهو ادعاء ساذج يكفي للرد عليه تذكر أن هذه المقاومة الطبيعية الموهومة لم تكن تحدث قبل بناء السد بل كانت أفغانستان تغرق في الجفاف بسبب سرقة مياهها، وحصلت طهران على أضعاف حصصها المائية ومدت المياه إلى مناطق عديدة استغلالا لهذه الفوائض المائية المتدفقة بلا حساب، ولم تدعها ترجع إلى أفغانستان مرة أخرى كما يزعم مؤرخ القاعدة.
ماذا تريد إيران من طالبان؟
خلال الاشتباك الثالث عشر بين الطرفين منذ وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021، سقط قتلى وجرحى في المواجهات وقصف الإيرانيون مطارًا قديمًا في ولاية نيمروز الأفغانية وسوق شعبي، بينما أعلنت الحركة عن سيطرتها على حواجز إيرانية قبل أن تتوقف الاشتباکات الدامية بين الطرفين.
وفي ظل تصاعد المشادات الكلامية بين الحكومتين، نشر الجنرال مُبين، القيادي في طالبان، مقطع فيديو يسخر من تهديد الرئيس الإيراني، يظهر فيه الجنرال وهو يملأ برميلا بالماء ويقول: “خذّ هذا البرميل ولا تهاجمنا، نحن خائفون من تهديدك”، وكانت البرميل من النوع الذي اشتهرت طالبان باستخدامه في التفجيرات، لذا أثار هذا التهديد استياء الإيرانيين واتهموا حكومتهم بالضعف أمام طالبان.
وقد ناقشت الأوساط الإيرانية مؤخرا موضوع الخلاف مع طالبان وسبل الرد عليها، فادعت صحيفة “جمهوري إسلامي” المتشددة أن اتفاق الدوحة الذي أسس للانسحاب الأمريكي من أفغانستان نص على قيام طالبان بافتعال نزاع عسكري مع إيران لزعزعة استقرارها، وذكرت أن الحركة تحاول توريط طهران في مستنقع الحرب داخل أفغانستان، وذلك بتكليف من واشنطن.
ويُلاحظ هنا تشابه هذا الطرح مع مقال مصطفى حامد السابق ذكره الذي يعد النسخة المخففة من هذا الكلام لأنه لا يتهم طالبان صراحة بالعمالة لواشنطن، رغم أنه يقول إن الولايات المتحدة هي التي أشعلت هذا النزاع، ويبين أن التدخل الأمريكي كان عن طريق تحفيز طالبان ضد إيران وليس العكس، ويبرئ نظام ولاية الفقيه من تعمد الإضرار بالحقوق المائية للشعب الأفغاني ويظهره في دور الضحية.
وذكرت الصحيفة في مقالها الذي حمل عنوان “لا تلعبوا في ملعب طالبان”، أنه من الضروري اتخاذ موقف حاسم ورادع تجاه الحركة وإن كان هذا الموقف لا يعني بالضرورة العمل العسكري، داعية إلى سحب السفارة الأفغانية في طهران من طالبان التي -بحسب الصحيفة-
وأشار المقال إلى أن طالبان تبنت ردين على طهران بعد تهديدات رئيسها لها؛ الأول موقف رسمي تمثل في إصدار بيان دعا لتجنب التصعيد وأكد حرص الحركة على الوفاء بالحصة المائية، بينما تمثل الرد الثاني في استهزاء مسؤولي الحركة من تهديدات إيران وتأكيدهم الاستعداد لمواجهتها عسكريا، وهو ما يظهر رغبة الحركة في توريط إيران في صراع عسكري، وفق الصحيفة.
وبصفة عامة يمكن تلخيص علاقة إيران بطالبان بمنحنى يتحرك صعودا وهبوطا بشكل عكسي مع مدى قوة الحركة؛ فعندما وصلت إلى السلطة في التسعينات عادتها إيران ودعمت خصومها الأفغان، وعندما كانت الحركة تناضل ضد الأمريكيين والحكومة الموالية لهم دعمتها إيران، وعندما عادت إلى السلطة عام 2021 عادت الخلافات معها من جديد، أي أن الثابت في هذه المعادلة أن طهران ظلت تدعم الطرف المعارض لأي حكومة في كابول أيًا كان شكلها.
وإذا أخذنا ملف المياه كمثال، فقد قطعت طالبان المياه عن إيران في التسعينات، ووصل الطرفان إلى حافة الحرب عام 1998، وبعد الغزو الأمريكى لأفغانستان عام 2001 وسقوط حكم طالبان بدعم من طهران، دعمت الأخيرة الحركة كثيرا خلال مقاومتها للاحتلال الأمريكي لأنها كانت تشن هجمات مستمرة ضد المشروعات التي تشيدها الحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن، ومن أبرز هذه المشروعات سدود المياه غرب البلاد، فكانت طهران تستفيد من تدمير تلك السدود فتحصل على كميات كبيرة من المياه تفوق حصتها بسبب عجز الحكومة الأفغانية عن ضبط تدفق الأنهار.
وكان مسؤولو الحكومة الأفغانية السابقة يقولون إن طهران تستخدم طالبان لخوض حرب بالوكالة على المياه وتعطيل مشروعات التنمية بما في ذلك سدود المياه لإبقاء أفغانستان غير مستقرة، وحصلت طهران على كميات كبيرة تبلغ أضعاف حصتها بسبب نقص السدود الذي جعل من المستحيل التحكم في كمية المياه بينما عم الجفاف معظم المناطق الأفغانية، وانتهكت إيران الاتفاقية بشكل فج.
جدير بالذكر أنه في الوقت الذي تطالب طهران الأفغان بالالتزام بأحكام القانون الدولي الخاصة بالأنهار فإنها ترفض تمامًا الالتزام بتلك الأحكام وتأبى التوقيع على اتفاقات تلزمها بها لأنها تسرق مياه العراق وتمنع تدفق الروافد المائية لنهر دجلة، وفي الوقت الذي تتحدث فيه عن التصحر وأزمة المياه التي تمر بها تستخدم السدود لتعطيش الأقليات داخل الأراضي الإيرانية، ويشرف الحرس الثوري على إنشاء السدود بدوافع عنصرية فيحرم الأقليات العرقية من المياه التي تجري في أقاليمهم ويحول أنهارهم إلى المدن ذات الأغلبية الفارسية الشيعية.
وتعمل إيران منذ سنوات طويلة على تكوين ميليشيات شيعية مسلحة موالية لها داخل أفغانستان، وبالتوازي مع ذلك فإنها استغلت وجود جالية أفغانية كبيرة لديها وجندت الشيعة منهم في لواء فاطميون الذي يقاتل منذ سنوات في سوريا لدعم نظام الأسد، وأصبحت الأراضي السورية ساحة تدريب وتجهيز لهذه القوات التي من المقرر أن ترسلها طهران إلى أفغانستان في الوقت المناسب، إذ تم إعدادها لتكون ورقة ضغط على أفغانستان.
وعملت طهران على التلويح بهذه الورقة لإرهاب جيرانها الشرقيين وابتزازهم بها في مسائل الخلاف كقضايا المياه، ومؤخرًا صدرت تهديدات بهذا الخصوص وقال وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، إنه إذا لزم الأمر سيتم استخدام أدوات الضغط لإجبار الحكومة الأفغانية على التعاون في ملف المياه.