إصدار جديد يكشف عن خلاف العسكريين والإعلاميين في داعش
- ما هي كواليس الخلاف بين إعلاميين التنظيم وعسكرييه؟
بعد أشهر طويلة من الغياب، نشر تنظيم داعش إصدارًا جديدًا لفرعه في سوريا بعنوان “صناع الملاحم 7” تضمن لقطات من هجمات نفذها التنظيم في مناطق متفرقة من البلاد.
فمن شمال شرق سوريا إلى جنوبها مرورًا بمنطقة البادية التي تعد أحد أكبر المعاقل التي لا زال التنظيم ينشط فيها، استعرض التنظيم الهجمات التي نفذها ضد قوات سوريا الديمقراطية وقوات الجيش السوري النظامي فضلًا عن التركيز على عمليات إعدام المدنيين بدعوى تعاونهم مع أعداء داعش.
وجاء الإصدار ضمن سلسلة صناع الملاحم وهي سلسلة دعائية بدأها التنظيم في مارس/ آذار 2021، ونشر منها 6 إصدارات سابقة أولها إصدار لفرعه في باكستان (مارس/ آذار 2021)، ثم أتبعه بإصدارات أخرى من شبه جزيرة سيناء المصرية (أبريل/ نيسان- 2021)، والعراق (مايو/ آيار- 2021)، وأفغانستان/ خراسان (يوليو/ تموز- 2021)، وغرب إفريقيا (أكتوبر/ تشرين الأول- 2021).
ومنذ أكتوبر 2021، توقفت السلسة الدعائية المذكورة إلى أن استأنفها التنظيم في أبريل/ نيسان 2022، ناشرًا إصدارًا آخرا تحت عنوان “صناع الملاحم 6″، ثم توقفت السلسلة مرة أخرى لما يزيد عن عام إلى أن نشر التنظيم إصداره الأخير في يونيو/ حزيران الجاري.
تراجع عملياتي وضعف إعلامي
وتضمن الإصدار الجديد عددًا من الرسائل الضمنية إذ حاول التنظيم أن يُقدم نفسه باعتباره الممثل الوحيد لنهج الجهادية القويم منتقدًا كل الفصائل والتنظيمات الجهادية الأخرى المنافسة له، كما توعد بمواصلة حربه ضد جميع من يصفهم بأعدائه.
وألمح الإصدار إلى تراجع هجمات التنظيم، والتي انخفضت إلى أقل مستوى لها في 10 سنوات خلال الوقت الراهن، إذ أبرز هجمات قديمة بعضها يعود لما قبل عام ونصف، كما أظهر الإصدار حالة الضعف الواضحة في أذرع داعش الإعلامية وبدا فيه ضعف أعمال التصوير والمونتاج بما يؤكد تدهور الجانب الدعائي للتنظيم.
خليفة مجهول
وعلى صعيد متصل، فاقم الإصدار الجديد من حالة الجدل الداخلي حول مصير خليفة داعش الحالي، إذ لم يشر التنظيم صراحةً إلى اسم زعيم التنظيم.
وتعهد 2 من عناصر داعش الذين ظهرا في الإصدار بالولاء لخليفة داعش لكنهم لم يذكروا اسمه واكتفوا بالقول “إلى خليفة المسلمين وأمير المؤمنين”، على حد تعبيرهم، وهذه واحدة من المناسبات النادرة التي لا ينص فيها إصدار التنظيم على اسم خليفته.
وسبق أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مايو/ آيار الماضي، مقتل أبو الحسين الحسيني القرشي خليفة داعش في عملية نفذتها المخابرات الوطنية التركية في جينديرس بمنطقة عفرين شمال غرب سوريا.
والتزم داعش الصمت منذ الإعلان التركي عن مقتل خليفته المفترض، والذي تولى منصبه خلفًا لأبي الحسن الهاشمي الذي قُتل في اشتباك مع مسلحين سوريين محليين بمدينة جاسم قرب درعا بجنوبي سوريا في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ولم يقر أو ينفي داعش بمقتل أبو الحسين الحسيني حتى الآن.
وراج، منذ ذلك الحين، أن قادة داعش لم يكونوا يعرفون بالهوية الحقيقية لأبي الحسين الحسيني القرشي وأن من اختاره لشغل هذا المنصب والوحيد الذي كان يعرف هويته هو “أبو سارة العراقي”، أمير الإدارة العامة للولايات الداعشية، والذي قُتل في فبراير/ شباط الماضي، ولذا فإن التنظيم لم يتمكن من تأكيد أو نفي مقتل زعيمه المفترض.
ومن المحتمل أن يكون عدم ذكر اسم الخليفة الحالي لداعش في إصدار “صناع الملاحم 7” بسبب أن تسجيل اللقطات التي يظهر فيها مقاتلون وهم يؤدون البيعة له كانت قبل فترة من مقتل الخليفة السابق أبو الحسن الهاشمي ولذا قام التنظيم بحذف اسمه في الإصدار الجديد، أو بسبب عدم تأكد القائمين على ديوان الإعلام من هوية الخليفة الحالي لداعش وخشيتهم من أن يكون مقتولا، لكن لا يمكن الجزم بالسبب الحقيقي في الوقت الحالي.
خلافات العسكريين والإعلاميين في داعش
وعلى صعيد آخر، لفت إصدار “صناع الملاحم 7” إلى الخلاف بين الإعلاميين والعسكريين في ولاية الشام الداعشية، والذي تسبب في حالة من الشقاق بين كلا الفريقين خلال فترة ماضية.
وذكرت قناة “فضح عباد البغدادي والهاشمي” إلى أن العمل الإعلامي في ولاية الشام يشرف عليه مجموعة من المسؤولين الإعلاميين المتواجدين في قواطع الولاية أو ما يعرف بالولايات الصغرى في البادية السورية ودير الزور والرقة والحسكة وحوران وإدلب، وكل منهم يكلف بتوثيق عمليات التنظيم وإرسالها لأمير مفصل الإعلام في الولاية والذي يرسلها لديوان الإعلام المركزي لنشرها.
ولا يتم نشر كل الهجمات التي ينفذها تنظيم داعش، ويتم أحيانا التكتم على بعض الهجمات لاعتبارات خاصة بمصلحة التنظيم.
وأكدت مراسلات مسربة من أرشيف داعش أن المسؤولين العسكريين في ولاية الشام رفضوا وأعاقوا نشر بيانات تبني لهجمات نفذها مقاتلو التنظيم وهو ما رفضه أمير مفصل الإعلام في الولاية.
وأوضحت المراسلات أن داعش يعاني من نقص الكوادر الإعلامية المؤهلة في سوريا بجانب نقص المعدات اللازمة لهذا العمل وضعف التمويل (النثريات) المخصصة لهذا العمل.
ولا تذكر المراسلات أن نقص الكوادر الإعلامية حدث بسبب انشقاق أو طرد العديد من كوادر التنظيم نتيجة خلافات منهجية وتنظيمية مع قادة داعش وعلى رأسهم القائمين على ديوان الإعلام المركزي، بجانب عمليات تصفية واعتقال إعلاميي التنظيم خلال فترات سابقة.
وتنص واحدة من المراسلات المسربة، والتي أرسلها أمير مفصل الإعلام (السابق) بولاية الشام صقر أبو تيم والمكنى بـ”أبو ماهر” على عدم وجود تعاون بين مسؤولي الولايات الداعشية والإعلاميين العاملين بها بجانب التكتيم الإعلامي المتعمد من قبل المسؤولين العسكريين والذي يُفرض حول بعض العمليات.
وأردف أمير مفصل الإعلام أن الإعلاميين يعانون من نقص في المعدات وأن المسؤول الإعلامي في دير الزور يكلف بمهام أخى بجانب أنه لا يملك إلا هاتف بإمكانيات ضعيف والنثرية الشهرية المخصصة له لا تكفي لسداد تكلفة باقة الإنترنت الذي يستخدمه في عمل التنظيم.
وتابع “صقر أبو تيم” أن المسؤول العسكري الداعشي في حوران رفض نشر أخبار تبني العديد من العمليات رغم أنه معروف أن من وقف ورائها التنظيم الإرهابي.
وتذرع مسؤولو التنظيم العسكريين بأن نشر أخبار تبني الهجمات تتسبب في شن حملات عسكرية ضد خلايا وشبكات التنظيم وهو ما يضر به لكن أمير مفصل الإعلام في ولاية الشام رد بأن الفرع العراقي لداعش يواصل تبني الهجمات حتى مع استمرار الحملات التي تشنها القوات العراقية ضده، وحتى أفرع التنظيم في إفريقيا (كبوركينا فاسو وموزمبيق) يستجيبون لطلبات ديوان الإعلام حتى مع عدم معرفتهم باللغة العربية.
ويبدو أن التنظيم حاول في إصداره الأخير “صناع الملاحم 7” أن يشير بشكل ضمني إلى أن الخلافات بين الإعلاميين والعسكريين في التنظيم هدأت بعد فترة من احتدامها، لكن الإصدار برهن على حالة الضعف العملياتي والإعلامي الذي يعانيه التنظيم مما يعني أنه أكد بصورة شبه مباشرة على حالة التراجع التي تضرب أركان التنظيم في الوقت الحالي.