تكافح إيران من أجل بناء “علاقة أوثق” مع دول شرق أفريقيا، التي ترى فيها طهران سوقاً تروّج فيه منتجاتها وأفكارها وسلوكياتها بمختلف أنواعها سرّاً وعلانيةً .. وفي ذلك السياق تندرج زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى كينيا، ساعياً إلى حشد الدعم الديبلوماسي لتخفيف عزلة إيران الدولية، ومن المقرر أن يزور أيضاً في الأيام المقبلة كلّاً من أوغندا وزيمبابوي في أول جولة أفريقية لرئيس إيراني منذ 11 عاماً.
Iranian President Ibrahim Ra’isi is visiting Kenya to meet with his counterpart William Ruto. He was received at JKIA by Kenya’s CS Alfred Mutua. Iran has a long-standing policy and strategy toward Africa particularly HOA-EA to influence economic, political & Security wise. pic.twitter.com/tDEh6TJEXP
— Abdurahman Sheikh Hassan ( Azhari) (@HOA_ANALYST) July 12, 2023
التعاون الإقتصادي هو جانب واحد فقط من اهتمام إيران في شرق أفريقيا. فالأبعاد الأخرى لأنشطة إيران في المنطقة أقلّ قابلية للتسويق لأنّها تشكّل مخاطر كبيرة على استقرار المنطقة وأمنها. وقد كانت القضية الأخيرة المتمثلة باعتقال عميل الإستخبارات الإيراني غيضاً من فيض، وفتحت أعين أجهزة المخابرات الإقليمية على أهداف إيران المعقّدة في شرق أفريقيا.
ففي ديسمبر العام 2022، أوقفت تنزانيا ضابطاً إيرانياً في الوحدة 853 في شبكة المخابرات الإيرانية. بعد توقيفه في دار السلام، وهي أكبر مدينة في تنزانيا وتعتبر مركزاً مالياً للبلاد، تمّ استجوابه ولاحقاً تم ترحيله إلى إيران. فمَنْ كان هذا الرجل؟ لماذا تواجد في تنزانيا؟ لماذا تمّ توقيفه هناك؟ بماذا اعترف أثناء استجوابه؟
في الحقيقة، ومن خلال التقصي في تلك القضية، توصلنا في “أخبار الآن” إلى خيوط مهمّة وخطيرة في آن، وذلك ما نكشفه لكم اليوم في تقريرنا هذا.
جاسوس إيران في تنزانيا
هذا الرجل يدعى رضا إبراهيم، يعرف أيضاً باسم حميد سلاري كإسم مستعار يستخدمه في عمله التجسسي، ويحمل جواز سفر رقمه H46000576 يتحدّر في الأصل من مدينة زاخو في مقاطعة سيستان – بلوشستان الواقعة جنوب غرب إيران. وفق المعلومات التي حصلنا عليها، فقد انتقل رضا إبراهيم إلى تنزانيا في مهمّة سرية للغاية، بعدما تمكّن من الحصول على تأشيرة للعيش هناك، بعدما ضلّل إدارة الهجرة في تنزانيا و “زوّر وثائق” تثبت أنّه تزوّج من مواطنة تنزانية في البلاد. بطبيعة الحال، هو من عائلة شيعية لكنه قدّم نفسه على أنّه ينتمي إلى الطائفة السنيّة، وذلك في إطار تسهيل اندماجه بشكل أفضل بين السكان البلوش السنّة في تنزانيا.
وفق اعترافاته في جلسة استجواب في تنزانيا، يكشف الضابط الإيراني عن جهود إيران لتجنيد عملاء لشبكة سرية من الأقلية البلوشية في أفريقيا، بغية استخدامهم في مؤامرات إرهابية والتسلل إلى الحكومات المحلية وتنفيذ عمليات إرهابية، مضيفاً أنّ عمليات النظام تضمنت أيضاً مؤامرات لخطف أو قتل أهداف غربية في أفريقيا.
يعتبر وجود أقلية البلوش تاريخياً في شرق أفريقيا. ووفقاً لبعض الروايات، تعد تنزانيا إلى جانب كينيا وأوغندا، موطناً لـ 30 ألفاً من البلوش الذين هاجروا إلى الدولة الأفريقية قبل 300 عام. وكان معظم المهاجرين من منطقة بلوشستان الإيرانية الواقعة في أقصى جنوب شرق الهضبة الإيرانية.
السياسة الإيرانية.. الحديث عن تعاون في العلن وعمليات استخباراتية ضارة في الخفاء
تحاول إيران التسلل إلى الدولة الأفريقية تحت غطاء التعاون الاقتصادي، وقد ذكر الضابط الإيراني أنّ تلك هي الاستراتيجية الجديدة للعمليات الاستخباراتية للنظام الإيراني في العديد من الدول الأخرى.
وبالفعل، فقد شهدت واردات إيران من تنزانيا نمواً كبيراً بنسبة 35 % في السنة المالية 2021/202، لتصل إلى 35 مليون دولار، في حين تلقت تنزانيا سلعاً بقيمة 95 مليون دولار من إيران، ما يمثل زيادة بنسبة 15% في الصادرات. وفي زيارته، كان سلّط السفير الإيراني الضوء على إمكانية قيام إيران بتوسيع صادراتها إلى تنزانيا بشكل أكبر .
يقول إبراهيم في الفيديو: “مكتبان في تشابهار وزاهدان يدعماننا في العمليات في تنزانيا، مضيفاً أنّه طلب من المكاتب العثور على أشخاص إيرانيين أو باكستانيين يتحدثون البلوش ولديهم بعض المعرفة بتنزانيا ومستعدون للبقاء هنا لفترة وجيزة.
يشرح إبراهيم أيضاً أنّ شبكته كانت حرّة في العمل كما تشاء وفقًا لخطط مدتها من 5 إلى 10 سنوات، وأنه مكلف بتجنيد وفحص وتدريب العملاء. ويقول إنّ قسم الاستخبارات الخارجية يركّز بشكل أساسي على إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية أذربيجان.
كما سلطت اعترافاته الضوء على منافسة شرسة بين وزارة المخابرات الإيرانية وجهاز المخابرات التابع للحرس الثوري الإيراني، لدرجة أن كل طرف منهما، وفق إبراهيم، يعبر عن سعادته بإخفاقات الطرف الآخر.
سلطات الهجرة في تنزانيا تحذّر
تجدر الإشارة إلى أنّه عندما أعلنت سلطات الهجرة في تنزانيا عن ترحيل الضابط الإيراني، كانت حذّرت مواطني تنزانيا من مساعدة الأجانب في الحصول على وثائق مزوّرة حتى يتمكّنوا من العيش والعمل في البلاد. وقال صموئيل ماهيران، مفوض إدارة ومراقبة حدود الهجرة، إن المواطن الإيراني رُحل بعد إدانته باستخدام وثائق مزورة للحصول على تأشيرات متعددة بما يتعارض مع القانون.
وأوضح أنّ جرائم الهجرة التي ارتكبها هذا المواطن الإيراني، تشمل تقديم مستندات مختلفة للحكومة التنزانية، بما في ذلك شهادة زواج مزوّرة استخدمها لتقديم طلب للحصول على تأشيرة متعددة. وأضاف أنّه بعد إلقاء القبض عليه واستجوابه بدقة، تمّ التأكد من أنّه مجرم متورّط في أنشطة تعرض أمن البلاد للخطر.
ما يجري يقودنا إلى الوراء قليلاً، ففي نوفمبر العام 2021، كانت أعلنت مجلة عسكرية تصدرها القيادة الأمريكية في أفريقيا، عن اعتقال 5 أشخاص جنّدهم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في غانا والسنغال وتنزانيا. وحينها أوردت القناة 12 الإسرائيلية أنّ الأشخاص الـ 5 الذين لديهم جوازات سفر أفريقية، وتمّ اعتقالهم من قبل المخابرات المحلية في تلك البلدان، بعدما أحبط الموساد الإسرائيلي مؤامرات إيرانية متعدّدة ضدّ سياح ورجال أعمال إسرائيليين في الدول الثلاثة. وأضافت القناة أنّ الموقوفين الـ 5 كانوا تلقوا تدريبات في لبنان وعادوا إلى أفريقيا متنكرين في هيئة طلاب متدينين لتحديد الأهداف الإسرائيلية للهجمات، بما في ذلك السياح في رحلات السفاري في تنزانيا.
في وقت سابق من العام 2021، كان مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون قالوا إنّ إيران كانت وراء عملية فاشلة ضدّ سفارة الإمارات العربية المتحدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وأنّه تمّ اعتقال خلية مؤلّفة من 15 شخصاً في إثيوبيا والسودان. وفي سبتمبر 2021، قالت قبرص أيضاً إنّها اعتقلت مواطناً أذربيجانياً بسبب مؤامرة إيرانية لمهاجمة رجال أعمال إسرائيليين هناك.
وفي يناير 2022، ادّعى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أنّ إيران تريد التسلل إلى أفريقيا وتوسيع الإيديولوجية الشيعية في القارة. وقال إنّ إيران تخطط لدخول غرب أفريقيا ونشر العقيدة الشيعية في المنطقة، وتعهّد بوقف محاولات طهران لبسط نفوذها في القارة.
الإرث الدموي
من المؤكد أنّ العميل الإيراني الذي تمّ القبض عليه في تنزانيا لم يكن الأوّل ولن يكون الأخير… فبالإضافة إلى وزارة الاستخبارات الإيرانية، يدير الحرس الثوري الإيراني أيضاً عمليات واسعة النطاق في كلّ أنحاء شرق أفريقيا.
وهنا ثمّة عنصر جديد: الحرس الثوري الإيراني يسيطر فعلياً على القيادة العليا للقاعدة التي تتخذ من طهران مقرّاً لها، بما في ذلك الزعيم الفعلي سيف العدل ومعلّمه الإيديولوجي ومروجه مصطفى حامد. لا يخضع الاثنان للسيطرة الفعّالة للحرس الثوري الإيراني فحسب، بل أصبحا أيضاً أكثر انفتاحاً بشأن إيديولوجيتهما في محاولة إحياء الجهاد العالمي تحت راية ثورة الخميني.
وفي ذلك السياق، تحتل منطقة شرق أفريقيا مكانة خاصة في تاريخ القاعدة، حيث قُتل 224 من الأبرياء وأصيب أكثر من 4500 آخرين في تفجيرات السفارة الأمريكية العام 1998 في نيروبي ودار السلام.
ذلك هو السبب في أنّ الارتباط بين المخابرات الإيرانية والقاعدة يحمل درجة عالية من المخاطر على سلامة منطقة شرق أفريقيا واستقرارها، بما في ذلك كينيا وتنزانيا. وبالتالي، لا يوجد خطر من اليقظة، لكنّ الإهمال يمكن أن يكون مكلفاً للغاية.